أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاهد عزت حرش - محاولة في نقد الديانات السماوية (2)















المزيد.....


محاولة في نقد الديانات السماوية (2)


زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)


الحوار المتمدن-العدد: 6560 - 2020 / 5 / 10 - 10:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




كما اسلفنا في المقال السابق، من أن الديانات جاءت لضرورة اجتماعية اقتصادية، كنوع من رفض واقع احتاج إلى تغيير ما في ترتيب الحياة. وقد استطاع مخترعوها أن يغدقوا عليها ثوب القداسة، حتى تكون بعيدة عن المساءلة والطعن، كونها تعود للاله الأوحد القادر على كل شيء. كما إنها ما زالت هناك مظاهر يتداولها الناس عن معجزات خلقت بقوة الإيمان، منها ظهور القدسين وظواهر اعجازية لا تحمل في معطياتها أي إثبات حقيقي، سوى ما يدلي به من حديث حول ذلك من الذي رأى أو شاهد تلك المعجزة، التي حدثت معه، من دون أن يكون هناك من مجال لضحضها أو الكشف عن حقيقتها، كظهور السيدة العذراء في أماكن معينة، أو رشح الزيت من تمثال للسيد المسيح، أو معجزة حدثت من خلال أحد القديسين، وإلى ما شابه ذلك من أمور وإدعاءات. وبما أن أكثر هذه الأمور تحدث لمعتنقي الديانة المسيحية، وبعضها عند معتنقي الديانات الأخرى أيضًا في اليهودية والإسلام، أجد أنه من الضروري التطرق في هذا المقال إلى الديانة المسيحية، كونها تأتي بموجب التسلسل الزمني بعد الديانة اليهودية التي تحدثنا عنها في المقال السابق.

وحتى نعي ما الذي ربما يساعدنا على فهم توزيع سكان المعمورة حسب الأديان، فإن أخر ما وصلتُ إليه من معلومات حسب ما نُشر بتاريخ الخامس من آب/أغسطس 2019، فيظهر ما يلي: "إن عدد سكان الأرض من أتباع الديانة المسيحية وصل إلى 2.2 مليار نسمة، أي ما يعادل 31.5%، وعدد اتباع الديانة الاسلامية وصل إلى 1.6 مليار نسمة، أي ما يعادل 23.2%، أما اليهود فلم يتجاوز عددهم خمسة عشر مليون أي ما يساوي 0.02%.. وما تبقى من سكان العالم لا يدينون بديانة سماوية/إبراهيمية، فمنهم من يعتنق الهندوسية، واللا دينيون، والبوذية وأديان أخرى كالبهائية والطاوية والسيخ.." وإلى غير ذلك. ومجرد حساب بسيط نستطيع أن ندرك من خلاله أن نسبة المعتنقين للديانات السماوية التوحيدية يصل إلى 54.72%، أي أن ما نسبتهم 45% من سكان العالم لا يعتنقون ولا يؤمنون بالديانات السماوية.. فلماذا تركهم الله ولم يهديهم إلى سراطه المستقيم؟ ومع ذلك وجب الإعتراف بأن الإيمان يريح الانسان، ويعطيه فرصة لأن يسلم أمره لله.. أو بمعنى أدق يسلم قَدرهُ إلى القدر.

