|
حتي نصل لمناعة القطيع
محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق
(Mohamed Ibrahim Bassyouni)
الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 14:06
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
سنكتشف في وقت ما في الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة ما إذا كان COVID-19 موسميًا مثل الإنفلونزا. سيتباطأ انتشاره بشكل كبير خلال فصل الصيف ام لا. عندما يكون لدينا ما بين 60 % الى 70 % من الشعب المصري لديه مناعة مكتسبة لCOVID-19 بما يحقق مناعة القطيع ويوقف انتشار المرض. لتبسيط مفهوم مناعة القطيع لنفرض جدلا ان هناك قرية يعيش فيها عشرة افراد منهم مسنان لا يغادران الفراش. زار القرية مريض بمرض معدي والتقي باربعة افراد من القرية ثم غادر فهناك احتمال لانتقال العدوى لجميع سكان القرية بما فيهم المسنان. ماذا لو لم يكن لدى المسنان اي مناعة سابقة من هذا المرض في حين كان لدى ثمانية من سكان القرية مثلا مناعة سابقة من هذا المرض (بالتطعيم او نتيجة اصابة سابقة به) سيكون لدى هذين المسنين نوع اخر من المناعة تحميهما من الاصابة بالمرض يطلق عليها مناعة القطيع. حيث لن يستطيع هذا الزائر المريض بالمرض المعدي نقل المرض الى المسنين عن طريق باقي سكان القرية لوجود مناعة لدى بقية السكان، هذة المناعة لدى بقية السكان توفر حماية لهذين المسنين وهي ما تعرف بمناعة القطيع. لنعيد تطبيق المثال السابق على حالة فيروس الكورونا هناك سيناريوهين. سيناريوا قرية A لديها قيادة لديها وعيا كافيا، وقرية اخرى B على العكس من ذلك. ولنفرض ان كل سكان القريتين ليس لديهم مناعة لفيروس الكورونا وزار القرية مريض ناقل للعدوى بفيروس الكورونا. وان القريتين لدى كل منهما نفس الامكانيات المتمثلة في مستشفي تسمح امكانياتها بعلاج خمسة افراد في نفس الوقت. في القرية A بمجرد ان علم العمدة بوجود حالات مرضية في قرى مجاورة قام باغلاق مدرسة القرية ومنع التجمعات وطلب من طبيب القرية شرح طرق الوقاية للسكان. عند زيارة مريض ناقل للعدوى للقرية قام بنقل العدوى لاربع افراد من القرية وتم التعرف عليهم فور ظهور الاعراض وتم عزلهم. وتم ادخال حالة منهم المستشفى لحين تماثلهم جميعا للشفاء ثم خرجوا. تكرر الامر مرة اخرى بعدها بشهر واصيب اربعة اخرون وتم عزلهم وعلاجهم الان لدينا ثمانية من سكان القرية لديهم مناعة ومسنان ليس لديهم مناعة هنا تعمل مناعة القطيع على حمايتهم. لننظر الان للقرية B التي لم تتخذ اجراءات كافية زراهم مريض ناقل للعدوى ومع استمرار المدارس والتجمعات تم نقل العدوى لجميع سكان القرية وظهرت عليهم جميعا الاعراض واحتاج ستة منهم دخول المستشفى (المسنان منهما بالطبع) التي لا تسمح امكانياتها سوى بعلاج اربعة فقط. على الطبيب الان اختيار الاربعة افراد الذين سيتم علاجهم من الست حالات ، وترك فردين ليواجها مصيريهما في البيت، اما ان يختار الحالات الأسوء (المسنان + حالتين من الاربعة غير المسنين) او ان يختار من فرصهم اعلى في النجاة ( الاربعة غير المسنين) ويرسل المسنين الى المنزل لمصيرهم. بذلك يتضح معني مفهوم مناعة القطيع Herd immunity ومفهوم اهمية اجراءات التباعد الاجتماعي (ايقاف الدراسة ومنه التجمعات) Social distancing واهمية ذلك لتسطيح منحنى العدوى (ان يصاب سكان القرية على مراحل تلائم قدرات مسنشفى القرية) Flattening the Pandemic s Curve في حالة فيروس الكورونا مناعة القطيع ستحدث بمجرد وصول عدد الاصابات من 60% الى 70% من السكان. الوصول الى هذا العدد بسرعة ينتج عنه وفيات عالية بسبب تسببه في انهيار المستشفيات تحت ضغط الاعداد الكبيرة من المرضى في وقت قصير، بينما تسطيح المنحنى معناه الوصول الى نفس العدد بما يحقق مناعة القطيع في وقت اطول في حدود قدرة المستشفيات مما سيقلل الوفيات. الوصول السريع الى مناعة القطيع رغم وفياته العالية الا ان اثاره الاقتصادية السلبية اقل الوصول البطيء الى مناعة القطيع (باتباع اجراءات التباعد الاجتماعي لتسطيح منحنى العدوى) يحقق وفيات اقل ولكن تأثيره الاقتصادي السلبي اكبر. الان الدور على الحكومات في الاختيار بين انقاذ الاقتصاد