وصفي أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 17:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأب الروحي لجماعات
الإرهاب الإسلاموي
سيد قطب ( 9 أكتوبر 1906 ـ 1966 ) . 1
عندما تُذكر الجماعات الإسلامية الراديكالية , لابد وأن يقفز إلى الذهن سيد قطب , فمن هو هذا الرجل ؟
ولد سيد قطب في قرية صغيرة في مصر , والتي امتازت بقربها من نهر النيل وانتشار بساتين الزراعية فيها , وقد نشأ في اسرة متوسطة الحال ومتدينة , فوالده الحاج قطب إبراهيم , كان من عائلة محافظة ومتدينة , وكان غالباً ما يصحب إلى الجامع , سيد قطب , الذي حفظ القران في سن مبكرة .
وقد عُرف عنه في القرية حب المطالعة , التحق بمدرسة المعلمين الأولية ونال جائزة الكفاءة في التعليم الأولي ولم يتجاوز الخامسة عشرة سنة , ثم دخل كلية دار العلوم ليتخرج منها وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الآداب . 2
في مدرسته عُرف سيد قطب بالجرأة على ناظر المدرسة والمدرسين , خاصة وأنه كان متفوقاً في دروسه , وهو ما ولد لديه شعوراً مبكراً بذاته وأخذ يتشبه بالرجال ويسلك مسلكهم . وعند اندلاع ثورة 1919 كان سيد قطب يحضر اجتماعات الحزب الوطني ثم حرب الوفد .
وعندما هدأت الأمور بعد ثورة 1919 رحل إلى القاهرة عام 1922 ليستكمل دراسته في المدرسة الأميرية وانتهى منها عام 1924 , وعمل مدرساً في احدى المدارس الأولية وببعض الصحف مصححاً لما ينشر فيها , وفي الوقت نفسه التحق بمدرسة دار العلوم وأنهى دراسته فيها عام 1933 , وفي هذه السنة صدر كتابه الأول (( مهمة الشاعر في الحياة )) , وبعدها بعامين أصدر ديوانه الأول (( الشاطيء المجهول )) , وصار ينشر مقالات له في صحف ( البلاغ ) و( كوكب الشرق ) و( الأهرام ) وغيرها من الصحف والمجلات . 3
من الأمور المهمة التي لعبت دوراً مهماً في حياة وفكر سيد قطب سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ( 3 نوفمبر 1948 ) من خلال بعثة تعليمية من قبل وزارة المعارف , تحت اسم (( مهمة ميدانية )) للإطلاع على (( المناهج وأصول التربية )) . وقد أثارت هذه البعثة الكثير من اللغط والنقاشات , ما بين قائل أن البعثة كانت وليدة تخطيط مدبر من أجل مسخ فكر سيد قطب , لأن مقالاته كانت تزعج الملك وأعوانه . وبين قائل أن الأمر لا يعدو كونه بعثة لدراسة المناهج بحكم عمل سيد قطب في وزارة المعارف . 4
وعن بعثنه إلى أمريكا يقول حسام سويلم عن بعثة سيد قطب إلى أمريكا , والتي يصفها بالغامضة , أن الأوساط العلمية فوجئت بها حيث أنها لم تكن مرتبطة معينة كما هو متعارف عليه في تلك الأيام , كما أن المبتعث سيد قطب كان قد تجاوز السن التي تشترط إدارة البعثات توفرها في من ترسله لهذا الغرض , ولم تكن من أجل الحصول على درجة علمية , كما لم يكن مرسل إلى جامعة بعينها . لهذه الأسباب وغيرها نظر المتابعون والمؤرخون بعين الريبة إلى تلك البعثة وصل إلى حد الاتهام . وهنا يتساءل الدكتور طاهر مكي الاستاذ في دار العلوم : (( من الذي أوحى بالبعثة وفكرتها ؟ ودفع سيد قطب إليها ؟ وماذا كانت الحقيقية من ورائها بعيداً عن الظاهر غير المقنع )) ؟ ويستطرد دكتور مكي قائلاً : (( واضح أن ذهاب سيد قطب إلى الولايات المتحدة كان وليد تخطيط أمريكي خفي بعيداً عن سيد قطب . فمن الغريب , والعصبية المعهدية على أشدها في تلك الأيام في وزارة المعارف , أن تخصص بعثة لموظف في دار العلوم وفي مثل هذه السن .. ولم يكن يدري أنه كان رهان أمريكي , وفيما بعد اعترف سيد قطب لرفيق في السجن , سيد سالم , أنه وقع تحت اغراء الضغط الأمريكي بكل الوسائل , ولكنه لم يقع في شباك أي منها , لكنه , على أية حال , عاد من أمريكا ساخطاً عليها ومعادياً لها )) . أما الناقد والكاتب أحمد عباس صالح فقد ابتعد عن المعايير البيروقراطية والمدرسية في اختيار سيد قطب لهذه البعثة واستند إلى معايير وخطاب اليسار في الستينيات , فيقول : (( سيد قطب لفت أنظار الاستعمار منذ وقت مبكر بكتاباته المناوئة للاشتراكية بدعوى أن الإسلام والاشتراكية متناقضان , فدعي إلى الولايات المتحدة وأمضى أكثر من عام , عاد بعدها لينشر كتاباً مليئاً بالمغالطات ضد العدل الاجتماعي وضد الفكرة الاشتراكية تحت ستار الدعوة الإسلامية )) . فيما يشير الاستاذ علي الدالي بالقول : (( .. كما عبر صديقه يحيى حقي عن دهشة أكبر لانضمام قطب إلى الإخوان بعد عودته من أمريكا )) , كما أن الغريب هو أن سيد قطب ما أن عاد من بعثته حتى قدم استقالته من وزارة المعارف ! .
