محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 23:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناقلت وسائل الإعلام اللبنانية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي قبل عدة أيام خبر قيام الأمن اللبناني إحباط عملية تهريب نحو 25 طناً من "حشيشة الكيف" كانت متوجهة من ميناء بيروت نحو بلد إفريقي "لم يتم تسميته". وثمة كثير من الشكوك تحوم حول ضلوع حزب الله في هذه العملية التي لاتعد الأولى له- و إن كانت الأكبر حتى الآن- فقبل نحو عام رفع النظام السوري الغطاء جزئياً عن أنشطة لحزب فيما يتصل بتهريب الحشيش, حيث تم اعتقال رئيس إدارة مكافحة المخدرات رائد خزام وعدد من الضباط و العناصر بتهمة تلقي رشى و الاتجار بالمخدرات, بعد أن كثر الحديث في وسائل الإعلام الموالية عن قيام إدارة مكافحة المخدرات بدخول إلى مدينة القصير التي يسيطر عليها حزب الله و ضبطها عمليات زرع و تهريب الحشيش دون أي تأكيد رسمي نظراً للسيطرة المطلقة للحزب على بلدة القصير و المناطق المحيطة بها منذ العام 2013 التي يعتبرها الحزب خياراً استراتيجياً أكثر منها واقعاً عسكرياً لم يأت بمحض الصدفة فقد تحولت البلدة (التي مُنع سكانها من العودة إليها لاحقاً و أجبروا على البقاء في مخيمات عرسال ) إلى مركز عمالة لزراعة الحشيش (على مساحة تزيد على 100 كم2) بالإضافة إلى تحويل أجزاء واسعة من الأراضي السورية في قرى "المصرية والحوز وربلة وعرجون والنزارية وجوسية والموح" إلى حقول لزراعة الحشيش بإشراف أمني صارم بحيث يمنع على العاملين استخدام الهواتف النقالة، كما تقوم حواجز الحزب و"نقاطه" العسكرية في تسهيل عملية إنتاج ونقل الجيش ومن ثم بيعه تحت إشراف قادة الحزب. (للمزيد, انظر:https://janoubia.com/2020/04/11 ). وكان حزب الله قد فرض نفسه كلاعب أساسي في سوق المخدرات بعقلية مافيوزية استحوذت على أنشطة تجارة المخدرات بإشراف عماد مغنية أحد أهم رجال القيادة الداخلية الضيقة لحزب الله (https://ipfs.io/ipfs/QmXoypizjW3WknFiJnKLwHCnL72vedxjQkDDP1mXWo6uco/wiki/FBI_Most_Wanted_Terrorists.html) و المسؤول الأول عن جناح الحزب العسكري (https://www.dea.gov/press-releases/2016/02/01/dea-and-european-authorities-uncover-massive-hizballah-drug-and-money)) والذي تتهمه الولايات المتحدة بقتل أكبر عدد من الأمريكيين في العالم قبل أحداث 11 سبتمبر ويشتبه في مسؤوليته عن الهجوم على مشاة البحرية في بيروت 1983 مما أدى إلى مقتل 241 جندي أمريكي وتنفيذ و تفجير السفارة الأمريكية في بيروت مما تسب في مقتل 63 شخصاً وغيرها من الهجمات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة (https://history.state.gov/milestones/1981-1988/lebanon) كما أنه متهم باختطاف طائرة تي دبليو إيه 847 وغيرها من الأنشطة التي أدت في نهاية المطاف إلى انسحاب قوات حفظ السلام الأمريكية من لبنان. و بتاريخ 12 شباط- فبراير 2008 فجّرت وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الإسرائيلية قنبلة في سيارة مغنية أثناء مغادرته احتفالاً بالذكرى التاسعة و العشرين للثورة الإيرانية في دمشق فقتل على الفور. لم يسفر اغتيال مغنية عن توقف نشاط حزب الله, فقد كشفت عمليات التنصت على الهواتف أن النشاط تواصل من خلال رجل الأعمال اللبناني أدهم طباجة الذي كان شريكاً تجارياً لأحد الشخصيات الرئيسية المرتبطة بحزب الله وبأنشطته التجارية (https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/jl0069.aspx)
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد كشفت (21-12-2017) ما أطلقت عليه "تغاضي" إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن فتح تحقيق بخصوص أنشطة حزب الله المتعلقة بتجارة المخدرات وغسيل الأموال. وفسّرت الصحيفة أن السبب الحقيقي في ذلك ربما يعود لرغبة الرئيس في تمرير "صفقة" الاتفاق النووي الإيراني. واستندت الصحيفة في مقالها إلى التحقيق الموثق والشامل الذي أجرته صحيفة بوليتيكو حول أسباب قيام الإدارة الأمريكية بإلغاء تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية(1) (https://www.politico.com/interactives/2017/obama-hezbollah-drug-trafficking-investigation/#smooth-scroll-top) عن شبكات الجريمة العابرة للحدود في إطار ما تم الكشف عنه ضمن " مشروع كاسندرا "(2), الذي ساعد الإدارة منذ العام 2008 على جمع أدلة تكشف عن تورط حزب الله عبر شبكاته الخارجية في تجارة المخدرات والسلاح وتبييض الأموال والأنشطة غير الشرعية الأخرى واستخدام الأموال الناتجة ( تتجاوز المليار دولار) في تمويل مشاركته في الحرب في سوريا.
وعلى مدار ثمان سنوات, قام عملاء إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية بعمليات تعقب وتنصت - بالتعاون مع أكثر من 30 وكالة أمنية أمريكية وأجنبية شاركت فيها أجهزة أمنية ( من سبع دول من بينها فرنسا وبلجيكا وألمانيا و إيطاليا) على المكالمات الهاتفية والعمليات السرية ومتابعة المخبرين وزرع عملاء سريين لرصد عناصر شبكات حزب الله ومتابعة شحنات الكوكائين القادمة من عدة دول من أمريكا اللاتينية باتجاه أوروبا والشرق الأوسط عبر غرب أفريقيا, وبعضها الآخر باتجاه الولايات المتحدة عبر فنزويلا والمكسيك, بالإضافة إلى عمليات تعقب لتدفق السيولات النقدية الناجمة عن هذه العمليات ومسارات " غسيلها" من خلال تكتيكات أخرى تمثلت بشراء السيارات الأمريكية المستعملة وشحنها إلى أفريقيا والشرق الأوسط, ومن خلال استجواب بعض الشهود الرئيسيين المتعاونين مع الإدارة تم التوصل إلى أن هذه الشبكة تتبع الدائرة الداخلية الضيقة لحزب الله ورعاته في إيران.
