مثنى حميد مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 1581 - 2006 / 6 / 14 - 08:51
المحور:
حقوق الانسان
مرة سألتني سيدة سويدية تعمل في دائرة الهجرة عن وسيلة تستطيع بها صياغة صورة
أكثر دقة وقربآ الى واقع العراق في ظل نظام صدام وقالت ـ لقد إستمعت من
العراقيين الذين قابلتهم الى مئات القصص التي تصف الجرائم وإنتهاكات حقوق
الإنسان التي تعرضوا لها ومع ذلك أشعر أحيانآ بحاجتي الى مايوحد تلك القصص ضمن
إطار واحد يمكنني من فهم أعمق وأكثر قربآ الي كأوربية للوضع في بلدكم.وقتها ،
وكان ذلك عام 2000 ، حضرت في ذهني صورة فرانز كافكا ، ولم أشك أن السيدة
السويدية تعرفه ، فالسويدون يقرأون الروايات والقصص في أي مكان حتى وهم يسيرون
في زحمة الرصيف حين يغادرون المترو فسألتها ـ هل قرأت لفرانز كافكا ؟ فأبتسمت
السيدة وبدت عليها علامات الدهشة والتأمل وقالت ـ أجل ، أستطيع القول أني قرأت
كل قصصه فعقبت قائلآ ـ هذا هو الإطار الذي تبحثين عنه ، كافكا قاص أوربي لكنك
من خلال قصصه كالمحكمة والقصر تستطيعين الدخول الى دهاليز سجون صدام ومعتقلاته
ودوائر أمنه هناك ستلتقين بكل أبطال قصصه والفظاعات التي ترتكب بحقهم، ستواجهين
اللامعقول وجهآ لوجه كما وصفه كافكا كواقع رهيب وكمتاهات لاخروج منها.ستدخلين
إذا شئت حتى في محاكم صدام الصورية وتلتقين بالقضاة المجرمين وستقابلين مستر
كاف نفسه بطل قصة المحكمة وفي كل شارع من شوارع العراق ستلتقين أيضآ بأبطال قصة
ـ القصر ـ وربما حتى يحالفك الحظ فتصلين الى القصر لكنك حين تصلين سيكشف لك
أحدهم أنها مجرد دائرة.ستضحكين بقدر ما تتألمين وسوف يتعمق فهمك للعراق بقدر
مايتعمق فهمك لقصص كافكا.أما إذا غامرت بالذهاب الى العراق للتعرف عن كثب
ومعايشة الأوضاع هناك فقد لا يحالفك الحظ بالخروج من المتاهة الرهيبة وقد
تغامرين بحياتك أو تتحولين بشكل مأساوي الى واحدة من شخصيات كافكا فنظام صدام
هو اللامعقول بعينه ، اللاقانون ، الموت والخوف والحزن اللانهائي وكل التعاسات.
هكذا قدمت نصيحتي للسيدة السويدية الطيبة والذكية والمكرسة كل طاقتها في خدمة
الأجانب والعراقيين.كان ذلك قبل ست سنوات وكنت قد نسيت كافكا منذ زمن طويل حتى
بدا شبحه يعاود الظهور أمامي مع إبتداء جلسات محاكمة صدام و حتى إنتبهت الى
الخوف الذي إرتسم على وجه عواد البندر وهو يحاول توظيف اللامعقول لصالحه بشكل
يبعث على الضحك والألم حين عرف أن عدد من الأسماء التي حكمت عليها محكمته
الكافكوية الصورية بالإعدام مازال أصحابها أحياء يرزقون . وقتها رفعت صوتي بما
بدا غامضآ على بعض الجلوس الذين كانوا يشاركونني مشاهدة المحكمة فهتفت بسخرية
مخاطبآ القاضي
ـ إحذر يارؤوف أمامك إحدى شخصيات كافكا!
ولكن للحق والإنصاف أقول تضامنآ ومحبة برؤوف الطيب وهل أبقى برزان ببهلوانياته
وحماقاته الدنيئة صبرآ للرجل وإسترخاءآ يستطيع به الإستماع الى مثل هذا
التحذير والإهتمام بالرواية والقصة.كل ما أستطيع أن أقوله للسيد القاضي ـ الله
يعينك يارجل ، الله يعينك ويصبرك.
#مثنى_حميد_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