أما السؤال الذي يخص سيد قطب ويفرض نفسه عليه هو : لماذا وافق على هذه البعثة من الأساس , خاصة وأنه كان يعمل في ديوان وزارة المعارف , مما يؤكد أنه كان يعلم بها منذ مراحلها الأولى , ويعلم أيضاً أن بعثته كانت ممولة من مشروع (( النقطة الرابعة )) الذي تبناه الرئيس الأمريكي ترومان بعد الحرب العالمية الثانية . ولقد كانت كل البعثات التي لا يحصل عليها أصحابها على الماجستير أو الدكتوراه ممولة من هذا المشروع . كما أن البعثة كانت كما قيل بعد هذا أنها كانت بعثة فريدة من نوعها ... فقد ترك له حق التجول في كل أمريكا , والإقامة حيث يشاء والالتقاء بمن يشاء , وقد بقي ثلاث سنوات , حيث عاد في صيف عام 1951 .
خلاصة القول :
حقيقة الأمر أن سيد قطب ذهب إلى أمريكا في مهمة اختارته لها الأجهزة والمؤسسات المخابراتية والسياسية الأمريكية التي كانت تؤسس هناك للحفاظ على المصالح الأمريكية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة على المدى البعيد , وأبرزها فرض الهيمنة الأمريكية على بلدان الشرق الأوسط واستغلال مواقعها وثرواتها في الحرب الكونية ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي آنذاك وتمثله روسيا اليوم , وهي حرب ستكون ممتدة عبر القرن الحادي والعشرين الحالي . ولكي يتحقق هذا الهدف كان على أجهزة التخطيط الأمريكية أن تعمل على إضعاف دول المنطقة وجيوشها وذلك بتقسيمها عرقياً وطائفياً ومذهبياً وأسلوبها لتحقيق ذلك هو إثارة الفتن الطائفية والعرقية والصراعات السياسية المسلحة , مما يؤدي إلى ما عبرت عنه كوندليزا رايس عام 2006 بـ (( الفوضى الخلاقة )) . أما وسائل تحقيق ذلك فهم جماعات وأحزاب التيار الإسلامي وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين , وهو ما يفسر التنسيق العميق بين الإدارة الأمريكية ومكتب إرشاد الجماعة في مصر والتنظيم الدولي للإخوان طوال السنوات الماضية . ولتحقيق العنف والفوضى والصدامات الدموية كان يتبنى إيجاد البواعث والمبررات العقائدية لذلك وزرعها في عقول عامة الناس . وتلك كانت مهمة سيد قطب التي تم تجنيده لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ونجح فيها بامتياز عندما غرس في كتبه أفكار تجهيل المجتمع المصري وتكفير أبنائه , ثم استحلال حرماتهم , وإيكال هذه المهمة إلى جماعة الإخوان المسلمين لتقويض أركان هذا المجتمع وإزالة نظامه الحاكم بدعوى إقامة المجتمع الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية 5 . فكر سيد قطب :
سيد قطب يعتبر أن المجتمع المسلم لا يمكنه أن يتحقق إلا بقيام عصبة مؤمنة تفاصل المجتمعات الجاهلية التي تسود العالم اليوم , ثم التحرك لإزالة هذه المجتمعات بالقوة .
