|
قصص همنغواي القصيرة /3:
محمد نجيب السعد
الحوار المتمدن-العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 19:12
المحور:
الادب والفن
نهر ذو قلبين كبيرين Two Big-Hearted River تتألف قصة "نهر ذو قلبين كبيرين" القصيرة لهمنغواي من جزأين ، بطلها هو نيك آدامز . تتحدث القصة عن آثار الحرب ودور الطبيعة في الشفاء من تلك الآثار . تعتبر القصة واحدة من أفضل القصص التي كتبها همنغواي. كما أنها تمثل نموذجاً واضحاً لنظرية جبل الجليد التي طورها همنغواي. تكاد تكون القصة خالية من الحبكة وتعتمد كثيراً على الوصف لذلك نرى تآثير الرسام سيزان في عدم الأهتمام بتفاصيل الخلفية والتركيز على الصورة الرئيسية واضحاً. في عام 1922 ، انتقل همنغواي مع زوجته هادلي إلى باريس ، حيث عمل كمراسل أجنبي لصحيفة تورنتو ستار. أرتبط بعلاقات وثيقة مع مجموعة من الكتاب مثل سكوت فيتزجيرالد وفورد مادوكس فورد وجيمس جويس وعزرا باوند وجيرترود شتاين. بدأ همنغواي كتابة القصة في شهر مايو من العام 1924 لكنه لم ينته منها حتى سبتمبر حيث قضى الصيف في مساعدة عزرا باوند وفورد مادوكس فورد في إطلاق مجلة THE TRANSATLANTIC REVIEW بعد عودته إلى وطنه للتعافي من أصابة تعرض لها في الحرب في أيطاليا، ذهب في سبتمبر 1919 في رحلة صيد وتخييم استمرت أسبوعًا مع صديقين من المدرسة الثانوية إلى منطقة سيني في شبه جزيرة ميشيغان - وهي رحلة أصبحت مصدر إلهام لـهذه القصة . تُظهر المخطوطة استخدام همنغواي ضمائر الجمع ، مما يشير إلى أن القصة ضمت مجموعة من الشخصيات ، ولكن قبيل النشر ، آثر الكاتب ترك نيك ، بطل القصة، وحيداً في الغابة. عندما سألها همنغواي عن رأيها في المسودة في أكتوبر 1925 ، نصحته جيرترود شتاين بحذف أحدى عشرة صفحة كتبها همنغواي بأسلوب "تيار اللاوعي" . أخذ همنغواي بالنصيحة ، وأعاد صياغة النهاية . كتب الناقد جيمس ميللو أن همنغواي لم يكن مستعداً لأستخدام "تيار اللاوعي في قصصه وأن الجزء المحذوف من القصة كان يمكن أن يكون مثالياً لو أنه كتب في فترة متأخرة من تطور الكاتب. نشرت القصة أولاً في مجلة This Quarter الأدبية في يناير 1925 . دفعت المجلة مبلغ ألف فرنك فرنسي ، وهو أعلى مبلغ تلقاه همنغواي مقابل قصة واحدة. في 5 أكتوبر 1925 ، نشرت القصة في الطبعة الثانية من مجموعة In Our Time التي صدرت في نيويورك من دار نشر بوناي وليفررايت . يبدأ الجزء الأول من القصة مع وصول نيك بالقطار إلى سيني ، ميشيغان ، ليجد أن الحريق قد دمر البلدة . في طريقه الى المدينة ، يتوقف عند أحد الجسور ويراقب سمك السلمون المرقط في النهر . بعد ذلك ، يصعد تلاُ ويجلس ليستريح عند جذع شجرة محترق. في وقت لاحق من اليوم ، يأخذ قيلولة وسط أشجار الصنوبر الطويلة، عندما يستيقظ ، يذهب صوب النهر ويرى سمك السلمون المرقط في ضوء المساء .أخيراً ينصب خيمته ويفرغ لوازمه ويطهو عشاءه و يملأ دلو الماء ويعد القهوة ، ويقتل بعض البعوض قبل أن ينام. يبدأ الجزء الثاني في وقت مبكر من صباح اليوم التالي ، يملأ نيك جرة بالجندب ، يتناول إفطاره، ويمشي إلى النهر لصيد السمك . يعود الى خيمته حاملاً سمكتين أصطادهما . نُشرت الطبعة الأولى من مجموعة همنغواي القصصية In Our Time في سلسلة عزرا باوند لكتب الحداثة عن دار نشر Three Mountains Press في باريس في عام 1924. وقد لقيت الأشادة من قبل النقاد. وصف إدموند ويلسون الكتاب بأنه من الطراز الأول ، وكتب مرة أخرى يصف قصة" نهر ذو قلبين كبيرين" تحفة صغيرة لطيفة. " عندما نشرت القصة في الولايات المتحدة ، أكد النقاد أن همنغواي قد أعاد أحياء القصة القصيرة من خلال أسلوبه الجديد البسيط والواضح. في عام 1952 ، في عرض لرواية الشيخ و البحر - التي فازت بجائزة بوليتزر وجائزة نوبل في الأدب- قالت صحيفة نيويورك تايمز عن قصتنا أنها واحدة من "أفضل وأسعد قصص همنغواي المبكرة القصيرة ". يعتقد كارلوس