|
متلازمة الأمن والإقتصاد
الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 3 - 00:07
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الحلقة الأولى
توطئة :
يواجه المجتمع الدولي تحدياً غير مسبوق يستهدف وجوده ونظامه ، ولهذا كان الإهتمام منصباً لدى كثير من المؤوسسات ومراكز البحث المحترمة ، حول متلازمة - أمن وإقتصاد - في زمن الكورونا ، عن السبب وعن المُعطى وعن النتيجة ، وقد أشار إلى هذا الباحث البارز في مجال السياسة والإقتصاد - باري بوزان - ، في معرض كلامه عن سبب نشوء ظاهرة الكورونا وتكاثرها بهذا الشكل المريع ، كان يتحدث في السياق الفلسفي عن الأسباب والنتائج الممكنة والمتصورة ، وقد شاركه الرأي في هذا - روني ليبشتز - وهو يقدم موضوعته عن الإقتصاد كمحرك أساسي في السياسة وحفظ السلام و التوازن الدوليين .
ولم يكن البحث هنا عن المتلازمة إنتقائياً ، بل كان في سياق البحث عن - الحجر الإجتماعي - الذي تعيشه الأمم والمجتمعات والدول هذه الأيام وأثر ذلك وتأثيره على الأمن والإقتصاد ، والحجر في لغة العرب ثلاثية الأبعاد وتدل على المنع بصيغتيه ( الطوعية والقهرية ) ، وفي الحالين هو : - عبارة عن منع في التصرف والحركة - ، والمحفز أو الدافع لهذا المنع هو - الخوف - الذي يرتبط في أيامنا بالصحة العامة ، لذلك تولى المبادرة عنه السياسي التنفيذي كجزء من شؤوناته واختصاصاته .
هذه النظرة الأولية لمعنى الحجر أعادتنا للتفكير و التركيز على أهمية السلطة التنفيذية ودورها في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ، ومن هنا يكون المنع منها بمثابة القانون الواجب الإجراء و التنفيذ ، هذا في سياق التعميم والتشريع وهو من أهم وسائل مقاومة إنتشار الوباء ، ولذلك أعتبر الفقهاء المنع واجباً كفائياً مادام المُراد منه والمتعلق هو حفظ الحياة والناس ، وقد ورد في الأثر عن النبي قوله : - إذا ما وقع الوباء بأرض قوم فلاتخرجوا منها فرارا ولا تهبطوا عليها - ، وهذا بمثابة الحجر حتى لا يتكاثر وينتشر الوباء ، والدولة في هذه الحالة ليست لها خيارات متنوعة ، والخيار الوحيد هو في كيفية السيطرة والنظم ، في أحتواء الأزمات والمشكلات والفوضى التي تنشأ بفعل عدم التوازن واللانظام ..
معنى القدرة :
قيل قديماً : في تعريف معنى القدرة على أنها الأداة التي تحفظ كيان ووجود المجتمعات والدول ، هذا التعريف التاريخي لكوتيليا ورد في سياق مفهوم القوة المانعة للدول والمجتمعات من التفكك والإنهيار ، وقد ذهب غير واحد من المفكرين إلى إعتبار قوة الدولة تكمن في :
1 - قوة إقتصادها .
2 - ووحدة شعبها .
وهذا القول سمته الفلسفة السياسية - الواقعية السياسية - ، والتي هي مزيج ما بين المذهب الطبيعي والمذهب الفلسفي ، وهي على النقيض من المثالية ، لأنها في العادة تقيم تصوراتها على اشياء وقضايا قريبة وملموسة ، عكس المثالية التي تقيم تصوراتها في الغالب على ماهو غير طبيعي أو غير ملموس ، والإتجاه الموضوعي في السلوك السياسي يميل في العادة على تغليب الواقعي على المثالي ، ويعني هذا جعل المقولات والتصورات أكثر عقلانية ووضوحاً ، مما يجعلها أكثر تأثيراً وإستطاعة في مجالي ( دفع الضرر ورفع المانع ) ، ويستلزم هذا الشعور بالنتائج الإيجابية في البقاء والنفوذ .
