أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - من هو مؤلف القرآن؟















المزيد.....


من هو مؤلف القرآن؟


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 02:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتب دون مؤلف
----------
لكل كتاب مؤلف، حتى وإن لا يعرف اسمه. والكتب التي لا يعرف مؤلفها كثيرة. وقد يكون جهل اسم المؤلف نابع من رغبة المؤلف إخفاء اسمه خوفًا من سطوة الخصوم أو بسبب تواضع المؤلف الذي لا يريد ان يظهر أمام الناس. وقد يظهر اسم المؤلف، ولكنه ليس المؤلف الحقيقي. فهناك رسائل دكتوراة قدمها طلاب كأنها من أعمالهم، ولكن استأجروا لكتابتها شخص آخر. هذا والمؤلف ليس بالضرورة هو من كتب الكتاب، بل قد يكون قد أملاه لأحد كتبته. فعميد الأدب العربي طه حسين كان يملي كتبه لأنه ضرير. وكذلك الكتب التي تنسب للشعراوي ليست بخط يده، ولكنها تتضمن أقواله مفرغة من أشرطة سجلها في جلساته. وقد يكون الكتاب تجميع قصص أو نصوص استغرق تأليفها سنين كثيرة واشترك فيها اشخاص مجهولون مثل كتاب الف ليلة وليلة وكتاب اخوان الصفا. وهناك كتب قام من يدعي تأليفها بسرقة محتواها من آخرين إما جزئيًا أو كليًا.

نسبة الكتب لله
---------
ولو سرق شخص عملا أدبيًا أو ان طالبًا غش في الإمتحان بنقل أجوبة زميله مدعيًا أن ما كتبه أوحاه له الملاك جبريل، لتم ارساله لمصحة الأمراض العقلية.
والغريب في الأمر أن ما نرفضه اليوم من ادعاء استلام رسالة من الملاك جبريل او من الله من أهل زماننا، نؤمن به عندما يتعلق الأمر بالرسالات التي نطلق عليها الرسالات السماوية. ونسبة كلام لله أو للملائكة كان أمرًا طبيعيًا عن كثير من الشعوب القديمة. فقد سيطرت على بعض الثقافات القديمة فكرة أن القوانين صادرة عن الإله. فحمورابي يفتتح شريعته بتحية الآلهة فيقول في مقدمة شرائعه:
في ذلك الوقت ناداني أنو الأعلى وبل، رب السماء والأرض الذي يقرر مصير العالم، أنا حمورابي الأمير الأعلى، عابد الآلهة، لكي أنشر العدالة في العالم، وأقضي على الأشرار والآثمين، وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء، وأنشر النور في الأرض وأرعى مصالح الخلق .
وإذا انتقلنا إلى الثقافة اليهودية، فإن الكتاب المقدس اليهودي يتضمن مجموعة من الأسفار استغرق تأليفها قرونًا عديدة، وبعضها يحمل اسم مؤلفها، بينما بعضها الآخر دون مؤلف. وبعض نصوص العهد القديم تشير إلى أنها موحى بها من الله مباشرة لموسى، لا بل مكتوبة بإصبع الله. ونعطي هنا مثلا من سفر الخروج:
وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلًا: وأَنتَ فكَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِحفَظوا سُبوتي خاصَّةً، لأَنَّها عَلامةٌ بَيني وبَينَكم مَدى أَجْيالِكم، لِيَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم. فآحفَظوا السَّبْت، فإِنَّه مُقَدَّسٌ لَكم، من آستَباحَه يُقتَلْ قَتْلًا. كُلُّ مَن يَعمَلُ فيه عَمَلًا تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن وَسْطِ شَعبْها. في سِتَّةِ أيام تُصنَعُ الأَعْمال، وفي اليَومِ السَّابِعِ سَبْتُ راحةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ. كُلُّ مَن عَمِلَ عَمَلًا في يَومِ السَّبتِ يُقتَلُ قَتْلًا. فلْيَحفَظْ بَنو إسْرائيلَ السَّبْت، حافِظِينَ إِيَّاه مَدى أَجْيالِهم عَهْدًا أَبَدِيًّا. فهُو بَيني وبَينَ بَني إِسْرائيلَ عَلامةٌ أَبَدِيَّة، لأَنَّه في سِتَّةِ أيام صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَواتِ والأَرض، وفي اليَومِ السَّابِعِ آستَراحَ وتَنَفَّس. ولَمَّا آنتَهى اللهُ مِن مُخاطَبَةِ موسى على جَبَلِ سِيناء، سلَّمَه لَوحَيِ الشَّهادة، لَوحَينِ مِن حَجَر، مَكْتوبَينِ بِإِصبَعِ الله (الخروج 31: 12-18).
