|
الاستثمار الخارجي في تونس أكذوبة لتبرير التبعية والاستغلال والفساد
جيلاني الهمامي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 6557 - 2020 / 5 / 7 - 23:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستثمار الخارجي في تونس أكذوبة لتبرير التبعية والاستغلال والفساد
كثيرا ما قيل أن لا إمكانية لتحقيق تنمية اقتصادية في تونس من دون استثمارات أجنبية. وتستعمل هذه المقولة كحقيقة أبدية مسلّم بها من الجميع تقريبا. فقد أصبح التعويل على نمط التنمية الخارجي modèle de croissance exogène الذي ينبني على استجلاب الاستثمارات الخارجية والإنتاج للتصدير هو القاعدة والنظرية الاقتصادية الرسمية. ويلقى هذا النمط نوعا من التأييد من الكثير من السائرين في فلك السلطة ساسة واقتصاديين وإعلاميين من مختلف المرجعيات الفكرية والرؤى والتنظيمات السياسية. وفي ظل الجهل العام بقوانين الاقتصاد السياسي تلقى الدعاية لهذه الفكرة رواجا واسعا جدا في الأوساط الشعبية فتصدقها وترددها بسطحية وبكثير من الوثوقية حتى تبدو وكأن هذه المقولة صحيحة في المطلق وغير قابلة للدحض خاصة عندما تستخدم بعض المعطيات الواقعية استخداما موجها لتكييف وعي الناس. من هذه المعطيات التبريرية أن تونس بلد صغير ولا يتزفر على موارد نفطية ومنجمية كبيرة وما شابه ذلك.
أعتمد هذا النمط منذ العهد، في عهد بورقيبة كما في عهد بن علي وقامت مؤسسات الدولة والدعاية الرسمية بعمل دؤوب وبدعاية متواصلة لترسيخ هذه الفكرة لا فقط لدى العامة بل وحتى لدى أوساط من النخبة بما في ذلك لدى بعض الأحزاب السياسية خاصة ذات المرجعية الليبرالية.
وقد تبين من المعطيات التي تم الكشف عنها في فترات متلاحقة في السابق كما في عهد حكومات ما بعد الثورة أن العديد من التمويلات الخارجية إنما كانت واحدة من أبرز مصادر صنع الثروة الخاصة لرموز النظام الذين إما استحوذوا على الأموال المستجلبة أو دخلوا كشركاء في المشاريع المقامة لملء جيوبهم بعائداتها.
لقد عوّل النظام على منوال تنمية يتخذ من الاستثمارات الأجنبية مصدرا أساسيا لتمويل الخطط التنموية والمشاريع الاقتصادية. ويعود هذا التوجه إلى مستهل سنوات السبعينات من القرن الماضي حيث تم تدشينه بسن قانون افريل 1972 ثم قانون 1974. وتتالت التشريعات في ذات الاتجاه بدعوى تنشيط الاقتصاد وتشجيع التصدير ونقل التكنولوجيا. وجاء برنامج الاصلاح الهيكلي الذي أملاه صندوق النقد الدولي وتبنته حكومة صفر صائفة سنة 1986 ليكرس هذا التوجه كخيار رسمي وصريح للدولة التونسية بما أنه كان فرض على الحكومة جملة من الإجراءات من أهمها توجيه الاقتصاد نحو التصدير لتحسين الموازنات العامة للدولة ومعالجة أزمة المالية العمومية لتمكينها من تسديد الديون الخارجية التي فاقت آنذاك 5 مليار دولار.
كان إذن برنامج الاصلاح الهيكلي هو القاعدة والإطار الذي بنى عليه بن علي عند توليه الحكم جميع الخطوات اللاحقة لفتح الحدود التونسية أمام البضائع الاستثمارات الخارجية. وتم تقنين هذه التوجهات في مجلة التشجيع على الاستثمار الصادرة سنة 1993 والمنقحة تباعا سنوات 1999 و2001 و2009 وحتى سنوات ما بعد الثورة (القانون عدد71 لسنة 2016 مؤرخ في 30 سبتمبر 2016 المتعلق بقانون الاستثمار) وفي جملة القوانين والاوامر الصادرة في المجالات المصاحبة مثل مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين وعلى الشركات ومجلة الديوانة وغيرها.
