|
فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ... دعوة للتأمل
عامر الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 1579 - 2006 / 6 / 12 - 13:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ فترة قصيرة طالعت كتابا لأحدى الكاتبات التي لا يحضرني أسمها .. عنوانه ( دثريني .. دثريني ) تتناول فيه الكاتبة العلاقة بين خديجة ( السيدة - التاجرة ) ب ( محمد ) قبل نبوته و أثنائها و وقوفها الى جانبه و دعمه بكل السبل مادية و معنوية و تحملها الأعباء و المشقات من أجل هدف كانت تحلم به أو تنتظره هي و أقاربها و أهل مكة و اليهود و النصارى الا و هو ظهور النبي المنتظر .. كما تحاول الكاتبة أن تستقرأ دور خديجة الذي سكتت عنه كتب التراث الأسلامي رغم أهميته .. في ( تكوين ) الأسلام !!! هذه الأيام أطالع كتابا مهما للكاتب الكبير الشيخ خليل عبدالكريم و المعنون ب ( فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ) ... و سبق لي أن قرأت للكاتب أربعة من مؤلفاته : شدو الربابة في أحوال مجتمع الصحابة ( 3 أجزاء أو أسفار ) و قريش من القبيلة الى الدولة المركزية ... تمتاز كتابات خليل عبدالكريم باسلوب مميز يقرأ فيه التراث بطريقة علمية نقدية تاريخية تحاول نزع القدسية والهالة التي يضفيها العقل العربي الأسلامي على ( السلف ) من رجال و نساء كاشفا عن بشريتهم و سلوكهم الذي قد لايروق للبعض ممن عشعشت في عقله فكرة التنزيه و التبجيل و القدسية لما يسمى بالصحابة ... أنقل لكم بعضا من مقدمة كتابه ( فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ) مع نصيحتي بمطالعة ما كتبه هذا القلم الرائع الذي كشف المستور و المسكوت عنه و حلل بطريقة علمية فترة مهمة من فترات تاريخ العرب ... يقول الشيخ في مدخل كتابه : " في وسط جزيرة العرب و بالأخص في منطقة الحجاز و فبيل الثلث الأخير من القرن السادس الميلادي كانت كافة الظروف تستدعي ( القادم الجديد ) بل تلح في طلبه و تستعجله .... قال ابن اسحق : كانت الأخبار من يهود و الرهبان من النصارى و الكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله -ص- قبل مبعثه لما تقارب زمانه .. أما الأحبار من يهود و الرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفة زمانه و ما كان من عهد أنبيائهم اليه فيه .. و أما الكهان من العرب فأتتهم الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع اذ كانت لاتحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم .. و كان الكاهن و الكاهنة لايزال يقع منهما ذكر بعض أموره لاتلقى العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله تعالى ووقعت الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها . و كانت آنذاك في قرية القداسة - مكة - فئة مع قدر معلوم من التجاوز أن نطلق عليها الأنتلجنتسيا هي أكثر أهلها تشبعا بفكرة القادم الجديد او النبي المنتظر و أعظمها تشوفا اليه و أشدها تشوقا الى ظهوره . و من بين تلك الفئة السيدة خديجة بنت خويلد التي تجيد القراءة و الكتابة .... و هي من رهط اسد بن عبدالعزى ( من قريش ) الذي ظهرت فيه النصرانية . و تعمق في دراستها بعض بنيه حتى وصل الى رتب منيفة فيها مثل ورقة بن نوفل ( القس ) و عثمان بن الحويرث ( البطرك ) و قتيلة أو أم قتال أخت ورقة ( الكاهنة ) و الثلاثة هم أبناء عمومة خديجة و أرتفعت العلاقة بينهم ( خاصة القس و الكاهنة ) و بينها الى مستوى الحميمية المقرونة بالأختلاط .. و حظيت خديجة قبل الأسلام بالقاب ذات نكهة دينية لاتخفى على ذي اللب و لاتستبهم على الفطن و لاتستغلق على الأريب فهي : ( سيدة نساء قريش ) أو ( سيدة قريش ) و هذا للتو لا على التراخي يستحضر الى ذاكرتك ما وصفت به مريم بنت عمران في الأسلام ( سيدة نساء العالمين ) .. أن محمدا كثيرا ما كان يقرن بين السيدتين .. يقرن بينهما في المقام و الدرجة في منازل جنة عدن ...... و من الألقاب التي حلت جيدها ( الطاهرة ) و هو لقب تفوح منه ايضا رائحة مسك ديني أو لاهوتي و يذكرك بلقب تحمله مريم أم المسيح لدى النصارى و هو : " معدن الطهر .... " و في القرآن عنها ( ان الله اصطفاك و طهرك على نساء العالمين ) . و ليس مصادفة اضفاء ذلك اللقب على خديجة بل لعلة كامنة أومكنونة و الا لماذا لم تلقب بالشريفة أو الكريمة او العفيفة مع أنها تحوزها بجدارة ؟ و لماذا هي من دون غيرها فازت بهذا اللقب ؟ .. ان قبل الأسلام أو بعده ؟ و في المسيحية يبدأ التطهير من الداخل أي من القلب و ناشد ابن مريم تبعه أن يحبوا بشدة بعضهم بعضا من قلب طاهر . خلاصة القول اذن أن لقب الطاهرة تضمخ بعبق ديني أو لاهوتي نفاذ .. و من المستحيل أن تجيء اضافته في حق خديجة مصادفة أو خبط عشواء . ان اللقبين ( سيدة نساء قريش و الطاهرة ) لهما دالة لاتغيب عن ذهن الذكي اللوذعي .. أو ذلك الذي يقرأ سيرة محمد بعقل يقظ و عين مفتوحة و بصيرة ثاقبة و لب واع و هذا ما نادينا و لازلنا ننادي به . اذن فاز بنو أسد بسهم وفير من بين فروع قريش بصفة الأنتلجنتسيا فكان من بينهم ( ورقة بن نوفل ) و البطرك ( عثمان بن الحويرث ) و الطاهرة و سيدة نساء قريش ( خديجة بنت خويلد ) . بيد ان الذي لاريب فيه .... ان خديجة فلجت على الثلاثة الآخرين و بزتهم لأنها امتازت عليهم بخصال و ملكات نفسية افتقروا اليها يأتي في مقدمتها أستشراف المستقبل و الفراسة التي لا تخيب و موهبة الألهام الصادق و غريزة أختيار ( السابق أو الفائز ) و الرهان عليه .. و الصبر العري عن الضروب ( الذي لامثيل له و لا حتى شبيه ) للوصول الى الهدف و تحقيق الغاية و الحصول على المنية .... فالطاهرة من دونهم لم تنتظر القادم الجديد فحسب .. بل فلت مجتمع مكة و خاصة شبابه و دققت النظر في قوادمه و خوافيه و حدقت في حناياه و لم تتعجل أو تتسرع و صبرت سنوات قاربت الربع قرن حتى أهتدت اليه و بمعنى أدق الى من يصلح لذلك . و هنا ضربت عرض الحائط بالتقاليد الرواسخ رسوخ الجبال بل و حطمتها فقدمت نفسها اليه و مدت هي يدها اليه ولم تعبأ بفارق السن و المال حتى اذا تشيأ الحلم على الأرض و تحول الى واقع انتقلت من مرحلة الفرز و التجنيب و السبر و الأختبار الى مرحلة الأعداد و الشحن و الأمداد و التعبئة و التهيئة و استغرقت تلك المرحلة من عمرها المبارك " خمس عشرة سنة " قدمت فيها تضحيات جسيمة من المال و النفس و البدن حتى أثمرت الشجرة و طرحت أكلها الحلو وآن للطاهرة أن تعلن لأهل مكة : هاكم ( القادم الجديد ) الذي طال انتظاركم له و شوقكم الية ....." !! من خلال ماذكره الكاتب الكبير في مدخل كتابه الذي نقلت معظم فقراته نستطيع أن نستشف الدور الكبير الذي لعبته خديجة بنت خويلد و ( أقاربها ) في أختيار نبي أمة العرب بعد أن قرأوا و درسوا و تمعنوا في كتب اليهود و النصارى ( خاصة ورقة بن نوفل ) و بعد أن قامت خديجة الشريفة والمثقفة و العالمة بأحوال مجتمعها بدراسة متأنية و تمحيص و تدقيق ... و من ثم أختارت و قررت و دعمت و أعلنت للعرب : محمد هو نبي هذه الأمة !!! __________________
#عامر_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسطورة يسوع
-
الأنسان في العراق حطام و حرية و تيه
-
وصايا الظواهري
-
أفطار أرهابي
-
سيلين ديون ... و الطائفة المنصورة
-
حوار مع صديق
-
أين الخلل ؟؟؟
-
هكذا تحدث سيد القمني
-
سيد القمني يهزم المنتخب الأسلامي .. و ينسحب من المباراة
-
تخليص الأبريز في تلخيص محطة قطار شمال باريز
-
مرثية أور .. ما أشبه اليوم بالبارحة
-
رهان ( شعب الجبارين ) على الحصان الخاسر
-
حسنا فعل الكورد .. نعم لعلم عراقي جديد
-
رسالة نقدية .. في نقد النقد .. سأرد لا حقا
-
هواية الجهاد في مزرعة الحاج محمود الجحيشي : الدوافع و الأسبا
...
-
حوار غير متمدن في موقع أسلامي
-
معجزات الديجيتال عند العرب المسلمين
-
لكي تكون عربيا مسلما فأليك النصيحة ..
-
بغداد بين سقوطين .. هل نحتاج الى أبن العلقمي للتبرير ؟؟؟
-
سيوف قد حنت إلى رقاب ... تقطعها قطعا ً مستبينا
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|