فعلى المستوى الفكري العام أرسى سيد قطب النواة الأولى لمدرسة اسلمة المناهج الإسلامية والتأسيس لمنهج التعامل مع الجانب الثقافي والفكري والعقدي والحضاري العام في الظاهرة الإسلامية .
وقد أعاد سيد قطب تعريف الإسلام والمسلم والمجتمعات الإسلامية واعتبر أن المسلم هو الذي يقر لله بالوحدانية في العقيدة والعبادة والشريعة وأن المجتمعات الإسلامية هي التي تقر بحق الله في التشريع والحكم ولا تنازعه ما اعتبره أخص خصائص الوهيته وهو حقه في الأمر والنهي والتشريع .
ولم يكتف بذلك بل اعتبر أن المجتمع المسلم لا يمكن أن يتحقق إلا بقيام عصبة مؤمنة تفاصل المجتمعات الجاهلية التي تسود العالم اليوم ثم تتحرك لإزالة هذه المجتمعات بالقوة باعتبار أن مسألة الصراع بين المجتمعات الجاهلية والإسلام هي معركة لا تتوقف .
وهنا يؤسس قطب لمواجهة النظم الداخلية التي يرى أنها جاهلية بيد أنه يقف مع العالم كله موقف مفاصلة ومواجهة أيضاً حيث يعتبر أن الوطن الإسلامي أو دار الإسلام هي الدار التي يمنحها المسلم ولاءه والعالم كله دار حرب يقف المسلم معه موقف حرب أو مهادنة يدفع فيها الجزية .
إن هذا يبرر , في الواقع , الفزع من أفكار قطب لأنها لا تزال تمثل مصدراً للثورة على النظم السياسية في الداخل وعلى النظام العالمي الذي يرى سيد أنه نظام ضد الإنسان .
تحولات سيد قطب الفكرية
كان سيد قطب من تلامذة العقاد والمقربين له والمدافعين عنه حتى وقعت الجفوة بينهما . وقد مر سيد قطب بمراحل فكرية متعددة فقد كان في بداياته مع الوفد ثم انتقل إلى الإخوان بعد عودته من أمريكا , وكان ينافح في بداياته عن الأفكار العلمانية ثم انتقل إلى الدفاع عن الأفكار الإسلامية ثم انتقل إلى جماعة الإخوان ثم أسس فصيلاً متشدداً مستقلاً داخلها ليصبح المنظر الأهم لأكثر الجماعات التكفيرية والجهادية .
وكان قطب صديقاً للرئيس ناصر عقب ثورة 1952 , وكان كتاب (( العدالة الاجتماعية في الإسلام )) هو همزة الوصل والتلاقي الفكري بينهما قبل أن يلتقيا , وكان ناصر يشكو لقطب من الإخوان وتصرفاتهم معه في بداية الثورة , ثم تبدلت العلاقة بينهما إلى النقيض حينما اعتقلهم ناصر وحكم عليه بالسجن 15 عاماً . ولعل هذا الحكم وما رآه فيه من عذاب وهوان كان العامل الرئيسي في كتابات سيد قطب التي أدت إلى نوبات متكررة من العنف والتكفير والصدام مع الحكومات المختلفة , وقد أعاد مراجعة كتبه وزادها تشدداً بعد سجنه في الخمسينيات , حيث لم يتوقع أن يسجن لأنه وقتها كان مجرد رئيس تحرير لصحيفة الإخوان , وكان وقتها على هامشهم ولم يكن في صلب التنظيم .
وقد تحول فكره نحو التطرف والتشدد وإطلاق تسميات عامة مثل المجتمع والحكم الجاهلي , فهم منها أنها تكفر المجتمع والحكام .
ويعد د . عبد المنعم أبو الفتوح أول من نقد ونقض فكر سيد قطب صراحة وعلانية , وكان وقتها في الإخوان , وظل على رأيه هذا ولم يحد عنه وكون مجموعة كبيرة في السبعينيات كانت ترى أن الفكر القطبي أضر بالإسلام والحركات الإسلامية ولعله في ذلك قد تأثر بأستاذه عمر التلمساني , ويعد كتاب (( في ظلال القرآن )) هو أهم كتب سيد قطب وأشهرها .
وبعض العلماء الكبار من الإخوان , وغيرهم , اعتبروا معالم على الطريق , وهذا الكتاب سبب فكري في انتشار موجات التكفير والعنف التي اجتاحت العالم الإسلامي منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم .
