أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - النفوذ السياسي لرجال الأكليروس العرب















المزيد.....

النفوذ السياسي لرجال الأكليروس العرب


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1581 - 2006 / 6 / 14 - 10:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا تزال مفاهيم العلمانية تثير الكثير من اللبث في مجتمعاتنا المتدينة، ولا تكاد الأقلية الليبرالية الصغيرة تتحدث عن أهمية الفصل التام بين الدين والدولة، إلا وتثور ثورة رجال الدين المتشددين الذين يسعون للحفاظ على المكاسب الزعامية والشعبية التي يحققونها من خلال تطفلهم على الشئون السياسية. لقد عانى الغرب طويلاً من تدخل الكنيسة في شئون السياسة، وذلك على الرغم من أنه لم تكن هناك في يوم من الأيام مسيحية سياسية أو سياسة مسيحية. ولكن الغرب تمكن تماماً من الفصل بين الكنيسة والدولة بفضل النجاح الذي حققته الثورة الإصلاحية التي قادها الزعيم البروتستانتي مارتن لوثر، حتى أصبح من المتعذر وجود دولة غربية واحدة تسمح للكنيسة ورجالها بالتدخل في شئون السياسة. ورغم النفوذ الديني الكبير الذي يتمتع به منصب بابا روما، وعلى الرغم من أن الفاتيكان يتمتع بالحقوق الكاملة للدولة المستقلة، إلا أن البابوات لا يمارسون السياسة نظراً لعدم وجود سكان بالفاتيكان، اللهم عدد قليل من الكاردينالات ورجال الحرس البابوي، كما أن تدخل البابوات في شئون السياسة الدولية أصبح - كما يبدو من خلال أحاديث وكلمات البابوات - يكاد يكون مقتصراً على الصلاة من أجل إحلال مبادئ السلام والتسامح والمساواة في العالم. ولعل الدور السياسي الأبرز الذي لعبه أحد بابوات الفاتيكان في عصرنا الحديث تمثل في دور البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في إحلال الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية، وتركز دور البابا عندها فقط في استغلال نفوذه الديني في بثت الحماس الوطني في الأوروبيين الشرقيين وبخاصة البولنديين من خلال مقولته الشهيرة "لا تخافو" التي فسرها المؤمنون الكاثوليك على أنها دعوة للتحرر من العبودية والطغيان.

الأمر يبدو مختلفاً كلياً في الدول العربية والإسلامية، التي اعتمدت نظماً مزجت بين الدين والسياسة ولم تتمكن، باستثناء تركيا، من الفصل بين المسجد والدولة. من الملاحظ أن النفوذ السياسي لرجال الدين لم يعد يقتصر على رجال الدين المسلمين، وإنما امتد في السنوات الأخيرة ليشمل أيضاً، وإن كان بدرجات أقل وضوحاً، رجال الدين المسيحيين في الدول التي تتواجد بها أقليات مسيحية. ولا يغفل أن التصاعد المستمر في النفوذ السياسي لرجال الدين المسيحيين يعود بالدرجة الأولى إلى النمو المتزايد لظاهرة التقوقع السياسي والاجتماعي للأقليات المسيحية الذي جاء متزامناً مع النمو المضطرد لظواهر الإسلام السياسي، والتطرف، والإرهاب. ومن ثم جاء فقد استخدام الأقليات المسيحية لرجال الدين المسيحيين كمراجع استشارية وملاذات أمنة لمواجهة العداء الذي أظهره المتطرفون الإسلاميون نحوها. وفي هذا الصدد برزت شخصيتا البطريرك مار نصرالله صفير والبابا شنوده الثالث كمرجعين مهمين في العديد من الاحداث التي طاولت المسيحيين المارونيين في لبنان والمسيحيين الأرثوذكس في مصر مع اختلاف الظروف التي كان على الرجلين مواجهتها أو التعامل معها. ففي حين واجه البطريرك صفير مرحلة لاحقة من الحرب الطائفية ومرحلة ما بعد اتفاق الطائف وتبعاتهما، واجه البابا شنوده تعنتاً من القيادة السياسية خلال فترة الرئيس أنور السادات بلغ حد محاولة قبيحة لتجريده من رتبته الكنسية، فضلاً عن التطرف والإرهاب اللذين استهدفا المسيحيين في السنوات الخمس والثلاثين الماضية. وعلى الرغم من الحكمة والوطنية التي يتمتع بها كلا من البطريرك صفير والبابا شنوده، ورغم عدم انخراطهما في الشئون السياسية بصورة مباشرة، وإن جاء تدخلهما في بعض الظروف إجبارياً بغرض الدفاع عن حقوق شعبيهما، ورغم عدم استخدام الرجلين للدين لتبرير وتفسير قضايا سياسية، إلا أن استخدامهما من قبل شعبيهما كمراجع في القضايا السياسية يجب إعادة النظر فيه لأنه يبقى برأيي أمراً يتعارض مع المبادئ الأساسية للعلمانية التي يعد الفصل التام بين الدين ورجاله ونصوصه من ناحية، والسياسة ورجالها وقوانينها من ناحية أخرى من اهم مظاهر نجاحها واستمرارها.

