عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6553 - 2020 / 5 / 3 - 08:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مرت سبعة عشر عاما على تغيير النظام الدكتاتوري السابق والاحتلال الأمريكي للعراق الذي خيم على العراقيين منذ عام 2003 بهدف السيطرة على منابع النفط في العراق ومن ثم المنطقة . ومع ان 17 سنة كانت كافية لبناء تجربة حكم ناجحة تعتمد التفاعل والتآخي والتنمية وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي , الا ان ما حصل في العراق خلال هذه الفترة من عمر العراق هو تدمير شامل للبلد حيث تفشى الفساد بكافة اشكاله ليحتل العراق المراتب الاولى فيه من بين دول العالم , مع سوء الادارة وبشكل ليس له مثيل في دول العالم .
حكم فاشل
وقد فشل الاسلام الشيعي الذي حكم البلاد خلال هذه الفترة فشلا ذريعا في الحكم وادارة البلد وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتخليص الشعب من معاناته التي ازدادت في عهده ولم يقدم الخدمات والعمران وبناء البلد وسيادة القانون والديمقراطية الحقيقية وليست ( المقزمة ). وقد قصرت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم في توفير الخدمات حتى في المحافظات الجنوبية على الرغم من بيع 4 ملايين برميل نفط يوميا . وعلى الرغم من ان ثروات العراق الهائلة والمتنوعة تكفل له مستوى متقدما بين دول العالم الا ان الفساد وسوء الادارة للحكومات المتعاقبة منذ 2003 اوصلت البلد الى حافة الافلاس والغرق في الأزمات الاقتصادية والديون . وخلال هذه الفترة ازداد تدهور الاقتصاد العراقي وازدادت مديونيته, واصبح العراق معروفا عالميا بكونه من بين اكثر عشرة بلدان فسادا جراء قيام احزاب متنفذة في السلطة بنهب مليارات الدولارات لصالحها وعلى حساب مصلحة الشعب , واستغلت تلك الأموال عبر وسائل شيطانية منها المشاريع الوهمية وتهريبها للخارج وتسخير ميزانيات الوزارات لخدمتها والرشى وغيرها . وفي نموذج لهدر اموال الشعب اعلن البنك المركزي العراقي ان مبيعاته من الدولار للمصارف الخاصة بلغت في عام 2015 اكثر من 44 مليار دولار , وبلغت في عام 2016 اكثر من 33 مليار دولار و 523 مليون دولار تم تحويل معظمها الى الخارج لحساب الأحزاب المتنفذة ومافيات الفساد . ويأتي ذلك في وقت ارتفعت فيه نسبة الفقر في العراق حسب وزارة التخطيط التي اعلنت ان نسبة الفقر في العراق بلغت 30 بالمئة بعد ان كانت 19 بالمئة . كما تشير الاحصائيات الى ان سكان العشوائيات في العراق بلغوا عام 2018 اكثر من 13 بالمئة من سكان العراق . اما من الناحية الاجتماعية فيتفق الجميع على ان البلاد قد شهدت بعد غزوها عام 2003 تفككا مجتمعيا من خلال بروز ظواهر شاذة ابرزها الطائفية التي خلقتها قوى سياسية كوسيلة للسيطرة على السلطة والتي تطورت ولأول مرة في تاريخ العراق الى حرب طائفية أزهقت ارواح مئات الآلاف من العراقيين وهجرت الملايين داخل وخارج العراق وخاصة في الفترة بين 2005 و2009 , وشهدت الأوضاع الاجتماعية سلسلة من الانهيارات عبر تفشي ظواهر سلبية عديدة مثل ازدياد حالات الطلاق وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة وعمليات الخطف للانتقام او الحصول على فدية مالية اضافة الى الاغتيالات ولأسباب متعددة في ظل عجز الحكومات المتعاقبة عن فرض القانون وعدم رغبتها في ذلك. لقد فتح الغزو الأمريكي للعراق ابواب الجحيم على العراق وساعدت القوى الاسلامية المتنفذة التي جاءت بها القوات الأمريكية على سوء الأوضاع وتدهورها.
