أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين الحاج صالح - إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...















المزيد.....

إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:51
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هل سوريا في سبيلها إلى عقد ثمانينات جديد؟ نهجس بالسؤال القلق في كل مرة تبدو الأحوال السورية متجهة نحو تجديد مناخات القطيعة والانفصال النفسي والعنف المكتوم، في كل مرة تتعارض قراءات السوريين لحاضرهم تعارضا واسعا، يذكّر بأن صدام أواخر السبعينات كان في وجه أساسي (ومهمل) منه صداماً فكريا. أيار 2006، مثل "أيار الأسود" 2005، ينعش الهاجس.
كانت الثمانينات السورية عقد قمع فائض متمرد على أي قياس، قمعا تخطى حاجات الحكم الأمنية أو مقتضيات "المعقول الأمني"، إن جاز التعبير، ليطل على أفقين: أفق انبعاثات اللاشعور السياسي وما تختزنه من نزعات لاعقلانية عنيفة ومدمرة من جهة، وأفق الاقتصاد السياسي للقمع وما يتصل به من هيكل جديد لاستقطاب الثروة والنفاذ إلى الموارد الوطنية ومن تراتب طبقي جديد تماما من جهة أخرى. ومن غير موقع هذه الإطلالة المزدوجة، لا نرى كيف يمكن فهم فائض العنف الرهيب الذي لم تتمكن سوريا بعد من تصريفه أو نزع آثاره، حتى بعد انصرام قرابة ربع قرن على أعلى ذراه.
ومهما بدا ذلك غريبا فإن تلك المرحلة لم تدرس بصورة جدية بعد. وليس السبب الأهم لذلك أن المرحلة تلك لا تزال ملفعة بالخوف والرهبة، إلا بقدر ما يدل التلفيع هذا أننا مقيمون فيها لم نبرحها أو نكرمها بالدفن. ويتعزز مفعول الرهبة بفعل الحضور المفرط لقراءتين اختزاليتين: قراءة إيديولوجية تجعل من نزاع تلك المرحلة حلقة باكرة بعض الشيء للصراع العنيف بين الإسلاميين والسلطات "العلمانية" العربية، أو محض تفجر لا عقلاني لأحقاد ومخاوف أهلية، يغني وصفها بالبدائية أو الوحشية عن دراستها وفهمها؛ وقراءة حقوقية تخترلها إلى ملفات معتقلين ومفقودين ومهاجرين ومحرومين من حقوقهم المدنية وما إلى ذلك. القراءة الأولى اختزالية لأن الحقل السياسي والإيديولوجي لتلك الفترة أغنى بكثير من الصورة الشائعة عنه، الصورة التي تسقط دور المثقفين والطلاب والنقابات والأحزاب السياسية وجمهور متنوع غير منظم.. لتقتصر على الثنائي العنيف: الإسلاميون والنظام. وهي الصورة التي يفضلها كلا الطرفين، كل لأسبابه. والثانية اختزالية لأنها تطمس الرهانات السياسية والفكرية الجوهرية لصراعات تلك المرحلة، الرهانات المستمرة اليوم، وراء اعتبارات حقوقية تكاد تفخر بأنها لا تبالي بالسياسة.
وتشترك تينك القراءتان في اعتبار "أزمة الثمانينات" شيئا وقع قبل ربع قرن وانتهى، شيئا منقضيا.
والحال، إن النظام هو الطرف الأساسي الذي يعرف أحسن من ذلك: "الأزمة" لم تنته، والنزاع مستمر. وهو مستمر كذلك على جبهة تأويل ما جرى قبل ربع قرن، إدراكا من الجميع أن فوز هذا التأويل للماضي أو ذاك حاسم من أجل شرعيات الحاضر المستقبل. وكل ما جرى خلال السنوات الستة الماضية من امتناع متكرر من قبل النظام عن مقاربة الجوهر السياسي لنزاعات تلك المرحلة، ورفض صريح متكرر بدوره لمبدأ المصالحة الوطنية وتضميناته، يشير إلى موانع بنيوية عميقة تحول دون وضع نقطة النهاية لتلك المواجهة التأسيسية الدامية. فقد تبنين الصراع وتعضى في أجهزة وثقافة، وتجاوزه يقتضي لا أقل من تفكيك أجهزة قائمة ومواجهة ثقافة مستقرة. وعند الكلام على ثقافة نفكر في "صراع التأويلات"، كما في ما نسميه انشقاق الذاكرة الوطنية حيال تلك المرحلة، الانشقاق الذي ينشط في إعادة إنتاج ذاته بنسخ وفيرة كلما أخذت الأوضاع الداخلية والإقليمية في التأزم، ويسلك خطوطا أهلية. وما نشعر بأهمية الإلحاح عليه اليوم هو أن البلاد لم تواجه وقتها ما قد يسمى صراع العصبيات؛ ما وقع بالأحرى هو تعصيب متفاوت الخفاء لصراع كانت محركاته وحوافزه تتصل بهياكل السلطة والثروة والمعنى القائمة وقتذاك (واليوم). كانت العصبيات أدوات في الصراع وليست فواعله الطبيعيين؛ وكان التعصيب عملية "نقل للوعي" واستنفار تولتها "نخب" و"طلائع" في سياق بلورة استراتيجية تعبئة وتجييش من أجل السلطة والثروة والمعنى، ولم يكن بحال "تجليا" بديهيا لوعي عصبي خالد.