أدت سلسلة تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية في شباط- فبراير 2015، استناداً إلى تقارير لأجهزة أمنية أوروبية وأمريكية إلى الكشف عن تحويلات مالية ضخمة عبر لبنان لأفراد وشركات على صلة بحزب الله إلى كولومبيا عبر "البنك اللبناني الكندي" الذي سبق وربطته تحقيقات أمريكية بصفقات مالية لصالح الحزب, ففي حزيران- يونيو 2005 ، ألقت الشرطة الأكوادورية القبض على شبكة تهريب مخدرات يتزعمها اللبناني راضي زعيتر الذي كان يدير مطعماً في العاصمة كويتو. و وفقاً للسلطات الإكوادورية، كان زعيتر يموّل حزب الله بحوالي 70 ٪ من أرباحه من تجارة المُخدّرات.( بحسب لجنة المال في مجلس النواب الأمريكي, تشكّل مداخيل الحزب من تهريب المخدرات وتصنيعها وبيعها حوالي 30%). علماً أن الحزب اتّبع تكتيكات متنوعة للحصول على الأموال, عبر تجنيده مجموعات كاملة تقوم بنقل المال "غير النظيف" الناتج عن بيع السيارات القديمة في غرب أفريقيا إلى بيروت عبر حسابات مصرفية آمنة و بواسطة حوالي 300 متعامل يتلقى كل واحد منهم حوالي 4 ملايين دولار, ( تشير التفاصيل إلى مسؤولية المدعو أيمن سعيد جمعة " جونيور", المقيم في ميدلين- كولومبيا عن تبييض حوالي 200 مليون دولار شهرياً بمساعدة تجّار السيارات (https://www.treasury.gov/presscenter/pressreleases/Documents/Joumaa%20Chart%20Jan%2026%202011%20FINAL.PDF)، وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية الأعداد الهائلة للسيارات الأمريكية بالقرب من ميناء كوتونو في دولة بينين في غرب أفريقيا والتي ازداد عددها بمقدار الضعف خلال أقل من ثلاث سنوات- من كانون أول 2011 حتى منتصف 2014 - (https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/tg1035.aspx ). وتوثق هذه المعلومات والبيانات بطريقة لا تقبل الشك عمليات غسيل أموال عائدات المخدرات التي تقوم بها شبكة حزب الله. ومن الجدير ذكره أن أيمن جمعة "جونيور" هذا كان مسؤولاً عن تهريب 85 طناً من الكوكائين إلى الولايات المتحدة (https://www.dea.gov/divisions/dal/2009/dallas072309p.html) بالتعاون مع الكارتل المكسيكي المعروف باسم لوس زيتاس(https://www.justice.gov/archive/usao/vae/news/2011/12/20111213joumaanr.html) وبعض المورّدين من كولومبيا وفنزويلا, بالإضافة إلى تورطه في تبييض نحو 850 دولار من عائدات المخدرات في الولايات المتحدة ولبنان وبنين وبنما وكولومبيا و جمهورية الكونغو الديمقراطية (https://www.documentcloud.org/documents/4325659-Joumaa-Indictment.html). وتظهر وثيقة مؤرخة في الخامس عشر من كانون أول-ديسمبر 2011 ارتباط حزب الله عبر شبكة تتكون من البنك اللبناني الكندي ومراكز صرفة وعملاء بيع وشراء السيارات المستعملة بمخطط غسيل أموال بقيمة تصل إلى حوالي نصف مليار دولار( انظر: https://www.documentcloud.org/documents/4325664-Hezbollah-Money-Laundering.html). تم الكشف عن هذه المعلومات من خلال عملية استخباراتية مشتركة بين الموساد الإسرائيلي وإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية انطلاقاً من بيروت استهدفت البنك اللبناني الكندي حيث تمكنت من اختراق العمل الداخلي للبنك وحساباته المصرفية و أصوله البالغة حوالي 5 مليارات دولار وبهذه الطريقة تم رسم تدفقات المصرف المالية الناتجة عن الأعمال التجارية, وجمع ما يكفي من الأدلة حول نشاطات البنك و شبكة أيمن جمعة لتبييض أموال " عائدات مبيعات المخدرات" عبر البنك والعديد من مكاتب الصرافة. ورغم تقديم دعوى مدنية ضد المصرف (https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/tg1057.aspx ) وتجميد 102 مليون دولار من حساباته بتهمة تسهيل معاملات حزب الله المالية (https://www.justice.gov/usao-sdny/pr/manhattan-us-attorney-announces-102-million-settlement-civil-forfeiture-and-money) , إلا أن وزارة العدل لم تصدر قراراً بشأنه مما أثار غضب فريق عمل مشروع كاسندرا الذي حذروا من سلوك وزارة العدل هذا سيكون له عواقب بعيدة المدى للحد من أنشطة الحزب التي قد تهدد الأمن القومي الأمريكي.
