أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عادل حسن الملا - ذكريات الحرب 4















المزيد.....


ذكريات الحرب 4


عادل حسن الملا

الحوار المتمدن-العدد: 6552 - 2020 / 5 / 2 - 14:06
المحور: سيرة ذاتية
    


تلك الليلة في جلولاء !

بعد ان اكمل استجوابي في مقر الفرقة ١٧ قال لي مقدم الاستخبارات وهو يسلمني المضروف الذي يحتوي على ( كتاب الاعادة ) الى اللواء الدرع ٨٠ سرية هندسة الصولة:
تستطيع الآن العودة الى وحدتك العسكرية !
كان الوقت متأخرا" وكانت الساعة تقترب من التاسعة مساءا" في ليلة شتوية مظلمة غاب عنها القمر وكان الافق شديد الظلمة في الخارج وكان الجو شديد البرودة مع تساقط قطرات من المطر .
كيف اصل الى وحدتي العسكرية الآن ؟ وهي على الحدود مع ايران في منتصف الطريق بين ( نفطخانة) العراقية و ( نفط شاه) الايرانية فأنا اذا صادف ان عثرت على سيارة عسكرية متوجهة الى نفطخانه في هذا الليل المظلم فعلي ان اسير على قدمي مسافة ٣ كيلومترات بين وديان تسكنها الكثير من الحيوانات الغريبة ومنها ( الدعلج) ذو النبال التي ان اطلقها فأنها تخترق جسم الفريسة و لا يخلو المكان من الافاعي الضخمة و يقال ان هناك ايضا" العديد من الدببة التي تختفي في الكهوف !
بتفكير سريع طردت فكرة العودة الى وحدتي تلك الليلة وقررت ان ابقى في ( جلولاء) حتى الصباح فسرت بأتجاه الشارع العام الذي يربط جلولاء بالسعدية وقبل ان اصل الشارع لمعت في مدى الرؤية اضواء مصابيح فأقتربت منها فأذا هي عدد من المواضع العسكرية التي تعود لأحدى الوحدات العسكرية القريبة من مقر الفرقة ١٧.
استجمعت كل ما املك من جرأة ونزلت الى المواضع المحفورة تحت مستوى الارض فوجدت فيها بعض الجنود يستلقون على الاسرة المصنوعة من الجينكو الذي يتكيء على اكياس مملوءة بالرمل وكان هناك لحسن الحظ ثمة سريرين فارغين.
وبعد السلام بادرت الجنود قائلا:
انا كنت مجاز و قد وصلت توا من بغداد ووحدتي في المتقدم فهل استطيع المبيت اليوم هنا واغادر فجرا"؟
كان ضروريا ان اكذب هذه الكذبة لأن موضوع الاستخبارات قد يثير ارتياب وقلق هؤلاء الجنود المساكين.
اجابني احدهم دون تردد:
تفضل لدينا مكانين فارغين.
توجهت فورا نحو الفراش ونمت على الفور من شدة التعب رغم اني من الصعب جدا ان انام في فراش غير فراشي.
نمت تلك الليلة حتى صباح اليوم التالي و قد نسيت اني لم اتناول اي طعام منذ صباح اليوم الماضي و لم اذق سوى الماء و لقد دخنت في ذلك اليوم علبتين من سكاير ( بغداد) ابو الجيس الرديئة والتي تبعث على الغثيان.
..................
تلك الليلة في جلولاء
نهضت من النوم مبكرا" بعد ان اخذت كفايتي من الراحة وكان الجنود الذين قضيت ليلتي في موضعهم يعدون الشاي استعدادا" للعرضات ...تناولت قدح من الشاي وقطعة من الصمون العسكري الصلب القوام وودعت الجنود الطيبين وخرجت الى الشارع متوجها" الى وحدتي العسكرية.
كانت السيارات العسكرية نوع ( ايفا) تترى بالاتجاهين فاستوقفت احدها و صعدت في الخلف ( البدي) ونزلت في مفرق خانقين ثم انتظرت سيارة اخرى تتوجه صوب ( نفط خانة) وتطلب الامر قليلا من الوقت.
في الطريق الى ( نفط خانه) كان يجلس معي في ( البدي) مجموعة من الجنود الذين لا اعرفهم بعضهم عائد من اجازة وبعضهم عائد من مأمورية او ( مساعدة) يوم او يومان .
قضيت الطريق وانا اتذكر يومي السابق الطويل في معسكر جلولاء:
كانت وحدتنا المسماة ( سرية صولة لمع ٨٠) قريبة جدا من الخطوط الامامية وكان يطالنا القصف الدفعي باستمرار لكنه اصبح في حكم العادة فقد كنا نمارس حياتنا الطبيعية وكنا نلعب كرة الطائرة في ساحة تم اعدادها لهذا الغرض وكان رعلينا ( رعيل المشغلين) الذي يضم عدد من خريجي الكليات والمعاهد يفوز دوما على فرق الرعائل الاخرى.
في يوم امس وبعد انتهاء العرضات انصرفنا لساحة كرة الطائرة وبينما كانت المباراة على اشدها جاء معتمد السرية وصاح باسمي باعلى صوته ثم اخبرني ان ضابط القلم يريدني.
ذهبت معه ولم يدر بخلدي ماهو الامر لكني اصبت بالصدمة عندما اخبرني ضابط القلم ( وهو نائب ضابط مكلف) انني مطلوب في استخبارات الفرقة ١٧ في معسكر جلولاء وان علي الذهاب فورا" الى هناك.
ماذا يريدون مني ؟ ماذا فعلت؟ وهل سيجننوني؟ ام سيعدموني؟
وهل انا اشكل خطورة على هذا النظام البالغ القوة والجبروت ؟
نعم انا جئت الى هذه الوحدة قبل شهرين منقولا من كتيبة الهندسة ١٧ والتي كان مقرها في الخلفيات في منطقة ( امام ويس) وكان نقلي بمثابة عقوبة لي لاني رفضت الانتماء للحزب وقد كتبت ذلك تحريريا" في موقف شجاع وبطولة نادرة لا امتلكها الان !!
ربما هذا هو السبب .
وربما لأني اخفيت معلومات عن اقارب لي تم اعتقالهم في سنوات سابقة ولم يأتي منهم اي خبر ..ربما؟
وربما هناك سبب آخر ؟
وانا استرجع ذكريات اليوم السابق وصلت سيارة الايفا بالقرب من وحدتنا فنزلت منها وتوجهت نحو قلم السرية وسلمت ضابط القلم المضروف .
بعد قليل وانا اتمشى بالقرب من القلم سمعت الضابط يقرا احد فقرات كتاب الاستخبارات بصوت عالي :
يوضع المكلف مشغل المكائن عادل .... تحت المراقبة!
و بقيت هذه الفقرة تلاحقني سنوات طويلة حتى بعد تسريحي من الخدمة العسكرية عام ١٩٨٥ ربما حتى عام ١٩٩١ عندما احترقت دوائر الامن بما فيها من اوراق ووثائق.
................. .....