الديانة المسيحية
إن الرواية عن بداية ومسيرة إنتشار الديانة المسيحية، من بشارة العذراء وحتى قيامة السيد المسيح، معروفة للجميع تقريبًا.. ولا أرى حاجة في سردها مجددًا. ولكن يبدو أن هناك عبر صفحات التاريخ، ثوابت كثيرة تدل على أنه كان هناك، قبل السيد المسيح، وفي ديانات متعددة، نماذج مطابقة لرواية الحبل بلا دنس والموت والعودة إلى الحياة.. ففي قصة كريشنا الهندوسي ورد أن "ﻭﻟﺪ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 900 ﻭ 1200 ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ على ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ‏(ﻏﻴﺘﺎ‏) وهي ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﺳﻴﺔ، ﻭﻋﻨﺪ المقارنة ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﺳﻴﺔ ‏(ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ 1200 ﺳﻨﺔ) ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ، ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎﺀﻝ، ﻫﻞ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺩﻳﺎﻧﺔ ﺃﻭﺣﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ؟! ﺃﻡ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮﺩ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺑﺸﺮﻯ ﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺛﻨﻴﺔ" (منقول).. وعن أوجه التشابه بين المسيح وكريشنا، ذكرت المصادر عشرات البنود نذكر البعض منها:
"(1‏) ﻭﻟﺪ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﺑﻤﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ﺩﻳﻔﺎﻛﻲ، ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻴﺸﻨﻮ ﺍﻹﻟﻪ. (وبالمثل حملت العذراء من الروح القدس ببشارة الملاك جبرائيل، "ز.ح")
‏(2‏) ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﺗﺪﻓﻊ ﺿﺮﻳﺒﺔ ﺳﻨﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻠﻚ. (وكان الناس يدفعون الضريبة لقيصر، "ز.ح")
‏(3‏) ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻩ ‏(ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻴﻪ‏) ﻧﺠﺎرًﺍ. (وهكذا أيضًا يوسف خضيب مريم، "ز.ح")
‏(4‏) ﻭﻗﺪ ﺣﻀﺮ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻭﺍﻟﺮﻋﺎﺓ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ. (كما حضر ولادة المسيح ثلاثة من المجوس، "ز.ح")
‏(5‏) ﻫﺮﺑﺖ ﺑﻪ ﺃﻣﻪ ﻓﺮﺍﺭﺍ ﻣﻦ ﻃﺎﻏﻴﺔ البلاد. (كما هربت العائلة المقدسة إلى مصر، "ز.ح")
‏(6‏) ﻭﻗﺪ ﻋﻤﺪ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻐﺎﻧﺞ. (كما عُمد المسيح على يد يوحنا المعمدان، "ز.ح")
‏(7‏) ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺜﺔ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻭﻳﺴﻮﻉ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺴﺒﺐ ‏(ﺧﻼﺹ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ).
‏(8‏) ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﻋﺠﺎﺋﺐ ﻣﺜﻞ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺒﺮﺹ ﻭﺍﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﻭﺷﻔﺎﺀ ﺍﻟﺼﻢ ﺍﻟﻤﻜﻔﻮﻓﻴﻦ.(والمسيح أيضًا.. شفى المرضى والمعاقين وأقام الأموات، "ز.ح")
‏(9‏) ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻛﺮﻳﺸﻨﺎ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﺐ.(كذلك السيد المسيح "ز.ح")".
وقد ذَكرَت كثير من المصادر عن أن هناك ما لا يقل عن ستى عشر "مخلص"، الذين يَعتقِد أتباعهم بأنهم صلبوا فداءًا للبشرية. إضافة لما أوردناه سابقًا، يُذكر بعض من ذلك على يد، "ﻋﺎﻟﻢ الدين الأمريكي كيرسي جريفز(1) kersey Graves وما جاء في ﻛﺘﺎﺑﻪ،"منقذي العالم الستة عشر" "في القرن السابع قبل الميلاد غزا نبوخذ نصر أهل مملكة يهوذا، وأخذ يهودها سبايا إلى بابل واختلطوا هناك فتداخلت الثقافات وتم تناقل الأساطير، فكتب السبايا الأساطير الجديدة وضموها مع أساطيرهم القديمة، وسُمّي هذا الكتاب بــ"العهد القديم"، ونقلت هذه الأساطير بدورها إلى الديانة المسيحية ثم إلى الديانة الإسلامية. وفي وقتنا الحالي هذا تُصدّق أغلبية الناس المؤمنون بالديانات السماوية، هذه القصص وتعتبرها قصصًا سماويةً منزّلةً من الإله لا خطأ فيها، وهكذا تنتقل الأساطير الوثنية بجسرٍ حضاريٍ يتمثّل بحادثة معيّنة (كالسبي البابلي) من حضارةٍ إلى أخرى.
وهناك فترة من تاريخ السيد المسيح مفقودة.. وهي ما بين بلوغه الخمسة عشر وحتى بلوغه سن الثلاثين من عمره، وقد ورد في مجلة "الإخاء" السنة الثالثة العدد الخامس الذي صدر في آب/اغسطس 1926 مقالة بعنوان "يسوع المسيح في الهند" جاء فيه: "أذاعت الصحف من عهد قريب أن العلامة الأستاذ نقولا ريبريخ/بوريش، قام برحلة إلى الهند ومنها إلى بلاد التيبت، وهناك عثر في أحد الهياكل البوذية على سفر قديم يرجع تاريخ كتابته إلى الف وخمسمائة سنة ونيف، جاء فيه أن المسيح رحل إلى الهند حيث درس الديانة البوذية وتلقى الفلسفة والعلوم والآداب والتشريع، على علماء البوذية وأن السفر المذكور سيضيف صفحة جديدة على صفحات حياة المسيح على الأرض كانت مجهولة إلى اليوم...!"... "إن عيسى ترك والديه مع بعض تجار من فلسطين وذهب إلى الهند ليدرس قواعد البوذية، ثم رجع إلى وطنه وهو في التاسعة والعشرين من عمره." إن هذه الوثيقة التاريخية تثبت بأن السيد المسيح تأثر بشكل مباشر من الديانة البوذية وأنه إتبع شريعتها في تشكيل ديانته ودعوته الجديدة إلى الله.