عند هذه المرحلة المتقدمة من التحقيقات وضعت إدارة الرئيس أوباما سلسلة من العقبات في طريق عمل فريق مشروع كاسندرا, وتقول مجلة بوليتيكو- بعد الاطلاع على آراء العديد ممن شاركوا في الحملة الأمنية وبعد مراجعة أقوالهم مع الوثائق وسجلات المحكمة- أن السبب يعود إلى رغبة البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران, حيث أكد هؤلاء قيام وزارتي العدل والخزينة بإعاقة أو تجاهل طلبات كانوا قد تقدموا بها للحصول على موافقة الحكومة للقيام ببعض التحقيقات والملاحقات القضائية والاعتقالات أو فرض العقوبات المالية الهامة, فقد رفضت وزارة العدل- على سبيل المثال- توجيه اتهامات لبعض المشتبه بهم أو السماح لأعضاء الفريق في التحقيق مع البعض الآخر مثل عبد الله صفي الدين- ابن خالة حسن نصر الله- مبعوث حزب الله لدى إيران وأحد المتورطين الرئيسيين في شبكة حزب الله والذي يعتقد أن كان مشرفاً على " كيان تجاري" للحزب يتبع المجموعة المتورطة في تهريب المخدرات على الصعيد العالمي( للمزيد, انظر: https://www.dea.gov/press-releases/2016/02/01/dea-and-european-authorities-uncover-massive-hizballah-drug-and-money ), أو توجيه تهم مشابهة للبنك اللبناني الكندي المشارك في غسيل أموال المخدرات بالإضافة إلى عدد من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الموجودين في أمريكا. كما رفضت وازارة وزارة الخارجية الأمريكية العمل على استدراج بعض الشخصيات الهامة إلى بلدان يسهل فيها القبض عليهم. ويرى بعض أعضاء فريق عمل مشروع كاسندرا إن مسؤولين في إدارة الرئيس أوباما قد عرقلوا أو أعاقوا جهودهم الرامية إلى ملاحقة كبار أعضاء حزب الله بما فيهم " الشبح", رغم صدور لوائح اتهام أمريكية بحقهم منذ سنين. ويعد "الشبح" أحد أكثر الأشخاص غموضاً في شبكة عملاء حزب الله المرتبطين بعبدالله صفي الدين, وهو متهم من قبل الولايات المتحدة بإدخاله عدة أطنان من الكوكائين إلى الأراضي الأمريكية, وتعتبره الولايات المتحدة أحد أكبر تجار المخدرات في العالم و المورّد الرئيسي لشحنات الأسلحة التقليدية والكيماوية التي استخدمها بشار الأسد ضد السوريين,( https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/sm0056.aspx. )
ولعل السب في عدم ملاحقة هؤلاء يعود إلى خشية إدارة أوباما المزعوم من زعزعة الاستقرار المالي اللبناني. (انظر: https://docs.house.gov/meetings/FA/FA00/20170608/106094/HHRG-115-FA00-Wstate-MaltzD-20170608.pdf ), وهو ما دفع دافيد آشر, الخبير في قضايا التمويل غير المشروع والعضو المنتدب من البنتاغون للإشراف على فريق عمل مشروع كاسندرا, إلى وصف مثل هذه القرارات المعطلة لعمل فريقه بـأنها " قرارات سياسية" تدعمها الإدارة في واشنطن والتي كان من شأنها أن تقضي على جهودهم في مواصلة التحقيقات للكشف عن المزيد من الأعمال المشبوه لحزب الله وللشبكات الخارجية المرتبطة به,.. " لقد قاموا بتفتيت جهودنا رغم أننا تلقينا في البداية الدعم والتمويل اللازمين ولقد أتت القرارات من الأعلى".( للمزيد بهذا الشأن, انظر: https://docs.house.gov/meetings/FA/FA00/20170608/106094/HHRG-115-FA00-Wstate-AsherD-20170608.PDF ). وكان دافيد آشر قد أشار عن إلى التحقيقات التي كان يجريها الجيش الأمريكي في العراق عن دور إيران في تمويل وتسليح الميليشيات الشيعية هناك بعبوات ناسفة عالية التقنية تعرف باسم "المتفجرات الخارقة للدروع" ، والتي أدت إلى مقتل العديد من الجنود الأمريكيين وصلة هذا بصفي الدين و عمليات التهريب في كولومبيا التي بدى حزب الله كمركز لكل هذه المسارات المشبوهة في نشاطه وتعاونه مع العملاء الإيرانيين والجاليات اللبنانية للعمل في السوق السوداء وفتح طرق تهريب عبر واجهات متعددة ( مثل بيع الدجاج المجمد والمواد الإلكترونية) ومن ثم نقل الأسلحة وتبييض الأموال وشراء أجزاء من برنامج السلاح النووي الإيراني السري.. ومنذ استلام إدارة أوباما في ولايته الأولى، منعت وزارة الخارجية فرقة عمل مشتركة لمكافحة الإرهاب بقيادة مكتب التحقيقات الفدرالي من استدراج شاهد عيان رئيسي من بيروت إلى فيلادلفيا ليشهد ضد صفي الدين وغيره من عناصر حزب الله المتورطين في مخطط شراء أسلحة (1200 بندقية من طراز M4), ولم تقدم وزارة الخارجية تبريراً لهذا الموقف.
لا يبدو استنتاج دافيد آشر بعيداً عن الواقع, لاسيما إذا علمنا أن باراك أوباما كان قد وعد في حملته الانتخابية بتحسين العلاقات مع إيران واتباع نهج جديد في التعامل مع العالم الإسلامي, منتقداً عدم نجاح حملة سلفه- جورج بوش الابن- المتمثلة في الضغط على إيران من أجل وقف نشاطها النووي السري, ولذلك سوف يختار, أي أوباما, نهجاً مغايراً يتمثل في الحوار مع طهران بهدف التوصل إلى اتفاق معها بخصوص برنامجها النووي, وكان هذا ما عبّر عنه بدقة جون برينان- الذي عينه أوباما مسؤولاً عن مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض قبل أن يصبح مديراً للسي آي إيه سنة 2013 - إن الرئيس القادم " يمتلك الفرصة لوضع مسار جديد للعلاقات بين الأطراف» ليس من خلال الحوار المباشر فحسب, بل أيضاً "من خلال دمج حزب الله في النظام السياسي اللبناني"( انظر: https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/0002716208316732). وأن الولايات المتحدة سوف تعمل على تقوية العناصر المعتدلة في حزب الله, وشدد برينان, بحسب تقرير لوكالة رويترز في مؤتمر عقده في واشنطن 2010 بأن حزب الله " منظمة جديرة بالاهتمام و المتابعة " لافتاً النظر إلى تطور الحزب من " منظمة إرهابية " إلى " ميليشيا " و أخيراً إلى" حزب سياسي له ممثلين في البرلمان اللبناني وفي الحكومة" (https://www.reuters.com/article/us-lebanon-usa-hezbollah/u-s-wants-to-build-up-hezbollah-moderates-adviser-idUSTRE64I0UM20100519?type=politicsNews) دون أن ينسى وجود " بعض " العناصر التي تثير القلق الأمريكي, غير أن ما يهم الآن هو تقليص مدى تأثير مثل هذه العناصر من خلال العمل على تقوية العناصر المعتدلة داخل الحزب من أجل دمج الحزب في عملية سياسية أكبر تشمل المنطقة بأسرها.
