|
على الفايد أن ينشغل بالبحث الزراعي بدل بول البعير.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6542 - 2020 / 4 / 20 - 20:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كشفت جائحة كورونا المستجد أهمية البحث العلمي في المجالات المرتبطة بصحة الإنسان ، كما كشفت أن قطاع الصحة مجال حيوي ويدخل ضمن الأمن القومي الذي لا تقل أهميته عن قطاع الدفاع الوطني إن لم تكن تفوقه. مئات الآلاف من الضحايا يسقطون موتى بسبب الجائحة التي عطلت الآلة الإنتاجية والحربية معا بينما أعادت الاهتمام بالمستشفيات والمختبرات العلمية والأطر الطبية الذين تجندوا لمواجهة خطر الموت دفاعا عن حياة المواطنين داخل كل دولة بعد أن أغلقت حدودها وحاولت الاعتماد على طاقاتها البشرية مهما كانت الوسائل متواضعة. وبقدر ما أبرزت جائحة كورونا طاقات مغربية مبدعة داخل المغرب وخارجه أبانت عن كفاءة علمية عالية أهلتها ،في دول المهجر، احتلال مواقع المسؤولية في العديد من المختبرات البيولوجية ، عرّت كذلك عن ترهات منتحلي الصفات العلمية والمهنية وزيف تخاريفهم التي عرّضت حياة كثير من المواطنين إلى الخطر .فمن حق المغرب أن يفخر بتلك الأسماء التي لمعت في مجالات البحث العلمي ، كما عليه أن يندم ويتحسّر على تفريطه فيها بعد أن ساهم في تكوينها وتأهيلها لتستقطبها المختبرات الأجنبية .تلك هي الآثار المدمرة لهجرة الأدمغة. لكن الخسارة الفادحة تكمن في تخرّج عينة من الدكاترة والمهندسين لا يؤمنون بالعلم ولا بالمناهج بالعلمية التي درَسوها وطبقوها خلال مراحل التكوين ، وبدل أن يمارسوا البحث العلمي في مجالات تخصصهم بغرض توسيع المدارك واكتشاف ما يفيد المواطنين وعموم البشرية ، كرّست ولا زالت كل وقتها وطاقتها في البحث داخل التراث الفقهي لإضفاء صبغة "العلمية" على آراء وفتاوى مستنبطة من واقع بدوي واجه أهله أمراضهم وعللهم العضوية بما تيسر لهم من مواد طبيعية وإفرازات حيوانية كما هو حال كل الشعوب في مراحل تاريخية قديمة . فالشعوب إياها معذورة لأنها وظفت المتوفر في بيئتها ، لكن لا عذر لخريجي المعاهد العلمية والجامعات الذين أنفقت الدولة عليهم المال العام للتكوين والتأهيل ليبعثوا الروح في فتاوى التخريف والشعوذة المبثوثة في كتب التراث الفقهي وما هي في الدين من شيء. فما الفائدة من هذا التكوين والتأطير ليتخرج أمثال الفايد حاملين شهادات عليمة ومشاريع خرافية تدمر العقل والمجتمع وتحارب العلم والتقنية ؟ فهذا الشخص المدعو الفايد شن حربا شرسة ضد المعدّات والأجهزة الطبية المتطورة المستعملة في الكشف عن الأمراض الجسدية متهما إياها بتهديد الشريعة. هذا ما قاله في إحدى محاضراته مخاطبا علماء الإسلام وفقهائه " والله ستضيع الأمة والبشرية إذا تهاونوا أو انبهروا بهذه العلوم الحقة ديال الغرب مثل السكانير .. إلى انبهروا بهذه العلوم غادي نفرطو في الشرع ، يجب ألا ينبهر علماء الإسلام بهذه العلوم لأنها بالنسبة لي لا شيء". لا يختلف الفايد عن متطرفي الإسلامي السياسي ، إخوانيين وسلفيين ، في إشاعة ثقافة الشعوذة وممارسة الخرافة ومحاربة العلم ومعاداة العلماء .طبعا الفايد وأمثاله ينخرط في إستراتيجية عامة ينهجها حزب العدالة والتنمية منذ قيادته للحكومة ، ومن معالمها رفع الدولة يدها على قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل . وهذا الذي جعل حكومتي بنكيران والعثماني تشجع "الرقاة الشرعيين" على فتح محلاتهم في كل المدن والقرى بدل دعم وتأهيل القطاع الصحي. فلطالما أعلن رئيس الحكومة السابق بنكيران أمام البرلمان وفي التجمعات التي ينظمها حزبه عن ضرورة أن ترفع الدولة يدعها عن الصحة والتعليم لأنهما بالنسبة إليه قطاعين غير منتجين ، من جهة ، ومن أخرى ليشجع لوبيات المصحات والمدارس الخصوصية على امتصاص دماء المغاربة. لم يكن المغاربة ينتظرون من الفايد أن يأتيهم بما سبقه إليه البخاري من "أهمية" بول البعير وعصير روثه ، لأن كتب التراث الفقهي مليئة به وأثبتت التجربة اليومية خطورة هذه الإفرازات على صحة المواطنين كما حذرت منظمة الصحة العالمية من تناولها ؛ بل المنتظر من خريج معهد الحسن للزراعة والبيطرة أن يقدم بحوثا علمية تساهم في حل مشاكل الجفاف وانعكاساته على الغطاء النباتي والمزروعات. فالمغرب يواجه فترات جفاف وندرة التساقطات صارت دورية بفعل التغيرات المناخية ؛ الأمر الذي يفرض على معاهد الزراعة وخريجيها تكريس بحوثهم العلمية في مجال البحث الزراعي لتمكين الدولة وقطاع الفلاحة من ابتكار مزروعات ونباتات تتميز بمقاومة أكبر للجفاف وشح التساقطات وتقاوم مخاطر التصحر الزاحف على مناطق كثيرة من المغرب.