عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 22:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(( كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي ))
كان النظام الدكتاتوري السابق يضيق الخناق كثيرا على المثقفين في العراق ولم يسمح الا بثقافة واحدة هي تلك المنسجمة مع الحزب الحاكم , حتى ان رأس النظام الدكتاتوري رفع شعارا : (( اذا قال صدام , قال العراق )), وبعد سقوط النظام في 2003 كان المفروض ان يبدأ عهد جديد من الحرية والديمقراطية الحقيقية وقبول الرأي الآخر, الا انه جرت العودة مع الأسف الى عقدة الخوف من المثقفين الوطنيين المخلصين بدأت بالنمو مجددا وبشكل اكبر في محاولة للتخلص من المثقفين بأي شكل من الأشكال بسبب تأثيرهم الكبير في المجتمع وهذا ما دعا النازي غوبلز الى حرق الكتب الثقافية ومطاردة وقتل المثقفين . وهذا ما دعا نابليون بونابرت القائد الفرنس الى الخوف من الجريدة اكثر من خوفه من السلاح . وهذا ما دعا ايضا القائد الشيوعي الكبير لينين الى القول ( اعطني منبرا للكلام وخذ كل الأسلحة ).. وكانت جريمة اغتيال شهيد الثقافة العراقية كامل شياع بداية قرع ناقوس الخطر المحدق بالثقافة الوطنية والمثقفين العراقيين الوطنيين والمخلصين وهذا ايذانا ببدء مرحلة العودة بالعراق وشعبه الى العصور المظلمة والتخلف بقيادة رجال متخلفين ولائهم ليس للوطن ولشعبه . ولم تحرك الحكومة ساكنا ولم تفصح عن القتلة الحقيقين لرمز الثقافة العراقية الشهيد كامل شياع وتقديمهم للعدالة .بل ازدادت عدد الاغتيالات للناشطين المدنيين والصحفيين والأكاديميين في ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الوسط والجنوب امثال الشهداء علي اللامي وحقي اسماعيل عباس ومحمد جاسم الدجيلي وزهراء علي ذات التسعة عشر عاما اضافة الى فاهم الطائي وعدنان رستم وامجد الدهامات ورسا م الكاريكاتير حسين عادل وزوجته سارة اضافة الى قتل اكثر من 700 شهيد من الأبرياء السلميين واصابة اكثر من 20 ألف بجروح . وقد عزت الحكومة امر القتل الى طرف ثالث لا تعرفه . فالقوى المتنفذة الحاكمة تريد عراقا احادي الهوية قوميا ودينيا مذهبيا وعلى وفق فلسفة الطائفية السياسية المنغلقة والموتورة والمتشددة .كما تعرض الصحفيون والاعلاميون في العراق الى المنع والحظر والى جرائم الابتزاز والتصفية , وتم اغلاق بعض الصحف والقنوات الفضائية كفضائية البغدادية ودجلة وغيرها .
ولا يزال النص ( كلما سمعت كلمة مثقف( او ثقافة ) تحسست مسدسي ) المنسوب الى وزير الدعاية النازي غوبلز ابان حكم هتلر الذي حارب المثقفين واحرق كتبهم , هذا النص لا يزال حيا في عقول افراد وجماعات وربما في اجندة احزاب سياسية تعيش بين ظهرا نينا وتستهدف معالمنا ورموزنا الثقافية بين الحين والآخر مع فارق بسيط هو ان المسدس الذي اطلق فيه غوبلز النار على المثقفين في المانيا لم يكن مزودا بكاتم الصوت كما هي المسدسات التي يحملها النازيون الجدد في العراق التي تغتال رموزنا الثقافية في العراق عموما وفي ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الوسط والجنوب وبدم بارد . فقد نجحت قوى الظلام في تصفية المئات من حملة الفكر واليراع. وكما قام غوبلز النازي بحرق كتب المثقفين في برلين وقتل المثقفين ومطاردتهم وتضييق الخناق عليهم , قامت امانة بغداد في وقت سابق وبرفقة العسكر المدججين بالسلاح على تهشيم اكشاك وبسطات عرض الكتب في شارع الثقافة , شارع المتنبي حيث حصلت هذه الحملة دون سابق انذار مما سبب اضرارا بليغة لأصحابها وتدميرا لمعظم الكتب المعروضة وجرحا عميقا في جسد الثقافة العراقية الوطنية المضرج بالدماء .
سمات المشهد الثقافي العراقي :
يتسم المشهد الثقافي العراقي اليوم بـ :
1) التضييق على حق الصحفيين والاعلاميين في الحركة والتنقل .
2) اعادة سياسة حزبنة العمل الثقافي بمنع كل مختلف في الرأي عن القوى المتنفذة الحاكمة من العمل .
3) اغلاق بعض مكاتب الصحف والفضائيات التي تنقل الحقيقة وبطرق تعسفية بعيدا عن الدستور والقوانين .
4) التجاوزات والاعتداءات المبرمجة الفردية والجمعية على المثقفين.
