المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 09:47
المحور:
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية
في يوم الوفاء و الإحتفاء بذكرى هايماركت , تلملم الطبقة الشغيلة في العالم جراحها و ترص صفوفها الثورية, لتكمل مسيرتها النضالية في مواجهة العبودية الحديثة التي أوجدت إنسانا خاضعا للماكينات و ملاَّكها , ما جعل حياة الفرد في قبضة الرأسمالية , التي سَلعنت و بضَّعت البشر في سياقات عدة , كما ذهب إلى ذلك كارل ماركس , و أقصى ذلك عبودية الأجر و الوظيفة الحيوانية .
في العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرين تكون الأممية العمالية قد قفزت مسافات وارفة نحو أخذ حقوقها التي بدأت بحركة ثمان ساعات؛ لتبلغ اليوم أوج المطالب و أقصى المكتسبات التي تضمن أنسنة العمل و رفاهية الأجيال . إنها تحولات داخلية في الجسم الرأسمالي الذي كان لزاما أن يَهوي بعد أن وُجد كجسر ظرفي لتصريف اَثار المرحلة الإنتقالية التي بدأت مع الثورة الصناعية . الأمر يشبه إلى حد ما بداية العقد الإجتماعي الذي سيَّد من يملك القوة قبل أن تستقيم تجليات المرحلة الجديدة فتقوم الجماعة بإنتخاب الأفضل .
الرأسمالية تعيش على إستغلال الاَخر كلية لجني الأرباح دون مراعاة لطبيعة النشاط و ظروفه. إنها روح شيطانية خسيسة تمتص كل طاقة إيجابية من فكر و إيمان الفرد , الذي يغدو مجرد شيئ لا قيمة له . إن الرأسمالية التي تقول بإعمال الرأسمال , فهي في المحصلة النهائية تعني أن الفرد هو الرأسمال الذي وجب إستغلاله بدرجة أكبر من الاَلة . فالملكية الفردية لأرباب العمل كانت مكسبا غير مشروع بسبب الظلم الإجتماعي و فساد النظام السياسي و جهل و استبداد ما يعتبر نظاما قانونيا في البلد الذي يعد متواطئا في جرائم العبودية و التجارة بالبشر .و إلى اليوم مازلت الطبقة العمالية تعاني من نظم اقتصادية و سياسية موبوءة بالرأسمالية , تزداد حدتها بسبب اللومبنبروليتاريا التي تقبل بمساومات و عقود إذعان و تستسلم لسلطة و سطوة المستبدين . إنها الحلقة الأضعف في المسيرة النضالية للجماهير الثورية , لكن الثورة فكرة و الفكرة لا تموت .
الجوائح التي تضرب العالم كل قرن , ليست بمثل الخطر الذي يقدمه النموذج الرأسمالي المقيت التي ينال من أسس الطبيعة و الجمال في كل نبضة من الحياة . إن العالم يعيش اَنيا مرحلة تهاوي الأنظمة الرأسمالية التي عطنت في مواجهة كوفيد-19 كتمرين أساسي لتقييم التجارب و تسطير نظم جديدة . إننا أمام مرحلة إعادة بناء العالم على أسس إشتراكية إو إشتراكية ليبرالية تجعل من تأميم ملكية وسائل الإنتاج القاعدة الأساس لتدارك مجمل الاَثار السلبية للتركة السابقة , فقد ظهرت هنا الحاجة الملحة لتدخل الحكومة لتصحيح الأوضاع و الأخطاء . فلم يكن بمقدور الشركات الخاصة ضبط الأمن و تنقل الأشخاص و توفير الأغذية و الضروريات المعيشية لولا تدخل الحكومة . بل أن الدولة هي التي بلَّت يد الشركات حتى تبقى فيها نُدوة الحياة . إن الخوصصة أبانت عن حجم رهيب من الضعف و المرض العضال الذي يسري في أعماقها . فلولا سلطة الحكومة و إدارتها المركزية للتخطي لفقدنا اليوم عنصر إكسير الحياة و لعدنا لنقطة الصفر حيث الفوضى و الإنهيار التام للدول .
التنظيمات النقابية يجب أن تدفع نحو التغيير لا التكيف مع الأوضاع , فالمطالبة بالحقوق حاجة ملحة ولو أمام نظم مختلفة . فالرأسمالية في دولة قد تضمن شروطا أفضل من نظيرتها التي تدعي نظاما متباينا , بما يشبه الإيهام بالأفضل , و هذا بسبب قبول مكائد الطرف الاَخر . النقابة هي الاَلية التي تضمن أفول الرأسمالية لينحو العالم منحى اَخر أكثر ضبطا للسوق و حكامة للنظم الوضعية .
إن انهيار الرأسمالية لا يعني محق الوضع المأساوي للطبقة العمالية خاصة عمال المناجم و الصيد البحري و العمال داخل المصانع و الحقول , إذا لم يملك العمال وعيا فرديا و جماعيا كفيلا بإنهاء الوصاية و العبودية . يجب أن ننتقل من المطالبة بتخفيض عدد ساعات العمل و توفير الضمان الإجتماعي و الصحي إلى إعلان إرادة سياسية لإنتخاب رؤساء المؤسسات وليس فقط البرلمان و الجماعات ؛ كما أن الوضع الراهن اليوم يلزم تخصيص غرفة للنقابيين كغرفة ثالثة في البرلمان إلى جانب غرفتي النواب و المستشارين في المغرب مثلا . فمجلس النواب المغربي يظطلع بمهام تقييم السياسات العمومية و مراقبة عمل الحكومة ,بينما مجلس المستشارين الذي يتكون من بعض المنتخبين على الصعيد الوطني من قبل ممثلي المأجوريين؛ لا يباشر أعمالا أو تدخلات كفيلة بالدفاع عن الشغيلة او إيصال صوتها لاسيما التي تقع في أسفل الهرم المجتمعي حسب الفكر الرأسمالي . فالنقابات اليوم إما تنظم مظاهرات تجابه بتدخلات أمنية , أو تحصر نفسها في مقرات خاصة , مما يمنعها من تأطير الجماهير الثورية الشعبية و أن تبلغ رسالتها الإنسانية إلى العامة . إن الفعل النقابي يجب أن يضحى ثقافة يومية في بلادنا مثل الفن و الغذاء و السير على شاطئ البحر ؛ و هذا في رأيي السبيل للإنعتاق من شرنقة التخلف و الجهل و الرأسمالية و العبودية .
إن الأول من أيار 2020 هو عيد ليس فقط للعمال بل لكل أطياف الشعوب في العالم , إنه ذكرى لتجديد الرفض للتدخل الأميركي في العراق و أفغانستان و المطالبة بتوقيف الصناعات الحربية الثقيلة و المدمرة التي لا تلبي حاجات الإنسان إلى العيش و السلام , و المطالبة بالمراقبة الدولية على المختبرات و صناعة الأدوية . إن الرهان اليوم على بناء دولة قوية تؤمن أن تأميم المنشاَت و المؤسسات واجب وطني , كما فعل جمال عبد الناصر عندما قام بنزع قناة السويس من الفرنسيين و البريطانيين . و تقعيدا عليه فإن الأمل المنشود أن نحتفل بعيد عمال في المستقبل حيث الملكية للدولة الوطنية و الشغيلة تنعم بالرفاهية و الحقوق في ظل دولة ديمقراطية تضمن الحرية و الكرامة و حرية التعبير و تساوي بين الأغاني التي تمدح العمال و النشيد الوطني , فالعمال هم أعضاء الجسد الحركية التي بدونها سيضحى الوطن مقعدا لا حركة فيه .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