لقد أثار انتباهي في الأونة الأخيرة بدء عدد من رجال الدين المسيحيين المصريين في التفاعل مع مشاكل التفرقة والاضطهاد التي يعاني منها شعبهم عن طريق التظاهر أو الكتابة أو الإدلاء بالأحاديث الصحفية. تركزت محاولات واجتهادات هؤلاء حول الدفاع عن أقباط المهجر، وإدانة أحداث العنف الأخيرة ضد المسيحيين في مصر، والدفاع عن الحقوق التي يشرعها الدستور المصري للمسيحيين. على الرغم من أن هذه الاجتهادات قد تدخل تحت بند التعبير عن الرأي الشخصي الخاص بهؤلاء الرجال، إلا أنني أجد أنه ليس من واجب أو عمل رجال الدين التطرق لقضايا تحمل جوانب السياسية. فالوظيفة الأولى والأخيرة لرجال الأكليروس وعلى رأسهم البابوات والبطاركة والمطارنة والأساقفة كانت وتبقى وستظل دوماً تتمحور في رفع الصلوات وتفسير النصوص الدينية والتواصل مع المؤمنين في الأمور الروحية فقط لا غير. أما الأمور المتعلقة بشئون الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية للشعوب، التي انشغل بها بعض هؤلاء في السنوات الأخيرة عن قصد أو بغير قصد، فهي تعد من اختصاص لجان وهيئات مدنية يجب أن تمثل الشعوب المسيحية وتعبر عنها وترفع طلباتها إلى رجال الدولة والسياسة. وفي هذا الصدد لا يغفى على أحد أن الحكومة المصرية تتحمل وزر انشغال رجال الاكليروس المسيحيين بالأمور العامة حين تطلب منهم الظهور علانية في مناسبات أو برامج أعلامية جنباً إلى جنب مع رجال الدين المسلمين بغرض الحصول على تأييد الكنيسة في إحدى الأمور، أو التأكيد للمجتمع الدولي على التوازن بين المسيحيين والمسلمين، وإبراز مظاهر الوحدة الوطنية.

قد يبادر البعض بتبرير شروع رجال الأكليروس بالدفاع عن حقوق الأقلية المسيحية في العالم العربي، ولكني أرى أن على المسيحيين تفعيل دور المدنيين في حمل لواء الدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في المؤتمرات أو المفاوضات السياسية التي تتعلق بحقوقهم. ولقد شرع مسيحيو لبنان في تبني هذا الاتجاه منذ أمد بعيد، فنجد أن البطريرك صفير لا يشارك في جلسات الحوار الوطني كممثل عن المسيحيين، بل أن القادة المدنيين هم الذين يمثلون المسيحيين مثل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وزعيم التيار الوطني الحر ميشال عون وغيرهما. أما في مصر فالأمر يبدو مختلفاً إذ يظل البابا شنوده ممسكاً بزمام الأمور من كافة النواحي ومنها تمثيل شعبه في المحافل والاجتماعات السياسية. ربما يعود ذلك إلى عزوف المسيحيين المصريين عن الانخراط بالسياسة، أولعدم الثقة بمن اتجهوا نحو العمل السياسي، فمن المؤكد أن رجالاً مثل نبيل لوقا بباوي وإدوارد غالي الدهب وجمال أسعد عبد الملاك لا يتمتعون بثقة الشعب المسيحي بسبب الشكوك التي تدور حول انتمائاتهم التي تترواح بالمقام الاول بين الحكومة والتيار الإسلامي. غير أنني اعتقد أنه من المبشر أن تشهد السنوات الأخيرة بروز عدد أخر من المدنيين المسيحيين المنخرطين بالعمل العام أو السياسي، والذين يتمتعون بمصداقية الشارع المسيحي السياسي مثل يوسف سيدهم وسمير مرقص وسامح فوزي وعدلي أبادير ومجدي ميخائيل وغيرهم ممن يمكنهم حمل لواء الدفاع عن قضايا شعبهم بدلاً من رجال الأكليروس.

