آخر ما صرح به رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد, حول المسالة العراقية, هو اقتراحه الصيغة الفيدرالية الطائفية والقومية للنظام السياسي القادم في العراق مستندا في ذلك على واقع وجود أكثرية شيعية في جنوب العراق وطائفة سنية في الوسط و الشعب الكردي في الشمال.
رغم إن هذه الصيغة ليست جديدة حيث بات يردده العديد من المسؤولين الأمريكان منذ سنوات عديدة وقد قيل وكتب عنها الكثير من قبل العراقيين ولكن طرحها هذه المرة وعلى لسان رئيس الوزراء الأسترالي وفي هذه الظروف يتخذ أبعادا عملية قد يؤثر على المستقبل السياسي للشعب العراقي لسنوات طويلة قادمة ويكشف من جانب آخر النوايا الحقيقية لسياسة التحالف تجاه العراق والمنطقة .
يجب أن نقول أولا بان السيد هاورد لم يفاجئ أحدا من المهتمين بالهم العراقي بهذا الطرح فهو الذي ساند سياسة الولايات المتحدة بشكل مباشر تجاه العراق وان بشكل غير صريح وكشف عن اتجاهات السياسة الأسترالية بشكل دفعات متعرجة إلا إن من المؤكد, (إن من يقول ا يجب إن يقول ب ), فها هو السيد هاورد يضع النقاط على الحروف ويقول لنا بان استراليا إنما دخلت الحرب إلى جانب الولايات المتحدة لتصل بها إلى النهاية أي أنها ستبقى إلى أن يتم تحديد شكل النظام السياسي القادم في العراق ومن يدري ربما لفترة أطول و غير معلومة.
إلا إن الأهم من كل ذلك هو إن الصيغة الفيدرالية الطائفية والقومية التي يقترحها السيد هاورد ليست لا تستجيب لطموحات جماهير العراق وحسب بل إنها تعزز السياسة الشوفينية والرجعية التي مارسها النظام الدكتاتوري البعثي طوال سنوات حكمه السوداء لأنها صيغة تشكل في حال تطبيقها كابوسا خطرا تحمل في طياتها عواقب حرب أهلية طاحنة وستجلب كوارث وخيمة على جماهير العراق وتعمق من مأساتها الراهنة وتوسعها بأبعاد غير معلومة .
هذه الفيدرالية تستند على اساس غير واقعي لان الشيعة ,من العرب والأكراد, وان كانت طائفة دينية واسعة في العراق إلا إنها لم تشكل في يوم من الأيام حركة مستقلة بذاتها تختلف مطالبها عن مطالب الطائفة السنية و الفئات الشعبية المعترضة الأخرى من جماهير العراق فالظلم والإرهاب الذي مارسه نظام البعث ضد هذه الفئة الواسعة إنما جاء نتيجة لطبيعة النظام الفاشية وقد شملت كل قطاعات الشعب العراقي الأخرى.كل ما هنالك إن الدولة العراقية التي تشكلت خلال عشرينات القرن الماضي يفعل السياسة الاستعمارية البريطانية ارتكزت على مجموعة من الشخصيات والساسة الموالين لبريطانيا الذين كانوا في معظمهم من السنة والعرب وقد حاولت الأنظمة العراقية المتعاقبة وبعض دول المنطقة كإيران وبعض الرجالات المتنفذين داخل الشيعة استغلال هذا الواقع وتغذية هذه النزعة في فترات متفاوتة من تاريخ العراق إلا إنها لم تنجح من جعلها إحدى مسائل السياسة العراقية في أوساط الرأي العام العراقي والأحزاب الشيعية الراهنة الموجودة على الساحة العراقية لا تمثل في الواقع أية مطالب جماهيرية خاصة بالشيعة سوى حرمان مجموعة كبار رجال الدين الشيعة من مناصب كبيرة في السلطة السياسية . يضاف إلى ذلك إن نظام البعث ارتكز في ممارساته القمعية وسياسته الدكتاتورية على أفراد الطائفة الشيعية بقدر الطائفة السنية فقواعد الحزب الحاكم سابقا وأجهزته الحكومية والقمعية والعسكرية والبيروقراطية كانت بأغلبيتها من الشيعة في المناطق والمدن ذات الغالبية الشيعية.