بيكر أن قصص In Our Time إنجاز رائع لكاتب شاب. وصف جوزيف فلورا قصة "نهرذو قلبين كبيرين" بأنها "بلا شك الأكثر إشراقاً في المجموعة ". قالت سوزان بيجل أن القصة تعتبر "من بين أفضل" القصص القصيرة الأمريكية ". وفقا لجاكسون بنسون ، على الرغم من تأثير باوند وجويس ، الا أن همنغواي نجح في جعل القصة القصيرة الشكل الأدبي المسيطر " لجزء كبير من القرن العشرين. على عكس الكتاب الحداثويين الآخرين ، الذين كتبوا عن الإنسان "بلا جذور و لا ماضي" ، كتب همنغواي سردياته في الوقت الحاضر ، وبالتالي أصبح "الحداثوي الحقيقي". كتب الفيلسوف كليمنت روسيه أن "فكرة الطبيعة هي واحدة من العوائق الرئيسية التي تعزل الإنسان عن الواقعي ، عن طريق استبدال تعقيد العالم المنظم بالبساطة الفوضوية للوجود" . لقد عرّف روسيه الطبيعة بأنها "إطار" ، و"موقف دائم" ، و"وجود" ، تهدف إلى إرضاء الأنسان لكونه "هشًا وغير مهم". يجد تعريفه صدى في المفهوم الأمريكي للطبيعة ، حيث أن المفكرين الأميركيين كانوا يميلون دائمًا إلى رؤية الطبيعة ليس كمفهوم محوره الإنسان ولكن كمقياس لمأزقه وقدراته. نظرًا لأنها لم تتشكل بالتاريخ وتعتمد على واقع جغرافي ملموس في استنباط ميزاتها الخاصة ، فقد إنحازت الثقافة الأمريكية كثيراً للطبيعة. نما الفن والأدب من هذه الديناميات الموجودة في الطبيعة. بدأت بالطبيعة القوطية المبكرة (ذات الطراز الإنجليزي) كأداة لتنفيس القلق، ثم أصبحت رؤية سياسية مقدسة للطبيعة في القرن التاسع عشر التي أسست الوعي الوطني ، ورعت شعور الانتماء وكفلت ولادة أدب مستقل. وهكذا تطورت فكرة الطبيعة في الأدب الأمريكي من " برية خطرة بحاجة الى القمع" إلى "نسخة متفائلة من الطبيعة الغنية والواعدة" ، وفي أواخر القرن التاسع عشر أصبحت ساحة لتبرير التنافسية كما عند داروين . في مطلع القرن العشرين ، فتح الباب على مصراعيه لتلك العلاقة بين الإنسان والطبيعة مما احدث تطورات قوية . أن الشكّ واالتحقيق شكّلا تجربة الحداثة وأن خصوصية التصور جاء كرد فعل على الشعور بأن العالم والواقع الخارجي يفقدان الاستقرار والتماسك. في هذا السياق ، كان همنغواي واحدًا من أوائل المؤلفين الأمريكيين الذين "دولوا"تصورهم للطبيعة. تنتقل قصصه عبر أراضٍ مختلفة ، في مقاربة بدوية إلى الطبيعة ، حيث ينقلنا من الأنهار والبحيرات والغابات في ميشيغان الى التلال الخضراء في إفريقيا والقمم الجبلية الثلجية في كليمنجارو وجبال الألب ، والمناظر الطبيعية للبحر الأبيض المتوسط في إيطاليا وإسبانيا. إن طبيعة همنغواي "غير مقيدة" ولا يمكن إدراجها ضمن مجال محدد سياسياً. فالحديث عن الغزو لم يعد مقصوراً على "مناطق حقيقية أو خيالية" أنما عن "المناطق الأنسانية" أيضاً . لم تعد الطبيعة عن همنغواي ، كما عند الرومانسيين، مقدسة ، أنما أصبحت سهلة الوصول وكونية المضمون. هدفه هو تحديد هوية الإنسان من خلال اتصال مباشر مع الواقع في عالم غريب ومألوف في نفس الوقت. تعطي قصة" نهر ذو قلبين كبيرين " الطبيعة دورًا بارزًا. النص عبارة عن سرد مزدوج لرحلة صيد فردية يقوم بها نيك آدمز قرب نهر فوكس - الاسم الفعلي للنهر في منطقة سيني والذي غيره همنغواي "عمداً" ، على حد تعبيره في "فن القصة القصيرة" ، ليس من قبيل الجهل أو الإهمال ولكن لأن أسم "نهر ذو قلبين كبيرين " أكثر شاعرية. أعتمدت القراءة المعاصرة للقصة على التفسيرات المستندة على ثيمة الجيل الضائع التي سادت في ثلاثينيات القرن العشرين وحتى خمسينياته. أن خطية النص وخلوها تقريباً من الحبكة التقليدية دفع النقاد إلى البحث عن معنى أو معاني خارج النص أو تحت المعنى السطحي الظاهر. بالاعتماد على نظرية الجبل الجليدي التي أخترعها همنغواي والتي تنص على أن سبعة أثمان النص الأدبي تكمن تحت السطح ، شدد النقاد على القلق الدفين الذي يعيشه البطل وربطوه بالحرب التي عاد منها همنغواي والشظايا تملا