|
فكرة الألوهية في ادب كازنتزاكيس الروائي
فاضل عباس السوداني
الحوار المتمدن-العدد: 1578 - 2006 / 6 / 11 - 11:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدأ الشاعر والروائي اليوناني متاثراً بسحر نتشه ثم سار على خطى المسيح، حاملاً صرخات بوذا، واضعاً كلتا يديه في جيوب برغون، متحدثاً عن ترابط الاخوة بين محمد (ص) والمسيح، ولكن هذه المرة نراه يرتقي سلم المراحل الانتقالية لدى كيركفارد الفيلسوف الوجودي .
كان كازنتزاكيس غزيراً في تأليف الرواية فقد كتب روايته الاولى ( الموت او الحرية) عام 1889 م ثم رواية زوربا اليوناني والمسيح يصلب من جديد واخر تجربة للمسيح ( الاغراء الاخير) والاخوة الاعداء والحكمة الضاحكة وتقرير غريقوا ومخصلو الرب والاذوسية وكتاب عن رحلاته الى الصين واليابان وغيرها. وقبل ان نبدأ بتوضيح فكرة الالوهية ضمن المراحل الانتقالية الكيركفاردية لابد من اعطاء فكرة مبسطة للافكار والاراء التي تأثر بها كازنتزاكيس في رواية ( الموت او الحرية) يعبر كازنتزاكيس عن ترابط الاخوة بين المسيحية والاسلام ومدى التناقض الموجود في هذه العلاقة عندما يصور التقاء اللحظة الدينية اي (ورغم انهما كان يسمران على زق واحد حتى الفجر عندما يتعانق صوت جرس الكنسية وآذان الفجر) ويتحدث ايضا عن لحظة التناقض بل المواجهة عندما يقول ( ورغم ذلك كله فاياً منهما لا يتورع عن استلال خنجره في وجه الآخر). اما ناحية تأثره بسحر نتشه فقد عشق كازنتراكيس مبدأ القوة لدى نتشه فراح يرسم خطوطه في دراما تشبه دراما”ابسن “ لقد كان فرحاً عندما” اكتشف نتشه والف دراما على طريقة” ابسن “ مع رسالة عن القوة حول قدر المرء اسماها” المعلم الماسوني “ وايضا كتب روايته زوربا اليوناني متأثراً بمولد المأساة لدى نتشه حيث يضع زوربا يدعى” ديونيسيوس “ الذي يعيش اللذة ويمتع بالحياة والكاتب الذي يضعه بدل” ابوللو “ الذي يتامل الطبقة والحياة بدل ان يعيشها. اما عن خطى المسيح فانه عبرعن عذابه ومعاناته ووضع اسقاطاته في شخصية المسيح متأثرا برمزية المسيح ومثاليته. بينما صرخات بوذا جاءت في مقدمة كتابه” رحلات “ عن الصين واليابان بانه يصف انطباعه عن إلهه الجديد المتمثل ببوذا حيث يمثل اغتراب الانسان عن حواسه وانفعالاته امام صفاء الباطن ورحلة نحو غياب الوعي حيث يقول” تبرأ من حواسك الخمس، افرغ احشاءك لا تحب شيئاً، لا تكره شيئاً ولا تتق الا شيئاً “. ويستمر كازنتزاكيس بتصوير تفاعل اللا وعي لديه نحو رغبة حقيقية واكيدة بالبحث عن اله خارج الاحساسات، لذا يروي الحلم بانه” راى في الحلم شفتي امرأة لا وجه لها قد سالته” من هو إلهك؟ اجابها”بوذا “ قالت” ليس إياقوس “ اله الحواس واللمس “ يبدو ان كازنتزاكيس لا ينتهي عند فكرة واحدة او رأى واحد لذا نراه يتخلى عن تأثره بسحر نتشه وخرافة بوذا ويستمر كازنتزاكيس برغبة شديدة نحو كتابات برغون فيما يضع كلتا يديه انه تصوير عن مدى حاجته الى حدسية وروحانية وظاهرية برغون التي جعلت النص مفتوحاً امامه حيث جعلته يرى الالهة بالاشكال الخارجية في الابداع وليس بالذات البشرية. اما بالنسبة للمراحل الانتقالية الكيركفاردية فانها تبدأ بالمرحلة الحسية ثم المرحلة الاخلاقية وتنتهي عند المرحلة الدينية. وعندما نبدأ بالمرحلة الحسية نرى ان كيركفارد يؤكد على ان الانسان في حياته يدور في حلقة من الرغبات والحواس والشهوات دون ان يحاول زحزحة تلك الخطوط الدائرية، وعبر عن ذلك” وفي هذه المرحلة يبرز التمايز التدريجي بين مبدأ اللذة والموضوع الذي ترغبه “ وايضا عبر عن تلك المرحلة الحسية بان الانسان يحركه شعور نحو الرغبة الحسية ومقدار الالم الذي يدفعه جراء ذلك بانه ويحركه” الانسان “ مبدأ اللذة والالم اعني دائرة المباشرة “ ذلك ما حاول كازنتزاكيس ان يعبر عنه في رواية” زوربا اليوناني “ فان زوربا هنا تصوير لرغبة حسية حيث نرى بانه يعيش لحظته بالمتعة بكل ما فيها