إن الشعب الكردي بفئاته الشيعية والسنية لم تختلف في يوم من الأيام عن الفئات السنية والشيعية العربية ولم تكن لها مصالح مختلفة عنها بل بالعكس كانت توحدها النضال المشترك ضد الاستبداد والدكتاتورية البعثية الحاكمة التي حاولت الاستفادة من واقع التعدد القومي والطائفي لتقويها وتغذيها من اجل تقوية أركان حكمها الدكتاتوري حتى جعلت من الانتماء القومي أساسا لتعريف وتحديد المواطنة العراقية ومن جانب أخر حددت العراق بكونه جزء من الأمة العربية لتنكر بذلك الواقع القومي للشعب الكردي وحقوقه المشروعة , هذه السياسة الشوفينية استغلت من فبل الأحزاب القومية الكردية لتغذي بدورها النزعة الانعزالية في صفوف الشعب الكردي و لترتكز عليها من اجل وصولها إلى السلطة السياسية ومشاركتها في الحكم وليس من اجل القضاء على الدكتاتورية والظلم القومي .
إن المشكلة الرئيسية في الدستور والقانون العراقي الأساسي هو إنه قانون ديني وقومي أي إن الدين والقومية هي مرتكزات أساسية لتحديد المواطنة العراقية ولما كان الإسلام الدين الرسمي للدولة فان غير المسلم ( المسيحي أو اليهودي وليس الشيعي أو السني) يعتبر مواطنا من الدرجة الثانية ومشكوك في ولائه , الإلحاد جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالإعدام. ولما كان العراق بموجب القانون جزء من الأمة العربية فان غير العربي مشكوك بولائه وهو مواطن من الدرجة الثانية مهما اخلص وتفانى مز اجل العراق.
إن الفيدرالية الطائفية التي يقترحها السيد هاورد ومن قبله أمريكا وبعض الساسة العراقيين الموالين لأمريكا إنما ترسخ أثار السياسة الاستعمارية والبعثية السابقتين وتعمقها و لن تحل المشكلة القومية الكردية بل ترسخ الانقسام الموجود وتضفي عليه شكلا قانونيا .
إن السلطة التي يقترح السيد تجزانها على اساس طائفي وقومي ستجعل من الانقسام حالة دائمة وبرميلا من البارود قابل للاشتعال في أية لحظة تحرق في أتونها عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي .
إن جماهير العراق تدرك حجم مشاكلها وابعادها الواقعية وهي التي ناضلت سنوات طويلة ضد الحكم الدكتاتوري الذي كانت أمريكا وربما السيد هاورد يدعمانه إنما تطالب ومن مصلحتها إن تقيم نظاما علمانيا مدنيا وغير قوميا تتساوى فيها جميع القوميات في الحقوق والواجبات ويتم فيه فصل الدين عن الدولة والتعليم وتحترم إرادة الشعب الكردي فيما إذا أراد البقاء ضمن الدولة العراقية أو الانفصال عنها بحقوق متساوية .
واخيرا فان أن ابسط القيم الديموقراطية تؤكد بان جماهير الشعب العراقي يجب إن تختار هي و ليس السيد هاورد ولا غيره النظام السياسي القادم للعراق. ألا يستوجب ذلك خروج جميع القوات الغازية ,بما فيها الأسترالية, من العراق فورا واعطاء العراقيين فرصة يختارون فيها نظامهم السياسي المستقبلي بإشراف الأمم المتحدة !.إن الشعب العراقي ليس قاصرا فليوفر السيد هاورد هذا الرأي لنفسه أو أن يحترم القيم الإنسانية للشعب الأسترالي الذي وقف بمعظمه ضد الحرب إن الالتزام بتلك القيم واحترامهايجب أن تدفع بالسيد هاورد إلى النظر إلى الحالة العراقية بعين واسعة وليس من الزاوية الضيقة للمصالح الأمريكية التي قد تنال حكومته أو لا تنال بعض من فتاتها.
جبار مصطفى
مواطن أسترالي من اصل عراقي_كردي
2003-04-15