جسده . يقول كينيث لين لقد حول النقاد القصة الى مرأة تعكس "رجلاً ذي قلب منقسم" . يشدد فيليب يونغ على الإيقاع الرتيب للسرد وأعتبره نتاجًا لعقل "مضطرب " . أعتبر مالكولم كاولي القصة كابوساً . أشار تيري أنجل الى موضوع "الشفاء الروحي " من جراح الحرب وقال ، كما قال كاولي، أن صور همنغواي هي "رموز لعالم داخلي "وكما قال شيريدان بيكر أن المشهد المدمر يرمز إلى ندوب نيك آدمز الداخلية . ومثل هذه القراءات تؤكد مصداقيتها في ما ذكره همنغواي في رسائله عام 1948 إلى كاولي وإلى نيويورك تايمز :" نهر ذو قلبين كبيرين هي قصة عن صبي عاد من الحرب. لم تذكر الحرب أبداً. قد يكون هذا أحد الأشياء التي تساعده ". توجد إشارات أخرى إلى الحذف المتعمد للحرب في "فن القصة القصيرة" ، وهو عمل غير منشور مؤرخ في يونيو 1959 حيث كشف همنغواي عن بعض أرائه حول كتابة القصة. هذا هو بالضبط لب المشكلة. تبقى فكرة الموت متوارية في حين يعج النص بعلامات الحياة من حشرات وطيور وأسماك وغيرها من الحيوانات وعدد من أنواع الأشجار والنباتات. إضافة إلى ذلك ، لم ترد أية إشارة صريحة للحرب كما أن همنغواي لم يدخل الى وعي نيك آدامز ، بسبب أسلوبه التقليلي، مما أدى الى حدوث أشبه بالفراغ في النص ، فأعطى ذلك المجال للكثير من التفسيرات . فمن ناحية ، تعتمد هذه التفسيرات في الغالب على "الريف المحترق" الذي تفتتح فيه القصة ويكتشفه نيك عندما يغادر القطار في سيني ، وتعتبره صورة "لتجربة محطمة" ، "حريق جسدي ونفسي" يؤدي الى " الارتباك التام للشخصية ". فالطبيعة ، إذن ، المجسدة في "الجندب الذي أصبح لونه أسود نتيجة العيش في الأرض المحروقة" ، تحتفظ بالندوب التي أحدثها التاريخ . بعض التفسيرات أعتبر نيك آدامز " الأنا البديلة" لهمنغواي ، وأنهم يحيلون النص إلى رحلة المؤلف إلى سيني في عام 1919. وهناك تفسير بديل يربط الصدمة الضمنية التي تكمن في صميم القصة بتلك التي يتم التعبير عنها في قصة"الآن أضطجع لأنام "، حيث يعاني الراوي من الأرق ويأخذه إرتجاع فني(فلاش باك) الى الطفولة عندما رأى والدته تحرق ممتلكات أبيه الشخصية. في تلك التحليلات ، تُضفى على الطبيعة دلالات رمزية ونفسية وعاطفية ، في محاولة لتعويض صمت البطل الذي لا نسمعه يتكلم الا في ثلاث مناسبات و كذلك للتعويض عن عدم وجود الفرصة للدخول في عالم البطل الداخلي. معظم هؤلاء النقاد يعتبرون الطبيعة بمثابة معادل موضوعي أو استعارة تسمح بالوصول غير المباشر إلى داخل الشخصية. يمكن القول أن التاريخ الأنساني محفور في الطبيعة من خلال صورة خط السكة الحديد الذي يخترق الأرض المحروقة في المشهد الأفتتاحي للقصة.يُعد القطار ثيمة متكررة في قصص نيك آدمز ، وكذلك عند ثورو وعند أندرسون ، وهي (الثيمة) ربطت بالموت العنيف والتقدم المدمر للحضارة . "القطار" هو الكلمة الافتتاحية لقصة همنغواي ، و نسمع صداه يتردد في "المستنقع" في السطر الأخير. و هو ، أي القطار، يعتبر صوره للتصنيع والتدجين والغزو الإقليمي ، وهو يمثل انتصار التاريخ على الطبيعة ، ويمثل جرحًا ثقافيًا ، ويمثل نهراً أسطورياً يفصل المجال الحضري مع الظروف الاجتماعية والعلاقات الشخصية الصعبة التي تقود الى الانقسام ، ومجال الطبيعة حيث يواجه الإنسان نفسه. في هذا الصدد ، فإن قصة "نهر ذو قلبين كبيرين" تقف على النقيض من قصة " تلال كالفيلة البيض" حيث يجري الحوار بين البطل والبطلة في محطة القطار–حيث لا نرى في البعيد سوى تلال ، تشبه الفيلة البيض ، وبذلك تحول المشهد الطبيعي إلى أداة أسلوبية ، وهو حلم بعيد المنال ومستحيل. في القرن العشرين ، أصبحت الطبيعة والتحضر بالتأكيد موضوعات مترابطة. في قصتنا أختفت المراكز الحضرية حرفيًا: "لم تترك ثلاثة عشر صالوناً كانت موجودة في شارع سيني أثرًا"، و" حجر مقطوع...شطرته النار بارز فوق الأرض حيث كان فندق المانشن هاوس سابقاً ". هل هذه الأرض المحروقة ، التي بلا ماض ولا تاريخ ، هي خطوة ضرورية للمواجهة مع عناصر الطبيعة: الماء والأرض؟ قد يُنظر إلى النار – برمادها المتبقي ، وربما أستمرارية المادة - بشكل إيجابي ، من خلال كونها صورة للتطهير والتجديد بدلاً من التدمير والعدم ، أو على الأقل تحمل معها الأمل والإيمان في ولادة جديدة ممكنة: "سيني أحترقت والريف أحترق وتغيير ، لكن هذا لم يكن مهمًا. لا يمكن حرقها كلها. كان يعلم ذلك ". أذن نحن بحاجة الى واقع لنبني عليه من جديد أياً كان السبب وراء الحريق ، سواء أكان الحرب أم أزمة شخصية. هذا يعطي المجال والمعنى لاختراع الطبيعة. يصبح النهر ، الذي يتدفق على بقعة محددة جغرافياً ، هو ذلك الواقع. ينظر الى عملية البناء عن بعد (تمتد فترة خمس سنوات بين تاريخ كتابة القصة وبين تاريخ التجربة التي الهمت القصة) ومن وجهة نظر سردية خارجية ، وهي استراتيجية تعزز من الدقة والوصف لأيقاع السرد البطيء ، وتكون في منأى عن تأثير مشاعر البطل. أن السرد معقد ويربط الذاكرة التي تسعى إلى الدقة بالحرفية المتأصلة في الإيماءة الفنية لإعادة الخلق. كما أن اختراع الطبيعة يغذي تجربة البطل حيث يكتشف الحياة في الطبيعة ويصل إلى حد يصبح للواقع معنى. هذا هو السبب في أن النهر هو أكثر بكثير من مجرد رمز ، "تضاريس الخيال"كما يقول جيب أو "منظر طبيعي للعقل" كما يقول آدير. إنه يوضح أن هناك شيئاً دائماً في الطبيعة. أن الجملة البسيطة والمباشرة والحازمة "النهر كان هناك" ، في الفقرة الثانية ، تعبر بوضوح عن ما تراه العين: النهر هو رمز دائم. في ذلك بعض المنطق حيث أنه بمثابة دليل هادي عبر النص وفي الأرض المشوهة المحيطة بالبطل ، الذي ربما أحس أنه غريب. أن الأحساس بالمكان من خلال تكرار الصور المختلفة للحرق أو الأحتراق “burnt,” “burned,” “burnt-over,” “burned off ، التي ترد أحدى عشرة مرة في الصفحات الثلاث الأولى من القصة . في الواقع ، لا يمكن للمرء أن يتحدث عن ارتباك نيك الذي لم يفقد توازنه . تحل الطبيعة محل القياس العلمي والثقافي للزمان والمكان ، مثلاً موقع الشمس والنهر : "حافظ نيك على اتجاهه بواسطة الشمس" ." لم يكن بحاجة لإخراج خريطته. كان يعلم إلى أين يذهب من خلال موقع النهر ".
يقف نيك على الجسر ، كمن هو على أعتاب الدخول في مرحلة جديدة ، و يمضي وقتًا طويلاً في مراقبة سمك السلمون الذي يقفز في النهر من خلال ضباب الحصى والرمل. إن إنعكاس الضوء الذي يتسبب به طائر الرفراف المحلق في أعلى النهر والسمك الذي يقفز من الماء ويعود ثانية اليه ، والانعكاسات المتقطعة لظلالها ، هي المسؤولة لفترة وجيزة عن تعليق الوقت والتجزئة التكعيبية للواقعي. يشبه "سطح المياه الزجاجي المحدب " كالمرآة التي يدعوك نيك للمرور من خلالها ، لكنه يظل متوازنًا بين الاجتياح الخيالي وبين اختراق منهجي وصبور للواقع. وبالتالي ، لا تظهر الأشكال المشوهة تحت الماء كإسقاط مشوه للواقعي ولكن كمحاولة من العين للتكيف . تتكرر الظاهرة نفسها مرتين ، عندما يحدق نيك في التلال الزرقاء البعيدة عند بحيرة سوبيريور ومرة أخرى ، عندما يستلقي على ظهره ، ينظر إلى السماء من خلال أغصان أشجار الصنوبر وكان عليه غلق وفتح عينيه حتى لا تختفي التلال . إن دخول نيك في الطبيعة لا يؤدي به إلى الكشف بل إلى التكيف. لا يوجد أي إسقاط رمزي في نص همنغواي على الرغم من أنه قد ينقل الرموز والنماذج الأصلية. لا تهدف رؤيته إلى تغيير الواقعي أو تجاوزه ولا تحاول استبدال عالم خاو من الأفكار بالعالم الملموس الحالي . إن عدم ثقته في التجريد والرمزية ، الذي ظل يصرّ عليه حتى بعد نشر رواية "الشيخ و البحر " (بالرغم من أهمية البعد الرمزي في هذه الرواية) ، ينبع من قوة دفع لرؤية العالم كما هو. إنها رؤية البراغماتي الذي لا يميل إلى النظر وراءه أو ما بعده للكشف عما تعكسه الطبيعة . عالم همنغواي ليس عالمًا متسامياً: إنه متجذر في الأرض . في قصة "نهر