روضة مبادرة
الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 21:50
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
لا أحد يعلم متى سوف ينتهي كابوس الكورونا أو كما يمكن أن نسميه الانتقام البيولوجي لكنّ ماهو معلوم هو كيف سيصبح العالم مابعد الكورونا فالعالم سيتحول تحولا عميقا من عدة نواحي و لعلّ أهمها الجانب القيمي . فالوباء رافقته مجموعة من الدروس حتى يكون التحوّل ممكنا :
أوّلا :
درس علمي بيولوجي : يأتي ردا على أولئك الّذين ينظرون إلى المعرفة العلميّة كاستثناء ينفخ في صورة الإنسان الحديث و سيادته على الطبيعة و الوعي و تأجيج قيم الغرور و الكبرياء و تناسي المبدأ الّذي يحكم طبيعة العقل البشري كقيمة منقوصة من ناحية التزامها بمبدأ الكلي الكوني , و هو ردّ اعتبار للاعتراف السقراطي الّذي أعلن عنه ذات عصر , " كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئا " فالقيمة المبتورة هنا تكمن في التواضع المعرفي و العلمي بشهادة انتشار الفيروس و الإنسان عاجز بالرغم من استعراض عضلاته العلميّة البيولوجية في عدة مناسبات و هو ما قام بالتأكيد عليه كانط حين يعلن قصور العقل عن الإجابة عن كلّ الأسئلة خاصة في كتابه النقدي الأوّل " نقد العقل المحض ", فالبشرية اليوم في حاجة إلى نتائج أكثر منه ثرثرة علمية معرفية جوفاء فالفيروس يحطم غرور الإنسان .
ثانيا :
درس روحي ديني : يأتي ردا على أولئك المتدينين الغير مؤمنين الّذين ينتسبون إلى عقيدة بعينها دون أن يؤمنوا بها أو بالدين ككلّ و هو النوع الأكثر جبنا من الأنواع البشرية , إذ بمجرد انتشار الوباء حتى أعلن توبته و عاد إلى ربه و راح يستجديه و يدعوه بغاية رفع البلاء عن البلاد و العباد , هو النمط الّذي يخشى النهايات و يعتقد أنّ اليوم الآخر عاجل و ليس آجل لذلك فهو سوف يهلع باحثا عن صكوك الغفران من صلاة و صوم و زكاة و ذكر لله و رجاء .و هذا النوع لطالما مقته كانط في كتاباته الدينية و خاصة كتابه " الدين في حدود مجرد العقل " لأنّ إيمانه ذليل ,إيمان عبيد و مرتزقة . القيمة المبتورة هنا هي الإيمان الحقيقي و الإيمان بالقضاء و القدر.
ثالثا :
درس أخلاقي إيتيقي : يأتي ردا على الأخلاق الرجعية القائمة على اللاّ – احترام المتبادل و اللاّ-مبالاة و بالتالي اللّا- مسؤولية المعممة , فهذه الحرب البيولوجية كشفت عن معادن البشر السلوكية الخلقية و أزاحت الأقنعة الأخلاقية و يا خيبة المسعى فقد كان البشر يعيشون على أوهام كالخير , الحب , الصدق , الوفاء و غيرها من أقنعة تجميلية نسينا أنّها كذلك ففي أزمة الكورونا هذه أضحى الكلّ يلهث وراء غرائزه و متطلباته الخاصة ربّما هي متطلبات جسدية أكثر منها روحية فتصبح تغذية الجسد السعادة بعينها لتكون القيم المبتورة هنا هي "الخير الأسمى " و السعادة السرمدية الحقيقية و مبدأ الإرادة الطيبة و الاحترام و هي غايات طالما حلم بها كانط في كتاباته الأخلاقية و خاصة منها " نقد العقل العملي " .
رابعا :
درس سياسي حقوقي: يأتي ردا على بعض السياسات الّتي لم تستطع حسن تسيير مؤسساتها في وضعية الأزمات كالأزمة الّتي تجتاح العالم اليوم نتيجة عولمة حرب الفيروسات الشرسة هذه و هو إزاحة النقاب لكشف الهوة القائمة بين السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الحقوقي , إذ انهارت كلّ الأسس الحقوقية كالعدالة و المساواة و المواطنة ومن هنا يكون المبتور من القيم هو مبدأ المصالحة بين الدولة ككيان سياسي و الحقوق كمطالب فردية إنسانية أي إعطاء لكل ذي حق حقه و نشر ثقافة المساواة في سياسات الدول , فهذه الجائحة العالمية الفتاكة قد جعلتنا نبصر و نتبصر أنّ الاستثناء غير ممكن ليتساوى السيد و العبد و المواطن و الحاكم فالمصاب واحد سواء كان سياسي أم عامي , راعي أم رعية , دولة متقدمة أم دولة متخلفة ويكون درس الكورونا اليوم مبدأ العدل و المساواة .
هي دروس ربما تعلمناها و لازلنا نتعلمها و ربما استوعبناها لكن تبقى دائما دروس في الإنسانية و الإنساني الّذي نبحث عنه في الخيالي كما في الواقعي دروس تصور لنا أزمة الإنسان اليوم لترتقي بنا إلى الانتباه لأهمية العلم في زمن الكورونا و مدى حاجتنا إلى ملاذ روحي يقوي إيماننا بالمطلق و مدى التزام مبادئنا الأخلاقية بقيم الخير و السعادة و بالتالي مدى وعينا بحقوقنا و حرياتنا المفقودة في لحظات الانفراج و هذا الوباء العازل يبين مدى حاجة الأنا إلى الآخر حتى لو كان جحيما بلغة جون بول سارتر فالإنسانية اليوم في حاجة إلى دروس لتستيقظ من سباتها الدغمائي مثلما كانت حاجة كانط لهيوم و جائحة كورونا أعظم و أنبل درس للبشرية أمام ظاهرة الموت بالجملة الّتي يشهدها العالم اليوم .
#روضة_مبادرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