|
ذكرى مرور عام على رحيل تروبادور الثورة الدائمة بشير السباعى
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 16:06
المحور:
سيرة ذاتية
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون رحل عن عالمنا فى 21 أبريل الماضى المناضل ، والشاعر ، والمترجم بشير السباعى عن عمر ناهز 75 عاما ، وسوف يترك غيابه فراغا محسوسا فى الثقافة المصرية ، غير أن إرثه النضالى ، والثقافى ، سيظل زادا للمثقفين لفترة طويلة . كما أن جديته الشديدة سواء فى الكتابة ، أوالترجمة ، وتتبعه للتفاصيل الدقيقة ، وميله للتحقق ، والتثبت من الوقائع ، وعدم ركونه للشائع المتداول ، وقدرته على تركيز طاقته فى وجهة معينة ، يعلمنا جملة من أهم متطلبات العمل الماركسي العلمى . * كتب الكثيرون عن انتاجه مترجما ، ومؤرخا ، وشاعرا . ومنهم أحد أقرب رفاقه اليه فى " العصبة الشيوعية الثورية " التى تأسست فى سبعينات القرن الماضى ، وهو الدكتور علاء عوض ، الذى كتب مقالا بعنوان " بشير السباعى ( الرفيق يوسف ) المناضل الشيوعى الثورى " ، ونشر على موقعه بالحوار المتمدن فى 26 /4 / 2019 ، كما كتب عنه رفيقنا الأديب المؤرخ شعبان يوسف " دروس بشير السباعى " ، ونشر فى أخبار الأدب فى 27 /4 / 2019 . وهنا سأقتصر على التعرض فقط لمعرفتى غير المباشرة ، ثم المباشرة برفيقنا الراحل ، ثم بعض مظاهر علاقة التنظيم الشيوعى المصرى ( تشم ) – حزب العمال الشيوعى المصرى لاحقا ، بالعصبة الشيوعية الثورية . لقد كانت لحظة حل المنظمات الكبيرة فى الحركة الشيوعية المصرية – حدتو، الراية ، طليعة العمال عام 1965-- حدا فاصلا بين الحلقتين الثانية ، والثالثة منها . حيث قررت كل المنظمات الكبرى فى الحركة حل تنظيماتها المستقلة ، والإنضمام الى الاتحاد الاشتراكى العربى ، بوصفه بوتقة لصهر كل الإشتراكيين ، ودعما للديموقراطيين الثوريين ، و " المجموعة الإشتراكية " فى السلطة ، التى تنتهج طريقا لارأسماليا فى النمو ، وتتجه للإشتراكية* . وقد وجد كل ابناء جيل الستينات ( جيل التمرد ) فراغا سياسيا كبيرا ، فألتفت عناصر مثقفة محدودة حول منظمة " وحدة الشيوعيين المصريين " التى كانت تحليلاتها تتناقض وباقى فلول الحركة الشيوعية المنتحرة ، حيث رأت فى اشتراكية عبد الناصر " اشتراكية رأس المال الكبير " حسب وثيقة كتبها ابراهيم فتحى فى سجن القناطر الخيرية عام 1961إبان إعتقاله . ولكن المنظمة انغلقت على نفسها بعد عام 1965 ، ( ولم تنته فى عام 1966 كما أشار جينارو جيرفازيو فى أطروحته ، فقد كنت عضوا فيها عام 1968، وجندنى لها المناضل الراحل عبد السلام الشهاوى ) ، وكانت قد فقدت كثيرا من كوادرها ، وكفت عن اصدار تحليلات جديدة ، ونأت عن الممارسة الجماهيرية . كانت هناك ايضا عناصر مفردة اعترضت على قرار الحل ، وسجلت مواقفها بهذا الصدد ( من العمال منصور زكى ، محمد عبد الغفار ، محمد بدر ، المهندس رجائى طنطاوى وآخرين ) . ورغم ذلك لم تكف الحلقات الصغيرة عن الظهور قبل عام 1967( أشرت فى القسم الأول من سيرتى الذاتية المنشورة على موقعى بالحوار المتمدن الى إحداها ) ثم كان للهزيمة أثر قوى فى طرح ضرورة ، واهمية