ذوقلبين كبيرين" . تساعد النظرة الشخصية إلى إدراك ما هو قائم وتساعد الراوي تذكر ما كان ، وليس تخيل ما قد يكون. بطبيعتها ، تعتمد القصة المجازية على الصور التي تبني واقعًا للقارئ ، ولكن الواقع في القصة لهمنغواي هو تصوير للواقعي وليس إنكارًا وهميًا أو استراتيجية للتهرب. يمكن للمرء أن يشير إلى دراسة روسيه للذاكرة والخيال ، وكلاهما يطلق عليه "بدائل للتصور" أو "كليات شبه الإدراك". الفرق ، كما يقول ، هو أن الذاكرة تظهر كشكل من أشكال "المعرفة بالواقعي" ، وتتمتع ببعد إدراكي يفسر الخطأ المعياري (على الرغم من الإخفاقات العرضية) ، بدلاً من "عدم التعيين المتأصل في الخيال". هذا هو السبب في أن الذاكرة قادرة على إعادة تقديم الماضي وإعادة تفعيل ما كان ، في حين أن الخيال يعمل كمزود لصور مجانية ، التي تنبعث من الواقعي. إن عملية التمثيل وإعادة التفعيل التي حددها روسيه تعطي معناً لإستراتيجية همنغواي السردية وهدفه على مستوى الدقة الفنية والتوثيقية - عندما يتعلق الأمر بالحقائق والإيماءات – وحضوراً للأحاسيس ، تنتقل إلى شخصيات القصة. والنتيجة هي أن العلاقة بالطبيعة لا تأخذ القصة أبداً الى عالم الواقع الافتراضي: بالكاد يتم استخدام أي استعارة أو مقارنة ، وبالتالي تجنب خطر تهميش خطاب يظل واقعًا ويفضل نمط الجملة الأساسي . لا يوجد أي انزلاق خارج الواقع : الضغط يجري على الفعل لا على التأمل. كما انه لا يمنح خاصية وهمية أيضًا: لا يُسمح بالهروب إلى الحلم عندما يأخذ نيك غفوة في جزيرة الصنوبر أو أثناء نومه ليلاً بين الجزء الأول والجزء الثاني من القصة القصيرة. من الأفضل إستخدام مصطلحي التواصل والدوران بديلاً عن مصطلحي الإندماج والشراكة اللذين قد يتبادرا للذهن عند وصف علاقة نيك بالطبيعة ، وكلاهما يذكران بمفهوم ويتمان لوحدة الوجود وتمجيد الطبيعة . أن فكرة "الإيماءات الطقسية" أو "النشاط الطقسي" ، ذات البعد الديني،التي تشير الى تحديد موقع نصب الخيمة (أو معسكر التخييم) وممارسة الصيد الأسماك التي يعتبرها كارلوس بيكر "طقوساً طرد الأرواح الشريرة والعلاج" ، تعارض فكرة سلسلة من الإجراءات المدروسة والمنفذة بعناية ، مع إدراك كامل للهدف الذي يجب تحقيقه. يساهم مشي نيك المتأني للعبور الى الجانب الأيمن من النهر ، والإضطجاع خارج المعسكر ، وطهي وجبته ، وتأمين معداته ، واصطياد الجندب من أجل الطعم ، كل ذلك يسهم في الدقة التوثيقية القصوى المذكورة أعلاه . تصل الدقة إلى مستويات عالية من المهنية في الجزء الثاني من القصة القصيرة حيث يتم وصف أساليب صيد الأسماك : إصلاح البكرة ، وربط الخيوط ، وربط الخيط الرئيسي ، وربط الخطاف ، رمي الخيط وشده ورفع سمكة السلمون وتنظيفها عند ضفة النهر ، ناهيك عن التشويق والإثارة وخيبة الأمل عند شد السمكة للخيط وقتالها من أجل الهروب . إن واقعية هذا الوصف المفصل لعملية الصيد يشابه الى حد بعيد كتيبات الصيد المتخصصة. إن الاستخدام غير المتوقع للصفة بعد السعادة "شعر نيك [...] بالسعادة الإحترافية" يشير الى جدية الأمر . لا يحول هذا دون وجود رؤية شعرية - ملائمة ورائعة – للتطهر في الطبيعة ، كما هو الحال عندما ينطلق سمك السلمون المرقط صوب الحشرات "مشكلاً دوائر على سطح الماء وكأنما بدأ المطر". إن الطبيعة في قصة "نهر ذو قلبين كبيرين" ليست مجرد بيئة أو خلفية مزخرفة. إن وصف الطبيعة لا يملأ الفراغات والتوقفات في السرد. إنها ليست منظرًا طبيعيًا معينًا ، بل مشهد تم بناؤه من تجربة بطل القصة وبالتزامن معها ، كما يتضح من أصداء وأوجه التشابه في الإيقاع والمفردات. يتم رسم المناظر الطبيعية أثناء تحرك الشخصية في وصف ديناميكي يتم فيه منح الطبيعة وظيفة هيكلية. ومع ذلك ، فإن الخطوط العريضة للمناظر الطبيعية قريبة من رسم الخرائط الطبوغرافية. وهي مبنية على خطوط أفقية (السكك الحديدية ، والطريق ، والنهر والأفق) ، وخطوط رأسية (جذوع