وكما هو معلوم وضعت بمقتضى أحكام هذه القوانين عديد التدابير والآليات لفائدة رأس المال المحلي والأجنبي لتشجيع الاستثمار. من هذه التدابير استحثاث عملية خوصصة المؤسسات العمومية نجمت عنها أضرار جسيمة بها وبمجمل الاقتصاد التونسي وبالعاملين فيها على وجه الخصوص. ومنها أيضا التسهيلات المتنوعة والعديدة لأصحاب رأس المال الأجنبي الذين إما قبلوا بشراء هذه المؤسسات أو بالانتصاب على التراب التونسي وبعث مؤسسات جديدة.
وتتوزع هذه التسهيلات على ثلاثة أصناف كبرى، تسهيلات جبائية ومالية واجتماعية. وتتضمن التسهيلات الجبائية الطرح الكامل للأرباح المتأتية من النشاط من الأداء والإعفاء من تسديد معاليم التسجيل وحق تسويق جزء من إنتاجها في السوق المحلية (وصل بالنسبة للبعض إلى 50%) والإعفاء من الأداء على التجهيزات الموردة لصالح المشروع وعدم دفع الضريبة على القيمة المضافة عند شراء التجهيزات والإعفاء من دفع الضريبة على الأرباح.
وتتمتع الاستثمارات الأجنبية والمشاريع الموجهة كليا أو جزئيا للتصدير بتسهيلات مالية تتمثل في التمتع بمنحة مساعدة لإقامة المشروع وحق فتح حساب بنكي جاري بالعملة الصعبة في الخارج وكذلك في البنوك والمصارف المحلية وحق استقدام 100 % من رأس مال المشروع من الخارج كمساهمة فيه.
أما الصنف الثالث من التسهيلات وهو التسهيلات الاجتماعية فتتضمن حق تشغيل اليد العاملة التونسية بواسطة عقود تدخل صمن " النظام الاجتماعي التفاضلي " مثل عقود الإدماج في الحياة المهنية SIVP وعقود إدماج أصحاب شهادات التعليم العالي CIDES وعقود التأهيل للحياة المهنية CAIP. وإلى جانب ذلك تتمتع هذه المشاريع على الصعيد الاجتماعي بمساعدة هياكل الدعم التي تم بعثها للغرض (مكاتب التشغيل ...) وبسن أجور منخفضة وعدم التقيد بأحكام قانون الشغل والاتفاقيات المشتركة والاتفاقيات الخاصة بالمفاوضات العامة حول الأجور وأخيرا بحق صاحب المشروع في استجلاب كل إطارات التسيير والإدارة من الخارج.
وحسب التشريعات الحالية (قانون الاستثمار لسنة 1989 الاستثمار كما تم إتمامها وتنقيحها حتى سنة 2016) فإن هذه التسهيلات تشمل كل أصناف المشاريع سواء عند الأحداث أو التوسعة أو التجديد أو إعادة التهيئة أو تغيير نوعية النشاط. وهي أيضا تشمل كل هذه الأصناف في جميع أنشطة الإنتاج والخدمات في الصناعة والفلاحة والصيد البحري وفي السياحة والصناعات التقليدية والنقل والتربية والتعليم والتكوين المهني والإنتاج الثقافي وتنشيط الشباب والطفولة والصحة وحماية البيئة والمحيط وفي التنمية العقارية وغيرها من أنشطة الخدمات غير البنكية والمالية. يضاف إلى ذلك حزمة التسهيلات التي أقرتها الحكومة لمواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية إثر انهيار البورصة في أكتوبر 2008 وما تلاها. وفي كلمة فإن جميع فروع الاقتصاد التونسي الإنتاجية منها والخدماتية أضحت مفتوحة تماما للاستثمار الخارجي بتوفر التسهيلات التي عددناها آنفا. وهو ما يعني أن النظام التونسي، قبل الثورة وبعده وفي ظل كل الحكومات على اختلاف انتماءاتها الحزبية، قد فتح الباب على مصراعيه للرساميل الأجنبية لتغزو اقتصادنا ولتمسك بعصبه الإنتاجي والخدماتي ولتتحكم فيه كما يحلو لها ولتستفيد منه.