تكوين حزب شيوعى جديد ، وظهر ميل إلى ماأسماه الكاتب الراحل صلاح عيسي فيما بعد " غواية التنظيم " . وفى 8 ديسمبر 1969 ، تكونت حلقة خميس والبقرى ، وسرعان ماتسمت باسم التنظيم الشيوعى المصرى ، الى ان غيرته فى سبتمبر 1975 الى حزب العمال الشيوعى المصرى *** . كنت قد قضيت مايقرب من عامين معتقلا فى اعقاب المظاهرات الطلابية التى هزت النظام الناصرى فى فبراير 1968 بتهمة الانضمام الى " تنظيم شيوعى متطرف يتبع الخط الصينى " متنقلا بين معتقل القلعة ، ومزرعة طرة ، وسجن طنطا العمومى ، الى ان افرج عنى فى ابريل 1970، ووجدت نفسي بعد يومين من خروجى عضوا فى التنظيم الشيوعى المصرى . حيث أخطرنى صديقى القديم خليل كلفت عن تأسيس التنظيم ، ومنحى العضوية فيه ( وأسمونى حركيا فؤاد ) لأننى لو كنت فى الخارج - حسبما قالوا - لكنت واحدا من المؤسسين . وكان أول من ألتقيت بهم فى صحبة خليل كلفت من رفاقى الجدد هما د . حسنين كشك ، وحسن شعبان ، وفى الجيزة – بعزبة ابو أتاتة ، وعلى شاطئ ترعة ما أمام البيت ، جلسنا نتناقش حتى الصباح – وفى هذه الليلة تحدث خليل عن هذا الشاب الموهوب فى معرفته بعدة لغات ، ولم يكن هذا الشاب سوى بشير السباعى . وتحدث عن شاب آخر ( أسامة خالد محمد خالد ) ، كان أمينا لمكتبة كلية الآداب ، ودأب على استيراد الكتب الماركسية الاجنبية ، واعارتها لبعض الرفاق . ونظرا لوجود صلة عائلية بالرفيقين عادل رفعت ، وبهجت النادى فى فرنسا ( محمود حسين ) فقد كان يجلب لنا من باريس جريدة " المسيرة " الماركسية المناهضة للنظام الناصرى التى كان يصدرها محمود حسين آنذاك . كان بشير السباعى يعمل فى السبعينات فى مصلحة الإستعلامات كمترجم ، مما أتاح له الإطلاع على جملة من الكتب السياسية الصادرة فى الخارج ، وكانت تترجم لكبار المسؤولين خاصة ، ومحظورة التداول داخل البلاد ، لكنه كان يرحب بإعارتنا إياها . وأذكر اننى قرأت بعض الكتب التى اعارها لرفاقنا عن هزيمة يونيو 1967 ، ويعلق بذاكرتى بصفة خاصة كتاب لتصريحات بعض القادة الصهاينة عنوانه " علاقات جديدة ، وخريطة مختلفة " ، وكذلك " تحطمت الطائرات عند الفجر " لمؤلفه باروخ نادل . وقد كانت المفاجأة - عام 1971 - حين وجدنا بين أيدينا ترجمة لامعة لبشير لفصول من كتاب صدر فى فرنسا عنوانه : الصراع الطبقى فى مصر من 1945 – الى 1970 - بقلم محمود حسين ، عن دار نشر ماسبيرو ، وقد وصل لمصلحة الإستعلامات فور صدوره ، وفى وقت لم يكن معظم الرفاق ملمون باللغة الفرنسية . ترجم الكتاب فصلا فصلا ، وكان يوالينا بما إنتهى منه . توقف عن ترجمة الباقى من الكتاب بعد ان صدرت ترجمة مرضية للكتاب فى بيروت حيث نقله للعربية عباس بزى ، وأحمد واصل وأخرجته دار الطليعة ببيروت فى أبريل 1971 . كتب مقالا وحيدا خصيصا لنا تداوله رفاقنا بعنوان " كيف يحاكمون ؟ " وكان ردا على الماركسيين المرتدين الذين كانوا يرون ملكية الدولة علامة على التوجه الإشتراكى للنظام الناصرى . بنى المقالة بكاملها على موقف انجلز من إشتراكية الهر بسمارك ، وبصفة أخص على رسالة لإنجلز ينتقد فيها إشتراكية الدولة ، والرسالة موجهة من انجلز الى ا . برنشتين مؤرخة فى 12 مارس 1881 . **** كنا نطمح لإنضمامه إلى التنظيم الشيوعى المصرى ، نظرا لقدراته الفكرية ، وخاصة إلمامه باللغات . وبالفعل أتانا خبر إنضمامه إلينا ذات مساء ثم إنسحابه فى اليوم التالى . وقد إنتقدت هذا الأسلوب فى التجنيد فى مقال لى ظهر فى نشرتنا الداخلية " الصراع " – العدد الثانى – عنوانه : العضوية فى التنظيم الشيوعى . ***** كيفما كان الأمر لم تنقطع الصلة به ، وكلف رفيقنا خليل كلفت بمتابعة الإتصال معه ، ومناقشته فى الأحداث الجارية . كان قد شرع فى بناء العصبة الشيوعية الثورية تدريجيا ، فى أعقاب الإنتفاضات الطلابية لعامى 1972 – 1973 إلى أن أعلن تشكيلها عام 1975 . ورغم ماذكره الرفيق علاء عوض فى مقاله ، وما ذكره جينارو جيرفازيو فى كتابه عن مجلة " الثورة الدائمة " وماالعمل " أو " الشبيبة الثورية " فلم تصلنى أى من المجلات المذكورة ، وربما وصلت لرفيقنا خليل كلفت ، ولكنى قرأت إصدارا مستقلا للعصبة ينتقد فيه تحليلنا حول البيروقراطية البورجوازية ، وقد كان نقدا مؤصلا ، وربما إستند إلى تحليل تروتسكى للبيروقراطية السوفيتية ، ودحضه للقائلين بوجود طبقة جديدة مستغلة فى الإتحاد السوفييتى . كما قرأت تقريرا مطولا عن الفتنة الطائفية ، وأحداث الزاوية الحمراء التى جرت فى يونيو 1981 فى ظل الرئيس السادات . ولما كنت شديد الإهتمام بتحركات الأصولية الإسلامية آنذاك ، وكنت أتابع مايرد عنها فى مصادر مختلفة ، فيمكننى القول أن هذا كان أدق وأوفى تقرير قرأته عن الموضوع . يلخص رفيقنا علاء عوض مواقف العصبة فيما يلى : (كان الخط السياسي الرئيسي للعصبة يقوم على ادراك عجز البورجوازية المصرية، وبورجوازيات المنطقة العربية، عن انجاز مهامها التاريخية، نظرا لطبيعتعا الرثة ونشأتها المشوهة من رحم أشكال ماقبل رأسمالية، وعلاقاتها العضوية بالامبريالية العالمية. وكان تبنى قانون التطور المتفاوت والمركب فى التحليل التاريخي الطبقى للمنطقة هو مفتاح هذا الفهم. وبالتالى رفضت العصبة أفكار التحالفات الطبقية مع أى من هذه البورجوازيات تحت مسمى "انجاز المهام الوطنية الديمقراطية" وكان خطابها النضالى الأساسي هو الدعوة لاسقاط النظام الرأسمالى برمته وبناء دولة عمالية (دكتاتورية البروليتاريا) يتم من خلالها انجاز مهام التطور الديمقراطى والعبور للتحول الاشتراكى فى عملية ثورية ممتدة (الثورة الدائمة ) (كما أيقنت العصبة مدى درجة تشابه المكون الثقافى والتاريخى والجغرافى لشعوب المنطقة العربية، ومن خلال موقفها الأممى، وايمانها الكامل باستحالة بناء الاشتراكية فى بلد واحد،والضرورات التاريخية للثورة العالمية، تبنت العصبة شعار "الثورة العربية" كمحور هام فى حركة الثورة العالمية، وكان من بين شعاراتها شعار "من أجل حزب شيوعى ثورى عربى".