وقد أطلق المسيحيون على الكتاب المقدس اليهودي اسم العهد القديم وأضافوا إليه مجموعة من الأسفار أسموها بالعهد الجديد. وهذه الأسفار تحمل اسماء مؤلفيها، أو من يعتقد انهم مؤلفوها. ولكن بولس يقول:
فأُعلِمُكم، أَيُّها الإِخوَة، بِأَنَّ البِشارةَ الَّتي بَشَّرتُ بِها لَيسَت على سُنَّةِ البَشَر، لأَنِّي ما تَلقَّيتُها ولا أَخَذتُها عن إِنسان، بل بِوَحْيٍ مِن يسوعَ المسيح (غلاطية 1:11-12).
ويقول بطرس:
واعلَموا قَبْلَ كُلِّ شَيء أَنَّه ما مِن نُبؤَةٍ في الكِتابِ تَقبَلُ تَفسيرًا يَأتي بِه أَحَدٌ مِن عِندِه، إِذ لَم تأتِ نُبوءَةٌ قَطُّ بِإرادَةِ بَشَر، ولكِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ حَمَلَ بَعضَ النَّاسِ على أن يَتَكَلَّموا مِن قِبَلِ الله (بطرس الثانية 1: 20-21).
والأخطر من ذلك أننا نقبل نسبة كلام لله يعتبر اليوم مخالفًا لحقوق الإنسان، لا بل بمثابة جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي والوطني، نذكر منها على سبيل المثال النص التالي:
وقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: أَنا الَّذي أَرسَلَني الرَّبُّ لأَمسَحَكَ مَلِكًا على شَعبه، على إِسْرائيل. فأسمعَ الآنَ قَولَ الرَّبّ. هكَذا يَقولُ رَبُّ القُوَّات: سأَفتَقِدُ عَماليقَ لِما صَنَعَ بِإِسرائيل، حينَ وَقَفَ لَه في الطَّريق، عِندَ صُعودِه مِن مِصْر. فهَلُمَّ الآنَ واضرِبْ عَماليق، وحَرِّمْ كُلَّ ما لَهم، ولا تُبقِ علَيه، بل أَمِتِ الرِّجالَ والنِّساءَ والأولادَ وحتَّى الرُّضَّعَ والبَقَرَ والغَنَمَ والإبلَ والحَمير (صموئيل الأول 15: 1-3).

القرآن يثبت خرافة اليهود
----------------
وإن انتقلنا إلى القرآن، نرى أنه يعيد علينا فكرة تكليم الله لموسى وكتابته للألواح (وليس اللوحين):
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما (النساء 164)
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين (الأعراف 144-145)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء 105).

