|
اختلفوا علي كل شيء.. واتفقوا علي معاداة العلمانية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يوم السبت الماضي.. صدر حكم قضائي برفض تأسيس حزب "مصر الأم". ونحن معتادون علي رفض تأسيس الأحزاب السياسية. لكن الجديد هو حيثيات الرفض الأخير. فقد قالت المحكمة في أسباب حكمها إن الحزب. قد اصطدم في برنامجه بنصوص الدستور والشريعة الإسلامية. حيث أشار إلي عدم أهمية ذكر الديانة في المحررات الرسمية باعتبار أن العبرة بالوطن وليس الدين. ويطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص علي أن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. كما أنه يدعو إلي العلمانية. هذا الحكم يضعنا أمام مجموعة من المشاكل. المشكلة الأولي هي أنه يذكرنا بأن حق تشكيل الأحزاب السياسية مازالت تعترضه عقبات وموانع كثيرة ومتنوعة. وأننا مازلنا بعيدين عن الوضع الطبيعي. ألا وهو أن يكون إنشاء الأحزاب السياسية بالإخطار فقط. وليس باشتراط الحصول علي ترخيص من أي جهة كانت. المشكلة الثانية هي أن هذا الحكم يذكرنا باستمرار وطأة الخلط بين الدين والسياسة. والغريب أن الحكومة هي ذاتها التي ذرفت الدموع. وشقت الجيوب ولطمت الخدود أثناء انتخابات برلمان 2005 عندما حققت جماعة الإخوان المسلمين "المحظورة" نجاحا كبيرا وانتزعت عددا من المقاعد أكثر من المتوقع. وكانت الغضبة الحكومية مبنية علي أساس اتهام الجماعة "المحظورة" باستغلال الدين وإقحامه في السياسة. ويزيد العجب عندما تتمسك نفس الحكومة - بعد ذلك - بالإبقاء علي المادة الثانية من الدستور التي تعطي المشروعية القانونية لفكر وممارسة جماعة الإخوان المسلمين. وعندما تتصدي هي ذاتها للعلمانية وتناصبها العداء!. المشكلة الثالثة هي أن هذا الحكم يذكرنا بتاريخ طويل من الافتراء علي العلمانية. والإصرار علي تشويهها وتصويرها كما لو كانت مرادفة للكفر والإلحاد. في حين أن حقيقتها أبعد ما تكون عن ذلك. لأن العلمانية - كما قلنا مئات وآلاف المرات - لا تعني سوي إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وتجنب الخلط بين الدين والسياسة حماية لكل منهما. ومنعا لخلط الأوراق. وتجنبا لوضع ما هو مطلق وما هو نسبي في خندق واحد. وحفاظا علي ما هو مقدس من الممارسة اليومية المتحولة والمتغيرة لما هو دنيوي. ولعلنا مازلنا نذكر أنه قبل صدور حكم السبت المشار إليه صدرت عن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف بضع كلمات في معرض حديثه عن جماعة الإخوان المسلمين. فقال الرجل إن الجماعة تلعب بالدين في ميدان السياسة وتريد إقامة دولة دينية في مصر وهو أمر غير مقبول في بلد علماني منذ قرون. وكأن نظيف نطق كفرا.. فقد قامت الدنيا ولم تقعد. وانهالت عليه الانتقادات من كل حدب وصوب. ولم تقتصر الجهات الغاضبة من تصريح رئيس مجلس الوزراء علي جماعة الإخوان وحلفائها. بل انضمت إليها أصوات من الحزب الوطني الحاكم. ليس هذا فقط.. بل إن الدكتور مفيد شهاب. وهو وزير في حكومة نظيف كما هو معلوم. سارع ب "تصويب" التصريحات المنسوبة إلي رئيس حكومته. قائلا إن نظيف لا يقصد أن مصر "علمانية". وأن سوء الترجمة هو المسئول عن هذا الالتباس!. وبمفهوم المخالفة.. فإن نفي مفيد