فما انفكت الحكومات المتعاقبة تلهث وراء الرساميل الأجنبية ساعية لاستجلاب أصحاب الشركات الأجنبية لبعث مشاريع في تونس ورغم ما قدمته من امتيازات وتسهيلات فإنها لم تفلح في تحقيق غايتها إلا بصورة محدودة ذلك ان حجم مبالغ الاستثمارات الأجنبية ما انفك يتراجع لضعف جاذبية الاقتصاد التونسي حيالها (تردي البنية الأساسية، سوء مناخ الاستثمار وتفشي الفساد، تخلف الإدارة الخ...). وفي ظل العودة التدريجية إلى السياسات الحمائية والتوترات التجارية شهدت الاستثمارات الأجنبية تراجعا حتى في البلدان المتقدمة لكن يبقى أثر هذا التراجع بطبيعة الحال أشد على الاقتصاديات الضعيفة مثل اقتصادنا. ففي سنة 2019 سجلت تونس استثمارات مباشرة بقيمة 2648 مليون دينار بنسبة تراجع بـ 8 % مقارنة بسنة 2018. وبصورة عامة تقهقرت مرتبتها على المستوى العالمي إلى المرتبة 80 (من جملة 170 دولة) السنة الماضية بينما كانت سنة 2010 في المرتبة 69 لأنها فقدت ثقة كبرى الشركات والمجمعات الرأسمالية الباحثة عن فرص استثمار لإعادة توطين رساميلها وتحقيق نسب أرباح أكبر.
ولسائل أن يسأل ماذا كانت حصيلة هذه الخيارات من الناحية الاقتصادية وماذا جنت منها البلاد بعد حوالي أربعين سنة من الإصرار على المضي في تطبيقها؟ وإلى أي مدى مكنت البلاد من تنشيط الاقتصاد وتلبية طلبات الشغل ونقل التكنولوجيا كما كانوا يدعون؟
تفيد الأرقام الرسمية المتوفرة الآن أن منظومة الحكم القديمة الجديدة أقدمت، في إطار تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي، على تفكيك النسيج الإنتاجي الصناعي حيث تمت خوصصة أكثر من 250 مؤسسة عمومية وبيعها للخواص، أجانب ومحليين مرتبطين بالخارج. وإلى جانب ذلك فمن جملة حوالي 6 ألاف مؤسسة عاملة في تونس 3486 منها مؤسسة اجنبية (سنة 2019) منها 1400 مؤسسة فرنسية (إيطاليا في المرتبة الثانية وألمانيا في المرتبة الثالثة) وتوفر هذه المؤسسات أكثر من 386 ألف موطن شغل انتصبت في غالبيتها في تونس العاصمة والمناطق الساحلية بينما يبقى حضورها في المناطق الداخلية بشكل محدود لا يتجاوز نسبة 5% بجهة الشمال الغربي. ومع ذلك فإنها لا تساهم إلا بنسبة 5 % فقط في الناتج الداخلي الخام رغم أنها تستأثر بأكثر من 52% من القطاع الصناعي.