ويعد الكتاب , رغم روعة سياقاته الأدبية , مرجعاً رئيسياً درسه كل قادة الجماعات التي تبنت فكرتي التكفير والتفجير والاغتيالات ابتداء من شكري مصطفى و د . أيمن الظواهري إلى أبو بكر البغدادي , ومعظم الجماعات الجهادية الأخرى فكلهم نهل من هذا الكتاب واستقى منه . والسؤال الملح : لماذا أصبح الكتاب الأدبي سبباً في انتشار فكرتي التكفير والعنف ؟ , والإجابة تكمن في الآتي :
أولاً : ـ كتب سيد قطب الضلال بأسلوب أدبي جذاب ولكنه لم ينضبط بالضبط الفقهي أو فواعد العقيدة الإسلامية الصارمة . والأسلوب الأدبي فضفاض وغير منضبط , وتختلف لغة الأديب المرسلة الحالمة عن الغة الفقيه المنضبطة .
ثانياً : ـ سمى قطب كتابه في ضلال القرآن ولم يسمه تفسير القرآن , ولكن المصيبة الكبرى أن أكثر الجماعات التي تأثرت بالكتاب أخذت كل ما كتبه قطب على أنه قرآن منزل أو أحكام فقهية أو عقائدية متفق عليها أو مجمع عليها , ويا ويل من يناقشها , فأخذوا ينزلون كلمات قطب على مجتمعاتهم وحكوماتهم ودولهم بطريقة خاطئة , ويتعاملون معها تعامل المعصوم , دون أن يفرقوا بين الإسلام المعصوم بقرآنه وبسنة نبيه وبين الفكر الإسلامي غير المعصوم الذي يصدر عن أي عالم أو مفكر يخطأ تارة ويصيب تارة أخرى .
ثالثاً : ـ أطلق كتاب (( في ضلال القرآن )) تعبير الجاهلية في أكثر أحاديثه عن سور القرآن وأعادها وكررها رغم أن الكلمة لم تتكرر في القرآن كثيراً , ولم تدر آياته حولها . ثم أطلق الجاهلية وقسمها , فتارة يتحدث عن حكم الجاهلية , والمجتمع الجاهلي , وأفاض في الحديث عن الجاهلية التي ربطها في الكفر بطريق غير مباشر , دون تحديد دقيق لمعنى الجاهلية , وأن أي مسلم أو مؤمن يمكن أن تعتريه صفات الجاهلية في بعض الأوقات ولا يخرج عن الإسلام بذلك .
فلم يفصل قطب فصلاً دقيقاً واضحاً بين مصطلحي (( الجاهلية والكفر )) رغم أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) وصف أحد أصحابه الأجلاء بقوله (( إنك امرؤ فيك جاهلية )) ولم يقل أحد بكفر هذا الصحابي , بل لم يأت هذا المعنى في ذهن أي أحد .
فالمعنى الدقيق للجاهلية الوقوع فيما يخالف الإسلام , وهل هناك بشر لم يلتبس يوماً بمعصية كبيرة أو صغيرة أو يخالف الدين في صغيرة أو كبيرة , البشر ليسوا كلهم ليسوا معصومين باستثناء الأنبياء .
لقد أنزلت كل الحركات الإسلامية الجهادية أو التكفيرية العنيفة كل كلمات سيد قطب عن جاهلية الحكم على كل حكام المسلمين وكفرتهم جميعاً دون استثناء , وأطلقت على الجيوش والشرطة في كل بلاد العرب هذه الأوصاف ونقلتهم من خانة الإسلام إلى الكفر , وبعضها كاد أن يكفر مجتمعه كما حدث مع جماعة شكري مصطفى .
رابعاً : ـ أدار سيد قطب كل آيات القرآن العظيم كله حول فكرة إنزال جماعة الإخوان المسلمين محل جماعة الرسول الأولى , وإنزال عبد الناصر وأعوانه , وكل الحكام العرب منزلة أبي جهل وقريش الذين يصدون عن سبيل الله ويرجونها عوجاً . وأن الصراع بينهما محوره الإيمان والكفر , رغم أن حقيقة الصراع بينهما كانت سياسية في أصلها وأساسها .
العلاقة بين سيد قطب وثورة يوليو / تموز 1952
كان ناصر وقطب ثوريان آمنا من أن القوة سبيلاً للتغيير , وأن الأفكار تفرض بالدبابة وأن المرء يدافع عن أفكاره ولو كان ثمنها الموت .