من المؤكد أن نفوذ رجال الدين المسيحيين امتد ليتطابق مع الدور الذي يلعبه رجال الدين المسلمين في ما يتعلق بالشئون العامة، وبالحريات المدنية الشخصية للمواطنين، وبحريات الإبداع والتعبير. فقد منعت معظم الكنائس الشرقية في لبنان ومصر والأردن أتباعها من مشاهدة فيلم "دافنشي كود" الذي يسيء بصورة بالغة للعقيدة المسيحية التي تقوم على ألوهية السيد المسيح وتنزهه عن الخطيئة. وعلى الرغم من رداءة الفيلم الفكرية والفنية التي شهد بها النقاد والجمهور، إلا انه لم يكن ينبغي لرجال الدين التدخل لمحاولة منع الفيلم الذي اعترف مؤلفه بأنه يقوم على أسس روائية وليست تاريخية. كان ينبغي على رجال الدين المسيحيين أن يثقوا بقوة عقيدة شعوبهم وقدرتها على مواجهة التيارات الفكرية المختلفة بدلاً من استخدام أسلوب المنع بقوة الحل والربط. غني عن البيان هنا أن المسيحيين من أتباع الكنائس الشرقية دون غيرهم استمروا على إيمانهم وحافظوا على عقيدتهم رغم كافة الضغوط التي تعرضوا لها منذ القرن الأول للمسيحية. قد يعود استخدام اسلوب الحل والربط الذي يمارسه رجال الدين الشرقيين إلى الإغراءات أو الاضطهادات التي تتعرض لها شعوبهم، ولكن ذلك لا يعني إغفال ذكر القصور الذي يشوب بعض ممارسة هؤلاء الرجال لدورهم في توعية وتعليم وتثبيت شعوبهم على المبادئ السليمة للمسيحية، وهو الأمر الذي يضع رجال الدين المسيحيين باستمرار في دائرة الخوف من كل من يتعرض للمسيحية والمسيحيين بالنقد.

لا شك في أن تدخل رجال الدين في الشئون العامة وبصفة خاصة السياسية منها يفسد علمانية المجتمعات العربية، ولا شك في أن فصل الدين ورجاله عن السياسة ورجالها الذي يعد حلماً لكل ليبرالي حر يؤمن بالحريات والحقوق المتساوية الأساسية للشعوب سيسترد للشعوب المقهورة هذه الحريات وتلك الحقوق. ولكن لأن المزايدة على الدين والتطرف الأعمى أصبحا يقودان مجتمعاتنا، فقد تحولت كافة الأديان إلى ملاجيء للمتدينيين، وأصبحت المساجد والكنائس ملاذاً للباحثين عن حرياتهم وحقوقهم. من الخطورة بمكان السماح لرجال الدين بالنزول إلى الشارع السياسي للتعبير عن أرائهم، لأن الصراعات السياسية ستتحول بتدخل رجال الدين إلى صراعات دينية طالما اصطبغت السياسة بالدين وتلون الدين بالسياسة، ولذا يجب ألا يكون هناك استثناءات لقاعدة فصل المسجد والكنيسة عن الدولة. ولا يجب على رجال الدين المسيحيين الاندفاع نحو تقليد رجال الدين المسلمين في طلب أو السعي إلى النفوذ السياسي، ففصل الدين عن السياسة في الإسلام يتطلب مجهوداً جباراً من رجال الفكر الإسلامي للوصول إلى صيغة تضع الدين في نطاق المسجد وليس الشارع، أما في المسيحية فالفصل بين الكنيسة والدولة واضح وصريح ولا يحتمل التأويل او المواربة. فليبدأ رجال الدين المسيحيين طريق الفصل بين الدين والسياسة في عالمنا العربي فتكون لهم الريادة في نهضة مجتمعاتنا من غفوتها الحالية، وليدع رجال الكنيسة المدنيين الأكفاء يناضلون في سبيل حقوق الأقليات المسيحية، وليتفرغ رجال الأكليروس لقيادة شعوبهم في الصلوات داخل الكنائس دون الانخراط في العمل السياسي، لأن الدين يجني على السياسة، والسياسة تفسد الدين.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه القبيح ل -حماس- الزرقاوية القاعدية
- مقتل الزرقاوي ومقتل الفكر الإرهابي
- عبء النفوذ السياسي لرجال الدين – نموذج السيد حسن نصرالله
- التوريث، الإخوان وأزمة الأحزاب السياسية في مصر
- ثروات الرؤساء والملوك في ميزان -Forbes-
- حكومة المالكي ونزع فتيل الطائفية
- مصداقية نجاد أم تربص المجتمع الدولي؟ أين المشكلة؟
- الإخوان يستهدفون حرية العقيدة في مصر
- قانون الزي الموحد يفضح عنصرية نجاد
- دافينشي كود بين مبدأي حرية التعبير والتسامح
- التديين التجاري وهداية هيفاء الواوا!
- قراءة في حديث استباحة فوضى القتل
- الأخ العقيد يصدر التطرف إلى إفريقيا!
- في إستقطاب الفتيات وتغييب العدل والشفافية والحريات!
- معضلة الإرهاب الديني
- التحالف مع الإرهاب تحالف مع الشيطان!
- إعتداءات دهب وكشف عورة الإرهاب
- الهروب من المسئولية في أحداث الإسكندرية
- إيران من اللعبة النووية إلى المواجهة النووية
- إلى شهداء الحرية: شكراً؛ ليس حب أعظم من هذا


المزيد.....




- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...
- 40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - النفوذ السياسي لرجال الأكليروس العرب