|
الانفجار الكبير والكون اللامرئي
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبدالاميرالركابي للانسايوان علومه، وله مايعرف بالعقل، "عقله" وهما مطلقان بنظره ونهائيان، المثير هنا ان الانسايوان يعرف بانه قد مر بحقب ومراحل، وانه تطور مع الزمن، وان العقل بناء عليه ليس هو العقل المولود مكتملا ومنذ اللحظة التي وجد فيها وانبثق، ومع ذلك لم يوجد الى حد الساعة علم ىتابع المسارات العقلية ويعين حدودها ومآلاتها، ومناحي صراعها من اجل" الاستقلال"، من دون فرضية حصرها ضمن وقت بعينه او انجاز بذاته، خصوصا وانه لم يسبق وان صدر عن العقل منجز اعلى، اوخارق لم يكن حصيلة التراكم والنضج الضروري، أي ان مسالة القفزة الاستثناء لم يكن لها حضورمادامت ملزمات الجسد نافذه، وان هذا المكون من مكونات الانسايوان كما يتبدى من الاختبار والتجربة، هو جانب منه، في نمو، وصائرضمن مسارات التجربة، وليس كينونة نهائية تغتني بالجديد المتحصل، أي انه مجكوم لصيرورة وصعود، تسري عليه قوانين التشكل والمراحلية من الأدنى للاعلى. ولغياب قاعدة القياس، فان حضور العقل واستعماله لايجد في العادة فرعا من البحث يقوم على التفريق، او التمييز، بين مناحي عمل العقل كذات مستقلة حاضرة لذاتها، وبين العقل بما هو تدبير ازدواجي خاضع لاضطررات الثنائية الجسدية العقلية وللملزمات البيئية، لاستحالة الفصل الازدواجي على العقل نفسه ضمن مراحل طويلة من تاريخه، ولغياب ونقص مايمكن ان يكون عالمه الذي يمكن ان ينتمي اليه خارج الجسد والطبيعة، فهو يعاني من هذه الناحية من نقص في النسبة والاحالة الانتمائية، وبينما الجسد يمكن ان ينسب بسهولة الى الأرض والتراب، فانه كعالم تجريدي وفكرة، لاسند له ولامصدر يمكن ان يحال اليه، فيظل والحالة هذه ملحقا ومدمجا بنفس المصدر الارضي المتفارق عنه. ولاتتجسد مناحي ودالات التفارق العقلي الاستقلالية، او تصيرحيزا له آلياته بيسر، فالاحادية التكوينية، وهيمنة احد أطرافها، تشبه هنا وتناظر الأحادية المجتمعية واستمرار سطوتها على الازدواج المجتمعي، وحتى حين يلوح في الأفق، او تبدا بذور بنائية لعالم العقل المستقل، فان موروثات الأحادية الجسدية، تظل حاضرة، ومانعة لاية احتمالية انفصال، او الشروع بالتاسيس له، وينسحب هذا بالدرجة الأولى وبالذات على النظريات والمنجزات الاستثنائية، وما يعرف منها ب"العبقرية"، من أمثال المنجز الانشتايني، ومكانه وانتمائه بين شبكة او منظومة العلموية الارضوية الانية والراهنة، ومايفتح الأفق على ماوراء الانسايوانية الارضوية، حيث ممكنات ومبررات استقلال العقل، القفزه الكبرى المدخرة والباقية بصفتها غرضا وهدفا عقليا اسمى، كامنا في الغاية الوجودية الاعلى. لو اخذنا الكشف الانشتايني المتعلق بالزمن وحضوره المبطن، ووجوده العملي الكوني بحسب السرعة او بالقياس لها من ناحية وعلاقة الكتلة بالسرعة، وتحولها عند نقطة من التسارع، الى طاقة، الامر الذي لم يجعل العقول العلمية، وحتى الفلسفية على سبيل المثال، تحاول التفكر في حدود ونطاق الاكتشاف المنوه عنه من زاوية نسبة، او درجة انتمائه للحاضر والمعاش الاستعمالية، قياسا لما هو غير قابل للاستخدام الحالي، الجسدي كليا اليوم، هذا غير الاحتماليات التي يمكن نلمسها فيما وراء الراهن، واهم من كل ذلك التفكير في الاطلالة التي يوحي بها على احتماليه وممكنات وجودية أخرى، من المعقول القول بانها تسارعية/ سرمدية، وانها لتسارعها الضوئي او مابعد الضوئي ( منذ انشتاين لم يعرف أي تفكير او