لا بد أن نذكر إن الكنيسة المسيحية الشرقية العربية، هي أول كنيسة مسيحية في التاريخ، فقد انبثقت من هذه الأرض وتأسست فيها، وقد كانوا المسيحين العرب على وفاق وعلاقات اجتماعية وثيقة بمن حولهن من شعوب القبائل المجاورة، ولم يحدث أن قاموا بإعتداءات على غيرهم، بل إنهم تعرضوا إلى أعتداءات متكررة من الرومان الوثنيين في الغرب ومن الدولة الفارسية في الشرق.. إضافة إلى اعتداء اليهود الرافضين لدعوة المسيح، والمضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل القبائل والجماعات المدعومة مرة من الفرس ومرة من الرومان أو اليهود. "إن الطائفة الارثوذكسية هي من اقدم الطوائف المسيحية في فلسطين واكثرها عدداً، والكثير من عائلاتها في القدس والناصرة وعكا تعود الى القبائل العربية القديمة من الغساسنة والتغالبة، ومنذ القرن الأول للميلاد وحتى الاحتلال العثماني (سنة 1516) بقيت رئاسة الطائفة وطنية عربية." بيان نويهض الحوت، القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، ص128.. وعليه يجب أن نفرق بين ما إرتكبته الامبراطوريات المسيحية الغربية من جرائم في حق البشرية، منذ بداية غزوها لبلدان العالم وإحتلال بلدان وشعوب عديدة ضمتها الى سلطتها السياسية والاقتصادية (الإستعمار).. وذلك بحجة نشر الديانة المسيحية وتعريف الشعوب على الله الواحد، بينما كان الهدف الحقيق من وراء ذلك الاستعمار هو من أجل فتح أسواق جديدة لبيع منتوجاتها، والأهم سرقة ثروات تلك الشعوب واستعبادها.