5) ضعف التخصيصات المالية المخصصة لوزارة الثقافة ومؤسساتها ضمن موازنة الدولة الاتحادية وهي غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للقطاع الثقافي وفي مقدمتها اعمار البنى التحتية الثقافية وتوسيعها وتحديثها .
6) الافتقار الى الرؤية الاستراتيجية والافتقار الى الخطط السنوية للإعمار والتنمية الثقافيين .
7) تدخل اجهزة الدولة بالعمل الثقافي والسعي للهيمنة عليه وتوجيهه .
كما جاء ذلك في ورقة الاصلاح الثقافي التي قدمها الحزب الشيوعي العراقي في ندوة له في اتحاد ادباء البصرة في وقت سابق .
وفيما يتعلق بالإصلاح والتغيير نشير الى ما ذكره ماركس في كتاباته : ( اكتفى العالم بتفسير العالم ... ولكن المهم هو تغييره ..). فالغاية من الاصلاح الثقافي في العراق هي اعادة الاعتبار الى الثقافة كجزء اساسي من حياة الناس ومصدر لا ينضب لفائدتهم .
وفيما يتعلق بالشأن الثقافي في العراق فقد اوضح الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه على(( ان اعادة بناء المشهد الثقافي- الابداعي في العراق تتطلب جملة سياسات واجراءات ومعالجات اساسية , من بينها :
1) اعتماد اقامة مشروع ثقافي وطني , انساني النزعة وديمقراطي المحتوى , يكون حاضنة لكل التيارات الداعية الى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة تحترم التعددية الثقافية والفكرية وتتفاعل مع سائر روافد الفكر العالمي وتياراته .
2) تحرير الثقافة من قيود الفكر الواحد والرأي الواحد ومن الجمود والانغلاق وكل سمات الفكر الشمولي وضمان عدم تسييس المؤسسات والانغلاق وكل سمات الفكر الشمولي وضمان عدم تسييس المؤسسات الثقافية للدولة او تسخيرها لمصالح حزبية او مذهبية ورفض تهميش المثقفين والمبدعين, واحترام استقلاليتهم ورعايتهم وتكريمهم والاحتفاء بإنجازاتهم .
3) السعي الى تكريس الرؤية السليمة الى الثقافة باعتبارها وسيلة لارتقاء الانسان روحيا وشرطا لأنسنة المجتمع وتحقيق نهضته .
4) التزام الدولة بدعم العملية الثقافية والاسهام في ادارتها بالتعاون والتنسيق مع الوسط الثقافي ومنظماته غير الحكومية وبتمويل النشاط والانتاج الثقافيين مع احترام استقلاليتهما وتأمين ما يتطلبه ذلك من مرافق حديثة في المحافظات كافة : مكتبات بكل انواعها ومتاحف ومسارح ودور سينما وقاعات عرض وغيرها .
5) حماية الموروث المادي – من آثار ومبان تراثية ومعالم تاريخية ومخطوطات ومطبوعات وغيرها – والموروث الشفاهي , والحفاظ عليهما
6) تبني الدولة سياسات ثقافية تهدف الى تشجيع الفكر والابداع وتأمين تفتحهما وانتشارهما وبناء المؤسسات الضرورية لتحقيق ذلك وبضمنها مجلس وطني للثقافة يعني برعاية الثقافة والفنةن وتأمين متطلبات تطورهما المستديم .
7) اصدار تشريعات تكفل حرية الفكر والتعبير والابداع والنشر , وتحمي حقوق الملكية , وتمكن المنظمات الثقافية غير الحكومية من ممارسة دور مؤثر في الحياة الثقافية .
8) تفعيل دور المثقفين والمبدعين والنخب الثقافية على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية , في رسم واعتماد التوجهات والخيارات الوطنية في شتى مجالات حياة المجتمع وفي بلورة الرؤى وانتاج الأفكار والتصورات , لإثراء الحوار والمساهمة النشيطة في استشراف المستقبل .
9) ادامة الوشائج العميقة بالمثقفين العراقيين ( علماء وفنانين وادباء واكاديميين ) في المهجر , وحفز تواصلهم مع الوطن , وتشجيعهم على العودة اليه , وتيسيرها .
10) تبني الدولة تخصيص نسبة لا تقل عن 1% من الدخل الوطني سنويا لدعم الثقافة , وتشجيع التنوير والتحديث الثقافيين , ولحماية وحفظ الموروث الثقافي .
11) تنشيط الثقافة العلمية والمعرفية من خلال دعم المنظمات والجمعيات المهنية والأكاديمية , وتشجيع مشاركة اعضائها في اقامة المؤتمرات العلمية .))..
فلنعمل معا على تنشيط دور الوسط الثقافي العراقي في ترقية الوعي الاجتماعي وتنميته في الأوساط الاجتماعية والشعبية وفي عملية بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية . وفي العراق سنظل بحاجة دائمة الى الاصلاح الثقافي كما الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي , حيث لا يوجد ميدان في العراق اليوم الا ويحتاج الى اصلاح , اليس كذلك ؟؟؟!!!
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