ورغم إنكار العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما(3) ما ورد في تقرير بوليتيكو, إلا أن هذه الأخيرة قدمت رواية متماسكة فيما يعتقد أنها أدلة دامغة تثبت تورط الإدارة في وقف تلك التحقيقات, فيما يبدو أنها القصة الكاملة للطريقة التي " تمكن فيها حزب الله من الإفلات من العقاب؟" كبادرة حسن نية من الإدارة (4)، لتمرير الاتفاق النووي الإيراني, فقد كانت الولايات المتحدة ترغب بشدة في تمرير الصفقة بأي شكل وثمن كما تقول مجلة بوليتيكو التي بنت روايتها على تعميم يفترض وجود تعاون مطّرد بين عصابات المخدرات( من بينها عصابات لوس زيتاس المكسيكية وحركة فارك الكولومبية وعصابة بريميرو كوماندو دي لا كابيتال البرازيلية وكارتل Oficina de Envigado الكولومبي ) وشبكات " الإرهاب الإسلامي"- وحزب الله أحدها- يستند على دعم -علني حيناً ومضمر أحيان أخرى- من النخب السياسية الفاسدة, بما يساهم في مخاطر الإرهاب العالمي والانفلات الأمني وانهيار الأنظمة في دول أمريكا اللاتينية, وهو ما ساهم أيضاً في ازدياد تجارة المخدرات سواء بأمريكا اللاتينية أو باتجاه الولايات المتحدة على يد جزب الله "أحد أشد أذرع إيران فتكاً"( https://foreignpolicy.com/2019/02/14/paraguay-is-a-fiscal-paradise-for-terrorists/), حيث يمتلك حزب الله علاقات موثقة على طول سلسلة توريد تهريب المخدرات, فضلاً عن عمليات غسيل الأموال التي يتمكن من خلالها نقل عائداته إلى الشرق الأوسط وانتقاله من مرحلة جمع " الخوّات" والأموال من تجار المخدرات في المناطق الخاضعة لسيطرته في جنوب لبنان كما كان عليه الحال في ثمانينيات القرن الماضي إلى مرحلة توظيف عائداته الضخمة لإعادة بناء ترسانته في جنوب لبنان والتي تضررت بشكل كبير بعد حرب تموز 2006, ولتمويل عملياته العسكرية في المنطقة( لاسيما نشاطه الواسع في سوريا) وتحالفه الوثيق مع إيران وروسيا ونظام الأسد, وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي التي انتزعها من المعارضة المسلحة السورية, لاسيما القصير والقلمون و الزبداني التي باتت ميداناً رحباً لأنشطته في تسويق المخدرات حتى صار يوصف بأكبر تاجر" كابتاغون " في المنطقة. ولعل انشغال الولايات المتحدة في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر و تركيزها على "محاربة الإرهاب" هو الذي دفع حزب الله وإيران على العمل لإنشاء تحالفات مع الحكومات الحليفة لهما على طول "ممر الكوكايين" من أطراف أمريكا الجنوبية في بوليفيا و باراغواي و كولومبيا والإكوادور وفنزويلا(5) إلى المكسيك، لتحويلها نحو الولايات المتحدة
هل كان يتعين على الإدارة الأمريكية أن توكل مهمة ملاحقة أنشطة حزب الله " غير الشرعية" إلى وكالة المخابرات المركزية فقط؟, أم كان ينبغي أن تشترك جميع أو بعض الأجهزة التابعة لوزارات العدل و الخارجية و الدفاع والخزانة؟. ألا يتعارض هذا التداخل مع أولويات عمل كل جهاز على حدة؟
يرفض العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما التعليق على هذه الحالات الفردية، لكنهم أشاروا, مثلاً, إلى إدانة وزارة الخارجية للقرار التشيكي بعدم تسليم فياض. وقال العديد منهم، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، إنهم يستشعرون وجود أهداف سياسية أوسع من وراء ذلك، بما يشمل تخفيف حدة الصراع مع إيران، والحد من برنامجها النووي وإطلاق سراح ما لا يقل عن أربعة سجناء أمريكيين تحتجزهم طهران، وأن بعض جهود إنفاذ القانون كانت مقيدة بلا شك بسبب هذه المخاوف. لكنهم نفوا إلغاء أو عرقلة أي عمل ضد حزب الله أو حلفائه الإيرانيين لأسباب سياسية, فقد صرح كيفن لويس- المتحدث باسم أوباما، والذي عمل في البيت الأبيض ووزارة العدل بأن الإجراءات ضد حزب الله كانت تتبع نمطاً ثابتاً " سواء من خلال العقوبات الصارمة أو إجراءات تطبيق اللوائح القانونية قبل وبعد الاتفاق مع إيران". وقدّم لويس قائمة من ثمانية اعتقالات ومحاكمات كدليل على جدّية إدارة أوباما في ملاحقة عناصر حزب الله. وأشار بشكل خاص إلى العملية التي حدثت في شباط - في فبراير 2016 حين ألقت السلطات الأوروبية بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات والجمارك الأمريكية وحرس الحدود القبض على عدد من المشتبه بارتباطهم بحزب الله في فرنسا والدول المجاورة بتهمة استخدام أموال تهريب المخدرات لشراء أسلحة لاستخدامها في سوريا.
إلا أن عدد من العاملين في إدارة أوباما، أكد مزاعم فريق عمل مشروع كاسندرا.