أشجار الصنوبر) وخطوط مائلة (الجسر ، وأشجار الدردار التي تم اقتلاعها والأغصان في النهر). تنطلق ديناميكية السير في الطبيعة وتكشف عن منظر طبيعي ينبض بالحياة في توازنه المتناقض. وبمعنى آخر ، فإن القارئ مصمم على رؤية ترتيب هندسي للفضاء بدلاً من مجرد الشعور بجو شخصي وانطباعات غامضة. تسبب همنغواي ، مثل سيزان ، الذي كان الأول يكن له الإعجاب ، في أن يكون للطبيعة الشكل و النمط. تشير الخطوط المتوازية والعمودية إلى الحجم والامتلاء ، وهي ترتفع وتنخفض ، الى الإرتخاء والعمق - بناء للفضاء يتولد من خلال الخطاب المنطقي والتكرار والإيقاع واستخدام الكلمات المخادعة التي تشير إلى الاتجاه والحركة "لأسفل" "فوق" ، "دائري" ، "على ،" "أمام"). على حد تعبير جيمس بلاث ومايلي تشين هاغمان ، من بين نقاد آخرين ركزوا على تأثر همنغواي بسيزان ، يكمن الإسلوب في "اختزال أشكال الفن الى سطوح هندسية تخلق توترات عندما توضع في زوايا مع بعضها البعض [...] ؛ احتواء التوتر باستخدام خطط ديناميكية وثابتة متداخلة ؛ وتجاهل التفاصيل المُشتتة التي تستعي ترجمة أدبية بحيث تظل الأشكال المكانية نقية ". إن الطبيعة عند همنغواي ليست مجردة أو عارية أوبسيطة ،إنا هي وصف معقد ناتج عن نمط دقيق من "التحول المرئي إلى اللفظي" . القوة الهيكلية للطبيعة تدفع النص وتلقي الضوء على ظاهرة التصور. وفقًا لميرلو بونتي ، فإن الجسد هو "حارس صامت" ومركز لمنظورما. في قصة "نهر ذو قلبين كبيرين" ، أصبح تنظيم الحقل الإدراكي الكامل ممكنًا لأن نيك يستخدم كوسيط ومنسق ، في سرد لا يعتمد على عقله أو تفكيره بل على وجوده البدني ، ووظائفه الحسية تعمل كحلقة وصل بين الإنسان والعالم الخارجي. نيك يتعلق بالطبيعة من خلال جسده. لا ينبغي أن نفهم ذلك على أنه تمجيد لقوة أو تفوق ذكوري مفترضين ، ولكن كدليل على إمكانية الاندماج في الطبيعة. جميع الحواس متورطة في العملية: البصر و اللمس و الذوق والشم والسمع إلى حد أقل. الضجيج الوحيد الذي يجب سماعه هو طنين البعوض في الليل الصامت وكلمات نيك (يتحدث بصوت عالٍ ثلاث مرات ، وهو تفصيل محتمل على الرغم من أن صوته يبدو "غريبًا" في الغابة). الصمت الذي يغلف المشهد يبرز عملية التذكر والرؤية بأثر رجعي. في التسلسل الهرمي للحواس ، تعد الرؤية والسمع تقليديًا في المرتبة الأولى لأنها ترتبط بالكليات الفكرية والثقافية وترفع الإنسان فوق غرائزه الطبيعية. يمكن اعتبار البصر أيضًا حاسة موضوعة لأنها تبقي على الجسم المنظور بعيدًا لرؤيته و إلقاء الضوء عليه ، وبالتالي يهدف إلى التوضيح وترتيب العالم. هذا لا ينطبق فقط على نيك الذي يعمل كمنسق في القصة ولكن أيضًا على الراوي الخارجي الذي يعيد ترتيب التجربة والذي يبدو أنه يفكر في المشهد من أعلى ، أو من مسافة يمنحها الوقت والذاكرة. إذا كان هناك أي جمال في الطبيعة ممثلة في القصة فهو جمال التمثيل الأدبي. وبعبارة أخرى ، تتعلق القيمة الجمالية والأخلاقية للمشهد بالموقف السردي الذي تم تبنيه ويجب فصله عن وجهة نظر البطل ، الذي تكون تجربته مع الطبيعة ذات طبيعة براغماتية ، وليست تجربة تأملية ، ومن يكون في وضع يسمح له تلمس وتشعر بها بشكل ملموس. إن هيمنة الحواس هي نتيجة طبيعية لموقف همنغواي المعادي للفكر. على حد تعبير ميرلو بونتي مرة أخرى: "التصور ليس علمًا أوليًا ولا ممارسة مبكرة للذكاء. يجب على المرء أن يتعامل مع العالم وأن يكون حاضرًا في العالم: يأتي هذا قبل الذكاء . من الأهمية بمكان أن تبدأ مغامرة نيك في النهر بمسح الفكر والملكات والاحتياجات الفكرية ، والإبقاء على الأشياء الأساسية ، مثل الجوع والعطش والنوم ، وحتى محو الذاكرة . والنتيجة هي مقدمة للمشاعر والأحاسيس الأولية والحقيقية قبل أن يتمكن الوعي من الظهور في الجزء الثاني و "يبدأ عقله في العمل" مرة أخرى . عندها فقط يمكن أن تظهر الصور مرة أخرى ، لأنها مستمدة من النهج