القرآن يسير على طريقة تفكير اليهود
----------------------
واعتمادًا على القرآن، يعتقد المسلمون أن أصل القرآن هو أم الكتاب (الرعد 39) في لوح محفوظ عند الله (البروج 22). وهو منزل من عند الله في ليلة القدر التي يشير إليها في الايات 1-5 من سورة القدر باللغة العربية (أنظر مثلًا سورة طه 113)، لفظه ومعناه. ويستعمل القرآن في هذا المجال عبارة أنزل «إلى» محمد (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) (انظر مثلًا سورة ص 29) وأنزل «على» محمد (نَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ) (أنظر مثلًا سورة الزمر 41). كما يستعمل القرآن عبارة أوحى «إلى» محمد (أنظر مثلًا سورة فاطر 31). وقد اختلف المسلمون في كيفية إنزال القرآن من اللوح المحفوظ، والرأي الصحيح الذي ينقله لنا السيوطي هو أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجمًا على محمد بعضه في أثر بعض. وهذا القول هو في حقيقته محاكاة لاعتقاد يهودي ينص على أن التوراة نزلت جملة على موسى. وفسر المسلمون نزول القرآن مفرقًا بعد نزوله جملة واحدة لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي. ويستندون في ذلك على الآية: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (الفرقان 32).
ولن ندخل هنا في كيفية النزول أو الوحي والتحليل النفسي لهذه الظاهرة التي عرفت عند كثيرين قبل وبعد محمد في جميع بقاع الدنيا، كما هو الأمر في عصرنا هذا مع الظاهرة الشامانية. ونكتفي هنا بذكر ما يقوله ابن خلدون عن عوارض النبوة بصورة عامة، ونبوة محمد على وجه الخصوص:
وعلامة هذا الصنف من البشر أن توجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين وليست منهما في شيء، وإنما هي في الحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله. ثم تنجلي عنه تلك الحال وقد وعى ما ألقي إليه. قال النبي وقد سئل عن الوحي: «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول». ويدركه أثناء ذلك من الشدة والغط ما لا يعبر عنه. ففي الحديث: «كان مما يعالج من التنزيل شدة» وقالت عائشة: «كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا». وقال تعالى: «إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا» (3-73: 5). ولأجل هذه الحالة في تنزل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون: له رئي أو تابع من الجن.

تشكيك معاصري محمد بنزول كتاب
----------------------
شكك معاصرو محمد بكلامه. فمنهم من اعتبره مجنونًا وشاعرًا وساحرا أو كاهنًا، ومنهم من اتهمه بأنه ينقل لهم أساطير الأولين "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا. وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" (الفرقان 4-6). وأن هناك من كان يعلمه "ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين" (سورة النحل 103). ولكنه كان يرد عليهم بأنه يأخذ كلامه من الملاك جبريل "نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" (البقرة 97)، الذي يسميه روح القدس: "قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين" (النحل 102).
ولكن من هو الملاك جبريل الذي كان ينقل الوحي لمحمد؟ تشير أحاديث أن الملاك جبريل كان يظهر لمحمد تحت شكل دحية الكلبي، وقد اشتهر بجمال الصورة ويتقن الارامية والسريانية والرومية، وكان صاحب النفوذ الكبير في علاقته مع النبي وكان الوحيد الذي يدخل الى النبي بلا استئذان ويطيل الجلوس معه، حتى ان عائشة استغربت من السماح له بالدخول بحرية، وتساءلت أن والدها ابا بكر لا يدخل إلَّا باستئذان بينما دحية يدخل بحرية ويطيل المكوث؟ وتقول: كلما دخلت عند الرسول وجدت عنده دحية، ممَّا يشير إلى التقائهما مرات عديدة، فاذا سألته من هذا؟ قال جبريل ينزل على صورته، فتقول يا رسول الله ما ارى إلَّا دحية الكلبي!
روى الطبراني من حديث عفير بن معدان عن قتادة عن أنس رضى الله عنه، أنّ الرسول صلى الله عليه سلم قال: كان جبريل يأتيني على صورة دحية الكلبي، وكان دحية رجلاً جميلاً. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يحدث رجلاً، فلما قام، قال: يا أم سلمة، من هذا؟" فقلت: دحية الكلبي، فلم أعلم أنّه جبريل حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه ما كان بيننا. وتذكر المصادر أن دحية الكلبي كان كثير الزيارة للنبي محمد.