نريد القول إن الماضي يبقى حاضرا إن تكفلت أجهزة وثقافة وملاكات بشرية في "إحضاره". هذا يتيح لنا فهم معاصرة "الفتنة الكبرى" لنا حتى اليوم في العراق. ويتيح فهم استنفار حجج عمرها 100 عام أو 400 عام أو 1400 عام، على قول البعض منا، لتسويغ سياسات راهنة في دول أخرى.
يشترط التعضي المانع لانصرام صراع قديم نسبيا تحول مصادرة الاستقلال الاجتماعي إلى غريزة أساسية للنظام، أو صيرورة التفكيك المستمر لجميع أشكال الانتظام الاجتماعي المستقلة شرطا لإعادة إنتاج النظام السياسي واستقراره ودوامه. وما كان للتجربة تلك أن تتعضى لولا أنها اتسمت بعنف هائل وفظاعة لا متناهية، فانتقشت في سجل النظام الوراثي وباتت صفة وراثية أصيلة.
هذا الشرط هو ما يثير لدينا الخشية من جولة جديدة تكرر حدة الجولة السابقة وعنفها. فبكل بساطة ستبقى سورية مشدودة إلى تجربة كاوية تركت في روحها وبنيانها ندوبا عميقة، ما لم تملك نخبها (الثقافية منها قبل السياسية) الشجاعة على التعرف عليها وجها لوجه. وسيبقى ذلك الماضي حاضرا كثيفا يمنع سير البلاد نحو المستقبل ما لم تتمكن من تركه يمضي. وسيجعل ثقله من تاريخها دورانيا، عاجزا عن شق دربه إلى الأمام.
هل تاريخنا اليوم موشك على نبضة جديدة، إذن؟ إن وضعنا في البال المحددات البنيوية التي أجملنا الإشارة إليها للتو، وجملة التحركات التي تستهدف تطويق ومحو هوامش الاستقلال الاجتماعي خلال العام الأخير، بالخصوص الموجة الأخيرة التالية لإعلان بيروت - دمشق/ دمشق - بيروت، تغدو النبضة هذه محتملة بالفعل. وإنه لمما يثير التأمل أن موجة الانعطاف الحاد الأولى نحو سياسة القوة والقطيعة تزامنت، قبل ثلاثين عاما، مع التدخل في لبنان. وقتها كان لمثقفي البلاد دور احتجاجي مبادر، استجاب له النظام بتضييق حاد لاستقلال الثقافة: منابر، عن طريق مطابقة الثقافة والإعلام؛ وقيما، عن طريق وضع اليد على القيم الوطنية بالكامل وشحنها بمفردات التقديس وعبادة الشخصية.
ولقد اقتضى الأمر ست سنوات أو سبعة بعد مطلع السبعينات حتى هلّت بدايات الانفصال الفكري الذي أعلن ولادة "المعارضة"، ومثل ذلك تقريبا بعد عام 2000. فكأننا من جديد على أبواب صيف 1976.
ولعل من شأن الانتباه إلى دور المثقفين والناشطين السياسيين المعارضين، أمس واليوم، أن يبدد شيئا من الضباب الإيديولوجي الذي يحجب الجوهر السياسي والحيوي لصراعات ماضينا القريب وحاضرنا. أو، بالأحرى، أن يشوش ذلك الصفاء الإيديولوجي الكاذب، ويبث في ثناياه حسا سياسي ودنيويا وتاريخيا، لا تعمل التصورات "الجهادية" المتقابلة، "العلمانوية" والإسلامية، إلا على تبديده في أثير المقدس والأبدي والمطلق. هل من حاجة جدية إلى الإلحاح، في هذا المقام، على أن الطرف الأول لم يكن أقل تعصبا وجذرية وتقديسا للعنف و"تكفيرا" من عدوه الإسلامي؟ وأن مقام النسبي والدنيوي والتاريخي والعلماني كاد يكون شاغرا، لولا مقاومة مثقفين وناشطين سياسيين صفاء ذلك الاستقطاب المميت.
إذا صحت هذه المقاربة، فإن حل مشكلات الحاضر وقطع الطريق على ثمانينات سورية جديدة يقتضي مجابهة الماضي. الماضي المتبنين الذي لم يمضي. هذا يقتضي، كما قلنا، تفكيك أجهزة وثقافة: أجهزة التفكيك وثقافة التفكيك.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتلال الجولان وانتقاص مقومات الوطنية السورية
- تحت ظلال العار..!
- ميشيل كيلو وولادة المثقف السوري
- من -العروبة أولا- و-سوريا أولا- إلى الوطنية الدستورية
- -انغماس في العيب- حقاً!
- أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط
- خارج السلطة: تحول موقع الماركسية الثقافي
- تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي
- العدو ذات تنقذ نفسها، ونحن ينقذنا التاريخ، لكن بأن نغدو موضو ...
- ماذا يفعل السلاح في الشارع؟
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين الحاج صالح - إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...