فقد اعترفت كاثرين بور, التي كانت تعمل في مكتب تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة في عهد أوباما وأحد المستشارين السياسيين في الشؤون الإيرانية وذلك قبل أن تغادر منصبها في أواخر 2015، في شهادتها المكتوبة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي يوم16 شباط / فبراير 2016 ، بأنه "في ظل إدارة أوباما ... تم إخفاء هذه التحقيقات [المتعلقة بحزب الله] خوفاً من أن يتسبب هذا بتخريب العلاقات مع إيران و يسبب انزعاجاً من أي نوع للمسؤولين الإيرانيين و تعريض الاتفاق النووي للخطر "( https://www.documentcloud.org/documents/4329058-Katherine-Bauer-testimony-to-the-House-Committee.html). لذا, لم يتم ملاحقة عناصر حزب الله أو اعتقالهم أو تقديم لوائح اتهام أو إعلان عقوبات من قبل وزارة الحزانة التي كانت ستحول دون وصولهم إلى الأسواق المالية الأمريكية كما أنه لم يتم تسليم مذكرات قبض بحق الموقوفين في فرنسا وكولومبيا وليتوانيا أو توجيه تهم إليهم- في الولايات المتحدة(https://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/pubs/PolicyNote38-Bauer.pdf ). وكان دافيد آشر قد ذكر, على سبيل المثال, إن مسؤولي إدارة أوباما عبروا عن قلقهم بشأن إثارة مخاوف طهران قبل وأثناء وبعد مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. وقال إن هذا كان جزءً من محاولة "تحييد، وتقويض و وقف تمويل التحقيقات المتعلقة بإيران وحزب الله" ... "وكلما اقتربنا من [الصفقة الإيرانية] أكثر, كلما قلّت النشاطات الأخرى أكثر" مثل أنشطة عمليات خاصة كالمداهمات والملاحقات الأمنية أو لإنفاذ القانون، أو توقيع العقوبات المالية التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية.
ويبدو أن رغبة الإدارة في البحث عن دور لحزب الله في الشرق الأوسط أتى مكملاً لسعيها فتح آفاق حوار مع طهران. وهو ما يفسر- عملياً- تصوّر الإدارة لدور جديد للحزب في الشرق الأوسط إلى جانب رغبتها في التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات لوقف البرنامج النووي الإيراني, وهو ما قد يترجم لاحقاً إلى إحجام الإدارة عن القيام بأي تحرك قوي ضد ناشطي حزب الله بحسب ما يقتضيه فريق عمل مشروع كاسندرا. وعلى الرغم من أن مسؤولي إدارة أوباما أقرّوا أنهم كانوا يعملون على تحقيق أهداف سياسية أوسع نطاقاً وبأن بعض جهود إنفاذ القانون كانت مقيدة بلا شك بسبب المخاوف من تأثيراتها السلبية على المسار التفاوضي مع طهران، إلا إنهم أنكروا إعاقتهم أية إجراءات ضد حزب الله أو حلفائه الإيرانيين لأسباب سياسية. بل أن أحد المسؤولين الكبار في مجلس الأمن القومي، والذي لعب دوراً في المفاوضات النووية الإيرانية، زعم أن موقف فريق عمل مشروع كاسندرا من إدارة أوباما إنما ناجم عن منطق تكهني ليس إلا حين يفترضون أن وقف عملهم أو حجبه يعود لاعتبارات سياسية, فثمة عوامل أخرى يمكنها أن تلعب دوراً بما في ذلك عدم وجود أدلة أو مخاوف بشأن التدخل في عمليات المخابرات, على حد قوله. غير أن هذا لم يمنع فريق عمل مشروع كاسندرا من الزعم برفض إدارة أوباما اعتبار حزب الله " منظمة إجرامية عابرة للحدود" وعرقلوا المبادرات الاستراتيجية الأخرى التي كانت ستمنح فريق العمل أموالاً وأدوات قانونية إضافية، وقوى عاملة لمكافحة الحزب. وكذلك رفضهم للطلبات المتكررة بتوجيه الاتهامات للجناح العسكري للحزب بموجب القوانين الفدرالية, و امتناع الإدارة عن تقديم طلب لدولة التشيك تسليمها تاجر السلاح الأكراني علي فياض(6)(https://www.justice.gov/usao-sdny/pr/ivorian-man-pleads-guilty-manhattan-federal-court-conspiring-provide-material-support) , المستشار في وزارة الدفاع الأوكرانية والموظف الرفيع في شركة تصدير الأسلحة أوكريسبيك إكسبورت المملوكة للدولة(https://docs.house.gov/meetings/FA/FA00/20170608/106094/HHRG-), والمشتبه بانتمائه لحزب الله وأحد الناشطين في منطقة الحدود الثلاثية (7) , بالإضافة إلى الإشارة إليه في تحقيق إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية في غرب أفريقيا كمهرب أسلحة بارز لصالح حزب الله,
في السابع عشر من كانون أول- يناير 2017 و بعد طول انتظار و ترقب أعلن الرئيس أوباما عن التوصل إلى الاتفاق النهائي بشأن تنفيذ الاتفاق الإيراني، الذي تعهدت طهران, بموجبه, تعليق جهودها الرامية لبناء أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. و في غضون أشهر، قال مسؤولو فريق عمل مشروع كاساندرا أن مشروعهم صار بحكم الميت تقريباً. وتم نقل بعض من كبار المسؤولين عن المشروع إلى مهام أخرى. و نتيجة لذلك فقدت الولايات المتحدة قدرتها ليس فقط مراقبة أنشطة تهريب المخدرات و الأنشطة الإجرامية الأخرى في جميع أنحاء العالم, بل فقدت أيضاً الاطلاع على المؤامرات غير المشروعة التي يحيكها حزب الله مع كبار المسؤولين في الحكومات الإيرانية و السورية و الفنزويلية و الروسية- وصولاً إلى الرؤساء نيكولا مادورو و الأسد و بوتين وفقاً لما يقوله أحد أعضاء فريق عمل مشروع كاساندرا وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين الحاليين و السابقين. وقد أدى القضاء على مشروع كاساندرا إلى تقويض جهود الولايات المتحدة لتحديد كمية الكوكائين القادمة إليها عن طريق الشبكات المنتمية للحزب المختلفة وخاصة تلك القادمة من فنزويلا, حيث يخضع عشرات المسؤولين الكبار المدنيين و العسكريين للتحقيق منذ أكثر من عقد من الزمن.
