|
الرأسمالية الليبرالية والرأسمالية بلا ليبرالية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6530 - 2020 / 4 / 6 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ عندما يحدق المرء ملياً ، سيجد هناك من يستفيق كلما الطبقة السياسية الأمريكية غفلت قليلاً ، نعم ، ايضاً يمكن للذاكرة المسيرة أن تتجاهل التشابه بين الرأسمالية الليبرالية ( الأمريكية ) وبين الرأسمالية الصينية ، بل الصين الجديدة سبقت أوروبا وأمريكا بالرأسمالية عندما أعادت تحرير اقتصادها من قيود الفكر الشيوعي الاشتراكي ، وايضاً لا يصح البدء هذا المقال دون التذكير بمشروع الصيني الأممي ، الذي يتشابه بمشروع الكولونيالي الغربي ، فالصين لديها مشروع موازي للمشروع الغربي لكنها استفادت من أخطاء الكولوينالية العالمية وبالتالي تسير نحو أهدافها بطريقة الكونغ فو ، اللعبة الأشهر بين الصنيون والتى تعني ( الوقت والجهد ) ، لقد تكرثت مع الوقت بين الشعب ثقافة الدفاع عن النفس ومن ثم القتال ، وبالتالي تأصلت ثقافة الباطنية في تحقيق الأهداف وهذا يشاهد ببساطة بالتعامل الصينيين مع الآخرين ، أما الأمريكي فثقافته بنيت على الاستعراض ولا بد أن تكون الضربة القاضية مفتاح الفوز ، أي الطريقة الكوبوية ( الكوبوي ) أو اللاعب الأخرى ، جميعها دلالات على التنميطات الأمريكي التى تنطلق من مفهوم ، show off ، إذن هي فلسفات مختلفة ، والتكوين هنا يختلف عن هناك ، بل على سبيل المثال ، من يطالب الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحول إلى كوريا الجنوبية أو هونغ كونغ ، يبدو صاحب الفكرة الرومانسية لا يعي لبديهيات العلوم السياسية ، لأن في نهاية المطاف ، المنطقتين تعتبران نموذجين أمريكي ، لقد استطاعت واشنطن عبر الهيمنة الناعمة خلق نموذجين ، يجتهدان بالتعليم والبنية التحتية وبالتالي هما ناتج تحالفهما لها ، أي الترويض الأليف .
إذن ، النظام الرأسمالي في الصين قائم على التنافس وفي حدود الاقتصاد والإنتاج ، لكن الليبرالية تغيب عن الحياة السياسية ، لا يوجد حرية سياسية ابداً ، لقد اقتطع النظام الصيني الفكرة وأعاد طباعة الجزء الذي يريده ، وبالتالي عملية النسخ والطبعة تعتبر الفكرة السائدة في مناحي الحياة ، بالفعل لا يوجد إبداعات فكرية بقدر ما هو تقليد أعمى ، وهذا التقليد يسكن في البيئة الديكتاتورية ، القاسية ، إذن لا يوجد إعتبار للفرد ، وبالتالي لا يمكن صنع مقارنات بين النظامين ، فالصين ، الحياة الصحافية مكبلة وتعتبر اداء طوعية بيد الحزب الحاكم ، غير مسموح إظهار الحقائق ، وبالتالي إذا أخذنا وضع العمالة ، يوجد في الصين اكثر من 10 مليون عاطل عن العمل بنسبة 5,2 % ، لكن لا أحد يهتم بوضعهم ، أي لا قيمة لهؤلاء ، في المقابل ، في الولايات المتحدة الأمريكية نسبة العاطلين عن العمل قبل أزمة كورونا وصلت إلى 3,5% ، لكن الناخب والحزب المعارض والمؤسسات وأصحاب الرأي والصحافة جميعهم ، يقومون الدنيا ويقعدوها فوق رأس ادارة البيت الأبيض إذا ارتفعت هذه النسبة ويتم المحاسبة الحزب في صناديق الاقتراع ، ايضاً نتيجة سياسات الرئيس ترمب مع بكين ، تراجع الاقتصاد الصيني ( السنوي ) ب 27 مليار دولار ، وبالتالي هذا مؤشر آخر على القوة الشرائية للفرد الأمريكي .
