|
منابر خادعة.
محمد أحمد فرحات
الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 18:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبه، محمد فرحات . كَثِيرًا ما كنت أفكر في سبب تقديس السند لتلك الدرجة التي تصل إلى حد الهوس، ولم لا يُعْتَمَد على نقد المتن ذاته فهو أوفق عَقْلًا من جهة، ومن جهة هو أسلم نَقْلًا، فالكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه هو القرآن الكريم؛ وعليه فما تناقض مع القرآن من أحاديث وآثار فهو باطل، ولأن آله التحليل، وسبر غور المعنى سيكون العقل، و قاعدته البديهية أن لا يجتمع حق وباطل في سياق واحد، وبينما أنا غارق حتى شحمتي أذني في جدل مع نفسي أو مع الناس ، أجد في كتاب الباحث المدقق حاتم صادق،" منابر خادعة"، إصدار دار "دلتا للنشر" ما يطمئن قلبي، ويعضد موقفي، و ما يؤيدني سَنَدًا حيال أولئك الذين يعنفوني بنظراتهم أو اتهامهم، يسرد الباحث أسباب تقديس السند، وهو تلك المصلحة المبتغاة التحصيل من وراء إلصاق أى متنن بسند رجاله كالذهب عَدْلًا و ضَبْطًا، من أول الترويج لسياسة أو دولة، وإيجاد سند يوافق هواها السياسي من الشرع، أو حتى مصلحة ضيقة كالحض على قيادة كفيف، إلى الترويج لسلعة ما كالهريسة، القرع، البذنجان، أو حتى الورد الأحمر!!. نهاية بالترغيب والترهيب ،وذلك إن كان للمصالح نهاية!!. يصنف الباحث في كتابه وضاع الحديث، ورواتهم إلى صنفين:- الأول هم أعداء الإسلام، وأولئك دوافعهم معلومة، ومفهومة من محاولة هدم نسق الشرع، ودس التناقضات القولية، والعقلية به، تَمْهِيدًا للتشكيك في الدين، وصرف الناس عن أطروحاته . وثانيهما؛ صالحون طيبون مقصدهم خدمة الدين و الذب عن الشرع، ويالها من نية طبية سلكت مقاصدها بأبغض الصفات التي لا تتصور من مسلم حق يتصف بها! ينقل الباحث عن عبد الرحمن بن محمد بن عثمان محقق كتاب الموضوعات لابن الجوزي:《 عاش إلى جوار الوضاعين الكارهين (أعداء الإسلام)، وضاعون صالحون غيورون على الإسلام، يضعون الحديث!!، ويزورون على رسول الله ما لم يقل، تَقَرُّبًا لله سبحانه، وتزلفًا إليه. وما كأنهم أثموا، ولا جاءوا ظُلْمًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا 》. وينقل الباحث من مقدمة الإمام مسلم ما هو أوضح من ذلك 《حدثني محمد بن أبي عتاب قال حدثني عفان عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث!! قال ابن أبي عتاب فلقيت أنا محمد بن يحى بن سعيد القطان فسألته عنه، فقال عن أبيه : لم نر أهل الخير في شئ أكذب منهم في الحديث》. وبالرغم من وضوح الكلام يبرر الإمام مسلم فيقول 《 يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب!!》. يقول الباحث《وهو تفسير بعيد إذ يفيد أنهم لا يتعمدون الكذب، ولكن الكذب هو الذي يتعمد أن يأتي إليهم، ويجري على ألسنتهم.》 و الأخطر من ذلك أن بعض السابقين قد أجاز تلفيق متن صالح المعنى، لم يرد عن النبي لَفْظًا، وربما معنى بسند صحيح، فيقول الباحث《 وهناك قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن ...وقد ساق ابن الجوزي بإسناده إلى أبي زرعة الدمشقي قال: حدثنا محمد بن خالد عن أبيه قال : سمعت محمد بن سعيد يقول : لا بأس إذا كان الكلام حسن أن تضع له إسْنَادًا》
ولننظر إلى كثير جِدًّا من الأحاديث المدرجة والتي يُبْنَى عليها، عند الفقهاء في مصنفاتهم وبشتى المذاهب، فنجدها من هذه النوعية الضعيفة أو الموضوعة، كأحاديث الماء المشمس مَثَلًا عند الشافعية، وتفسير ذلك كما يوضح الباحث 《وقد لجأ هؤلاء المتمذهبون بغباء شديد إلى تأييد كل رأي يرونه حَقًّا وَصَالِحًا وَشَرْعِيًّا إلى تقويته، ودعمه بحديث ينسبونه للنبي .. ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوي الفقهاء ولأنهم لا يقيمون لها سَنَدًا " ليصل الباحث لتلك النتيجة الصادمة الحقة مَعًا "وهؤلاء تتماهى حالتهم مع هؤلاء الرجال الذين وضعوا سفر تثنية الاشتراع من التوراة ونسبوه إلى نبي الله موسي عليه السلام كي يلقى القبول والثقة!"