كشفت إدارة مكافحة المخدرات ووزارة العدل عن مشروع كاسندرا في بيان جاء فيه تفصيلات هامة عن أهداف المشروع و الأطراف المشاركة فيه (حدد البيان بدقة سبع دول متورطة في عمليات تدفق أموال المخدرات لتمويل العمليات الإرهابية انظر: https://www.documentcloud.org/documents/4329070-DEA-reveals-massive-Hezbollah-scheme.html). مما تسبب في ضجة كبير فقد عبرت وكالة المخابرات المركزية عن غضبها من إعلان مشروع كاساندرا عن تفاصيل العمليات التجارية لحزب الله. وألغت الحكومة الفرنسية مؤتمرا صحفياً مشتركاً كان سيتم من خلاله الإعلان عن الاعتقالات( كانت الحكومة الفرنسية قد وقعت لتوها عقود توريد 118 طائرة إيرباص بقيمة تصل إلى نحو 25 مليار دولار بعد 11 يوماً فقط من بدء تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني).
لا شك أن موظفي المخابرات سوف يصرون على القول بأن ثمة مواضع يمكن رؤيتها بمنظور أكثر اتساعاً من مسألة تهريب مخدرات أو غسيل أموال وهذه حجة قوية لعدم السماح لإدارة المخدرات أن تتحكم وحدها في ملف خطر واستراتيجي وحساس مثل ملف حزب الله, بل ينبغي تضافر جمع الجهود من خلال العمل المشترك, فكلل طرف ملحة في الحصول على جزء من الكعكة.
و توضح القراءة المتأنية للقصة الخفية لمشروع كاساندرا كما تذكرها مجلة بوليتيكو الصعوبة الهائلة في رسم دليل عمل لشبكات الأنشطة غير الشرعية و طرق مكافحتها في عصر دمجت فيه أنشطة الإرهاب العالمي و تجارة المخدرات و الجريمة المنظمة بالإضافة إلى تنافس أجندات الوكالات الحكومية- وتحويل الأولويات على أعلى المستويات- مما قد يؤدي إلى عرقلة أي تقدم في مواجهة هذه الأنشطة.
...................
هوامش
1- من أحدث وكالات الأمن القومي الأمريكي ,أنشأت سنة 1973 بأمر من الرئيس ريتشارد نيكسون لتكون تحت إشراف وزارة العدل و تقوم بجمع البيانات و البرامج و الأنشطة المتعلقة بمكافحة المخدرات( للمزيد, انظر: https://www.dea.gov/history ). ويعود السبب المباشر لإنشائها إلى النشاط المتزايد في تجارة المخدرات منذ بداية السبعينيات ( و استمر طوال عقد الثمانينيات) في أمريكا اللاتينية, لاسيما بيرو وبوليفيا وكولومبيا، التي شكلت ما مجموعه 90٪ من تجارة المخدرات حول العالم حيث امتد نشاط الإدارة, وبسبب من خطورة و تشابك وتعقيد أنشطة الاتجار بالمخدرات فقد تداخل نشاط الوكالة بين مكافحة المخدرات و مكافحة الإرهاب مما خلق منافسة بينها بين وكالات و أجهزة أمريكية أخرى بحيث بات ينظر بمزيد من الشكوك لأنشطة إدارة مكافحة المخدرات عندما يتعلق الأمر بمسائل الإرهاب. وأنفقت إدارة مكافحة المخدرات منذ إنشائها ما يزيد على تريليون دولار في سبيل تفكيك عصابات المخدرات الكبرى, دون أن تنجح في ذلك مع انها أنفقت أكثر من سبعة مليارات دولار خلال عشر سنوات (من عام 2000 حتى 2010) على برنامج المساعدات العسكرية ضمن ما يسمى " خطة كولومبيا". وعلى الرغم من نجاح كولومبيا في السيطرة على العديد من مناطق زراعة الكوكا وإخضاعها لسيطرة الدولة، وكذلك نجاحها في الحد بشكل كبير من العنف المتصل بالمخدرات، فمازالت تعد بلداً رئيسياً في إنتاج الكوكايين على مستوى العالم.
2- يحيل الاسم كاسندرا إلى ابنة ملك طروادة في الميثولوجيا الإغريقية و يذكر أسخيلوس ( في مسرحية أغاممنون) أن هذه الشخصية الملحمية أحبها الإله أبوللو و سعى للظفر بها فأغراها بأن وعدها بمنحها القدرة على التنبؤ إن قبلت به, و لما فعل ذلك حنثت بوعدها و صدته. لم يستطع أبوللو إبطال مفعول ما منحها من قدرة إلهية فما كان منه إلا أن لعنها بأن يجعل لا أحد يصدق نبوءاتها الصحيحة ( تنبأت بأن وصول هيلين سوف يدمر طروادة, كما حاولت تحذير الطرواديين من اختباء المحاربين الإغريق في جوف الحصان الخشبي لكن لم يصدقها احد) و باتت كلمة كاسندرا تشير بلاغياً إلى الدلالة على القدرة على الجمع بين البصيرة العميقة و الحقيقية و العجز التام". وكان جان كيلي ( العميل المخضرم في إدارة مكافحة المخدرات و الذي كان يشرف على قضايا حزب الله في قسم العمليات الخاصة والذي عين و ترأس فريق عمل مشروع كاساندرا) هو من اختار الاسم " كاسندرا" ويقول أن عثر على الاسم أثناء قراءته كتاب إريك لارسون " في حديقة الوحوش " ، حيث ذكر السفير الأمريكي السابق في ألمانيا جولته التي تحدث فيها في الولايات المتحدة حول التهديد النازي المتزايد دون أن يلقى آذانا صاغية لكلامه بما يشبه ما لاقته كاسندرا في الأسطورة لإغريقية من تجاهل لتنبؤاتها المستقبلية. وحين تكتشف مأساتها سوف تصرخ شاكية " إيه أبوللو, لقد أهلكتني يا حبي القديم... لا سبيل لي الآن سوى الموت"....و هذا يشبه بطريقة ما شكوى فريق عمل مشروع كاسندرا حين شعروا أن إدارتهم هي من دمرتهم في حقيقة الأمر.