كان سيد قطب أول أطلق اسم (( ثورة )) على حركة الضباط الأحرار عام 1954 وكان أكبر منظر للثورة ومسؤول إعلامها , بل وذهب إلى أبعد من ذلك حيث طالب الجيش باسم الملايين بعدم العودة إلى ثكناتهم بعد نجاح الانقلاب فمهمتهم لم تنته بعد .
وفي بداية حكم محمد نجيب رشح سيد قطب لأحد الوزارات السيادية , ولكن عبد الناصر منع ذلك فالخلاف بدأ يظهر , فعبد الناصر خشي من الحركة ( يقصد بها حركة الإخوان المسلمين / وصفي ) كأكبر تنظيم اجتماعي وسياسي في مصر ورأى فيهم تهديد لحكمه .
أما الإخوان المسلمين فقد رأوا أن انفراد عبد الناصر بالسلطة هو خيانة لهم ونقض للبيعة فهم من أوصلوه الى السلطة . و توقع الإخوان أنهم سيشاركون عبد الناصر الحكم , فبدأ الصراع وتوج في حادثة المنشية , الذي تسبب في قمع عبد الناصر للإخوان بأن زجهم في السجون وكان من ضمن من دخل السجن سيد قطب الذي تعرض إلى تعذيب شديد وفي خضم التعذيب خرج بفكرة التكفير والهجرة التي ألهمت لاحقاً الحركات التكفيرية 8 .
حادثة المنشية
تعد حادثة المنشية من الأحداث التي تثير الجدل , فهناك روايتان للحادثة , الرواية الرسمية التي تتهم الإخوان بتنفيذ الحادثة للتخلص من جمال عبد الناصر الرجل الأقوى في النظام المصري آنذاك , ورواية الإخوان التي تنفي الاتهام وتتهم النظام بتدبير الحادث لإزاحتها عن المشهد السياسي المصري 9 .
سيد قطب في السجن
كما هو معروف , أن السيد قطب كان قد اعتقل على خلفية محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وحكم عليه بالحبس 15 سنة . وعن هذه الحقبة من حياة سيد قطب , يقول الاستاذ محمد عساف في كتاب ـ مع الإمام الشهيد حسن البنا ـ ( لقد أخذ هؤلاء أفكارهم عن الشهيد سيد قطب , فقد ألف سيد قطب كتاباً هو (( في ظلال القرآن )) , وهو كتاب تفسير عظيم مبتكر , إذ يفسر السورة تفسيراً شاملاً , كما ألف كتاباً آخر وهو في السجن , هو (( علامات على الطريق )) ألفه وهو في حالة نفسية سيئة , وكان فيما كتبه في ذلك الكتاب متشائماً إلى أبعد حد بسبب ما كان يعانيه من ظلم وتعذيب وافتراءات , لذلك أخذوا عنه فكرة الحاكمية لله , وتكفير المجتمع ... إلى غير ذلك مما غذى عقولهم المريضة ... ) . ويقصد معالم في الطريق , وهو من الكتب المشهورة لسيد قطب , وقد ورد هذا الكلام في كتاب محمود عساف أثناء حديثه عن الجهاز الخاص وتأثرهم بسيد قطب , والحقيقة أن مجمل كلام محمود عساف مبني على إشاعة حسن الظن في سيد قطب والإخوان المسلمين , وأن ما حدث من أخطاء قد ارتكبها فصيل منفلت من جماعة الإخوان , وهو الجهاز الخاص .