منهم من أراد أن يحض الناس للعودة إلى القرآن بَدَلًا من النظر في الفقه أو المغازي والسير؛ فوضع حَدِيثًا مُطَوَّلًا عن فضائل سور القرآن سورة سورة وهو ميسرة بن محمد، ونوح بن مريم وقال مبرِرًا حين سأل عن كذبه قال"أما أنا فأكذب له، ولا أكذب عليه!" كيف، والأمر في جوهره كذب، بل وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي توعد الكاذب عليه بمقعد في النار، ولكنه المنطق المعوج و الاستخفاف بعقول الناس، والتغرير بهم. يعرض الباحث صِنْفًا آخر من الطائفة الثانية وهم "المتعصبون الجهلة من أتباع المذاهب؛ وضعوا الأحاديث نصرة للمذهب الذي ينتمون إليه، وكما و ضعوا أحاديث في فضل الإمام الذي ينتمون إلى مذهبه، وضعوا أحاديث في انتقاص، وتحقير غيره من الأئمة!". انظر إلى تلك الملاحاة المضحكة ضحك يقف بك على حافة البكاء المر …!! يذكر الباحث "أن أتباع الإمام أبي حنيفة لفقوا أحاديث كثيرة من نوعية" في كل قرن من أمتي سابقون، وأبوحنيفة سابق في زمانه...ثم يدخل الشافعية بهذا الحديث "عالم قريش يملأ طباق الأرض عِلْمًا" وعالم قريش هنا هو الإمام الشافعي، فيرد على ذلك حنفي متعصب برواية واضحة الكذب "سيكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي. وسيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنة على أمتي أضر من فتنة إبليس "ثم يقع المالكية، والحنابلة في ذات الداء باختلاق أحاديث للحض على مذهبهم، وصرف الناس عن غيره. وهل الشرع الذي أقر الله بكماله بحاجة إلى كذب أولئك، أو هؤلاء فيورد الباحث حجة منطقية غاية في الألمعية " أن خطورة اختلاق أحاديث، ونسبتها للنبي تحمل في طياتها إشارة سلبية للغاية لم يلتفت إليها الوضاعون بحسن نيتهم أو سذاجتهم المفرطة ، حين غفلوا أن ما يقومون به قد يوحي من قريب أو بعيد أن الدين ليس كَامِلًا، وأن الشريعة ليست جامعة، وأنها في حاجة إلى إضافة، واستدراك حتى و لو من باب الكذب الأبيض الذي كانوا يرونه كَذِبًا لِلنَّبِيّ لَا كَذِبًا عَلَيْه !". يقول الباحث "وفي تتبع مسار الوضع، والتلفيق في الحديث، يجد المرء طَرِيقًا طَوِيلًا من العبث،و السخرية، والكوميديا السوداء، مثل هذا الأعمى الذي وضع حديث :( من قاد أعمى أربعين خطوة دخل الجنة)؛ ليشجع الناس أن يقودوه في سيره ... ومن وضع حَدِيثًا في فضل البذنجان، ليروج لسلعته فقال "كلوا الباذنجان، وأكثروا منها فإنها أول شجرة آمنت بالله !!" فلماذا كرر الناس بل، ودعاة المنابر هذه الأحاديث يجيب الباحث باختصار من كتاب " ليس من قول النبي " للمرحوم العلامة أحمد شاكر منها ، " عدم الاهتمام بالأسانيد وذكر الخبر بلفظه أو بمعناه " وثاني الأسباب عند شاكر كما أورده الباحث "التساهل في رواية الحديث" ثم" الاعتماد على سماع الحديث من غير أهل العلم، وعدم الرجوع إلى المصادر الأصلية، ضحالة العلم عند من يقومون بواجب الدعوة، وكذلك عند الخطباء في المساجد. " و السؤال ومع احترامي مع ما أورده الباحث، فكل ذلك قاصر على صغار الدعاة، والمبلغين، فكيف ببعض من نَظَّرَ لفلسفة الكذب من الفقهاء وأهل العلم الأوائل ؟!! وعليه فنقد المتن هو المخرج من تلك المأساة، فليس كل متن ورد بعد سند صحيح بصحيح، وعرضنا كيف أجاز البعض من الأوائل اختلاق السند لكلام يرونه صَالِحًا، حتى و إن لم يكن من كلام النبي، والقاعدة الأولى في نقد المتن هو الاحتكام للقرآن الكريم فيما يوافقه، وما يتناقض معه عَقْلًا وَنَقْلًا . ينقسم الكتاب "منابر خادعة" إلى مقدمة بحثية محكمة، ومختصرة لمحاولة البحث عن جذور الكذب عن النبي . ثم الفصل الأول وهو عبارة عن ثلاثمائة من الأحاديث التي لا تصح في أبواب مختلفة . ثم الفصل الثاني عن أحاديث لاتصح في باب الصلاة، ثم الفصل الثالث عن أحاديث لا تصح في باب الصوم، مما تتكدس به مصنفات الفقه. ليصل مجموع الأحاديث إلى تسعة وخمسين وثلاثمائة حديث ملفق وضعيف يتداولها بعض الأئمة ينسبونها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . الكتاب محاولة جادة لوضع قدم على طريق صحيح بدايته تنقيح ما غصت به كتب التراث مما ينافي الشرع والعقل، ويقف حجر عثرة في سبيل كل محاولة استنارة وتقدم .
#محمد_أحمد_فرحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
-
البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع
...
-
نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود
...
-
آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق
...
-
بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا
...
-
مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب
...
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|