تنشط هذه المؤسسات في قطاعات النسيج والجلود والاحذية وبعض الصناعات الكهربائية والميكانيكية وقطاع والإلكترونيك والاتصال واقتحمت منذ سنوات قطاع غيار الطائرات والسيارات. وخلاف ما يذهب في الظن فإنها لا تصنع لتونس قاعدة اقتصادية صلبة لأسباب كثيرة. فهذه الاستثمارات لا تتجه إلا إلى قطاعات محددة ذات قيمة مضافة عالية وتوفر أرباحا مباشرة. وفي المقابل من ذلك فإنها لا تساهم في التراكم وتنمية القدرات الاقتصادية. وقد أكد التقرير السنوي للبنك المركزي لسنة 2018 أن تكوين إﺟﻤﺎﻟﻲ ﺗﻜﻮﯾﻦ رأس الثابت قد عرف سنة 2018 نموا بنسبة 7,9 % (ﺑﺤﺴﺎب اﻷﺳﻌﺎر اﻟﺠﺎرﯾﺔ) ناتج عن نمو الاستثمارات في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والصناعات المعملية التي لا يقبل عليها الاستثمار الخارجي. ومن المعلوم أن المشاريع الأجنبية تصدر القيمة المضافة التي تنتجها (أرباحها) إلى البلد الأم (أو الى الجنات الضريبية) ونادرا ما تستعملها في التوسعة وهي هي الأخرى عملية لا يستفيد منها الاقتصاد التونسي في شيء. لذلك يمكن القول إن هذه الاستثمارات تحد في جوهر الامر من نسق التراكم الاقتصادي والمالي وتعطّل عملية النمو ككل. هذا علاوة على أنها لا تسمح للاقتصاد التونسي بالاستفادة إلا بصورة محدودة جدا من التقنية الصناعية التي تجلبها معها عند الانتصاب هنا في بلادنا. وغني عن القول إن دافعها الرئيسي (وهو الدافع لكل عملية إعادة توطين رأس المال على النطاق العالمي) هو الاستفادة من تدني أجور اليد العاملة التونسية ومن ضعف تشريعات العمل وغياب الحريات والحقوق النقابية وأحيانا من استشراء الفساد. فالاستثمارات الأجنبية عامة ما تلجأ للبلدان الشبيهة ببلادنا للهروب من كلفة الإنتاج في بلدانها الأصلية وبحثا عن كلفة اقل هذه الكلفة التي تمثل فيها الأجور (رأس المال المتغير بصورة أعم) نصيبا مهما. فكما هم واضح فإن النزعة الاستغلالية الطبقية والوطنية هي المحرك الرئيسي لحركة رؤوس الأموال من بلد إلى آخر. لذلك لا يمكن لبلد مثل بلادنا، على محدودية إمكانياته الاقتصادية، أن يجد في هذه الاستثمارات الأداة والسبيل لنهضة اقتصادية حقيقية بقدر ما يتوجب عليه أن يبحث في كيفية استخدام إمكانياته المادية والبشرية لتحقيق هذا الهدف.
وللتدليل على ذلك علينا ان نستعرض ولو بإيجاز حالة اقتصادنا اليوم من زاوية بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية، من زاوية مؤشرات نسب النمو والتضخم والبطالة وعجز الميزان التجاري مثلا. فالأرقام الرسمية الرائجة بخصوص هذه المؤشرات لا تعكس حقيقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. إذ أن نسبة النمو المصرح بها 1.1% لسنة 2019 هي نسبة مضخمة باحتساب نسبة الزيادات في الأجور (أي الاستهلاك) ولا تترجم حقيقة الإنتاج المادي للخيرات. ولو اقتصرنا على في احتساب نسبة النمو على نمو الإنتاج الداخلي الخام للخيرات المادية واللامادية لوجدنا ان نسبة النمو هي في الحقيقة سلبية وتزيد عن – 3 % (3 تحت الصفر). اما بالنسبة للبطالة فإن الأرقام المقدمة (15.3%) بعيدة كل البعد عن الحقيقة ذلك أن لو أخذ في الاعتبار كل الذين لا يعملون إلا بضعة أيام او أشهر في السنة علاوة على النساء اللاتي مهنتهن " شؤون المنزل " لوجدنا ان النسبة لن تقل عن 30%. اما بخصوص التضخم فإن نسبة 6.8% التي يقع احتسابها فقط على أساس مؤشر أسعار استهلاك المواد والخدمات من طرف العائلات هي نسبة مغالطة ولو تم احتساب مؤشر أسعار استهلاك والمواد والخدمات من طرف المؤسسات لوجدنا ان النسبة لن تقل عن 10%. وعلى غرار ذلك فإن احتساب صادرات الشركات غير المقيمة ضمن الصادرات التونسية والحال انها لا تمثل في الحقيقة صادرات لأن عائداتها لا تدخل للخزينة التونسية من شأنه أن يقلل من نسبة عجز الميزان التجاري وهي في الحقيقة نسبة مضاعفة لما يقع الإعلان عنه.