وكما نعرف أن هؤلاء الآراء قد أشيعت بين الأخوان المسلمين بعد اتفاق الرئيس محمد أنور السادات مع المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين إلى نشاطهم الدعوي باستثناء الجهاز الخاص , لذلك سنجد كتابات كثيرة في مرحلة عمر التلمساني , خصوصاً أن محمود عساف كان من المجموعة القديمة التي عايشت أخطاء الجهاز الخاص في الأربعينيات , وكان يقف موقفاً مناهضاً للجهاز الخاص , خصوصاً في مرحلة قيادة عبد الرحمن السندي , وهذا واضح في كلامه في هذا الكتاب , إلا أن عساف في هذا القول المنقول قد تعمد الكذب ( والقول السيد ناصر الحزيمي ) لصالح تنظيم الإخوان , فسيد قطب قد ظهرت نزعاته المتطرفة قبل كتاب معالم على الطريق , وقبل كتاب في ظلال القرآن , بل ظهرت واضحة في كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام قبل ذلك , والذي صدر قبل انضمام سيد قطب للإخوان المسلمين , كما أن مقولة سيد قطب خرج بمثل هذه الآراء المتطرفة والتكفيرية غير صحيح , فسيد قطب في اعتقاله الأول سنة 1954 بسبب حادثة المنشية لم يتعرض للتعذيب كما يقال , بل كان يعامل معاملة خاصة , وذلك لعدة اسباب ؛ منها علاقته المبكرة بقيادة الثورة وعلى رأسها محمد نجيب وجمال عبد الناصر , والسبب الثاني أن حالته الصحية كانت تستدعي معاملة خاصة , ولذلك نقل من السجن العام إلى المستشفى التابعة للسجن , وكان يسمح له فيها بالفسحة والقراءة والكتابة والترويح , وهي المرحلة التي كتب فيها سيد قطب أغلب كتبه التي صدرت بعد ذلك , بما فيها المعالم والظلال , ففي هذه المرحلة كان سيد قطب يكتب ملزمة تفسيره في ظلال القرآن وترسل عن طريق السجن إلى الرقابة التي كان يجيزها الشيخ محمد الغزالي 11 .
وفاة سيد قطب
في مايو / مايس 1964 تم الافراج عن سيد قطب بتدخل من عبد السلام عارف , الرئيس العراقي الأسبق , لكنه بعد حوالي 8 أشهر تم القبض عليه بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان بهدف إسقاط الحكومة .
حكم عليه بالإعدام مع 6 من رموز الإخوان بعد كتابته رسالة احتجاج للمباحث العامة عقب القبض على شقيقه (( محمد قطب )) , وتم تنفيذ الحكم يوم الاثنين الموافق 29 أغسطس 1966 12 .
الخلاصة :
لعلي لا أتجنى على الحقيقة , إن قلت أن الصراع بين سيد قطب وجمال عبد الناصر إنما هو صراع بين تيارين سياسيين أرادا طبع الدولة المركزية بطابعهما , الأول تمثل في التيار الإسلامي والثاني التيار القومي العربي .
ويمكن القول أن كلاهما يمثل فكراً إقصائياً غير قادر على قبول الأخر , فهذه المشاكل والصراعات كان يمكن حلها بسهولة لو كان نظام الدولة ديمقراطيا ً تداولياً , خصوصاً وأن طرفي النزاع كانا يمثلان ذات الطبقة الاجتماعية .
وعن تطرف سيد قطب , فأنا أرى أن عوامل نفسية وأخرى اجتماعية لعبت في ذلك , فهو كان قد عائلة متدينة , ثم عاش حياة غامضة , يضاف إلى ذلك احساسه بالظلم , خصوصاً من مجلس قيادة الثورة المصرية , وفي القلب منهم الرئيس جمال عبد الناصر الذي ألقى به في غياهب السجون قد أثر كثيراً في نفسيته بالشكل الذي دفعه إلى هذه الدرجة من التطرف . انتهى
1 ـ سيد قطب , الموقع الإلكتروني للموسوعة الحرة .
2 ـ من هو سيد قطب ؟ ـ سطور , موقع إلكتروني .
3 ـ حسام سويلم , سيد قطب وبعثته المشبوهة إلى أمريكا , الوفد .
4ـ عمر عاطف نوفل , هذه حقيقة سفر سيد قطب لأمريكا , مدونات الجزيرة .
ه ـ حسام سويلم , مقالة سابقة .
6 ـ كمال حبيب , منهج جديد لقراءة فكر سيد قطب , المعرفة مقالات .
7 ـ ناجح إبراهيم , أسباب وراء تحول (( ظلال سيد قطب )) لنشر العنف والتكفير ـ بوابة الشروق ـ نسخة .
8 ـ إسماعيل الشريف , قطب وناصر , الدستور
9 ـ أحمد الجنابي , حادثة المنشية , الجزيرة نت .
10 ـ كامل كامل , ذكرى حادثة المنشية ... (( الإخوان )) حاولت اغتيال عبد الناصر باعتراف القرضاوي , اليوم السابع .
11 ـ ناصر الحزيمي , أكذوبة سبب تطرف سيد قطب ـ العربية .
12 ـ مونيكا حمدي , في ذكرى وفاته .. تعرف على سبب اعدام سيد قطب .
#وصفي_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