|
العلم أو الخرافة: مجتمع بين الاختيار والاحتيار
محمد بوعلام
الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 19:41
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
إن أول وأهم مبدإ في البحث العلمي الأصيل ينبغي أن يلتزم الباحث وطالب العلم به هو الموضوعية. وكل عمل علمي لا يستجيب لمعيار الحياد والموضوعية فإن صفة العلمية تنتفي عنه. ولعل أول كتاب يجب قراءته واستيعابه من طرف كل طالب في العلوم الاجتماعية هو "قواعد المنهج" لإيميل دوركايم الذي يحدد كاتبه، رغم قدمه، قواعد البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية. فالباحث باعتباره ذاتا مفكرة يجب أن يتناول القضايا التي هو بصدد دراستها من منطلق كونها "شيئا". وتكمن الصعوبة في العلوم الإنسانية والاجتماعية في أنها تتناول مواضيع ترتبط بالإنسان وبمعتقداته التي يصعب عليه الانسلاخ عنها خصوصا عندما يتناول مواضيع ترتبط بوجدانه وانتمائه وقناعاته الفكرية "كالدين" "الثقافة" "القبيلة" "المجموعات الاجتماعية" "الأسرة" و"الزواج"، وهي مواضيع تشكل تحديا للباحث عند تناولها نظرا لكونها جزءا لا يتجزأ من بنائه الاجتماعي وتكوينه الفكري.
إن إخضاع الموضوعات لمنظار العلمية يقتضي الأخذ بهذا المبدأ. وقد شدد كل المنظرين للمنهج العلمي على هذا الأمر وجعلوه لبنة أساسية لكل عمل ذي قيمة علمية رغم اختلافهم في تسميته. فدوركايم يسميه "rejet des prénotions " (نبذ التصورات المسبقة) و نجده عند المفكر الأماني ماكس فيبر تحت مسمى neutralité axiologique” " (الحياد الأكسيولوجي" ويظهر عند نوربرت الياس بـ "contestations des mythes " (رفض الخرافات) وعند بورديو " végilence épistémologique " (الحذر الإبستمولوجي) وهي طبعا تصب في منحى واحد ألا وهو الالتزام بالموضوعية ونبذ الذاتية.
عندما تجد عالما كيفما كان مجال اشتغاله، ينغمس بكل ذاتيته ويغرق في الانحياز نحو تيار فكري معين ويسبغ على معارفه سبغة ولونا إيديولوجيا فاعلم أنه بذلك قد خرق أول مبدأ من مبادئ المنهج العلمي. النقاش الدائر في المجتمع المغربي حول المسمى الفايد (الخبير في التغذية) – والذي يصعب تصنيفه هل هو داعية ديني أو عالم وضعي لأنه بكل صراحة يخلط بين الأمرين فلا هو يلتزم بالقواعد الوضعية للعلم المتمثلة في التجربة والاختبار ولا يصرح بأنه شيخ من شيوخ الدين – هو نقاش يدل على أن المجتمع للأسف لا يزال يعيش انفصاما بين الواقع والفكر: يعيش الحداثة ويفكر بالفكر التقليدي فتنطبق عليه مواصفات المجتمع التقليدي، فالمجتمعات التقليدية من سماتها أن نظامها المعرفي قائم على النزوع نحو الموروث المكتسب من التنشئة التي فرضها الآباء والثقافة السائدة التي هي في حالتنا هنا دينية بشكل أساسي دون إخضاعها للنقد أو التمحيص. فلا عجب أن نجد أتباع هذا "العالم" من كبار السن الذين فاتهم ركب التنوير والتعلم فيلجؤون إلى مثل هؤلاء ليرووا ظمأهم للمعرفة خصوصا إذا أُلبست ثوب الدين والتراث والثقافة الغذائية التي عايشوها (خبز الشعير، لبن، خميرة بلدية...) لأنهم عند سماعه تحملهم الذكريات إلى عوالم الطفولة وعبق التاريخ ويشدهم الحنين إلى الماضي. لكن، أن نجد الشباب وهم يرتدون آخر ما أبدعته صيحات الموضات و أشهر الشركات العالمية و يتنافسون في حمل هواتف ذكية ويتراسلون عبر آخر التطبيقات يدافعون "بدون وعي" عن خطاب تنتفي عنه صفة العلمية لَمِنْ أخطر الأمور على مجتمعنا لا لشيء إلا لأن الفكر النقدي عندهم مغيب بالكامل، لأنك وأنت تستمع إلى هذا "العالم" يخيل إليك أنك تستمع إلى عشاب أو "حلايقي" في الأسواق الشعبية. والعلم هو الشيء الوحيد الذي يكتسب المشروعية والثقة عند الجميع ولا أدل على ذلك هاته الأزمة التي يعيشها العالم الآن حيث الأنظار كلها تتجه إلى العلماء في انتظار توصياتهم ونتائج اختباراتهم.
ونقدم مثالا على ما "يفتي" به هذا "العالم" (أو لربما خلاصة تجاربه العلمية والمختبرية التي لم يفصح عنها ولم يثبتها) حيث ينفي سيرورة زمنية وتاريخا كاملا للبشرية بقوله إن ممارسة الرياضة بدعة. وأشد خطورة من ذلك أنك تجد الشباب الذين يمارسون هذه البدعة (الرياضة) ويدخلون الصالات الرياضية ويتناولون "البروتين" لتكبير عضلات الصدر والفخذين، من أكثر المدافعين عنه!
وفي الأخير لا بد من أن نستحضر العالمة الصينية شي زنغلي (56 سنة) التي تشتغل بمعهد ووهان لعلم الفيروسات وهي التي أطلقت اسم covid19 على هذا الفيروس الذي يشغل الجميع بقولها : "الطبيعة تعاقب الجنس البشري على الاحتفاظ بالعادات المعيشية غير المتحضرة". وهي طبعا دعوة صريحة إلى ضرورة مواكبة تطور البشرية وعدم التقوقع والحنين إلى ماض لا نعرف عنه الكثير.
#محمد_بوعلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيسبوك ... صراع الهواجس !
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|