وبما أن بلاد المشرق العربي، وخاصة فلسطين كانت مهد الديانة المسيحية ومبتدأ نشأتها، فأن معظم سكان هذه البلاد اعتنقوا المسيحية، بل وعمق هذا الانتماء دخول قسطنطين العظيم في الديانة المسيحية "قسطنطين الأول (27 فبراير 272م - 22 مايو 337م)، هو إمبراطور روماني يعرف أيضا بالإسم قسطنطين العظيم. لقد كان حكم قسطنطين نقطة تحول في تاريخ المسيحية. عام 313م إذ أصدر مرسوم ميلانو الذي أعلن فيه إلغاء العقوبات المفروضة على من يعتنق المسيحية، وبذلك أنهى فترة اضطهاد المسيحيين كما قام بإعادة أملاك الكنيسة المصادرة. بالإضافة إلى ذلك كان قسطنطين قد دعى إلى عقد مجمع نيقية، المجمع المسكوني الأول عام 325م. وفي عام 324م أعلن قراره بتحويل بيزنطة إلى روما الجديدة، وقد قام عام 330 بإعلانها عاصمة رسمية للإمبراطورية الرومانية. وقد تم تغيير اسم المدينة إلى القسطنطينية - على اسمه - بعد موت قسطنطين عام 337. كانت القسطنطينية أول مدينة مسيحية في العالم ولم يسمح بها ببناء معابد وثنية، وبقيت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 1453م حين فتحها العثمانيون وتم تغيير اسمها إلى اسطنبول عام 1930م." (منقول)..