اعتقاد يحتمل كون السرعه يمكن ان تتعدى متجاوزه سرعة الضوء انما في مجال كوني اخر) لايمكن ان تعرف الكتله، ومثل هذا التصور يتعارض كليا مع طبيعة العقل الانسايوان، فكيف لهذا ان يتصور عالما اخر "غير مرئي"، بمعنى غير المرئي من قبل الانسايوان وبحسب مامتاح له من وسائل وحواس، تلك التي تتيح له وتجعله يحكم على الشيء اذا كان موجودا او لا، الامر الذي لابد ان يخضع ل، ويتماشى مع طاقته ومامتوفر له من ممكنات طبيعية تعيين الموجود المرئي والملموس عيانا او امكانا من عدمه. ومع انشتاين بالذات من دون غيره من مكتشفي القوانين الطبيعية، تتجسد لنا بقوة الأحادية الكونية، موازية ومناظرة للاحادية المجتمعية، وبينما يصير بالامكان الاقتراب ـ ولو من قبيل الابتداء ـ من ممكنات اشارة الى كونية اخرى غيرتلك التي لاتوجد الا مع تعرف الكائن الانسايوان الأرضي عليها، فكائن اليوم الانسايوان صنع مايعرف ب "التلسكوب" ليقترب من الفضاء والافلاك مضاعفا قدرته البصرية الاف، او ملايين المرات، لكنه فعل ذلك ليس ب "التلسكوب العقلي"، فهو لايستطيع، ولم يفكر أصلا باحتمالية وجود وسيلة استكشاف يتعاظم ويتضاعف معها حضور العقل في الاكوان الخفية، فظل محكوما والحالة هذه للتلقي البصري، ليقوم وقتها وبناء على ماينقله البصر، بالفحص والتدبر "العقلي" على ملموس ومعاين " مكتشف". ذلك في حين ان اكتشاف انيشستاين وضع بين أيدينا احتمالية مابعد كوكبيه مرئية، ومابعد كونية أحادية، محسوبة بحسب الوسائل المتاحة للكائن البشري. هل ان كل مالا نستطيع رؤيته غير موجود؟ السؤال هنا لايعيدنا الى رواية الجبل وهل يظل موجودا اذا ادرنا له ظهورنا ام لا، فالمقصود عالم له "وجوده" وكينونته المتفقه مع طبيعته من نمط وتركيب وبنية أخرى، غير تلك التي نحن والجبل عليها، افلايمكن ان نكون قد وجدنا أصلا ضمن كونية ثنائية، مرئية، وغير مرئية، بناء على ممكنات وطاقة وقدرة الكونية التعرفية التي نحن منها وننتسب اليها. سوى ذلك يتوقف العقل الانسايوان ضمن اشتراطاته المعروفه معتقدا بقوة، بوحدانيته وبثباتيته التي تمنعه من الرضوخ لاحتمالات التصيّر الكوني والغاية، مثال ذلك ماتكرسه نظرية "الانفجار الكبير" من خلال أولا القول بان الانفجار هو مبتدأ لاابتداء قبله، الامر الذي لايمكن اعتماده لانه افتراض احادي ومحدود النظر، غير قادر على تخيل احتمالات صيرورية كونية اسبق، الانفجار المذكور او "المزعوم"، هو محطة ولحظة من لحظاته، لها ماقبلها، وسائره او هي موجودة وقد وجدت، لكي تاخذ الكون المرئي الى مابعده، وهنا تشخص امامنا مسالة او قاعدة " التحولية الكونية الشاملة"، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، الا يمكن ان يكون انبثاق الكون المرئي، متحايثا، ووجد بالاصل متوازيا مع كون اخر ملاصق او شامل، وغامر للكون المرئي الذي نحن منه، ونعيش ضمنه. وأخيرا الايحتمل ان يكون التمدد الكوني الناظم لحالة الكون المرئي منذ "الانفجار الكبير"، سائر نحو انفجار اكبر، ونحو انقلابيه تصيرية، قد تكون ماوراء الكونيتينن، المرئية واللامرئية، هذا الأفق او المدى من التصور يرفضه المفهوم الجزئي الأحادي الكوني المطابق لنمط الاستيعاء العقلي الانسايواني، مع انه لايعدم الدلائل والمحفزات الدافعه الى مغادرة المحدودية العقلية الأحادية الكونية، بحكم وجود العقل نفسه، وتوزع الكائن البشري الحي على ( عقل و/جسد) وان يكن مايزال غير مدرك، بينما تستمر الرؤية الأحادية للكينونة الجسدية البشرية هي الغالبه الطاغية على رؤية العقل لوجوده وذاته، بالضبط كما هو الحال مع رؤية الكون المرئي للحقيقة الكونية وتعددها. يفتح امامنا انشتاين الباب نحو "الازلية"، بما انه يجعل الزمن بحالة تناقص وتقاصر مع السرعة وزيادتها، مايجعل من الممكن تخيل عالم متعاظم السرعة، نحن لانعرف اذا كنا متجهين اليه عبر انفجارا ت كبرى آتيه، او غير ها من الظواهر الفاصلة الانقلابية الكونية، وهنا لابد ان نسال: هل ان العقل موجود ام لا، وهل هو قابل لان يكون ذاتا مستقله؟ ولماذا لايخطر لنا بان هذا الجزء من الكائن البشري الحالي، مهيأ لان ينتقل للاندماج بالعالم الازلي فائق التسارع، بعد ان يكون قد غادر الجسدية، وتحرر من بقايا الحيوانية العالقة به، والمتبقية من طور وزمن الحيوانية السابقة على انبثاق العقل، ووقتها يصير السؤال التالي واجبا: هل العقل منظور او مرئي، وهل فعله قابل للمس/ المقصود هنا العقل لا الدماغ. ان وجود العالمين والكونين، ظاهر وحاضر بقوة في الكائن البشري، وضمن بنيته وتطورها الأول الحيواني وصولا للازدواج، بمعنى ان عالمنا وكوننا الذي نعتقد اننا منه، منشطر ضمنا، بانشطارنا، ومنذ ظهور العقل فينا، بما يجعل من كوننا قوة ومادة موحية بما بعدها، وذاهبة اليه صعدا وتصيّرا، وبان الكائن الذي هو نحن، كائنان متباينان كليا، احدهما الجسدي الحيواني سابقا واصلا، والثاني عقلي، الأول مرئي ملموس له ارض مرئية ملموسه يقف عليها، ويتصير فوقها، والثاني المنبثق فيه باعتباره سكنه الأول الاضطراري، من كون اخر وذاهب اليه، حيث لايعود بحاجة لمرتكز او قاعدة ملموسة مرئية، ارضه السرعة مافوق الضوئية، التي تقتل الزمن وتقلصه، وتوقفه عند منطقة الازل والسرمدية. وجد او خلق الجسد من التراب واليه يعود، ووجد العقل سرمديا والى السرمدية وكونها يذهب، فكل مافي هذا الكون والاكوان الأخرى "متحوّل"، وسائر الى مابعده، تكتنف حركته محطات انتقال كبرى مثل الانفجار الكبير الذي لاشيء يؤيد او يؤكد جزما كونه ابتداء اول لاسابق له، مثلما لاشيء يثبت انه انتهاء، وبلا عقب من انفجارات او منقلبات هائلة كبرى، والأرض هي محطة وموضع توليد لمابعدها الذي هو العقل المستقل، الذي انبثق في الحيوان بعد مسيرة استغرقها هذا تحوليا، قبل ان تبدا التحولية العقلية ونهايتها مابعد المجتمعية، الضرورية قبل العبور الى ماورائها، والى زمن انفصال العقل عن الجسد، والتهيؤ للانتقال الى العالم اللامرئي الازلي، حيث الزمن ممحي، واللازمن هو الطاغي بفعل التسارعية الأقصى الكونية.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية المجتمعات لا التاريخ ولا الطبقات/2
-
نهاية المجتمعات لا التاريخ ولا الطبقات/1
-
كورونا: انقضاء الزمان ونهاية المجتمعات؟/2
-
كورونا: انقضاء الزمان ونهاية المجتمعات؟/1
-
الخروج من النهضة الزائفه: نداء؟/2
-
الخروج من النهضة الزائفة؟/1
-
نداءات الديمقراطيين: -حلاوه بقدر مثقوب-
-
-فهد- نزيل ثقافة الموت/ خاتمه
-
اشباه القرامطه يرطنون بالروسيه/ملحق ج
-
حزب -فهد- والازدواج/ملحق ب
-
اعدام-فهد- والمخابرات الغربية والازدواج/ ملحق أ
-
ال-محمدان- الزائفان ونخبة الحداثة/2
-
ال-محمدان- الزائفان ونخبة الحداثة
-
ثورة ضد الايهام الديمقراطي؟
-
(1) تشرين: الثورة و- قرانها-/4
-
(1) تشرين: الثورة و- قرآنها-/3
-
(1) تشرين : الثورة وقرآنها/2
-
(1) تشرين: الثورة و-قرآنها-/1
-
خرافتا الديمقراطية والدولة المدنية؟
-
التحرير الثاني: و-التفارقية الرباعيه-ب/9
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|