عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6536 - 2020 / 4 / 13 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كشف مؤشر جودة التعليم العالي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015 – 2016 في 30 أيلول 2015 عن تدني ترتيب أغلب الدول العربية في مجال جودة التعليم , ولم يدرج العراق في خارطة التقييم لكون النظام التعليمي فيه ليس بالمستوى المطلوب , بينما احتلت سنغافورة المرتبة الاولى تلتها سويسرا ثم فنلندة .فكيف احتلت سنغافورة هذه المرتبة المتقدمة في التعليم والاقتصاد ؟ وما أثر تطور التعليم فيها على تقدمها الاقتصادي ؟
مما لاشك فيه أن هناك علاقة طردية بين مستوى التعليم والنمو الاقتصادي في البلد, فكلما تحسن المستوى التعليمي لبلد ما كلما تحسن أداء هذا البلد اقتصاديا, وان قدرة البلاد وتقدمها لا يرتبط بما موجود لديها من خيرات ومصادر للدخل فحسب , بل هو مرتبط بتنمية وتثقيف عقول شعبها .
جمهورية سنغافورة بلد صغير يقع على جزيرة في جنوب شرق آسيا عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة الملايو ويفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور. أحتلت من قبل بريطانيا ثم نالت استقلالها في 19 / آب 1965 بعد انفصالها عن الاتحاد الفيدرالي الماليزي. وسنغافورة بلد صغير يفتقر للأرض والمياه العذبة ومعظم غاباتها أزيلت والمتبقي منها 3% من مساحة البلاد .
كانت سنغافورة تعاني من العديد من المشاكل كالفقر وارتفاع نسبة البطالة وانخفاض دخل الفرد وتلوث البيئة وازالة الغابات ومشكلة الامية, اضافة الى المشاكل العرقية , فسنغافورة تتألف من ثلاثة أعراق رئيسية هي :
الصينية 76% والمالوية 15 % والهنود 7% من السكان , ولا تكمن المشكلة في اختلاف اللغات بين هذه الاعراق بل أن كل عرق منها يتبع ديانة مختلفة عن ديانة العرق الاخر .
في عام 1959 وصل حزب العمل الشعبي للحكم واستلم ( لي كوان يو ) مهام رئاسة الوزراء والذي لعب دورا مهما في نهضة سنغافورة حيث تمكن من نقلها الى أحد أقوى نمور الاقتصاد الاسيوي والعالمي وجعل منها دولة تحتل أحد أعلى عشر مراكز بين أغنى دول العالم اذ بلغ معدل دخل الفرد فيها حوالي 56 ألف دولار سنويا وقلت نسبة البطالة الى أقل من 2%, واحتلت سنغافورة رابع أهم مركز مالي في العالم ومدينة عالمية تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي, كما يعد مرفأ سنغافورة خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط ,وتم احلال الزراعة محل الغابات التي تمت ازالتها وتحولت ارض الجزيرة الى مزارع علمية واسعة للمطاط وجوز الهند والفواكه المدارية , وأصبحت سنغافورة أسرع دولة في انعاش اقتصادها بنمو وصل الى 17,9 % , الى جانب احتلالها المرتبة الاولى عالميا في النظام التعليمي .
فما الذي ادى الى هذا التحول والتقدم الكبير في سنغافورة ؟
أدرك رئيس الوزراء السنغافوري ( لي كوان يو ) أنه لن يتمكن من الحفاظ على تقدم بلاده وتطورها بدون انشاء نظام تعليمي متكامل , وهذا النظام كفيل بتوفير جميع انواع الايدي العاملة التي تحتاجه بلاده, وبالتعليم يتم القضاء على الامية ومعالجة مشكلة البطالة , ويقل الفقر ويتحقق الاكتفاء الذاتي, وبالتعليم يمكن المحافظة على النمو والتقدم . ولكن ( كوان ) واجه مشكلة تعدد الاعراق واللغات والديانات في سنغافورة وكان لزاما عليه المحافظة على وحدة البلاد وفي نفس الوقت عليه أن يحقق لكل عرق رغبته بالمحافظة على لغته وهويته , فوجد أن فرض لغة وثقافة الاغلبية (العرق الصيني 76% ) ونظامه التعليمي سيتسبب في خلق كثير من المشاكل والنزاعات العرقية والدينية وسيؤدي ذلك الى تجاهل الاقليات وطمس هويتها, لكنه وجد الحل في تطبيق نظام ( ثنائية اللغة ) حيث جعل اللغة الانكليزية ,اللغة التعليمية الرئيسية في كافة مدارس الدولة وفي نفس الوقت يحق لكل فرد أو عرق أن يختار لغته الخاصة كاللغة الام يتخاطب بها بين أقرانه, ومع تطبيق حرية الممارسة الدينية تمكن ( كوان يو ) من خلق هوية دولة سنغافورة الحديثة المتعددة الاعراق الخالية من النزاعات والخلافات الدينية والعرقية ,( وهذا أحسن درس لسياسيينا الطائفيين ) .