وتشير مصادر إسلامية إلى بعض أسماء المرشحين لأن يكونوا مؤلفي القرآن مثل القس ورقة بن نوفل والراهب بحيرى والحاخام عبد الله بن سلام الذي أسلم قبل وفاة محمد والحاخام كعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة محمد، وسلمان الفارسي الذي دان بالمجوسية والتقى بالرهبان والقساوسة ثم أسلم بعد تعرفه على محمد، وزيد بن ثابت كاتب الوحي والقائم على لجنة جمع القرآن، وكان يهوديًا وفقًا لشهادة ابن مسعود. فقد قيل له ألا تقرأ على قراءة زيد؟ قال: «ما لي ولزيد ولقراءة زيد، لقد أخذت من في رسول الله سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان» (وهو الشعر المضفور عند اليهود). وهذا لا يعني ان هؤلاء هم الذين كتبوا القرآن، بل من المحتمل أن المعلومات التي تضمنها القرآن قد تم اقتباسها منهم على مراحل مختلفة، فالمعاني منهم والصياغة من محمد. مما يعني أن القرآن لم يعتمد على مؤلف واحد، بل على عدد من المؤلفين. ولكن المعلومات المتوفرة لدينا لا تسمح بتحديد أسماء مؤلفي القرآن بصورة أكيدة ومدى مشاركة كل واحد منهم في تأليفه. واللجنة التي كونها أبو بكر ومن بعده عثمان، ان صحت، لم تقم إلا بتجميع ما توفر لديها من معلومات مع نسبتها لله بدلًا من نسبتها لمن أتاحوا هذه المعلومات.
وبالمعايير الحديثة، يعتبر القرآن أكبر سرقة أدبية على مر التاريخ، يضاف إليه كذب صريح في وضح النهار. وما تخريج المسلمين لتبرير تشابه ما تضمنه القرآن من معلومات مع الكتب التي سبقته إلا تهريج. فوفقًا لهذا التهريج، إن كان هناك شبه بين التوراة والإنجيل والقرآن فسببه وحدة المنشأ. فهذه الكتب الثلاثة جميعها صادرة عن الله .
والقول بأن القرآن أو غيره من الكتب المقدسة منزلة من عند الله يدخل في خانة المعتقدات الغيبية. والباحث لا يقبل مثل هذا القول، ولكن عليه أن يأخذه بعين الحسبان كظاهرة بشرية تمامًا كما يفعل مع أساطير الإغريق والرومان. ونسبة الكتب المقدسة لله توقع الله في ورطة إذا ما وُجدت فيها أخطاء لغوية أو علمية أو أخلاقية (مثل ملك اليمين والرق والعقوبات الوحشية إلخ). ومن هنا يأتي تمسك المسلمين بمقولة أن القرآن قمة البلاغة ومعصوم من الخطأ، كما انه يتفق مع العلم الحديث، وهو أعلى من حقوق الإنسان. ولتخليص الله من هذه الورطة، يستوجب القول بأن لا علاقة لله بهذه الكتب التي هي في حقيقتها كتب بشرية تتضمن الغث والسمين، وتحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ لغويًا وعلميًا وأخلاقيًا.

تشكيك الشيخ احمد القبنجي
-----------------
والمسلمون مقتنعون بأن القرآن من عند الله. ويشذ عن هذا الموقف أحمد القبانجي، وهو شيخ شيعي عراقي ينتمي إلى مدرسة العرفاء. فقد خطا خطوة جريئة في محاضراته معلنًا بصراحة أنه يجب أن ننزه الله من نسبة القرآن له. فهو يرى أن القرآن كلام إلهي (أي يتكلم عن الله) ولكن ليس من الله، والقرآن يعكس ثقافة النبي محمد، ولهذا وردت فيه الأخطاء البلاغية والأخلاقية، وكلها تحمل الطابع البشري. والنبي كان يجلس مع اليهود والنصارى وهو حتمًا سمع قصص الأنبياء وهي نفسها تم تجديد إنتاجها بصيغة أجمل في القرآن. فمثلًا داوود في التوراة زنا بزوجة قائد الجيش أوريا، إلا أن هذه الصيغة غير مذكورة في القرآن. ووفقًا لكلام الشيخ أحمد القبانجي، فإن القرآن هو نتاج ما سمعه النبي، وليس من تأليف شخص آخر غير النبي. وهو ينتقد الأسلوب الذي جُمع به القرآن ولكنه يبقى في نطاق التقليد الإسلامي في كيفية تدوين القرآن الذي بين أيدينا.