بعد بدء دعوة النبي محمد اهل الحجاز لاعتناق الديانة الاسلامية، وتعاظم شأن رسالته وبدء إعلان الحرب على البلدان المجاورة من الشمال، وفتح مصر وبلاد المشرق العربي، وتوطيد وارساء قواعد سيطرت الامبراطورية الإسلامية على معظم تلك البلاد.. لتثبت مقولة: "قد كان للمنافسة الدينية فضل اشعال الحروب المتواصلة عبر التاريخ." بيان نويهض الحوت، "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين" ص 12. أدى ذلك إلى تحوّل الناس من المسيحية إلى الاسلام، وخاصة تحت وطء فرض الجزية على غير المسلمين، إضافة إلى الحد من حريتهم.. "اصدر الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز (717 – 720 م) المراسيم التي حددت الخلافات بين المسلمين والنصارى (المسيحين).. ومن أبرز تلك المراسيم منع احتلال النصارى للمناصب في الدولة، وعدم قبول شهادة النصراني على المسلم أمام القضاء، ومنع بناء كنيسة أو دير.. وتقرير نسق معين من اللباس والسلوك.. وحسب هذا النسق كان على النصارى أن لا يتشبهوا بالمسلمين، فلا يلبسوا العمامة ويشدوا الزنانير في اوساطهم وغير ذلك.. كما كان عليهم إلا يركبو على سرج بل على اكاف." المؤرح فيليب حتي – تاريخ العرب ص 302. وهكذا مع مرور السنين تقلص عدد المسيحين.. واستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن تم إحتلال (فتح) القسطنطينية عام 1453م. مع العلم أنه في معظم تاريخها، كانت هذه الامبراطورية من أقوى القوى الاقتصادية، الثقافية، والعسكرية في أوروبا. ومنذ هذا التاريخ بدأ منحًا آخر في حياة مسيحي الشرق، أذ زادت الأمور تعقيدًا مع نشوب الحروب ما بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي.. "كان البيزنطيون قد هاجموا سورية في عهد الدولة الاخشيدية (935-969م) فأمر كافور الاخشيدي باضطهاد المسيحيين العرب انتقاماً من التصرفات البيزنطية وأعدم يوحنا السابع بطريرك القدس العربي في ساحة امام البطريركية وهدم العديد من الكنائس، وتكرر هذا الأمر لاحقاً في عهد الدولة الفاطمية. ومن ضمن عمليات الانتقام هذه كان أيضاً هدم كنيسة القيامة في القدس بالاضافة إلى ذبح اعداد كبيرة من المسيحيين" قصة الصراع العربي – اليوناني على قيادة الكنيسة الارثوذكسية، الياس نصرالله، الاسوار – العدد 18 السنة 1998 ص 39. ومع مرور الزمن تفاقمت الأمور إلى حد فاق كل ما مر قبلها، وذلك مع بدء الحروب الصليبية بحجة الدفاع عن الأراضي المسيحية المقدسة. و"هي مصطلح يطلقُ على الحملاتِ العسكريةِ التي انطلقت من أوروبا إلى بلادِ المسلمين، بداعي تخليص الأرض المُقدَّسة (بيت المقدس) من أيدي المسلمين، وسُمِيَت بالصليبية، لأنَّ المقاتلين الأوروبيين كانوا يضعون شعار الصليب على ألبستهم، فانطلقت أولى الدعوات في شهر نوفمبر من العام 1096م، وكان أول من دعا إليها البابا أوربان الثاني، وانتهت بشكلها الضخم المنظم بهزيمة لويس التاسع، هزيمه ساحقه فى مصر سنة 1250م، ووفاته وقت الحمله الصليبيه الثامنه على تونس سنة 1270م." ويروي التاريخ أن المسيحيين العرب قد شاركوا مع إخوتهم المسلمين في الحروب التي تصدوا فيها لتلك الغزوات. "وان معركة اليرموك الفاصلة بين العرب والروم لم تكن لتنتهي بانتصار العرب لولا انضمام قرابة 12 الف مقاتل مسيحي عربي من فلسطين وبلاد الشام إلى جانب خالد بن الوليد ولاحقاً ابو عبيدة الجراح." قصة الصراع العربي – اليوناني على قيادة الكنيسة الارثوذكسية، الياس نصرالله الاسوار – العدد 18 السنة 1998 ص – 37.
لكن الحروب والمضايقات وعوامل أخرى، اثرت وفاقمت في تأزم الاوضاع على جمهور ليس بقليل من المسيحيين، كما وتوترت العلاقات الحياتية/الإجتماعية بين المسيحيين والمسلمين في الشرق العربي المسلم، مما أدى ذلك إلى لجوء المسيحيين للهجرة بحثًا عن ملجئ أو حياة أفضل. "ظل المسلمون يعتبرون الدولة دولتهم ويستسلمون لحكمها، لكونها دولة الخلافة الاسلامية، وظل المسيحيون يشعرون بأنها غريبة عنهم، لأنها تعتبرهم رعايا، ويتوجهون نحو الدولة الاوروبية، لانها تحميهم في كثير من المناسبات، حتى أنها تقدم لهم بعض المساعدات." ساطع الحصري، البلاد العربية والدولة العثمانية، ص 93. ومع تطور الأحداث الدرامية من خلال تعاظم المد السلفي التكفيري الإسلامي، الذي وجد له دعمًا من قوى خارجية إمبريالية وعالمية، كانت تهدف إلى ضرب القوى القومية العربية وإضعاف الوجه الوسطي العقلاني بين المسلمين، والذي من خلاله تمكنت هذه القوى الغريبة من التلاعب بمصائر الشعوب ومقدراتها.. إذ وجدت لها من يعمل لصالحها دون أن تقوم هي بذلك بوسائل أخرى.. وقد أتاح دعمها لقطاعات متعددة من التكفيريين، لأن تؤسس لها جماعات ارهابية تعمل على تدمير العالم العربي.. وبالتالي ساهم ذلك في تدمير الشرائح الوطنية المسيحية التي تعيش في الشرق، حتى انخفض تواجد المسيحيين العام إلى أقل من عشرة بالمائة، وحتى إلى أقل من ذلك بكثير في عدد من الدول العربية الإسلامية.