وما أن استقر الامر على ذلك حتى توجه الى تحديد أهداف النظام التعليمي , فما هي هذه الاهداف ؟
1. تطوير امكانيات كل طالب من الناحية الذهنية والاخلاقية والبدنية.
2. أن يكتشف كل طالب مهاراته وقدراته الفردية ليطبقها بالطريقة التي تمكنه من خدمة وطنه ومجتمعه على أكمل وجه .
3. التركيز على التحصيل النوعي في التعليم بعد أن كان مرتكزا على التحصيل الكمي .
4. ومن أجل الوصول الى درجة الامتياز النوعي في التعليم تم التركيز على كفاءة المعلمين وجميع العاملين في قطاع التعليم , واصبح ينظر الى المعلم على أنه الركيزة الاولى والاساسية بين ركائز العملية التعليمية فتم الحرص على تنمية قدراته ومهاراته التعليمية والادارية , وحرصت الحكومة على الارتقاء بمستوى كفاءة المعلم عن طريق برامج تطويرية وتدريبية مختلفة لدى أعرق مراكز التعليم في كل من امريكا وبريطانيا .
5. الحرص على توفير عدد كاف من المعلمين في المدرسة الواحدة وذلك للتخفيف من العبء الاداري الروتيني على المعلم ويصبح المعلم بذلك متفرغا لطلابه وتعليمهم وكذلك لديه الفسحة الكافية من الوقت لتطوير مهاراته وتقوية معلوماته .
6. منح المعلمين المتفوقين في التقييم السنوي المكافئات والعلاوات السخية والعالية جدا .
7. قيام رئيس الوزراء بزيارات مفاجئة للجامعات والمعاهد والسكن الداخلي للطلاب والاستماع الى طلباتهم واقتراحاتهم والتوصية بها الى ادارة هذه الجامعات.
8. الاهتمام بالتعليم الالكتروني وتوفير كافة المستلزمات لذلك وبهدف تعزيز الابداع .
لقد أطلقت سنغافورة مبادرتين لتطوير التعليم : الاولى مبادرة ( مدارس التفكير , تعلم الامة ) القائمة على مبادئ:
اعادة النظر بأجور المعلمين, واعطاء قادة المدارس مزيداً من الاستقلالية والغاء التفتيش واستحداث التميز المدرسي وتقسيم المدارس لمجموعات يشرف عليها موجهون مختصون لغرض التطوير واستحداث برامج جديدة .أما المبادرة الثانية فكانت مبادرة (تعليم أقل ,تعلم أكثر), التي ركزت على طرائق التدريس وتقليل حجم المحتوى لإفساح المجال للتفكير.
وفيما يتعلق بالعراق فان التعليم فيه وفي كافة مراحله يعاني من العديد من المشاكل التي أدت الى انخفاض مستواه , مما يتطلب اعادة النظر فيه والاستفادة من التجربة السنغافورية في هذا المجال وفقا لظروفنا وضرورة تسخير عائدات النفط لرفع كفاءة وامكانات الطاقة البشرية عن طريق مناهج الدراسة الجامعية وقبل الجامعية والاستفادة من تقنيات التعليم الجامعي وربطه باقتصاد البلاد وحاجاته, الى جانب تأهيل الكادر التعليمي تأهيلا عالي الجودة وادخالهم في دورات تطويرية وتدريبية مع تقديم مناهج تنمي مهارات التفكير وتلبي سوق العمل , وتشجيع المشاركة النشطة للطلاب في الاستفادة من الامكانات المتاحة . اضافة الى الاهتمام بالبنى التحتية لقطاع التعليم وتوفير التجهيزات التعليمية والابنية , والاهتمام بالتعليم الالكتروني وتوفير مستلزماته, مع توفير العدد الكافي من المعلمين لكل مدرسة , وفك الازدواج في المدارس , الى جانب تحقيق الاستقرار الامني ووضع حد للنزاعات الطائفية والدينية التي ليس لها أي مبرر .