الهوية الثقافية لمؤلف القرآن من خلال مصادره
-----------------------------
أمام شح وتضارب المعلومات حول النبي محمد والقرآن، وخاصة في العصر المكي، فإننا نضطر للرجوع للقرآن ذاته الذي يدلنا من خلال مضمونه على الهوية الثقافية التي كان ينتمي لها مؤلف أو مؤلفو القرآن.
وقد اشار المسلم حميد الله في ترجمته الفرنسية للقرآن التي صدرت في باريس إلى أوجه الشبه بين نصوص القرآن والنصوص اليهودية. وكذلك فعل المسلم ماندل في ترجمته الإيطالية. ولكن السلطات الدينية المسلمة ترفض نشر مثل هذه المعلومات حتى تبعد كل شبهة عن مصدر القرآن. فعندما نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ترجمة حميد الله قام بحذف كل إشارة إلى الكتب اليهودية والمسيحية. وكذلك عندما تم نشر ترجمة دينيس ماسون في بيروت بإشراف الدكتور صبحي الصالح مع إذن الأزهر قام هو أيضًا بحذف كل إشارة إلى تلك الكتب. ولا نعلم إن كان هذا الحذف بموافقة المترجمين المذكورين أم فُرض عليهما فرضًا كشرط لنشر ترجمتهما.
ونلاحظ من علاقة القرآن بالمصادر اليهودية والمسيحية التي سبقته ما يلي:
- جزء كبير من القرآن نُقِل من نصوص يهودية ومسيحية، وخاصة المنتحلة منها، ولكن المصادر اليهودية تزيد بكثير عن المصادر المسيحية بنسبة لا تقل عن 80%. وقد اثبتت في هوامش طبعتي العربية للقرآن اختلاف القرآن مع نص العهد القديم والعهد الجديد واتفاقه مع الكتب اليهودية والمسيحية المنتحلة وكتب أخرى حيكت حول أحكام وشخصيات وأحداث وأساطير نجدها في العهدين القديم والجديد. فعلى سبيل المثال، يتكلم القرآن عن صحف إبراهيم وموسى (سورة الأعلى 19 وسورة النجم 36) ولكن ليس هناك ذكر لمثل تلك الصحف في العهد القديم، بينما نجد كتبًا يهودية منتحلة تنسب إلى إبراهيم وموسى. كما أنه يتكلم عن معجزة نفخ المسيح في طير صنعه من الطين فأصبح طيرًا حيًا (انظر آل عمران 49 وسورة المائدة 110)، وهذه المعجزة لا ذكر لها في العهد الجديد بينما تذكرها كتب مسيحية منتحلة. وعليه، خلافًا لما يقوله القرآن في آيات عدة بأنه جاء مصدقًا بما في التوراة (انظر مثلًا الآية آل عمران 50)، فإنه جاء مصدقًا لما في الكتب المنتحلة والقصص «الهاجادية» غير القانونية التي وردت في التلمود وغيره. وقد يكون سبب اتهام القرآن اليهود والمسيحيين بتحريف التوراة والإنجيل هو عدم التطابق بينهما وبين ما جاء في القرآن.