هناك الآف القصص عن تجاوزات واعتداءات على المسيحيين، خاصة في مصر، كما حدثت عدة اعتداءات عليهم في الاراضي الفلسطينية المحتلة من قِبل أخوانهم المسلمين.. وقد تم التغطية عليها من باب منع تفاقم الأمور، ومرد ذلك إلى أن المؤسسات الرسمية الحكومية في عدد من الدول العربية تعتبر المسيحيين رعايا غير كاملي الحقوق. وبالامكان أخذ الجمهورية العربية السورية كمثال ساطع وإيجابي في اعتبار المسيحين مركب أساسي من مركبات المجتمع السوري، وعلى الرغم مما حدث في سوريا من اعتداء دولي امبريالي مدمر، تم تنفيذه بتجنيد مرتزقة من دول عدة، إلا أن الاعتماد على التخلف السلفي التكفيري كان له الدور الأكبر في تنفيذ هذه الحرب القذرة على سوريا، ومع ذلك وعلى الرغم من استمرار الحرب لسنوات، إلا ان المسيحيين، بدعم من الدولة السورية الوطنية، استطاعوا البقاء والاستمرار بالعيش بكرامة في وطنهم الأم سوريا. وبناءً عليه فلو افترضنا جدلاً، أن باقي الدول العربية تعاملت مع الوجود المسيحي، على أنه جزء لا يتجزء من مركبات شرائح المجتمع الوطني، لكان ذلك سيشكل جدار من التحدي يتصدى للحد من تفاقم الخلافات.. بل وأكثر من ذلك كان سيشكل جدارًا وطنيًا أمام التدخل الغربي المجرم، لأنه حينا لن يكون هناك مجال للغطرسة الدينية العنصرية بين أبناء الشعب الواحد.
لا أحد يستطيع أن ينكر دور المثقفين العرب المسيحيين في دفع مسيرة النهضة العربية في الدول الواقعة على شواطئ المتوسط. "إن تعليم الادب العربي واللغة العربية وجد موئلاً في المدارس الاجنبية والمدارس المسيحية الطائفية، فأنتشر تعليم الادب العربي بين المسيحيين اكثر من انتشاره بين المسلمين. لأن العرب المسلمين لم يؤسسوا مدارس خاصة بهم، بل ظلوا يرسلون اولادهم إلى المدارس الحكومية (الاميرية)... ولغة التعليم في المدارس الحكومية كانت اللغة التركية." ساطع الحصري – البلاد العربية والدولة العثمانية ص 93. هذا عدا عن الدور الذي قام به العديد من المثقفين الوطنيين الذي لا يتسع المجال لذكر اسمائهم هنا، والقصد من سرد هذه المعطيات هنا، لا يأتي بهدف كيل الاتهامات لطرف دون آخر، إنما لإثبات أن انتماء المسيحيين العرب لقومتهم العربية ولعروبتهم لم يأتي من العدم.. بل لأنهم أبناء هذه الأرض ولأنهم وجدوا انفسهم أقرب إلى العرب والمسلمين خاصة.. منهم إلى الغرب، ولو أن المسلمون، كدولة ونظام، تعاملوا مع هذا المكون على اساس وطني قومي يعرُبي.. لكان ذلك ساهم بشكل افضل في عملية التصدي للغرب ولدعاة التفرقة العنصرية الإثنية. كما كان سيغلق الباب أمام دعاة الهجرة من المسيحيين، ووقف سدًا منيعًا في وجه أولئك الأفاقين الذين يحاولون الإصطياد في المياه العكرة من كلا الطرفين. والأهم من كل ذلك كان سيفصل أي علاقة مفبركة بين المسيحيين الشرقيين العرب والمسيحيين الغربين الاوروبيين والامريكيين.. وهنا بيت القصيد، في حال كنا نجحنا في ذلك كنا سنقضي على أي تصور أو شعور يربط المسيحيين العرب بأية علاقة سياسية مع الامبريالية الغربية.. كما كان سيضع أمامنا الصورة واضحة بأكملها، عمن تعاون وتحالف مع الغرب والصهيونية وأتاح لهما تمرير اغتصاب فلسطين وتهجير شعبها. "إذا كان العقل الحقيقي والعدالة الحقيقية لم يحكما العالم حتى الأن، فلانهما لم يُفهَما الفهم اللازم." فريديرك انجلس "الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية"، ماركس انجلس، مختارات ج 3 ص 71. وإستنادًا لهذه المقولة الفلسفية فإن عقلنا الحقيقي وعدالة إنتمائنا لم نفهمهما بشكل أصيل وحقيقي، كي نكون قادرين على مواجهة المؤامرة الكبرى.. ومواجهة كافة المؤامؤات التي توالت وما زالت تتوالى على شعوبنا.
لقد كان، ولا يزال، للدين دور أساسي في التلاعب باحساس ومشاعر الجماهير العربية وعاطفة أبنائها، بدعم من الأنظمة الرجعية المتخلفة، والتي كان ولا يزال هدفها السيطرة على الشعوب العربية وسوقها كالأغنام إلى مذبح الامبريالية والصهيونية.. مقابل الحفاظ على سلطانهم وسيطرتهم على رقاب العباد. وأن إي إتهام للمسيحية بدعم الصهيونية هو إدعاء خال من الحقيقة.. "لقد حدد الراب موسى ابن ميمون موقفه من النصرانية(المسيحية) على أنها ديانة وثنية. بعكس نظرته إلى الإسلام الذي اعتبره أنه الايمان الطاهر بالتوحيد.. ومع ذلك فهو يمقت الإسلام أكثر من المسيحية." يشعياهو ليفوفيتش "العالم وما يحتويه" ص 62. وهذا أكبر دليل على أن لا علاقة للمسيحية بالصهيونية اليهودية، إلا من باب المصالح المالية الرأسمالية، التي يقبض على زمام أمورها اكبر العائلات اليهودية في امريكا. "اذ أن الدين هو عنصر تفرقة، لا بحد ذاته، بل لأن رؤساء الدين يبذرون الشقاق بين الناس، مما يُبقي المجتمعات ضعيفة. والأمم تقوى بمقدار ما يضعف الدين." شبلي الشميل "فلسفة النشوء والارتقاء" ج 2 ص 40. وهذا ما تحتاجه الأمة العربية قبل أي شيء آخر.. وما يحتاجه الفلسطينيون بالذات، من أجل اعادة الصراع العربي الفلسطيني إلى مربعه الأول، الصراع السياسي الوطني واسقاط الصراع الديني والحد من تفاقمه.