وبالرغم من أن هذه الجزئية فى خط العصبة كانت محل خلاف بين أعضائها، وكانت سببا فى حدوث انشقاق بداخلها، الا أنها ظلت متمسكة بها حتى النهاية. ) كانت هناك نقاط للتلاقى بين العصبة الشيوعية الثورية ، والتنظيم الشيوعى المصرى ، فقد كانت طبيعة الثورة المقبلة عند الأخير إشتراكية الطابع ، ولايقتضى إستكمال مهام الثورة البورجوازية الديموقراطية مرحلة تاريخية بكاملها ، وإنما تستكمل فى سياق إنجاز الثورة الإشتراكية بقيادة الطبقة العاملة ، ورفض النظرية المنشفية عن ثورة على مرحلتين ، وكذلك رفض أى تحالف طبقى مع البورجوازية البيروقراطية أوأى من أجنحتها ، ورأى ضرورة عزل خطها الفكرى والسياسي والتنظيمى فى بداية السبعينات ، وانتهى فى وسطها إلى ضرورة الإطاحة الثورية بها عبر الإنتفاض ، مسترشدين بطريق أكتوبر البلشفى . وتمثلت نقاط الخلاف ، ورغم نقد المراجعة السوفيتية ، ونهجها التحريفى ، فى الموقف من البيروقراطية السوفيتية ، وإمكان إقامة الإشتراكية فى بلد واحد ، والثورة الدائمة العالمية ، وكذلك حول الموقف من مسألة ستالين والستالينية . أما بالنسبة لكراس الثورة العربية فقد وصل إلينا عبر طريق آخر ، طريق الرفيق جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، حيث طلب رأينا فى أطروحة الحزب الشيوعى العربى . وقد تداول المكتب السياسي ، واللجنة المركزية المسألة ، وطرح الموقف فى بيان اللجنة المركزية حول شعار احزاب شيوعية عربية المنشور فى الانتفاض – جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى- العدد16 - الثلاثاء 24/ 7/ 1979- طبعة الخارج . وكذلك على موقعى بالحوار المتمدن العدد 5061 – 31 /1 / 2016 . وقد ورد فيه تقويم نقدى للفكرة : " واذا كنا نطرح الحزب الشيوعي العربي الموحد كهدف استراتيجي لنضالنا ، ونضال كل الشيوعيين الثوريين ، فقد حددنا بشكل قاطع فى وثيقة القضية القومية العربية ( العدد الثالث من مجلة الشيوعي المصرى ) أن الطابع التاريخي المعقد لتحقيق مثل هذا الشعار من خلال التقاء النضالات الطبقية في مختلف البلدان العربية ، والتضامن والتنسيق والتعاون والتقارب والتحالف بينها ، وبصفة خاصة التقاء الأحزاب الشيوعية الثورية ، التى تتصدى لقيادتها ، بما يسير بها فى اتجاه الاندماج فى حزب واحد ، وهذا الهدف بطبيعته استراتيجى ، وليس وضعه كمهمة مباشرة سوى حماس ينقصه الوعى ، ويؤدى الى فقدان الاتجاه ، ولكن طابعه الاستراتيجي البعيد لا يتناقض بل يتطلب ، ويحتاج الى كل خطوة تقوم بها هذه الأحزاب الشيوعية التى لا يمكنها الا أن تنشأ وتتطور متعددة فى سبيل التضامن ، والتنسيق والتقارب ، ووحدة العمل ، والنضال المشترك ، والتحالف ، فبدون هذا العمل المشترك المتواصل ، لا يمكن الوصول الى الهدف البعيد ، وبطرح هذا العمل المتواصل لابد أن يطرح على بساط البحث امكانات واحتمالات أن يتخذ أشكالا خصوصية مثل قيادة مشتركة عربية ( كومنترن عربى) لا تصدر قرارات ملزمة للحركة الشيوعية العربية ، بل تكون شكلا لتفاعل ، وتضامن ، وترابط الأحزاب الشيوعية العربية الثورية . وهكذا فاننا نرى أن اندماج أنوية شيوعية ثورية ، أو أحزاب يعيش أغلبها فى الأطوار الأولى للنشأة والتأسيس ، ليس سوى صورة كاريكاتيرية لهدف نضالي بعيد ، يحتاج لسنوات طويلة من الكفاح المتصل لتحقيقة ، سنوات من نضج واتساع ونمو الأحزاب الشيوعية الثورية ، من انصهار النضالات الطبقية الثورية التى يفرق بينها الآن الواقع القومي المتمايز والذى تؤبد تمايزه سيطرة الطبقة البرجوازية