كان ذلك في اوائل كانون الاول عام ١٩٨٤ ولم يمضي على زواجي سوى ثلاث اشهر ورغم هذا فاني لم افكر في تلك اللحظة سوى بأمي وكيف ستستقبل الخبر اذا لم اعد اليها مطلقا" سيما وانها قد فجعت قبل فترة وجيزة بتغييب اثنان من ابناء اخوتها ( ميثم ) الشاب المتدين الزاهد العابد المحبوب الذي عاش معها بنفس البيت سنوات طويلة و (عبد الرزاق) الشاب الشيوعي ذو الشخصية المتميزة القيادية.
قال لي ضابط القلم :
انتظر قليلا سوف تذهب مع المعتمد الى مقر الفرقة .
واخذ يملي على كاتب الطابعة مايلي:
الى استخبارات الفرقة ١٧ ...نرسل اليكم قناع الوقاية الذي تم العثور عليه في الارض الحرام ..يرجى الاستلام واعلامنا !
تصورت ان هذه شفرة و انا هو المقصود بقناع الوقاية فازداد رعبي و جسامة الامر الذي ينتظرني في جلولاء.
لكن مخاوفي تبددت قليلا عندما سلم ضابظ القلم قناع وقاية الكيمياوي للمعتمد مع مجموعة من الكتب وانطلقنا الى جلولاء التي تبعد حوالي نصف ساعة انا والمعتمد على ظهر دراجة نارية.
دخلت غرفة قلم الاستخبارات وكانت الساعة العاشرة صباحا" وسلمت الكتاب فأخبرني جندي القلم ان علي الانتظار في الحديقة التي امام الغرفة ريثما ينادون بإسمي.
جلست على المصطبة الخشبية انتظر وكانت الدقائق و الساعات تسير بشكل بطيء و كان فكري يذهب يمينا" وشمالا" فتذكرت اصدقائي الذين دخلوا دوائر الامن ولم يخرجوا ...انعتاق وعبد الكريم ورياض وازهر وغيرهم.
كان عزائي الوحيد في تلك اللحظات اني لم اتفوه بأي كلام ضد النظام وليس عندي اي ارتباط بأي تنظيم سياسي في تلك الفترة ولكن : يا ما في الحبس مظاليم.
حل الظلام وانا جالس في تلك الحديقة وعلى نفس المصطبة لا افعل شيء سوى تدخين المزيد من سكائر ( بغداد) زهيدة الثمن.
و اخيرا"
دخلت غرفة ضابط الاستخبارات وكان برتبة ( مقدم) و أومأ لي بالجلوس على كرسي امام مكتبه فبادرني بالقول قبل ان يستقر جسدي على الكرسي:
متى انتميت للتنظيم المعادي للثورة؟
صعقني هذا السؤال وايقنت ان الاعدام حاصل لا محالة.
تماسكت قليلا وقلت بلغة واثقة:
لست منتميا" لاي حزب او تنظيم.
نظر الي متفحصا" وجهي واخذ يقرأ في ورقة كانت على منضدته :
اسمك عادل ....الخ
عنوانك هو الهندية....الخ
خريج كلية الهندسة.
والدك شيوعي سابق.
عائلتك معادية للحزب والثورة.
ابناء خالك ميثم و عبد الرزاق تم اعداهم لاسباب سياسية.
انت شخص غامض وغير منتم لحزب البعث .
ايقنت بخبرتي ان هذه الورقة مرسلة من دائرة الامن في منطقتنا وعندما اكمل قراءتها فهمت ان تهمتي هي اخفاء معلومات وعقوبتها السجن في اغلب الاحوال وليس الاعدام !! يعني القضية سهلة !
وبعد الاخذ والرد سألني عن سبب عدم انتمائي لحزب البعث و حاول الضغط علي للحصول على اية معلومة مفيدة و ركز كثيرا" عن علاقتي بالتنظيمات المعادية لكنه ازاء اصراري على انكار اي صله بها رفع سماعة الهاتف وقال :
ارسلوا لي مفرزة لنقل هذا الجندي الى مديرية الاستخبارات في بغداد .
رغم معرفتي بأن هذه مسرحية للضغط النفسي ( فقد مررت بتجربة مماثلة في الكلية مع ضابط امن الكلية شاكر سكران) لم اتمالك نفسي و شعرت بالغثيان وطلبت من الضابط ان اتوجه الى المغسلة القريبة ...وهناك تقيأت !