هذا هو المجال الذي على الفايد أن يكرس جهده وتفكيره ليقدم للمواطنين ما ينفعهم . أما مسألة الأمراض والصيام والأوبئة فلها أهلها وتخصصاتها. ويكفي المغاربة حسرة أن أكثر من أربعين ألف بحث جامعي أنجزت في مجال الشريعة لم تسعفهم في مواجهة الجائحة ولا قدمت لهم حلولا . إن الفرصة مواتية اليوم للفايد وأمثاله لكي ينخرطوا في دعم جهود الدولة لتطوير البحث الزراعي خصوصا وأن الفايد من المقربين لحزب العدالة والتنمية ولن يرفض له رئيس الحكومة أي مشروع أو برنامج يخدم المخطط الأخضر وإستراتيجية الدولة لدعم الفلاحة .وما دام الفايد بهذه "العبقرية الفذة" في مجال البحث عن فوائد بول البعير وعصير روثه ، فسيكون من الأفيد له أن يتقدم إلى وزير الفلاحة بطلب الحصول على ضيعة فلاحية يكرس فيها جهوده "العلمية" لتطوير أبحاثه الزراعية بالاعتماد على التقنيات الحديثة ليقدم إلى المغاربة نماذج من المزروعات أكثر مردودية وأقل استهلاكا للمياه .هذا هو المجال الذي على الفايد أن ينافس فيه غيره ويبدع ويتألق كما تألق باحثون مغاربة في مجال الطب والأوبئة أمثال د.منصف محمد السلاوي الخبير الدولي في علم المناعة والفيروسات، أو الدكتور سمير مشور المدير التنفيذي لمختبر سامسونج بيولوجيك في كوريا الجنوبية أو الدكتورة سارة بلالي، المختصة والخبيرة في مجال الأمراض المعدية والفيروسات وغيرهم من الكفاءات المغربية التي أثبتت جدارتها وتفوقها في مجالات اختصاصها. لكني لا أعتقد أن الفايد سيغادر كتب الفقه التراثي وترويج فتوى بول البعير لأنها مصدر ثروته المادية والرمزية ، من جهة، ومن أخرى، ليست له أية أهلية لحرث الأرض "والاتساخ" بتربتها الغنية ، فقد اعتاد على ترويج الخرافة وبيع الأعشاب وإيهام الناس بفوائد بول البعير وعصير روثه .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفايد الذي يضر ولا يفيد.
-
المواطنون بحاجة إلى الأفعال لا الدموع يا رئيس الحكومة.
-
نأسف لما فعله السفهاء يا حماة الوطن والأرواح.
-
صمت الوزارة عن العنف الزوجي في زمن الكورونا.
-
أبعدوا العثماني عن تدبير أزمة كورونا .
-
الجماعة تختار أسلوب الابتزاز وتصفية الحسابات في زمن كورونا.
-
المغرب الذي نريد ما بعد جائحة كورونا.
-
حِكمَة الملك وغباء رئيس الحكومة .
-
قفّتُكم فرصتنا .
-
تفشت كورونا فعلّق العثماني الموظفين.
-
كورونا يكشف عن كورونات بشرية أخطر.
-
الخطر الوبائي والتوظيف الإخواني.
-
أوقفوا مؤامرات الإسلاميين ضد الدولة والشعب.
-
كورونا يفضح مصاصي الدماء وعديمي المروءة والوطنية.
-
الإرهاب في زمن الكورونا.
-
أوقفوا الإرهابي-أبو النعيم- فقد تجاوز المدى.
-
يا ليت رئيس الحكومة ما نطق.
-
في الأزمات تظهر أصالة الشعوب.
-
جماعة العدل والإحسان والاستثمار في الجائحة.
-
أين مُحرّمو قروض -انطلاقة- من أرباح شركات المحروقات؟؟
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية: إذا هددت أمريكا أمننا فسنهدد أمنها
-
قائد الثورة الإسلامية: لم يلتزم الأمريكيون بتنازلاتنا السخية
...
-
قائد الثورة الإسلامية: المفاوضات مع هذه الحكومة الأمريكية لي
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا اعتدى الأمريكيون على أمن شعبنا سن
...
-
قائد الثورة الإسلامية: التفاوض مع أمريكا ليس له أي تأثير في
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا تم هددونا سنهددهم وإذا نفذوا الته
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا هددونا سنهددهم وإذا نفذوا التهديد
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا اعتدوا على أمننا سنعتدي على أمنهم
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا هددنا الأمريكيون سنهددهم نحن أيضا
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إذا نفذ الأمريكيون تهديدهم سننفذ تهدي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|