والرجعية ." ****************** لقد تربينا على مجموعة الكراسات التى أصدرتها الصين فى عهد الرئيس ماو ، وجمعت فى كتاب بعنوان : مناظرة حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ( دار النشر باللغات الأجنبية – بكين 1965 ) تناولت مختلف مظاهر السياسة السوفيتية داخل البلاد وخارجها ، كما تناولت مسألة ستالين . وعندما بدأت ملامح إتجاه مختلف داخل القيادة الصينية فى الظهور، بإتخاذ مواقف رجعية فى بعض بلدان العالم الثالث ، وتبنى نظرية الإمبريالية الإشتراكية وملحقاتها إنتقدنا هذا التوجه الجديد فى وثيقة لتنظيمنا بعنوان : حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية ، فندت فيه الأطروحات الصينية التى كان قد تبناها الرفيق محمود حسين . أما ستالين فقد كنا نراه نتاجا للظروف المعقدة التى أحاطت بالثورة البلشفية فى الداخل والخارج أكثر منه صانعها ، وفى كل الأحوال كانت له أخطاءه الفادحة التى لايمكن االتغاضى عنها . كنا نقرأ كتابات ستالين وخاصة : أسس اللينينية ، حول مسائل اللينينية ، الماركسية والقومية – المسألة الكولونيالية ، الماركسية وعلم اللغة ، القضايا الإقتصادية للإشتراكية ، حول المعارضة ، فى سبيل تكوين بلشفى . كما كنا نقرأ أعمال تروتسكى ، وبز جميع الرفاق فى هذا الصدد الرفيقين صلاح العمروسي وخالد جويلى . توفر لنا بشكل مبكر المؤلف الضخم عن تاريخ الثورة الروسية بترجمة أكرم الديرى وهيثم الأيوبى عام 1971 ، والكتابات الأساسية و1905 بالإنجليزية ، دروس ثورة أكتوبر ،الثورة المغدورة ، الثورة الدائمة ، أخلاقهم وأخلاقنا ، الثورة الأسبانية فى مراحل متأخرة . كنا نقرأ تروتسكى تحت حراسة لينين المشددة لا ستالين . ولم نكن نسمى أنفسنا ستالينيين . كما أن اسم ستالين لم يرد فى كتاباتنا إلا لماما ربما فى مقالى العضوية فى التنظيم الشيوعى ، وفى كراس كتبته بعنوان : الحزب اللينينى وفوضى التنظيم المجالسي . وقد إنتقدت نظرات تروتسكى التنظيمية ، التى كان هو ذاته قد تراجع عنها وقدم نقدا ذاتيا لها فى مواضع مختلفة منها كتيبه دروس ثورة أكتوبر . ولم يترجم لستالين فى حدود علمى إلا مقال واحد فى حزبنا هو : تروتسكية أم لينينية ، وكان بمثابة أول تمرين فى الترجمة لرفيق كان يدرس اللغة الانجليزية . حمتنا خبرة قائدنا الحزبى الأول من الوقوع فريسة للهوس الكورييلى الذى ساد الحلقة الثانية فى الحركة الشيوعية المصرية ، حيث عنت التروتسكية النشاط التخريبى ، والفوضى والتجسس ، وليس تيارا من التيارات الماركسية داخل الحركة الأممية . فضلا عن أننا كنا نشدد على أن قضايا الثورة المصرية ، والمواقف العملية فيها هى محك أى علاقة لنا بالقوى السياسية المختلفة ، ولذا شهدت بعض المواقع الطلابية والعمالية تنسيقا نضاليا فى العمل لتحقيق أهداف محددة . وجدير بالذكر أن بعضا ممن كانوا أعضاء لدينا قد إنتقلوا الى ع ش ث . ولم ينل كراس سوبوليف : التروتسكية خصم الثورة الصادر عن دار التقدم – موسكو عام 1974 أى أهتمام خاص لدينا بل كنا نعتبره كراسا من كراسات الدعاية الرخيصة . كتبت مقالا بعنوان أفريقيا : الثورة والثورة المضادة – نشر باسم القلم