- يلجأ القرآن كثيرًا إلى الاقتضاب في سرده للروايات اليهودية والمسيحية، يأخذ بعضًا منها ويترك الباقي. وقد يكون سبب هذا الانتقاء تجنيد القرآن للنصوص التي يعتمد عليها لصالح ما يريد أن يثبته. فعلى سبيل المثال اختزال القرآن رواية يوسف والنبي يونس - يونان والنبي إلياس - أيليا والنبي يحيى - يوحنا. ونشير هنا على سبيل المثال إلى أن القرآن تغاضى تمامًا عن ذكر تفاصيل كثيرة في قصة موسى مثل موت ابكار المصريين وبهائمهم وطلاء العتبة بالدم وقصة خبز الفطير وتغاضى عن أخطاء الأنبياء ويمر عليها مرورًا سريعًا كما هو الأمر مع داؤود فيما يخص سطوه على زوجة اوريا (سورة ص). وبدلًا من اتهام هارون بصنع العجل الذي عبده اليهود، نسب ذلك إلى السامري. ويكتفي القرآن في بعض آياته بذكر اسم شخصيات دون إعطاء أية تفاصيل مثل النبي أليسع - اليشاع والنبي ذي الكفل. والسؤال المطروح هو: هل مؤلف القرآن كان يوجه كلامه عن هؤلاء الأشخاص إلى افراد يفترض أنهم يعرفون رواياتهم فلم يكن هناك حاجة للدخول في التفاصيل؟ إن كان الجواب إيجابًا، فهذا يعني انهم كانوا ينتمون إلى مجموعة على معرفة بالثقافة اليهودية المسيحية (التي يسميها النصرانية). فمن غير المعقول أن يكون العرب الأميون من غير اليهود مطلعين على تلك الروايات. والمفسرون المسلمون أنفسهم لجأوا إلى الأساطير اليهودية لفهم القرآن. وكلمة القرآن ذاتها مأخوذة من السريانية قريانه، وتشير إلى القراءات التي تتم في الشعائر الدينية. وهناك حديث يقول بأن النبي محمد ذاته قرأ كلمة قرآن دون المدة (أو الهمزة قبل الألف)، مما يقربها من الكلمة السريانية قريانه .
- يكرر القرآن روايات يهودية ومسيحية كثيرة كما سبق وذكرنا، ولكن مع اختلافات بينها. فعلى سبيل المثال يُلاحظ أن الله قد استعمل عبارة مختلفة في تعريف موسى بنفسه من وسط النار. ففي سورة النمل 9 يقول عن نفسه «أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». وفي سورة القصص 30 يقول عن نفسه «أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». وفي رواية قوم لوط يقول القرآن ان الله أنزل عليهم حَاصِبًا (القمر 34)؛ مطرًا (الأعراف 84)؛ مطر السوء (الفرقان 40)؛ حجارة من سجيل منضود (هود 82)؛ حجارة من سجيل (الحجر 74)؛ رجزًا من السماء (العنكبوت 34). هناك إذن تناقض داخل الروايات المختلفة.
- يخلط القرآن بين بعض الروايات اليهودية والمسيحية. ولا يُعْرَف بالضبط سبب هذا الخلط. فمثلًا تذكر سورة الأعراف 160 «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا». وهذه الفقرة تخلط بين روايتين مختلفتين من سفر الخروج. وتذكر سورة القصص 23 عن موسى: «وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ». وهذه الآية هي خليط بين تفاصيل روايتين واحدة تخص موسى والأخرى تخص يعقوب. وتقول سورة القصص 38 «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ». ولا علاقة بين قصة موسى ورواية بناء الصرح التي قد تكون مأخوذة من بناء برج بابل، كما لا علاقة بين هامان وموسى حيث أن هامان حسبما تورده التوراة في سفر إستير كان وزير أحشوريش الفارسي. وهناك جدل واسع حول مريم (أم المسيح) التي يلقبها القرآن بأخت هارون (مريم 28) وأن امها امرأة عمران (آل عمران 35) حيث يظهر أن القرآن يخلط بين مريم أم المسيح ومريم أخت موسى وهارون ووالدهم عمران.