من لذة، اي انه يتمتع بمباهج الحياة، فنسمع صوته يردد الحرب، الخمر، النساء، وحسب تعبير كيركفاد انه” دون جوان “ بينما الشخصية الاخرى في الرواية هي الكاتب الذي يعيش ليتامل الحياة من كتاباته اي من الخارج دون اي يعي تلك اللحظات الحسية التي مر بها زوربا. ولكني لا اعتقد بان الانسان يمسك لحظة الحاضر فقط دون ان يمر ولو لحظات بفترة من الاحساسات المختلفة في حياته وذلك يعني حسب كيركفارد او كازنتزاكيس توقف احساسات اخرى ولحظات متقطعة من الوعي فان الوعي لا يكون وعياً واحداً او وعياً بشيء واحد بل ان الوعي هو وعياً باشياء مختلفة ومن ثم جمود في مركز ان يمر كائن حيواني حيث انه فقط يعي لحظته التي يوجد فيها. بينما نرى في المرحلة الثانية الاخلاقية، ا سيما يبدأ الانسان محاولاً فك اغلال الحلقة الدائرية، حيث يشعر الانسان بغرابة الرغبة الحسية وتؤكد على الجوانب الاخلاقية في الانسان ومقاومة تلك الرغبا ت وتخطيها ذلك ما عبر عنه كيركفارد حيث قال” والحق ان الحياة الحسية المتقلبة دوماً سوف تدفع صاحبها يقيناً الى الملل او الضجر “ وايضا ما قاله عن الانسان واحتواء لصرخة الضمير الاخلاقي بانه” الذات الحقة ليست هي الذات العارفة وانما هي الذات التي توجد على نحو اخلاقي “. وهنا نرى لمسات لشخصية كازنتزاكيس نفسه في رواية” المسيح يصلب من جديد “ و”آخر التجربة للمسيح “ و”الاغراء الاخير “ حيث عبر عن شتى انفعالاته معاناته في تلك الرواية ذلك ما وضحه كولن ولسن عن رواية المسيح بـ” انه يتالم “ ويشك وتهويه المغريات الحسية البشرية ولكن وهج الرسالة التي تضطرم في اعماقه تمكنه من ان يقاوم هذه المغريات ويتخطاها “. وهنا كازنتزاكيس يميز سمة الجانب العقلي والروحي على الجوانب الحسية والنزعة نحو الاخلاقية من خلال وخز وصرخة الضمير الانساني. وان الالم الذي يحمله المسيح ليس الم الجسد الفاني بقدر ما هو قربان يقدمه هذا الجسد وليس الم الذي يعاني نتيجة لانفعالات وتغيرات فسيولوجية الجسد وليس التعبير الذي قصده وكولن ولسن وهذا ما يحس به كازنتزاكيس نفسه. اما الشك الذي قصده كولن ولسن فانه لا يعد الا شك كازنتزاكيس نفسه حول جهله وبحثه المستمر عن الاله الذي وجده في رمزية او مثالية المسيح التي تاثر بها كازنتزاكيس. اما المغريات الحسية فكان لروح المسيح ودوره في نشر التعاليم التي يكفل بها كانت اعظم من كل لغات الحس المشتركة لدى الانسان. ولكن نرى كازنتزاكيس في المرحلة الاخيرة المرحلة الدينية وهي خاتمة سلم المراحل الانتقالية لدىكيركفارد. ويبدأ كيركفارد باعطاءفكرة عنها بانها” عندما تفترق هذه المرحلة باعتماد الذات على الله فانها تمثل خطوة عن المرحلة الاخلاقية “ وتمثل المحطة الاخيرة لفكر كازانتزاكيس التي جمع بها قمة انفعالاته ومشاعره الدينية اتجاه الالهة الواحد دون شطحات نتشوية وخرفات بوذية وحدسية مفرقة بالظاهراتية عبر عن ذلك في رائعته” الاوذية “ حيث ان عوليس في الاوذية هو مغامر يشد الرحال نحو”بحثه عن الاله الذي يجده ويعرفه ومن ثم يحبه وبدوره الالة يحبه “. لذا صور كازانتزاكيس عوليس بانه”مغامرته التالية هي اكتشاف دولة المدينة الانموذجية لقد اصطحب معه جميع العبيد والرقيق والمجرمين والمتمردين فصعد حتى منبع نهر النيل حيث عوليس الى قمة جبل يتصل فيه مع الله “. ويشعر كازانتزاكيس بان لحظة الوصول الى الاله هي بالرؤيا او اللقاء وهنا كازانتزاكيس يحاول تعويض واسقاط ما فاته من بذل عدة اشهر وايام محاولاً رؤية الاله ولكن دون جدوى وعلى الرغم من ذلك ظل يحمل في قلبه اجمل صورة للاله العظيم. وتبقى فكرة الالوهية في ادب كازانتزاكيس فكرة تسيطر على اغلب اعماله الروائية وتبقى الجوانب الروحية والفعلية تحدد مسار الرواية لديه حيث ان في اغلب اعماله الراوئية رغبة حقيقية لتوكيد او بحث الناحية الصوفية العميقة لديه.
#فاضل_عباس_السوداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|