بالفعل ، الصين لم تخض حروب باستثناء حرب الاستقلال ، لكنها تنفق على تصنيع السلاح وتحديثه سنوياً ما يقارب 200 مليار دولار ، في المقابل ، البنتاغون خاض من خلال جيشه حروب كثيرة تكاد لا تحص ، بل يطلق على الجيش الأمريكي ، بالجيش الذي لا يهدأ ، لقد انفقت واشنطن على الحروب أكثر 3000 مليار دولار وتنفق على التسلح 700 مليار دولار سنوياً ، لكن جميع حروبها كان الهدف منها ، عاملين أساسين ، البترول العالمي وفتح الأسوق العالمي أمام صناعتها وتجارة السلاح المشروعة والممنوعة بالإضافة ، هيمنتها على المواقع الاستراتيجية ، لقد عملت الإدارات المختلفة التى تعاقبت على البيت الأبيض في إنشاء قواعد عسكرية حتى وصلت تعدادها 750 قاعدة في 130 دولة ، بالإضافة إلى سفاراتها العملاقة ، وبالتالي جميعها ايضاً تدر مبالغ ومعلومات هائلة ، بل إلى جانب ذلك ، السفارات الأمريكية وبمساندة من قواعد البنتاغون تدير اقتصاديات العالم وموارده ، لكن إذا كانت الصين غير موجودة ، لا يعني هذا تعفف منها ، بل في الآونة الأخيرة ، أقامت الصين أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي ، على مساحة 90 دونما في ساحل مدينة أوبوك القريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي ، لأن المضيق يشكل ممراً ل (20 ) % من حجم التجارة العالمية وللصين النصيب الأكبر ، بالإضافة إلى واردات النفط ، 50 % يصدر للصين ، بل اشتغلت الصين على بناء طريق تاريخي لا يمكن أن تحلم به أي دولة كبرى ، بنت طريق بري يربط مدينة كاشغر في الصين وميناء كوادو الباكستاني ، بتكلفة 65 مليار دولار ، وبالتالي الصين تتعامل مع ذاتها بأنها مشروع دولة كبرى تبحث دائماً عن الوسائل التى تبقيها وتتمدد ، إذن هناك أسس لا تتقادم مع الزمن وهي سنة الحياة والبشرية ، تقوم على مفهومين ، السنة الأول ، امتلاك الدولة العادية لوسائل دفاعية أمر يعزز شعورها بالحماية من الدول الشبيهة لها ، أما الدول الكبرى ، سبب بقائها ، امتلاكها أسلحة نوعية ومتطورة وهجومية ومتفوقة ، لأن الاقتصاد والأمن الغذائي والعولمة الجديدة ، جميعهم بحاجة إلى قوة كبرى التى تكفل للدولة بالاستمرار والتمدد .