(1) كيرسي غرافيس (21 نوفمبر 1813 في براونزفيل، بنسلفانيا - 4 سبتمبر 1883 في ريتشموند بولاية انديانا كان) مشككين، ملحد، عقلاني، روحاني، وهو الذي كان يحظى بشعبية على تفكيره الحر الدائر في القرن التاسع عشر.

يتبع
شفاعمرو – ايار 2020



#زاهد_عزت_حرش (هاشتاغ)       Zahed_Ezzt_Harash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة في نقد الديانات السماوية (1)
- ما بين برهوم والبلاشفة (3)
- ما بين برهوم والبلاشفة (2)
- ما بين برهوم والبلاشفة (1)
- سيرة وانفتحت مع -سيرة حكواتي من فلسطين-
- كلاب الغاب وقانون الارهاب
- دَخّلَك.. على شو داعمينوا
- موعد الجفاف
- غزة 2018
- حين يرسم القلب تجليات عشقٍ ووطن
- نَبْع الّهَوَى زاهد عزَّت حرَش
- ليّش يا دكتور مروان
- يا بحر حيفا
- للارض ذاكرة البقاء
- رسالة الى الكاتب الرفيق الياس نصرالله
- قصائد
- جزاء العاشقات في زمن النفاق
- آن الأوان
- مات الهرم - لروح سلمان ناطور
- يا يحر حيف


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاهد عزت حرش - محاولة في نقد الديانات السماوية (2)