المائل إلى الحقيقي. على سبيل المثال ، في الجزء الثاني عندما يقوم نيك بإعداد وجبة الإفطار ، تتم مقارنة عجينة الحنطة السوداء التي توضع على المقلاة بالحمم البركانية . تلجأ المقارنة إلى ظاهرة طبيعية ، لكن الصورة المنتجة مستقاة من طبيعة بعيدة ، مما يجعل من الواضح أن الخيال يميل دائمًا إلى الانزلاق إلى مرحلة بعيدة. يتم طرح التواصل غير اللفظي من خلال من ردود فعل جسد نيك . ردود الافعال تلك تملأ صمته: عضلاته تتألم من الحمل الثقيل ، وكتفاه تتألمان ، وذراعاه وساقاه متشنجتة وتؤلمانه عندما يستيقظ . اللمس والذوق والشم هي الحواس التي تربطه ببيئته: "إنه يشعر بالأرض على رقبته وظهره" ، و"يشعر بالسرخس الحلو الذي يصل إرتفاعه الى كاحله" ، " لقد شعر أن يديه مبللة بالندى" ، و"صدمة الماء البارد وسحب الماء لقدمه "، "والحصى المنزلق تحت حذائه". حتى أنه يظهر وهو "يلوى أصابع قدميه في الماء في حذائه" . إن إنغماسه بالعناصر النباتية والمائية لا يشبه بالضرورة "طقوس المعمودية" ، ولكنه مهم للتواصل المباشر مع العناصر الطبيعية والتوصل مع خواصها الفيزيائية: صلابة وليونة ومقاومة ودرجة الحرارة. كل ذلك يشارك في العملية المعرفية. يوضح المثالان التاليان كيف تعبر اللغة عن الاستمرارية بين نيك والعالم الخارجي: "كان الجو حارًا ، والشمس ساخنة على ظهر عنقه" . "أحس بالحصى تحت حذائه. […] انزلق الحصى تحت حذائه ". في الاقتباس الأول ، يكرر وصف الإحساس الجسدي المعلومات المقدمة أولاً بشكل غير شخصي ، وهو يقدم الذاتية. يتعامل الاقتباس الثاني مع شيء واحد ، لكن المنظور ينتقل من الإنسان إلى الطبيعة. في كلتا الحالتين ، يعيد همنغواي تأسيس علاقة السبب والنتيجة ، معوضًا بناء جملة تراكمي الذي يفضل التسلسل على الترتيب اللاحق للكلمات ويتخلص من سلسلة السببية الواضحة المبينة في جمل معقدة.
ما يمكن استخلاصه من ذلك هو أن بساطة تجربة البطل لا تتوافق مع بساطة التعبير. إن التقليلية هي حيلة اللغة. إن تداخل الجمل المؤكدة والنمط المتقاطع الناشئ عن تكرار الكلمات والأصداء سلط الضوء على قوة الحياة التي تتدفق عبر كل الأشياء في الطبيعة ، خارج أي فعل من أفعال الإرادة. هذا ما أراد أن يشعر به كل من نيك والقارئ. نيك يسكن العالم وهو "يسكن جسده" - على حد تعبير ثورو. يتم إحضار المعرفة إليه أيضًا من خلال الذوق والشم ، مثل رائحة أغصان السرخس الحلو ، ورائحة الكتان ، أو رائحة الفاصوليا الساخنة والسباغيتي . إن ردة فعله على الشم والحرارة تتوقع رد فعله على الذوق: يتفاعل مع مرارة القهوة أو مع حلاوة شراب عصير المشمش . مثل هذه التفاصيل حول مخيمه أو طعامه ليست زائدة أو غير متناسبة مع الموضوع. إنها تؤكد كيف أن الاتصال مع واقع الطبيعة يخلق شعوراً عائلياً: "بالفعل كان هناك شيء غامض وعائلي. […] كان في منزله حيث صنعه ". على عكس الاجتياح الرومانسي نحو الطبيعة الفائقة التي تبعد الإنسان عن المألوف ، فإن كل شيء في قصة همنغواي ، بما في ذلك نشاط الصيد نفسه ، يتعلق بتجربة مباشرة مفتوحة على المعرفة الذاتية ومعرفة العالم. على حد تعبير ميرلو بونتي "الشعور هو تفاعل حيوي مع العالم: إنه يجعله حاضرًا وعائليًا" يرتبط بطل القصة بشكل قوي مع عناصر الطبيعة، قد تذكرنا هذه العلاقة بعلاقة الشاعر والت ويتمان بالطبيعة، الذي كان يتحدث عن علاقة تبادلية . في رواية الشيخ والبحر ، سانتياغو هو كائن حي ضمن مجموعة واسعة من الكائنات الحية ويرتبط مصيره بمصير سمكة المارلن التي تلاحقها أسماك القرش. يخاطب سانتياغو السمكة "أخي". ربما لأنهما في الظروف ذاتها . في الرواية يتم تجاوز الحد الذي يعجّل المأساة. مثل سانتياغو ، يقبل نيك عداء العالم لكنه يتجنب المستنقع. يبرز اختياره لصيد الأسماك في مصب النهر تصميمه على مواجهة التيار والحفر و العقبات الخطيرة حتى يصل إلى المنحنى الحرج ، وراء الصخور ، حيث يصبح النهر بطيئاً وحيث تصبح الحركة صعبة بسبب جذور الأشجار والأغصان المتدلية. يحتوي المستنقع على سمك السلمون كبير الحجم ، يذكرنا بسمكة المارلين ، الذي قد يشبه وحش البحر الأسطوري. ومع ذلك ، إذا المستنقع يمنح الحياة ، فهو أيضًا مكان للموت والغوص في طبقات من الطين حيث تتغذى أسماك السلمون . في هذه المرحلة من القصة ، تتناقض علامات الصلابة وثبات الموت مع سيولة العناصر الحية: "بدا المستنقع صلبًا ..