كان دائماً السبب الحقيقي في تعزيز وحدة الإمبراطوريات الكبرى ، هو قدرة الإدارة في رفع مستوى دخل الفرد ، وفي مراجعة سريعة لخطبة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عندما تولى شؤون الدولة ، من أهم البنود الذي ذكرها ، قال بالحرف ، عليكم عليّ أن أزيد عطياكم ، أي دخلكم ، في الولايات المتحدة ، دخل الفرد متوسط الحال ، يبلغ ( 3500) دولار شهرياً ، أما في الصين يختلف من منطقة إلى أخرى ، لكن سنستعين بأعلى دخل في أفضل مدينة ، دخل الفرد في مدينة شانغهاي 700 دولار شهرياً ، ايضاً ، حجم التبادل التجاري على سبيل المثال بين أمريكا والاتحاد الأوروبي ، يصل إلى 1,3 تريلون ، أما حجم التبادل التجاري بين الصين والإتحاد يبلغ ( 682) مليار دولار ، بالرغم أن عدد السكان في الصين ، يقدر بأربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة ، أي أن دخل المواطن الأمريكي العادي يوازي خمسة مواطنين من الصين ، لكن ما يملكه الفرد الأمريكي من مدخرات ومقتنيات ، يوازي 50 ألف صيني ، وهذا يعود للتسهيلات التى تقدمها الحكومة ونوع النظام التجاري ، في الأغلب لا يوجد ضرائب على التصنيع ، على سبيل المثال ، كل سيارة في الصين تعادل ثمنها بثلاثة سيارات ممتازة في أمريكا ، أكثر من ذلك ، الدين العام الأمريكي ، الحالي ، وصل إلى 23 تريليون دولار ، 70 % من الدين يعود إلى مؤسسة التقاعد الأمريكية ومؤسسات وطنية أخرى ، أي بالمفهوم البسيط ، ( داخلي ) وهو مرتبط مع كبار العائلات التى أسست الدولة وبالتالي يعود عليهم بطرق مختلفة ، أما الصين ، الدين العام وصل 40 تريليون دولار ، بالرغم ، الحياة المعيشية للفرد الصيني متدنية وحياة الأغلبية في القرى والمدن التى تعيش على الزراعة ، تنذر بلكارثية .
لقد اختاروا المؤسسين لأمريكا خيار البقاء ، عندما ألقى ابراهام لنكولن خطبة العمر ، كانت عينيه تلمع ببريق إمبراطوري ، لقد اختار النار على الماء ، لهذا تعتمد أمريكا نظامين للتعليم ، نخبوي وشعبي ، الثاني يختص بعامة الناس كحق من حقوق المواطنة ، أما الآخر فقط للمتميزون ، وبالتالي لا مجال للجلوس في قاعة الإبداع سوى للمبدعين ، لكن يبقى الشيء الذي يهدد أمريكا ، طمع الطبقة الحاكمة ، الدولة العميقة التى تدير سياسات البلد ، هذا الطبقة لا تشبع وليس لها حدود لاطماعها ، والفجوة بينها وبين المواطن العادي ، باتساع على الدوام ، وبالتالي أي نكسة عسكرية كبرى ، ستكون بالفعل تهديد للداخل الأمريكي الذي يحيى على اقتصاديات الخارج ، وهنا نذكر النخب في العالم ، التاريخ لم يسجل سقوط لأي امبراطورية بسبب ضعف الاقتصاد أو الأوبئة أو الصراعات الداخلية ، جميع الإمبراطوريات سقطت بالحروب . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مازالت أنماط التفكير لأجهزة الاستخبارات العالمية تتشابه بالأ
...
-
من على الرف إلى الحياة الكاملة ...
-
جندرة الحيوان كانت مقدمة لجندرة البشرية ...
-
وزير قلق ووزير مرتاح والفرف بين بكين وواشنطن
-
كورونا بين القرض الحسن والربوي ...
-
عندما تمطر السماء والأرض ترفض الإستجابة ...
-
الغزالي بين من الإختزال والإسهاب ...
-
الغزالي بين الإختزال والإسهاب ...
-
الخطوات الاحترازية عامل أساسي في تقليل الإصابات ...
-
الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب السوري ..
-
لا خطر يعادل خطره ...
-
التعرف شيء والإدراك شيء آخر ...
-
الفيروس عموماً يعشق الجبلة الطينية ...
-
التجربة وحدها كفيلة بإنقاذ البشرية عندما تعجز من إيجاد الدوا
...
-
الحب الفاسد / هل هو مستجد في روسيا أم ناتج عن سلطات تعاقبت ع
...
-
الخضوع والخنوع يمهدان لحدوث الكوارث ...
-
دراسة المسبب طريق لكشف العلاج
-
الثقة وحدها تبّني الإنسان والدولة ...
-
فيروس كورونا الأهم حتى إشعارٍ آخر ...
-
مؤتمر الخامسة لحركة فتح علامة افتراق بين الماضي والمستقبل ..
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|