شهاب لكون مصر دولة "علمانية" يعني أنها - في رأيه - دولة دينية. فلماذا الهجوم علي الإخوان المسلمين إذن؟!. وعلي أي حال.. فليس المهم هو موقف الحكومة. فهي حرة في أن تتخذ ما تشاء من مواقف حتي لو كانت مواقف متناقضة. أو تستمريء اللعب علي كل الحبال. المهم هو أنه إذا كان من حق الإخوان أن يروجوا لأفكارهم التي "تحلل" ارتباط الدين بالسياسة. وإذا كان من حق الحكومة أن تغازل الجماعة "المحظورة" حينا وتدير ظهرها لها حينا آخر. أو توجه لها الضربات الأمنية باليد اليمني بينما تمسك ببرنامجها الفكري المتأسلم باليد اليسري. فإن من حق الفصائل الأخري أن تنشيء الجمعيات والأحزاب التي تنطلق من أرضية مغايرة تماما. وتطالب بوضوح وصراحة بفصل الدين عن السياسة. فهكذا فعلت كل الأمم المتقدمة التي كانت غارقة في الظلام والتخلف في العصور الوسطي ولم تعرف النهضة إلا بعد تبني العلمانية. والمفارقة المدهشة أن الدول الأوروبية استعانت بمؤلفات الفيلسوف المسلم ابن رشد وترجمتها إلي لغاتها لمواجهة الثقافة الثيوقراطية. بينما قمنا نحن العرب والمسلمين أصحاب تراث ابن رشد بإحراق كتبه فيما بعد!!. ثم إن دعاة الخلط بين الدين والسياسة يتناسون أن مصر دولة فيها أقلية قبطية كبيرة. وبالتالي فإن التشبث بالمادة الثانية من الدستور الحالي يعني تجاهل هذه الأقلية الكبيرة. وهي جزء لا يتجزأ من الجماعة الوطنية. واستمرار هذا التجاهل هو بمثابة خميرة عكننة تهدد الوحدة الوطنية. وليست المسألة مقتصرة علي المواطنين غير المسلمين. فالإصرار علي المادة الثانية يتناقض مع روح المبدأ القائل بأن الأمة هي مصدر السلطات. ويخلق مشكلة عويصة تتعلق ب "المرجعية" الدينية في دولة يشكل المسلمون السنة معظم أهلها. فهل تكون هذه المرجعية للأزهرة أم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين. أم لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبومصعب الزرقاوي أم من؟. إن هذا الحكم الذي صدر يوم السبت الماضي لا يغلق ملفات القضية. بل لعله يفتحها مجددا. فمثل هذه الأمور لا يحسمها حكم قضائي بل يقررها حوار مجتمعي حر يشارك فيه جميع أطراف الجماعة الوطنية.. وهو حوار لا غني عنه ونحن نتحدث عن الإصلاح السياسي والدستوري.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معضلة أحمد عز
-
الارهاب .. على الطريقة الكندية
-
رسالة من كندا إلي أحمد نظيف.. ابن مونتريال
-
»ثلاثية« المصريين بين الوطن والمهجر
-
حاجة تقرف!
-
ماليزيا تغادر سبنسة العالم الثالث.. وتلحق بقطار التقدم عام 2
...
-
الخصخصة.. وسنينها - 1
-
الخصخصة.. وسنينها - 2
-
أتوبيسات الغلابة .. منجم ذهب!
-
لماذا يتحول كل خلاف إلى عداء مستحكم؟!
-
أمريكا.. غوريللا النفط العالمي
-
هل يعود شهبندر التجار .. بأزياء ديموقراطية؟!
-
.. كى تبقى القاهرة حاضرة الحواضر .. وبستان العالم
-
حراس التراث الحى .. يستغيثون!
-
مصر متخلفة بثلاثين عاماً عن الدول التى تشجع الاستثمار!
-
صورة أقوى من الكلام
-
ليس دفاعاً عن البهائية .. والبهائيين
-
الديموقراطية أحط شىء فى العالم
-
فعلها الهندي الأحمر المتمرد!
-
اطلبوا الحريات.. ولو من الكويت
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|