موازنة العراق
اما فيما يتعلق بموازنات العراق طيلة السبعة عشر عاما فكانت موازنات فلكية ( عدا موازنة 2020 , التي لم تقدم حتى الآن بسبب الصراعات السياسية بين الكتل على المصالح والمغانم ) لكنها لم تنعكس على رفاهية الشعب وتوفير الخدمات والعمران وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء المشاريع الصناعية وتطوير الزراعة وتطوير القطاعات الاقتصادية الاخرى وبناء المدارس والمستشفيات والطرق وغيرها . وتشير الأرقام الى ان موازنات العراق خلال الفترة من 2004 – 2017 بلغت ألف مليار دولار , ومع ذلك وبسبب الفساد المستشري وسوء الادارة فاقمت نسبة الفقر من 9 بالمئة عام 2004 الى 33 بالمئة عام 2018 , ويحصل العراقيون على ست ساعات من التغذية الكهربائية ,( وبعد تحسنها خلال الفترة الأخيرة قامت مافيات الفساد التي لها مصلحة في تعطل الكهرباء لتشغيل مولداتهم ) بتفجير ابراج الكهرباء كما حصل في ديالى وتأثيرها على بغداد . وان 41 بالمئة من مناطق العراق لا تصل اليها المياه النقية النظيفة , وان مياه محافظة البصرة لا تزال غير صالحة للشرب حيث ترتفع فيها الأملاح والملوثات دون ان تضع الحكومات المتعاقبة الحلول الجذرية المناسبة. ويلاحظ انه في كل موازنة سنوية في العراق منذ دخول الاحتلال الأمريكي في 2003 والى اليوم تنفجر خلافات حزبية ضيقة حولها بسبب النظام المتبع وتهميش الكثير من القطاعات فيها . كما اشعلت موازنة 2019 خلافات جديدة بسبب الحصص المخصصة للمحافظات والمؤسسات وللإقليم لا سيما المناطق المنكوبة التي تعاني من الاهمال وغياب الدعم لإعادة اعمارها . في عام 2014 تأثر الاقتصاد العراقي باثنين من التحديات الرئيسية وهما : هجمات داعش الارهابي وهبوط اسعار النفط العالمية , حيث ادت هجمات داعش الى فرض ضغوط على الموازنة العامة من خلال زيادة الانفاق على الاحتياجات العسكرية والانسانية وهددت أمن المرافق النفطية , كما اتسمت تداعيات هبوط اسعار النفط على الاقتصاد بالقوة نظرا لأن هيكل الاقتصاد العراقي لا يتسم بالتنوع حيث ان الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي وحيد الجانب . وفي عام 2015 أخذت آثار هجمات داعش واحتلالها لثلث الأراضي العراقية وهبوط اسعار النفط تتكشف بالكامل , ونظرا لأن العراق يحتل مراكز متقدمة في احتياطيات النفط الخام المثبتة فهو من اهم منتجي ومصدري النفط الخام , وهو ثاني اكبر منتج للنفط في منظمة اوبك بعد المملكة العربية السعودية , ويمتلك العراق امكانات هائلة تسمح له بزيادة مساهمته في امدادات النفط العالمية حيث ان معظم مناطقه لم يتم التنقيب فيها بالقدر الكافي مقارنة بغيره من كبرى البلدان المنتجة للنفط , كما ان تكلفة انتاج النفط في العراق من اقل مستويات التكلفة في العالم نظرا لطبيعته الجيولوجية غير المعقدة نسبيا ولتعدد حقوله النفطية العملاقة وانتشار مواقعها داخليا وقربها من الموانئ البحرية . وخلال هذه الفترة منذ 2003 والى اليوم فإن معدل البطالة في ازدياد مستمر وخاصة بين الشباب وخريجي الجامعات واصحاب الشهادات العليا, وبهذا الصدد فقد اعلن صندوق النقد الدولي ان معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ اكثر من 40%, وقال صندوق النقد ان بطالة الشباب مرتفعة بالمعايير الدولية فيما تبلغ النساء خارج القوى العاملة فيه ما يقارب من 85 بالمئة . يذكر ان وزارة التخطيط في العراق قد اشارت الى ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 30 بالمئة بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها بعض المحافظات العراقية. وفي الأعوام 2018 و2019 و2020 ما يزال العراق يعاني من ازمة اقتصادية كبيرة بسبب فشل وعجز الحكومة وقد انعكست هذه الأزمة سلبا على شؤون البلاد وعلى حياة الشعب بالرغم من ان العراق يعد اغنى تاسع بلد في العالم بموارده الطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومواد معدنية مختلفة ووفرة المياه وخصوبة الأرض. الا ان هذه الثروات تم تبديدها ولم يتم استغلالها بالشكل الصحيح بسبب تفشي الفساد المالي والاداري وسوء التخطيط. وفي الأعوام السابقة ازدادت ديون العراق وفوائدها والتي تقدر بمليارات الدولارات الى جانب حجم الدمار الكبير الذي خلفته العمليات العسكرية والذي عجزت الدولة عن اعمار المناطق المحررة لحد الان واعادة اهاليها على ايدي مافيات الفساد والأحزاب المتنفذة والتي كان لها الدور الكبير في التأثير على مشاريع البلاد والخدمات وجميع القطاعات الاخرى من تجارة وزراعة وتعليم وصحة وغيرها . سيخسر العراق امواله على صفقات ومشاريع الاعمار الفاسدة والوهمية وتعتبر هذه الصفقات الفاسدة هدرا للمال العام واحد المنابع الرئيسية للسراق في نهب اموال العراق . ولم تقدم كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم سياسات اقتصادية فاعلة لتنويع مصادر ايرادات الموازنة في ظل مديونية كبيرة في تزايد مستمر . وتوزعت الديون بين اقتراض ومتأخرات وديون لشركات نفطية من المفترض ان التعاقد معها كان من اجل تحسين الاقتصاد لا زيادة تدهوره .