ام انقاذ حياة اكبر عدد ممكن من الناس (خاصة المسنين والمرضى). الموضوع اكثر تعقيدا وتتحكم فيه عوامل كثيرة متشابكة لم يتسع المجال لمناقشتها هنا. يتضح لنا ان الوصول لمناعة القطيع لا يعني بالضرورة ما سبق واعلنه رئيس وزراء انجلترا من ترك الساحة مفتوحة و تقبل نسب عالية من الوفيات وعلينا هنا ان نؤكد مرة اخرى ان هناك فرق بين: ضرورة الوصول لمناعة القطيع .. وسرعة الوصول لمناعة القطيع. في حالة covid-19 تعني مناعة القطيع ان يكون لدى 70% من المجتمع مناعة ضد المرض اما بسبب لقاح او بسبب اصابة بالفيروس الحقيقي نفسه ثم التعافي مما يشكل وقاية لبقية ال 30% من السكان. مهمة السلطات الصحية في اي مكان في العالم مع اي تفشي او وباء هي النجاح في ادارة عملية الوصول الى مناعة القطيع. وقد تضع الدول لنفسها اهدافاً مختلفة لتحقيق ذلك طبقاً لقناعاتها وتركيبتها السكانية وتقدمها العلمي وقدرتها التصنيعية وحالتها الاقتصادية ثم تحدد استراتيجيات المواجهة وتضع خطط لتنفيذها على الارض. اما ترك الامور دون تدخل او ادارتها بشكل غير ناجح فقد يؤدي لا قدر الله الى كارثة على كل المستويات منها ما اشرت اليه من انهيار في المنظومة الصحية (المستشفيات على الاخص) وارتفاع رهيب في الوفيات وربما كارثة اقتصادية ايضاً. في السيناريو المثالي تختار السلطات الصحية في كل دولة ما تعتقد هي انه الاستراتيجية الانجح من وجهة نظرها طبقاً لظروفها للوصول الى اقل نسبة وفيات واقل ضرر اقتصادي ممكن اثناء الوصول الى مناعة القطيع (مناعة 70% من السكان). وبما ان الوصول الى مناعة القطيع عبر لقاح ليست متاحة في الوقت الحالي فالخيارات المتاحة محدودة ومنها ما هو قابل للتطبيق ومنها ما هو غير ذلك. ولا خلاف الان على ان النجاح هو ان يحقق هذا الخيار (في الوضع المثالي) امكانية ان يتم انتقاء ال 70% هؤلاء (الذين سيكون لديهم مناعة مكتسبة من خلال اصابتهم بالمرض) من الاشخاص الافضل فرصاً في الانتصار في تلك الحرب مع الفيروس وان يتم دعمهم بخدمة طبية متاحة في حال احتياجهم لها، على ان يكون ال 30% المتبقون (الذين سيتمتعون بمناعة القطيع فقط) من الفئات الاكثر حاجة للحماية مثل كبار السن و المرضى (لا من ال VIP من رجال السياسة والاقتصاد المهمين) وهذا ما يطلق عليه الان تسوية او تستطيح منحنى العدوى. وقد اصبح من المتفق عليه الآن على نطاق واسع (حتى من رئيس الوزراء البريطاني نفسه حتى قبل ان يصاب ويدخل العناية المركزة وكذلك من الرئيس ترامب بعد مقاومة منهما) أن كل بلدان العالم تحتاج إلى "تسوية المنحنى" عن طريق فرض التباعد الاجتماعي. ومن المتفق عليه ايضاً ان الهدف من ذلك هو إبطاء انتشار الفيروس حتى لا يتسبب تدفق سيول من اعداد المرضى في تعريض نظام الرعاية الصحية للانهيار تماماً، كما حدث (او للدقة كاد ان يحدث) في إيطاليا مؤخراً. وهذا يعني أن المجتمع يحتاج أن يستمر الوباء في الانتشار ولكن بسرعة منخفضة، حتى نصل الى نسبة ال 70% تدريجياً (هذا بالطبع بافتراض أن المناعة تستمر لفترة طويلة، وهو الامر الذي نأمله لكن لسنا متأكدين منه حتى الان) او حتى يتم انتاج اللقاح. والسؤال الان: كم من الوقت سيستغرق ذلك، والى اي مدى يجب أن تكون القيود الاجتماعية قاسية؟
#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)
Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراع بين المتطلبات الصحية وتفادي الأزمة الاقتصادية
-
التجربة الصينية وحكم مينشين
-
المعرضون اكثر لمضاعفات covid-19
-
اضرار البخور
-
مستقبل الذكاء الاصطناعي
-
تقصي العدوي
-
مرض فيروس كورونا 2019 (COVID-19) لدى البالغين
-
المستفيد من الجائحة
-
فرضية جديدة لتدخل الرئة في COVID 19
-
معلومات مهمة عن covid-19 ناتج عن فيروس الكورونا
-
سياسة الفهلوة
-
كيف يختلف COVID-19 عن الأوبئة الفيروسية الاخري؟
-
السكان والتنمية واصلاح التعليم
-
خطورة الإصابة بالفيروس التاجي إذا كنت سمينًا.
-
السمن القاتل
-
المدارس الفقهية
-
الغزو الفكري
-
كيف بقتل COVID-19؟
-
مطلوب مزيد من التباعد الاجتماعي
-
الابحاث العلمية عن الكورونا في الصين اليوم
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|