فهد إسماعيل شكرى ، ونشر فى مجلة الشيوعى المصرى – العدد 33الصادر فى يوليو – تموز 1977 . وورد فيه نقد للبيروقراطية السوفيتية فى بعض المواضع يكاد يقترب من التشخيصات التروتسكية : ( .... فطبيعة النظام الاجتماعي القائم فى الاتحاد السوفيتى هى طبيعة اشتراكيه ، ولا توجد به طبقات استغلاليه سائده لها مصالح امبرياليه خاصه فى نهب ثروات القاره الافريقيه ، رغم وجود فئات بيروقراطيه فى جهاز الحزب والدوله ، هى السند الاجتماعى للاتجاهات التحريفيه النظريه والسياسيه القائمه ولذلك فان استخدام ، مقولة الامبرياليه الاشتراكيه ، والاستعمار الاشتراكى الجديد انما تعنى صب الماء فى طاحونه القوى الامبرياليه والرجعيه التى تغطى اهدافها الخاصه بتشويه طبيعه إسهام الاتحاد السوفيتى ، ) الحوار المتمدن – العدد 4273 – 12 / 11 / 2013 . قرأ بشير السباعى هذا المقال على ماأفادنى به خليل كلفت وكان تعليقه " أمامه خطوة واحدة ويأتى إلينا " . كيفما كان الأمر ولأوجز موقفنا من العصبة الشيوعية الثورية . تمايزنا عن يمين الحركة الشيوعية المصرية الذى كانت تعنى كلمة تروتسكى عنده " التجسس والفوضى والنشاط التخريبى " . وكان المناط فى الحكم لدينا هو الممارسة العملية الثورية ، ارتباطا بالموقف النظرى والسياسي من قضايا الثورة المصرية . ونأينا عن المناقشات المجردة حول بناء الإشتراكية ، أو ستالين والستالينية ، أو الدولة العمالية المشوهة بيروقراطيا . وتقاربنا فى مسألة الثورة الدائمة حيث رفضنا نظرية المراحل ، وكذلك طرح الثورة الإشتراكية بوصفها الهدف الإستراتيجى للثورة المقبلة ، وقدرنا دور تروتسكى فى الثورة الروسية وقيادته للإنتفاضة ، وبناءه للجيش الأحمر . كان الكثيرون من الكوادر يقرأون كتاباته بمن فيهم كوادر اللجنة المركزية ، ونتبنى ونتحرك فى حدود النقد اللينينى ، ولم نتبنى فى أى وقت الدعاية الاعلامية السوفيتيه . والواقع أننى أشعر فى الوقت الحاضر بتقزز شديد من عبارتى تروتسكوى - ستالينى التى يرددها بعض الشيوخ ، وكذلك الشباب الذين تربوا على يد تلامذة هنرى كورييل . كان بشير السباعى مثقفا من طراز فريد ، وإن أفرط فى الترجمة على حساب الكتابات التحليلية . ولو واصل ماركس هواية شبابه فى كتابة الشعر ربما ماكتب رأس المال . كانت أول معرفة مباشرة لى ببشير السباعى فى صيف 1978- كنت قد " تحررت" من أعبائي الحزبيه بعد إنقسام اللجنة المركزية إلى أقلية وأغلبية ، حيث تم تجميد عضويتى فى المكتب السياسي ، واللجنة المركزية ، وإقصائى كمسؤول دعائى ، وكعضو فى هيئة تحرير مجلة الشيوعى المصرى . وفى منزل الإيطالية بيانكا بالزمالك إلتقيته . كانت رفيقتنا سلوى فؤاد صديقة بيانكا الباحثة اليسارية الشابة التى تعمل – ان لم تخنى الذاكرة فى المركز الثقافى الإيطالى – تقيم معها وسرعان ماتحول المنزل إلى ملتقى للرفاق من كل الملل والنحل ، فكان من الممكن أن تجد بشير السباعى " التروتسكوى " ، وأحيانا أحمد القصير " الحدتاوى " وأنا من " العمال الشيوعى " ، وجملة من الصديقات والأصدقاء ذوى الميول والأهواء المتباينة . صديقنا جلال الجميعى ، وأميرة فكرى ، ورضوان الكاشف ، وحنان