عدت للجلوس امام الضابط وقلت له :
كان لي علاقة صداقة مع شخص يعمل في تنظيم طلابي سري عندما كنت في الاعدادية وكان يأخذ مني تبرع و كان يعطيني جريدة التنظيم ( كفاح الطلبة).
شعر الضابط بالارتياح لنجاح خطته وسألني : ما اسم هذا الشخص ؟
اخترت له اسم احد اصدقائي المتوفين و الذي كان قد استشهد قبل عدة اشهر في الحرب .
طلب مني الضابط المزيد من المعلومات فتمسكت بأن احدا لم يتصل بي بعد التحاقي بكلية الهندسة عام ١٩٧٦.
استمر التحقيق اكثر من ثلاث ساعات وكان يدور في حلقة مفرغة
ايقن بعدها الضابط ان لا طائل من الاستمرار سيما وانه لا يملك اية معلومات او اعترافات ضدي. طلب مني التوقيع على تعهد بعدم الانتماء لاي تنظيم سياسي معادي والا فان العقوبة ستكون الاعدام.
بعد اقل من شهر تم استدعائي الى مقر الاستخبارات العسكرية في الكاظمية ( الشعبة ١٦) واستمرت الاستدعاءات في اللواء والفرقة حتى جاء قرار تسريح المهندسين في ٧ نيسان ١٩٨٥ لتطوى تلك الصفحة المزعجة التي كان اخر سطر فيها مجيء المسؤول الحزبي للواء ٨٠ الى مقر سريتنا في اخر يوم لي في العسكرية ( لم يكن يعلم اني مشمول بالتسريح) و قال لي تعال غدا الى مقر اللواء ومعك صورة شخصية ثم قال متوعدا سوف آخذك مكتوفا" للسجن وهذا جزاء من من يخفي معلومات على الجيش.
فضحكت في سري و قلت له نعم سأحضر غدا ومعي صورة شخصية.
عندما غادر هذا الحزبي ذهبت الى قلم السرية واستلمت كتاب التسريح .!!!



#عادل_حسن_الملا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق : قرن من الانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية / ال ...
- التنوير بين المنهج العلمي والبراغماتية
- لا شيء يغريك بمقاومة النوم
- من حقهم ان يحبوا صدام
- غربه
- الاسراء الى بيت امي
- البراءه ...او حكاية المواطن محمود
- صدق ( مخربط)
- اللقاء المؤجل
- سعد بائع الجرايد
- من ذكريات حرب الثمان سنوات (3)
- من ذكريات حرب الثمان سنوات (2)
- من ذكريات حرب الثمان سنوات (1)
- في الحب واشياء اخرى
- من اوراق الغربه
- ويسألونك عن الربيع العربي
- مدارات صوفيه
- تقاعسات صديقي (ابو ذر)
- ندين الدعوه لاحراق كتبه لانها عمل همجي . لكن لانتضامن معه!!!
- على شاطيء باندرما


المزيد.....




- المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات ...
- أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم. ...
- كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك ...
- الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق ...
- فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ ...
- نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
- عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع ...
- كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
- آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
- العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عادل حسن الملا - ذكريات الحرب 4