الأغصان صلبة..لايمكنك المرور عبر الأغصان." ينبع رفض نيك الغريزي الصيد في المستنقع من خوف عميق من الغرق : "لقد شعر برد فعل ضد الخوض في مياه تصل الى إبطيه" . تلك هي الأجزاء السبعة المغمورة في نظرية جبل الجليد: إنها الحقيقة الخفية غير المعلنة ، تحت سطح المستنقع ، في أعماق المجهول وتشير إلى حقيقة الموت ، تحتها.
يسعى نيك آدمز إلى البحث عن حقيقته ، إن لم يكن الحقيقة المتسامية ، وقد وُلد ويتعلم الحياة في الطبيعة. تتجسد طبيعة همنغواي في المناظر الطبيعية والمحيط البيولوجي وفي واقع العالم المحيط بها ، و هي شخصية وغير كاملة،لأن تجربته في النهر هي تجربة صياد ، وليست تجربة شخص آخر . إن طبيعته مادية ملموسة وحية ، وتظهر أن "فكرة الطبيعة ليست مجرد خيال أيديولوجي: إنها لا تنتمي إلى عالم الأفكار ولكن إلى عالم الرغبة" كما يقول روسيه . على هذا النحو ، فهو يجمع بين الرغبة في النظام ونداء الاحاسيس . في أعمال همنغواي ، من قصة "نهر ذوقلبين كبيرين" الى رواية " الشيخ والبحر" ، تعتبر الطبيعة دائمًا حجر عثرة ، واختبارًا لقوة التحمل والقوة ، وتشكيل معرفة الذات ، وتعريف الذات وقبول الوجود ، وقبل كل شيء الاقرار بنهاية الحياة المأساوية. إن تجربة صيد سمك السلمون من نيك ليست قصة هروب انفرادي إلى الطبيعة أو انسحابًا رومانسيًا للذات ، ولكنها تجربة المواجهة والتوضيح ، في أن تصبح "واضحًا" ، أي الهدوء والوضوح والحكمة. بدلاً من كونها عملية شروع تجريدي أو رمزي ، فإنها تمثل عملية مفيدة للاندماج في الطبيعة ، مما يتطلب اتصالًا مباشرًا ويؤدي إلى الاعتراف بالطبيعة البشرية والمصالحة مع الذات . كما هو الحال في والدن لثورو ، ترتبط الطبيعة بالتجربة الإنسانية ، كمرجع إيجابي يتناقض مع سحر المجتمع ، وكدليل في السعي الفردي للإنسان. إذا أخذنا الطبيعة في الاعتبار ، لا يعني اختراع الطبيعة فقط تكوينها و / أو اكتشافها ، ولكن إعادة إنشائها كنموذج مستعاد. قبل كل شيء ، يعني ذلك جعلها منزلًا لنا، في محاولة لاستعادة لحظات ثمينة كتلك التي استذكرها ثورو في مؤلفاته عندما قال: "يمكنني أن أتذكر أنني كنت على قيد الحياة ، وأنني سكنت في جسدي براحة لا يمكن التعبير عنه".
#محمد_نجيب_السعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حروف سوداء فوق صفحات بيض: أدب سكان استراليا الأصليون
-
التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-5
-
قصص همنغواي القصيرة/2
-
قصص همنغواي القصيرة /1
-
التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-4
-
التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3
-
وداعاً للسلاح وعناقيد الغضب : تقليلية همنغواي وتكثيرية شتاين
...
-
التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-1
-
هل الأكثر يعني أكثر أم الأقل يعني الأكثر : بين التقليلية و ا
...
-
رسائل إليوت الى إميلي هيل تكشف عن لوعة حب كبيرة
-
لماذا ما زلنا نقرأ إرنست همنغواي؟
-
صور الحرب عند همنغواي
-
همنغواي : أسلوب اللاأسلوب
-
الشمس تشرق أيضا : قراءة في مسودات رواية همنغواي
-
شعر الغاوتشو:رعاة البقر الأرجنتينيين
-
شعر الأحراش : شعر رعاة البقر الأستراليون
-
قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 2
-
و لرعاة البقر أدبهم : قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 1
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|