3- انتقد إدوارد برايس، الناطق باسم مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما رواية مجلة بوليتيكو و اعتبرها " لا تمت للواقع بصلة". مؤكداً أن إدارته كانت تقول مراراً و تكراراً أن المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني لم تتجاوز نقاط أخرى سواها. و أن الرئيس لم يقدم أي تنازلات في مسائل أخرى، كما لم يعرقل أو يحاول التأثير على سير قضايا أخرى، بما في ذلك تحقيقات وكالة مكافحة المخدرات, مؤكداً أن مزاعم بوليتيكو " غير كاملة و متناقضة". ويلمّح أن من قام بالتحقيق في مشروع كاسندرا إنما يعمل حتماً لمصلحة جهات " تعارض عقائدياً الاتفاق النووي الإيراني"، الذي يعتبره الرئيس الحالي، دونالد ترامب، خطأً لا بد من تصحيحه.
4-يذكر تحقيق مجلة بوليتيكو ما قاله ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية :" قالوا لنا[ يقصد الإيرانيون] قبيل التوقيع على الاتفاق بأن، نخفف من وطأة ضغطنا على حزب الله" .... " .. لقد كان إظهار حسن النية تجاه الإيرانيين قراراً استراتيجياً من طرفنا من أجل التوصل إلى اتفاق .. كان الرئيس يريد الصفقة.. حقاً كان يريدها ".. ثم يقول متهكماً " لقد قدمنا تنازلات لم يكن أحد يحلم أن نقوم بها من قبل, وهذا الأمر كان مدعاة لسخرية موظفي و ضباط السي آي إيه... علماً أن الحزب كان لايزال يقوم لتنفيذ اغتيالات و أنشطة إرهابية أخرى", غير أن هذا الأمر نفاه إدوارد برايس بقوله " كنا نعلم أنهم سيطلبون خدمة مقابل هذا , وكان من السخف أن نوافق على طلبهم". وهو ما أكده جون كيري ( الذي صار وزيراً للخارجية في ولاية أوباما الثانية و الذي كان مشرفاً على المفاوضات مع إيران) حين رفض الربط بين الاتفاق النووي الإيراني وأية قضية أخرى وهي, أي مفاوضات الملف النووي, مستقلة عن أي مسارات تفاوضية قد تنشأ بخصوص قضايا أخرى, غير أن الكثير من المحللين باتوا متأكدين من أن التوقيع على الاتفاق كان يعني حتماً عدم إثارة مخاوف الإيرانيين ( ومن خلفهم حزب الله) بقضايا أخرى. وفي الواقع فإن عودة سريعة لكرونولوجيا المفاوضات الأمريكية الإيرانية المكثفة تظهر أن الولايات المتحدة كانت تطلب فعلاً المساعدة من إيران في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية" داعش" , وكانت وول ستريت جورنال قد ذكرت في تقريرها المذكر في المتن أن الرئيس الأمريكي قام سرّاً بمراسلة آية الله علي خامنئي يخبره عن المصلحة المشتركة للبلدين في محاربة عناصر داعش في العراق و سوريا. ويشير تقرير مجلة بوليتيكو إلى تصريح العديد من المسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية عن حالات التوقف المتكررة لعمليات مكافحة المخدرات في الشرق الأوسط بسبب " الحساسيات السياسية "، وخاصة في لبنان، وقد دفعت ضغوط البيت الأبيض وكالة المخابرات المركزية إلى إعلان "وقف" العمليات السرية ضد حزب الله في لبنان أيضاً، لفترة من الوقت، بعد أن تلقت الإدارة شكاوى من مفاوضين إيرانيين.
5- تعاون الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بصورة شخصية مع الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، وحزب الله على تهريب المخدرات والأنشطة الأخرى الرامية إلى الحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة، وفي غضون بضع سنوات، ارتفعت مساهمة فنزويلا في شحنات الكوكائين من 50 طن سنوياً إلى 250 طن، يتجه معظمها إلى داخل الولايات المتحدة. وابتداءً من العام 2007 ،زعمت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية عن رصدها حركة جوية تجارية أسبوعية لشركة طيران كونفياسا المملوكة للحكومة الفنزويلية تربط بين كراكاس وطهران عبر دمشق، وتقول الإدارة أن هذه الرحلة كانت تنقل المخدرات والأموال وتعود بالأسلحة ورجال حزب الله ونشطاء إيرانيين يتم تزويدهم بهويات مزورة ووثائق سفر لدى وصولهم إلى فنزويلا لينتشروا من هناك في بلدان المنطقة, ومن أشهر هؤلاء رجل الأعمال الفنزويلي السوري المولد وليد مقلد، الملقب بـ "ملك الملوك" ، الذي تم احتجازه في كولومبيا عام 2010 بتهمة شحن 10 أطنان من الكوكايين شهرياً إلى الولايات المتحدة. وزعم مقلد أثناء التحقيق أن لديه 40 جنرالاً فنزويلياً في جدول رواتبه ويمتلك أدلة على تورط العشرات من كبار المسؤولين الفنزويليين في تهريب المخدرات وجرائم أخرى. وطالب بإرساله إلى نيويورك كشاهد متعاون ومحمي، لكن كولومبيا قامت بتسليمه إلى فنزويلا. غير أن هذا لا يعني أن أمريكا اللاتينية، كانت المنفذ الوحيد لأموال المخدرات ففي العام 2008 ألقت السلطات الأمريكية القبض على فايد بيضون الشهير بـ «ميغال غارسيا» في مطار ميامي الدولي؛ بتهمة الضلوع في تجارة الكوكايين لصالح حزب الله، وهو أحد أفراد عائلة «بيضون» الشيعية الكبيرة في جنوب لبنان. وفي نيسان -أبريل 2009، أعلنت السلطات الهولندية القبض على خليّة مكونة من 17 شخصاً ينتمون إلى شبكة دولية لتجارة المخدرات على صلة بحزب الله لشبهة الاتجار بنحو 2 طن من الكوكائين سنوياً، وفي تشرين الأول- أكتوبر 2009 ، ألقت السلطات الألمانية القبض على لبنانيّيْن متهمين بتهريب أموال ناتجة عن تجارة المخدرات إلى لبنان. وفي المغرب, تم القبض على قاسم تاج الدين أحد كبار الممولين المزعومين لحزب الله (https://www.justice.gov/opa/pr/lebanese-businessman-tied-hizballah-arrested-violating-ieepa-and-defrauding-us-government )،بعد سبع سنوات من إدراجه على قوائم وزارة الخزانة كراعٍ للإرهاب (https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/tg997.aspx) , ويقول دافيد آشر عن قاسم تاج الدين أن فريق عمله أبقى قضيته طي الكتمان، آملين تحقيق نتيجة أفضل مع الإدارة التي سوف تأتي بعد إدارة الرئيس باراك أوباما.( https://www.justice.gov/opa/press-release/file/952071/download. )