جيوب الفاسدين
والأدهى ان هذه القروض تذهب لجيوب الفاسدين فلم يستفد الشعب والبلد منها شيئا يذكر . ويعتبر ملف النفط من اكثر الملفات غموضا في الاقتصاد العراقي حيث لم يتم اطلاع الرأي العام على العقود التي تبرمها الوزارة , وبلغت خسائر العراق من تهريب النفط منذ سنة 2003 قرابة 120 مليار دولار , وموضوع تهريب النفط ما زال في تزايد في ظل سلطة الميليشيات وادارتها لمؤسسات الدولة. وهناك دور اساسي في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق تقوم به المنافذ الحكومية والفساد المستشري فيها , اذ اصبحت المنافذ الحدودية في العراق آفة ينخر فيها الفساد وتتوغل مافيات مختصة تتعامل بصورة مباشرة على ادارة المنافذ للسيطرة على الواردات ونهبها. وما يجري عند المنافذ الحدودية يؤثر على قطاعات الصحة والمال والأمن , واصبحت المنافذ الحدودية مرتعا كبيرا للفساد المالي والاداري . وكانت ابرز التحديات التي واجهت الاقتصاد العراقي لعامي 2018و 2019 هي ارتفاع الديون والفساد المستشري والانهيار الأمني وكلفة اعمار المدن المدمرة والبطالة والاقتصاد الريعي في ظل نظام المحاصصة الطائفية , في الوقت الذي شهد الاقتصاد غير النفطي انكماشا حادا ومازال 10 بالمئة من العراقيين يعانون التشرد والنزوح بسبب استمرار الاضطرابات . وما تزال البطالة تمثل احد التحديات الكبيرة التي تواجه العراقيين فقد اعلن الجهاز المركزي للإحصاء ان نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22,6 بالمئة وان نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 – 29 سنة بلغت 22,6 بالمئة بارتفاع عن المعدل بلغ 74 بالمئة مشيرا الى ان البطالة لدى الذكور لهذه الفئة بلغت 18,1 بالمئة في حين بلغت البطالة لدى الاناث نسبة 56,3 بالمئة , وقد تفاقمت مشكلة البطالة في العراق خلال السنوات الأخيرة بسبب غياب الخطط الحكومية التي تهدف الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تفعيل القطاع الخاص كما يتخرج سنويا من الجامعات الاف الطلاب دون ان يجدوا وظائف لهم في الدولة مما يجعل البطالة في ارتفاع مستمر وسط غياب الحلول والمعالجات , اضافة الى توجيهات صندوق النقد الدولي التي يخضع لها العراق تمنع التعيينات . وكل هذه الأوضاع السلبية دفعت الجماهير الشعبية المتضرر الأول من السياسات الحكومية الى الانتفاضة مطالبة بتحسين الأوضاع والاصلاح والتغيير. كما لم تسهم الحكومة في عام 2019 اضافة الى الأعوام السابقة منذ 2003 بإخراج العراق من دائرة التخلف الى دائرة النمو وصنف العراق في احصائيات الأمم المتحدة ضمن الدول الأكثر فقرا رغم موارده الطبيعية المتنوعة . كما زادت ازمة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي والعراقي ذو الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب من المصاعب المالية للعراق بسبب انخفاض اسعار النفط الخام الى اقل من 18 دولار للبرميل الواحد . فماذا سيفعل العراق في ظل قبض كورونا على الاقتصاد العراقي ؟
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