|
البتكوين يد من سبارتاكوس أم قيصر ؟
قصي الشياح
الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 08:55
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يراهن بعض الخبراء على أن الذهب لا يزال هو الملاذ الأمن والوحيد في حالات انهيار الاقتصاد العالمي، انهيار يسرع في عجلته كل برهة من الزمن، إلا أنه على الضفة الأخرى هناك مراهنين أخرون يبشرون بعملة جديدة ( البتكوين) العملة الرقمية التي لا تنفك الأراء في الإيجاد أو الإطاحة بها . الموروث يثق بالذهب الذي صمد لقرون وتعتبر هذه ميزته للصمود فيما بعد وللإيجاد به أكثر من ذلك تنتقل المعركة إلى ساحة البتكوين بسؤال بسيط، ما الذي يضمن البتكوين أن يصمد إذا ما ظهرت عملة رقمية جديدة بمواصفات أفضل؟ وما الذي يضمن بالإستمرار في إستهلاك طاقة كهربائية مكلفة ولا حاجة لها لإستخراجه. لا تقف الحجج عند ذلك بل تستمر بقول أنها عملة تستعمل لتبيض الأموال ولا حاجة للمواطن الشريف بإستعمالها حتى أنها فقاعة لا رقيب لها ولا حسيب. ولكن على ماذا يرتكز الذهب بامتيازه كملاذٍ أمن للسوق؟ إجتاح إيران كورتيز ورفاقه الغزاة المكسيك في سنة ١٩١٥ وكانت حتى حينها عالماً بشرياً معزولاً لاحظ الأزتيك كما سمى الناس الذين يعيشون هناك أنفسهم بسرعة أن الأجانب مهتمون بشكل أستثنائي بمعدن أصفر معين، لم يكونو يتوقعون عن الحديث عنه بالواقع، لم يكن السكان الأصليون جاهلين بالذهب، كان معدناً جميلاً وسهل التشكيل لذا أستخدموه لصنع المجوهرات والتمثيل، وأستخدمو غبار الذهب أحياناً كوسيط لتبادل السلع، ولكن عندما كان أحد الأزتيك يرغب بشراء شيء ما فإنه بوجه عام كان يدفع الثمن بحبوب الكاكاو أو بلفافات من القماش لولهة بدى الهوس الأسباني بالذهب غير قابل التفسير، ما الذي عساه أن يكون مهماً جداً في المعدن الذي لا يمكن يؤكل أو يشرب أو ينسج ولين جداً بحيث لا يمكن أستعماله لصنع أدوات أو أسلحة؟ عندما سأل السكان المحليون كورتيز عما جعل الإسبان يظهرون مثل هذا الشغف بالذهب أجاب الغازي لأنني وزملائي نعاني من مرض القلب لا يمكن علاجه إلا بالذهب. أيضاً المال كان ثورة عقلية بحته أنطوت على خلق واقع جمعي جديد موجود فقط في الخيال المشترك للناس فقد كان هناك أنواع كثيرة من المال وقد وجدت قبل وقت طويل من أختراع العملة المعدنية وازدهرت ثقافات بأستخدام أشياء أخرى كعملة مثل الأصداف ك مال لحوالي ٤٠٠٠ سنة في جميع أنحاء أفريقيا وجنوب أسيا وشرقها وكان ما يزال ممكناً دفع الضرائب بالأصداف في محمية أوغندا البريطانية في أوائل القرن العشرين. عملت السجائر في السجون الحديثة ومخيمات الأسرى عمل المال غالباً فحتى السجناء الغير مدخنين كانو على أستعداد لقبول السجائر في البيع والشراء وحساب قيمة السلع الأخرى والخدمات بالسجائر وكان كل سعر مادة محدداً بالسجائر كما نسمع ان ذلك يحصل أيضاً في سجن رومي. إذن تمتلك الأصداف والدولارات قيمة في خيالنا المشترك فقط، فقيمتها ليست متأصلة في التركيب الكيميائي للأصداف أو الورق أو لونها أو شكلها وبكلمات أخرى المال والذهب والسجائر ليس واقعاً مادياً بل بناءاً نفسياً يقبل الناس على القيام بمثل هذه الأمور عندما يثقون في نسيج خيالهم الجماعي فالثقة هي المادة الخام التي تسك بها جميع أنواع المال. مكنت كميات الذهب والفضة التي وجدها غزاة أمريكا في القرن السادس عشر التجار الأوروبيين من شراء الحرير والخزف والتوابل من شرق أسيا، معظم الذهب والفضة الذي استخرج من المكسيك وجبال الأنديز تسرب من خلال الأصابع الأوروبية ليجد له منزلاً مرحباً في أكياس نقود مصنعي الحرير الصيني والخزف، ما الذي كان ليحدث للإقتصاد العالمي لو لم يعان الصينيون ورفاقه، ولو رفضوا البيع والشراء بالذهب والفضة؟ فرضت قوة العرض في أن تنسج الذهب والفضة في خيالنا المشترك. إلى حد الأن هناك ميزة واضحة أمام البتكوين ألا وهي سهولة التحويلات وبسرعة بدون تكلفة إضافية أو إشارة مرور من المصارف وهذه الميزة تُحارب بها البتكوين على أنها عملة غير قابلة للمراقبة تستعمل لتبيض الأموال. عسانا نسأل ألا يبيض تجار المخدرات أموالهم عبر شركات تنقيب للذهب وهمية؟ تسبب ليس فقط تبيض أموالهم ولكن بخسارة الأرواح خلال رحلة السفينة إلى بر الأمان كما في القصص القصيرة عن الكنز المفقود، وأيضاً تسبب بخسارة أراضي كثيفة الأشجار لتنقيب غير مشروع. هناك ميزة لربما تتوفر إذا ما تقرر بشأن الدولار الرقمي. يتحقق بذلك سيطرة الحكومة في مراقبتها للمواطن من خلال صرفه لكل بنس وحتى الأن لم نرى سبباً واضحاً للثقة بالحكومات فهل يتوقف البتكوين أمام عرش روما ليتقهقر إلى أدنى مستوياته أم يكون من نصيب قيصر وما كنا نعتقد بأنه الملاذ الأمن يرشو سبارتاكوس به عالم الأموات ؟ هل نبقى على أستعمال المصارعين في حلبة الكولوسيوم من أجل مجد وفضيلة روما ومصارعة الثيران وإشراك الديوك في قتال دموي أم نؤمن أن البتكوين أهون شراً من طرق أخرى لتبيض الأموال وتلاعب بالسندات وسيطرة حكومات لا تنقذ إلا الشركات العملاقة؟ لنرتقي إلى وساطة أكثر إنسانية كما أرتقينا في تطوير أساليب الترفيه من الكولوسيوم إلى المونديال.
#قصي_الشياح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
-
انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ
...
-
مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
-
مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية
-
الموازنة المالية تخضع لتعديلات سياسية واقتصادية في جلسة البر
...
-
شبح ترامب يهدد الاقتصاد الألماني ويعرضه لمخاطر تجارية
-
فايننشال تايمز: الدولار القوي يضغط على ديون الأسواق الناشئة
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|