يوسف ، وسمير حسنى ، وآخرين لم تحفظهم ذاكرتى . كانت المناقشات تمتد حتى الفجر وتطال كل شئ . ورغم المدارس السياسية المتابينة ، فقد كان هناك حرص من الجميع على ألا تتحول إلى " مشاجرات " . وكان بشير ودودا ، هادئا ، مفيدا فى إطلاعنا على مايرد فى الصحافة الأجنبية عن بلادنا ، وكذلك عن إصدارات الكتب الأجنبية الجديدة . وحكى لنا عن كيف أحرج ذات مرة محمد يوسف الجندى ( صاحب دار الثقافة الجديدة ) – حيث تصادف وجودهما فى نفس الوقت فى موسكو – وتحدث عند زيارتهما لأحد الكولخوزات عن حل الحزب الشيوعى المصرى ( حدتو) . وانتقده العمال الروس لذلك رغم عدم إعتراض الدولة السوفيتية ذاتها على الحل . حين عدت للقاهرة نهائيا ( عام 2004 ) بعد عقدين من الزمن فى الخارج ، سمعت عن كتاب بشير " مرايا الإنتلجنسيا "، وعن ترجمته لمؤلف عبد الله الشيخ موسي المعنون " الكاتب والسلطة " ، الصادر عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع 1999 . أخذت هاتفه من الدكتور عاطف أحمد طنطاوى صديقنا المشترك ، واتصلت به ، وسألته أين أجد الكتابين . فأجاب لن تجدهما ، فلنلتقى وسأحضرهما لك . وقد فعل . وإلتقينا فى مقهى الحرية بباب اللوق وإنضم إلينا د . عاطف فحدثته عن ترجماتى غير المنشورة ، والتغيرات السياسية الجديدة ، بتحديث الأوتوقراطية فى البحرين ، وعن مآل الجبهة الشعبية لتحرير البحرين التى كان يقودها عبد الرحمن النعيمى ، وعبد النبى العكرى بعد عودتهما للبلاد بعفو عام . ونظرا لأننى كنت فى حالة عزوبة مؤقته ، فسألته كيف يدبر حياته ؟ فأفادنى بأن شقته صغيرة لاتزيد مساحتها عن 30 مترا ، لذا لايجد عناء فى تنظيفها ، وترتيبها والباقى لامشاكل فيه . أخبرته عن إحساسي بالغربة بعد عودتى حيث تلاشت كل المنظمات السياسية اليسارية الراديكالية ، ووصم جيلنا بصفات غريبة ، حتى الندوات النادرة التى أحضرها كنت أرى الشعر الأبيض يغطى كل الرؤوس تقريبا . فقال : كل الأغصان القديمة باتت يابسة – إن كنت تقصد الرفاق القدامى – إهتم بالإنتاج الفكرى ، وضع كل طاقتك فيه ، ودعك من تغيير العالم ، إهتم بتثقيفه . لا أستطيع أن أنكر أن الكلام صدمنى خاصة وأننى سمعت مايماثله بنفس المعنى من بعض رفاق فصيلى القدامى . كنت أهاتفه أحيانا نادرة – ولكن تكرر لقاؤنا أثناء أحداث ثورة 25 يناير بميدان التحرير ، وهو برفقة الأديبة الشابة جيهان عمر ، وكنت أداعبه بالقول : هاأنت ذا قد عدت لتغيير العالم فيبتسم فى صمت ، وهكذا عاد تروبادور الصمت لدوره الأصلى : تروبادور الثورة الدائمة .****** ----------------------------------------------------------------------------------------- *أنظر كتابه مرايا الإنتلجنتسيا – الناشر دار النيل – الإسكندرية – الإصدار الأول : يناير 1995 وبصفة اخص مقالاته : حول مايسمى بالتروتسكية المصرية بين عامى 1938 – 1948 ، روتشتاين ولينين والمسألة المصرية ، ماركسية أم ستالينية ؟ ، اليهود والحركة الشيوعية المصرية . ** انظر مجلة قضايا فكرية ، سبعون عاما على الحركة الشيوعية المصرية – رؤية تحليلية نقدية – الكتاب الحادى والثانى عشر يوليو 1992 - مقال : حول حل الحزب الشيوعى المصرى ، د . فؤاد المرسي ، ص ص 309 – 319 . وكذلك مقال د. عمر الشافعى المعنون رؤية نقدية للحركة الشيوعية المصرية ص ص 323 – 332 – نفس المصدر المذكور . *** معلومات د . جينارو جيرفازيو عن منظمة وحدة الشيوعيين المصريين غير دقيقة فهى لم تنشأ فى 1965 . والفيصل فى الأمر هو أستاذنا ابراهيم فتحى الذى يرجع بداية تبلورها من خلال رفاق فى حدتو رفضوا موقفها من حركة يوليو وخاصة بعد اعدام العاملين خميس والبقرى . انظر الحركة الماركسية فى مصر 1967 – 1981 ص ص 257 – 267 ، ترجمة بسمة عبد الرحمن ، كارمينى كارتولانو – المركز القومى للترجمة الطبعة الأولى 2010 ) حول الحل والمنظمات التى ظهرت واصولها بما فيها ح ع ش م . **** لم تكن مراسلات ماركس – انجلز قد ترجمت بعد للعربية ، وعلى الأغلب قرأها بشير السباعى فى احد مصادره الأجنبية . انظر الرسالة فى مراسلات ماركس – انجلز ص ص 175 – 176 ترجمة جورج طرابيشى ، دار الطليعة – بيروت اغسطس 1973 . وكذلك فى مراسلات ماركس وانجلز ، ص 406 ، ترجمة الدكتور فؤاد أيوب – دار دمشق للطباعة والنشر ، 1981 . *****انظر التنظيم الشيوعى المصرى ( تشم ) – سلف ح ع ش م – ملف قضايا الشيوعيين المصريين – المحامى عادل أمين الجزء التاسع – سعيد العليمى – الحوار المتمدن – العدد 6249 – 3 /6 / 2019 . ****** تروبادور الصمت عنوان قصيدة لبشير السباعى منشورة على موقعه " مبدأ الأمل " . http://mabda-alamal.blogspot.com/search/label/%D9%82%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D8%AF .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطب النفسي والسياسة أداة التلاعب بالعقول
-
هل كان ماركس أبا تقليديا ؟
-
مقالات من الجريدة الرينانية الجديدة حول الثورة المضادة 1848-
...
-
المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 4
-
المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات -3
-
المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 2
-
المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 1
-
حوار قديم مع المغنى الفلبينى فريدى اجيلار أيام ثورة إدسا 198
...
-
دفاعا عن حزب العمال الشيوعى المصرى والمفكر الماركسي إبراهيم
...
-
من يذكر الديكتاتور الفلبينى ماركوس والإطاحة به ؟
-
هل إستوعبنا حقا دروس إنتفاضة يناير 2011 فى مصر ؟!!! رؤى من م
...
-
فى ذكرى 25 يناير 2011 - إستلهامات لينينية
-
عن الإنتفاضة والحزب فى ذكرى 18- 19 يناير 1977 - رد على رفيق
...
-
حزب العمال الشيوعى المصرى ومنتقدوه - من أوراق شيوعى سابق 1
-
إعادة بناء المادية التاريخية -تقديم إبراهيم فتحى لكتاب جورج
...
-
ابراهيم فتحى - فى الإستراتيجية والتكتيك - ملحق بموجز لبعض ال
...
-
ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة
...
-
ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة
...
-
الوهم الدستورى والصراع الطبقى - ماركس ، إنجلز ، لاسال ، ليني
...
-
حزب العمال الشيوعى المصرى ومنتقدوه - تجار الثورة العابرون -
...
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|