كل المعطيات والمؤشرات تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك في أن " تدفق " الاستثمارات الأجنبية على " الجنة الاستثمارية " في تونس كما كانت الدعاية الرسمية ولا زالت تروج له طوال عقود من الزمن لم تحول تونس إلى نمر اقتصادي بقدر ما زادت في تقويض أسسه وتفكيك أنسجته وتعميق تخلفه ولم تحل معضلة البطالة بقدر ما زادت في تعقيدها ولم تمكن البلاد من تطور تقني بقدر ما زادتها تخلفا وارتهانا بالخارج.
إن تونس في حاجة إلى خيارات اقتصادية مغايرة تماما تبني اقتصادا جديدا له مميزات مختلفة. إنها في حاجة لاقتصاد وطني مستقل عن دوائر رأس المال الأجنبية النهابة والاستغلالية، دولا ومؤسسات ومستثمرين خواص. تونس في حاجة لاقتصاد مستقل ينبني على استغلال مقدراتنا الماديّة وعلى كفاءاتنا البشرية ومهاراتنا التقنية المحلية. اقتصاد مستقل يعوّل أساسا على استثمارات رأس المال الوطني غير المرتبط بالدوائر الأجنبية الذي يوظف القيمة المضافة لجميع أنشطة الاقتصاد، صناعة وفلاحة وخدمات، في تطوير قطاعات الانتاج والبنية التحتية وحاجات الشعب. اقتصاد مستقل ولا يلجأ للاستثمارات الأجنبية إلا عند الضرورة وبشروط تخدم مصلحة البلاد وتساعد على جلب التكنولوجيا وتحقيق التشغيل ولا تمس من استقلال الوطن. اقتصاد مندمج تكون فيه الصناعة في خدمة الفلاحة والفلاحة في خدمة الصناعة وله خدمات إدارية ومالية ( بنكية وتأمينية وتكنولوجية ) في صالح الصناعة والفلاحة. اقتصاد مندمج يطوّر مختلف الجهات كل حسب خصائصها ومميزاتها ويطوّر من مختلف الأقطاب الجهوية كلاّ اقتصاديا متكاملا. اقتصاد تحقق فيه كل الأنشطة درجة اندماج عالية بعموم المنظومة الاقتصادية الوطنية. اقتصاد يعتمد على بنية أساسية جيّدة (طرقات عصرية وخطوط سكك حديد مكهربة، شبكة كهرباء شاملة وشبكة اتصالات هاتفية عصرية وشاملة وسدود وشبكة ماء والتصريف الصحّي الخ...) تتنقل فيه البضائع والمواد والقوى العاملة بسهولة وبتدفق كبير. اقتصاد تتوازن وتتفاعل فيه عوامل الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار بصورة جيدة. يستهلك فيه المواطنون ممّا ينتجون وتستثمر الدولة والخواص في جميع المجالات. اقتصاد موجه إلى إنتاج ما يحتاج الشعب وليس للتصدير إلاّ ما زاد على حاجة الاستهلاك الداخلي. اقتصاد وفرة يحقق فيض إنتاج قادر على استيعاب كل الطلب الداخلي بشكل يوازي العرض العام للبضائع والمنتوجات حجم الطلب أو يفوقه بحيث يكون بمقدور الدولة والسوق الحفاظ على مستوى متحكم فيه للأسعار وبما لا يضعضع المقدرة الشرائية للمواطنين ويمنع كل منازع الاحتكار والمضاربة. اقتصاد يحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي والاستقلالية في المواد المصنعة وشبه