ومن المعروف أن الوصول للمراجع اليهودية والمسيحية لم يكن متوفرًا للجميع بل كان مقتصرًا عامة على أتباع ملة هذه الكتب. وإذا أخذنا بالحسبان كل المراجع التي نُقِل عنها القرآن يمكن القول بأن مؤلفه كان ذا ثقافة دينية يهودية واسعة، وقد يكون عالمًا يهوديًا ممن ينتمون إلى فرقة الأبيونيين (الفقراء) ويطلق عليهم أيضًا لقب «النصارى» والذي يثور جدل حول معناه. فإن كانت صفة انتماء للناصرة، فكان من المفروض أن نقول ناصريين وليس نصارى. وهذه الكلمة الأخيرة قد تعني في حقيقتها ليس من هو من الناصرة، بل النذيرين (وتلفظ بحرف الزين)، أي المكرسين لله الذين يخضعون لأحكام خاصة كما ذكروا في الفصل السادس من سفر العدد. فهم طوال مدة نذرهم يمتنعون عن الخمر والمسكر، ولا تمر الموسى برأس أحدهم، ولا يدخلون على جثة ميت. ومن بين المنذرين شمشون (سفر القضاة 13: 5-7) ويوحنا المعمدان (لوقا 1: 15). وقد عرف المجتمع اليهودي طائفة النصارى (أو النذارى، وتلفظ بحرف الزين) قبل ميلاد المسيح، واعتبروا هراطقة من قِبَل اليهود ويجب الدعاء عليهم، وهناك رأي باحتمالية أن يكونوا متفرعين عن الأسينيين والمندنائيين. وليس من المستبعد أن يكون القرآن تراكم لقصص تم تجميعها خلال عدة قرون كما هو الحال مع ألف ليلة وليلة. وهذا التراكم واضح من خلال تكرار كثير من قصص القرآن واختلاف الأساليب. مما يعني أنه من تأليف عدة أشخاص مطلعين على اليهودية، علمًا بأن زيد بن ثابت كاتب الوحي والقائم على لجنة جمع القرآن في صورته الحالية كان يهوديًا وفقًا لشهادة ابن مسعود.
وفي كشف المصادر التي تم استعمالها في تأليف القرآن عون كبير لفهم أفضل للنص القرآني خاصة فيما يتعلق بالآيات المقتضبة والناقصة. وقد أشرنا في هوامش طبعتنا العربية للقرآن إلى تلك المصادر على قدر المستطاع معتمدين على من سبقنا من الباحثين والمترجمين. وعملنا هنا يكمن خاصة في التأليف بين الأبحاث السابقة، مع إضافات من عندنا. وأملنا أن تقوم لجنة من المتخصصين يفهمون اللغات الشرقية القديمة وآدابها الدينية بالبحث عن جميع المصادر بهدف التعرف على أوجه الشبه والاختلاف بينها وبين القرآن.


مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا ينشر المسلمون القرآن بالتسلسل التاريخي؟
- هل عاد احمد حرقان للإسلام؟ ولماذا؟
- لا سلام للأشرار (اشعياء 48: 22)
- كتب: فقدت الحياة معناها
- تبرير النسخ عند المفسرين المسلمين
- تشنج مسيحي أمام النسخ في اليهودية والمسيحية
- الناسخ والمنسوخ في الإنجيل
- الناسخ والمنسوخ في التوراة
- النسخ في القانون الوضعي
- الناسخ والمنسوخ في القرآن
- مسيحي يوصي بدفنه في مقبرة مسلمة
- مقياس جديد للذكاء
- عودة للإخوان الجمهوريين في السودان
- خيانة الإخوان الجمهوريين في السودان
- هل يحق وهل يمكن ترجمة القرآن؟
- جدعون ليفي - شخص واحد ، صوت واحد لإسرائيل - فلسطين
- كذبة جامعة هارفارد والمطبلون الغربيون للإسلام
- -إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱ ...
- الزواج بين مسلمين وغير مسلمين وملحدين الحلقة 1
- الدين والديمقراطية وحقوق الإنسان


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - من هو مؤلف القرآن؟