6- اعتقلت السلطات التشيكية علي فياض بناء على مذكرة أمريكية في نيسان- أبريل من العام 2014. وشكّل إطلاق سراحه لاحقاً صفعة كبيرة لمشروع كاسندرا, إذ يعتبر شاهداً بالغ الأهمية في أي ملاحقة أو تحقيق نظراً لعلاقاته القوية مع حزب الله وعصابات تجارة المخدات في أمريكا اللاتينية. وكانت السلطات التشيكية قد أفرجت عنه بعد أسبوع من بدء التنفيذ الرسمي للاتفاق النووي الإيراني ( تم التوقيع على الاتفاق النووي في تموز- يوليو 2015، وتم البدء تنفيذه رسميًا في 17 كانون الثاني- يناير 2016). وكان الرئيس التشيكي ميلوش زيمان قد صرح لوسائل الإعلام المحلية أنه أطلق سراح فياض بناءً على طلب شخصي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تم ترحيل فياض إلى لبنان ( مقابل الإفراج عن خمسة مواطنين تشيكيين اختطفهم عناصر حزب ) دون أن تتخذ إدارة أوباما أي خطوات جدية للقبض عليه علماً أنه كان مدرجاً منذ العام 2006 على قوائم الإرهاب لتورطه في تجارة المخدرات منذ العام 1995 والتخطيط لقتل موظفين حكوميين أمريكيين ومحاولة تقديم الدعم المادي لمنظمة إرهابية ومحاولة الحصول على صواريخ مضادة للطائرات ونقلها وإرسالها إلى بيروت, ويعتقد بعض المسؤولين هناك أن فياض عاد لممارسة أنشطته السابقة وهو يساعد في تسليح الميليشيات في سوريا وأماكن أخرى بأسلحة روسية ثقيلة ( انظر لائحة الاتهام الموجه له تاريخ 26 آذار- مارس 2014 https://www.documentcloud.org/documents/4325666-Ali-Fayad-Farouzi-Indictment.html , والتي تشمل في فقرات منها اتهامه بتزويد القوات المسلحة الكولومبية " فارك " بالأسلحة الثقيلة " التي يمكن أن تستخدم لقتل المسؤولين الأمريكيين والكولومبيين").
7-منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي, علماً أن تواجد عناصر حزب الله لا يقتصر على فنزويلا وكولومبيا, بل أن أهم عناصره في أمريكا اللاتينية تستقر في باراغواي، حيث يتمتعون بعلاقات قوية مع الطبقة السياسية الحاكمة. ومن اللافت للنظر عدم التعرض لعناصر الحزب في باراغواي (سواء على المستوى الشخصي أم التجاري) لأي نوع من العقوبات التي استهدفت فيها الإدارة الأمريكية عناصر الحزب في بلدان أخرى. وأبرز شخصيات حزب الله هناك المدعو محمد فايز بركات وهو يحمل أيضاً الجنسية اللبنانية ( استهدفته العقوبات الامريكية سنة 2006 بزعم تورطه في نقل أموال إلى الحزب من منطقة الحدود الثلاثية في أمريكا اللاتينية, لكن هذا لم يمنعه من أن يكون ضيفاً في حفل استقبال أقامته السفارة اللبنانية في العاصمة أسونسيون في 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2016 بمناسبة الاحتفال بعيد استقلال لبنان). ولعل أكبر مثال على نفوذ حزب الله في باراغواي تمثل في تعديل بعض القوانين سنة 2010 من أجل تعيين حسن خليل ضيا ذو الأصول اللبنانية سفيراً لبارغواي في لبنان, وضيا هذا تاجر شيعي من منطقة الحدود الثلاثية. ويبدو أن تعيين ضيا سفيراً في لبنان كان من أجل متابعة أعمال حزب الله في باراغواي, بما في ذلك التحضير لزيارة هوغو فيلاسكويز المتحدث الرسمي باسم برلمان باراغواي إلى لبنان في آب-أغسطس 2015 حيث التقى رجال دين تابعين لحزب الله في جنوب لبنان, كما التقى مع برلمانيين بارزين تابعين للحزب مثل نواف الموسوي ( رئيس قسم العلاقات الخارجية للحزب آنذاك, الذي ينظر له كمشارك رئيسي في أعمال البنك اللبناني الكندي), ومن الجدير ذكره أن معظم أعضاء الوفد المرافق لفيلاسكويز كان من التجار ذوي الأصول اللبنانية ومن منطقة الحدود الثلاثية, من بينهم وليد أمين سويد، وهو أحد الأشخاص الذين تشتبه سلطات باراغواي بتورطه في عملية غسيل أموال بقيمة مليار و مئتي مليون دولار عبر مصرف بانكو أمامباي في باراغواي الذي يخص رئيس البلاد السابق هوراسيو مانويل كارتيس خارا من خلال المؤسسة التي تملكها عائلته, وبينما لا توجد مؤشرات على أن كارتيس هو هدف أي تحقيق رغم ظهور اسمه في ملفات تسريبات فساد تشير إلى وجود مؤسسة مالية على جزر كوكس على علاقة بمصرف بانكو أمامباي الذي يملكه كارتيس، إلا أن سلطات إنفاذ القانون الأمريكي اشتبهت في اشتراك المصرف في عمليات غسيل أموال. وقد تسبب الكشف المبكر عن التحقيق ضمن ملفاتٍ نشرها موقع ويكيليكس عام 2010 في إعاقة التحقيق.
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