المصنعة. اقتصاد يستجيب للحاجات الآنية والمتنوعة للمواطنين ولكنه يدّخر ويضمن للأجيال القادمة قاعدة اقتصادية قادرة على ضمان مستقبلا معيشتهم وكل حاجاتهم. اقتصاد قادر على استيعاب كل طلبات الشغل وعلى الاستفادة من كل الخبرات العاملة والتقنية والعلمية النسائية والرجالية. نريده اقتصادا يوفر الخدمات الاجتماعية الجيدة وعدد من المساكن والمستشفيات والمدارس والمعاهد والكليات ورياض الأطفال ووسائل النقل والمنتزهات والنزل والملاعب ودور الثقافة والمسارح ودور السينما وقادر على تمويل هذه الخدمات ومتحكم في أسعارها حتى تكون في متناول الجميع وخاصة الطبقات الشعبية. نريده اقتصادا يحمي البيئة والطبيعة وحافظ للصحة من التلوث. اقتصاد متطور يعتمد على آخر مبتدعات العلم والتقنية ويرصد للبحث العلمي والمختبرات العلمية ما يلزم من الاعتمادات المادية والبشرية. يربط التربية بالتعليم والبحث بالحاجات لتطوير الإنتاج وتنظيم العمل وتيسير التحكم في السيرورات الإنتاجية. اقتصاد يقيم للتنظيم العلمي للإنتاج ولأداء العمل ما يلزم من أهمية وعناية. هذه هي الخصائص والمميزات العامة للاقتصاد الذي نريده لاقتصاد بلادنا، هذه الخصائص والمميزات التي يقع تجسيدها في إجراءات وقرارات سياسية وعملية وفق الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة الان والممكن توفيرها مستقبلا أخذا بالاعتبار طبيعة الصعوبات التي تميز المناخ الاقتصادي والسياسي والتجاري الدولي والإقليمي والمحيط بنا. إن بلادنا تمتلك المقدرات المادية الاقتصادية والمالية الكافية والطاقات والكفاءات الضرورية لكي يكون اقتصادنا اقتصادا مستقلا، مندمجا، متوازنا، في خدمة الشعب ويعتمد على العلم وعلى آخر ما توصلت إليه البشرية من معرفة وتقدم.
تونس في 29 أفريل 2020
هوامش ( * ) أنظر القانون " مجلة التشجيع على الاستثمار" عدد 120 لسنة 1993 بتاريخ 27 ديسمبر 1993 والقوانين المنقحة والمتممة له : القانون عدد 4 لسنة 1999 بتاريخ 11 جانفي 1999 القانون عدد 42 لسنة 2001 بتاريخ 18 أفريل 2001 القانون عدد 82 لسنة 2001 بتاريخ 24 جويلية 2001 القانون عدد 5 لسنة 2009 بتاريخ 26 جانفي 2009
#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد تأجيل ديون 25 بلدا هل تقتنع الحكومة؟؟
-
حكومة الفخفاخ والمضي قدما في التداين
-
إلى الرئيس قيس سعيد : «عليك أن توضح خفايا زيارة أردوغان الفج
...
-
إلى أين تسير البلاد؟؟
-
المخطط الجديد التشخيص والأهداف والآليات، ما الجديد؟
-
تونس تعيش أزمة حكم
-
الجبهة الشّعبيّة تزرع زنابق غرّة ماي وبشائر الأمل
-
فشل الحكومة... فشل منظومة
-
الوحدة الوطنيّة لا يجب أن تكون شعارا دون مضمون
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|