وفي مجال التربية والتعليم والبحث العلمي يرى الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه ان ((المهمة الملحة في هذا القطاع هي مواصلة الجهود لتصفية آثار المرحلة السابقة للنظام الدكتاتوري واصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها وهذا يتطلب :
1. اعتبار قطاع التربية والتعليم من الأولويات المهمة وتخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة له والاهتمام بتوفير الأبنية المدرسية وفق المواصفات العالمية .
2. اعتماد فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على قيم المواطنة وعلى تعزيز الفكر التنويري ونقل المعارف المستندة الى احدث ما توصلت اليه العلوم في جميع مجالات المعرفة وتنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي وعلى فهم واستيعاب منجزات العلم والحضارة المعاصرين وتوظيفها في مجالات العمل والاختصاص المختلفة .
3. اعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس بما يتفق وتأمين مستلزمات التقدم التقني والمادي وارساء قاعدة تعليمية متطورة وتشجيع البحث العلمي والابتكار وربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى وادراج تعليم المعلوماتية ضمن المناهج في مرحة مبكرة واشاعة استخدام وسائلها في المدارس .
4. وضع خطط علمية لاستكمال عملية مكافحة الأمية وضمان مجانية التعليم في المراحل الدراسية كافة وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية ومعالجة ظاهرة التوسع المتنامي للتعليم الأهلي وآثاره على النظام التعليمي ككل .
5. شمول مرحلة رياض الأطفال بالسلم التعليمي والزامية التعليم على وفق ما جاء في الدستور .
6. وضع الطالب في مركز العملية التربوية واحترام الهيئات التدريسية وضمان الأجواء السليمة لإشاعة العلم وحب العمل والممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية وتشجيع النشاطات اللاصفية اضافة الى الاهتمام بالتأهيل والتدريب المستمرين للعاملين في هذا القطاع , والتحسين الدائم لمستويات معيشتهم بما يمكنهم من تكريس اهتمامهم لإنجاز مهامهم التربوية في افضل الظروف .
7. السعي الى تحويل مجالس الآباء والمدرسين الى هيئات ساندة للعملية التربوية والاهتمام بالنشاط اللاصفي نظرا لأهمية دوره في تنمية الروح الجماعية التعاونية للطلاب واكتشاف قدراتهم وميولهم واطلاق مواهبهم والمساهمة في بناء شخصيتهم .
8. اصلاح التعليم العالي انطلاقا من مبدأ صيانة حرمة الجامعات والمعاهد واستقلالها , وبما يعيد السمعة العلمية والأكاديمية للجامعة العراقية كونها مؤسسة حضارية مفتوحة , لا يجوز تقييدها بانتماء عقائدي او ايدلوجي او اي غطاء آخر . والاهتمام بتطوير التعليم العالي عامة ومراكز البحوث والدراسات المتخصصة .
9. اعتماد استراتيجية وطنية متوازنة في المنح والبعثات والزمالات وفي القبول في الجامعات والمؤسسات التربوية بشكل عام ,تقوم على اسس الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المتقدمين على اسس طائفية او قومية او غيرها .
10. ربط التعليم بأنواعه كلها , خاصة التعليم العالي والبحث العلمي بحاجات البلاد وامكاناتها وآفاق تطورها والاهتمام بالتعليم التقني والمهني والالتزام بتطبيق نظام التعليم الأساسي بشكل شامل .
11. العمل بمبدأ استقلالية الجامعات وعلى صيانة الحريات العامة فيها , خصوصا حرية الطلبة في التعبير عن مطالبهم وطرح مشاكلهم وفي اختيار ممثليهم وعلى ترسيخ ثقافة التعدد واحترام الرأي الآخر ونبذ الاقصاء والتهميش ورفض التعصب والتطرف بكافة اشكالهما واحترام الحريات الأكاديمية وصولا الى تشكيل مجلس التعليم العالي .
12. متابعة تطبيق القوانين والضوابط الخاصة بالمدارس والجامعات الأهلية .)).
فكلما حسّنا مستوى التعليم في كافة مراحله كلما نجد أن اداء اقتصادنا الوطني قد تحسن .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