وأختلف في شأن القول التالي : - هل الناس طبيعةً هم أعداء أم حياديين ؟ - ، وذلك يقودنا للقول الآتي : هل المفروض التهيء الدائم لإكتساب القوة أم الإنشغال بالحياد واللامبالاة ؟ ؟ .
وفي الجواب عن السؤال الأول يكون : باعتبار الناس أعداء طبيعةً أو عدوانيين طبعاً ، وهذا يؤدي للقول بنفي فكرة - النوايا الحسنة - ونفي مقولة ( .. وأما نظير لك في الخلق ) الواردة في سياق معنى الأخوة البشرية أو الإنسانية ، وهذا النفي السلبي ورد في كلام كثير من الفقهاء ومنهم الإمام الشافعي الفقيه المعروف ، والذي أعتمد في نظرته للناس بحسب المعتقد والدين ، فالناس عنده إما مؤمنين أو كفار ولهذا أباح قتل الكفار إن لم يدخلوا في دين الإٍسلام ، وعلل موقفه هذا اعتماداً على خبر وهمي جاء فيه : - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله ..!! - ، وناسخاً عن قصد المعنى التشريعي لقوله تعالى : - إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير - ، وكذلك تغليبه لمعنى القتال الإكراهي ، ويعني هذا تحميله لقول الله تعالى في : - ( أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ما لا يحتمل من القول ، وفي العصر الحديث مال إلى هذا المعنى ( جورج دبليو بوش ) في اعتبار الناس أعداء ولهذا قال وتبنى مفهوم - الحرب الإستباقية - بعد 11 سبتمبر .
وقد جرى ذلك في لسان - بسمارك - الزعيم الألماني حين عرف السلوك السياسي بأنه الشيء الصحيح الذي يقوم على القوة و القدرة .
والقوة عنصر مركب من جزئين :
الأول : قوة الاقتصاد .
والثاني : وحدة الشعب .
فالاقتصاد القوي هو الذي يجعل من الأمن قوياً ، ومنه تبدو متلازمة - أمن اقتصاد - متلازمة حيوية تكون أكثر وضوحاً في العمل و في السلوك السياسي للدول ، يدلنا هذا إلى اعتبار الأمن لازماً من لوازم حياة الشعوب والأمم ، والأمر نفسه يُقال عن الاقتصاد باعتباره الشيء أو الحاجة التي تعزز هيبة الدولة وتمكنها على مواجهة اعدائها المحتملين ، وفي المقابل كلما ضعف الاقتصاد أو قلة قدرته ووسائل فعله ، ضعف أداء الأمن وقلة قدرته في مواجهة التحديات المحتملة .
يتحدث مورغان الاقتصادي البارع عن معنى الأمن القوي فيقول : - قوة الأمن تتجلى في الأداء وفي التأثير السياسي وفي المناورة وشعور الأخرين بذلك - ، ولا ينفصل مفهوم قوة الأمن عن القدرة المتصورة في إنجاز المهام والأهداف النهائية للدولة ، يقول برنار رينيه لا يجب اخضاع مفهوم الأمن والاقتصاد للأخلاقيات العامة ، وكأنه يلتزم حرفياً بما قرره ميكافيلي عن معنى - الغاية تبرر الوسيلة – الذي هو في الأصل تحديد وتعريف لما يجب أن يكون .
ولنطرح المفهوم بصيغته الإشكالية : - ما هو المهم بالنسبة للدول تحقيق الأهداف العاجلة أم حماية الدولة والنظام - ؟ ، ولكن ما هو التعريف الأمثل للأهداف العاجلة هل هو الحسم من دون نظر للجوانب الأخلاقية ؟ أم هو اعتماد القوة في الحسم ؟ ، يقول توماس هوبس - : - إن الجدل في الطريقة المتبعة لا يجب ان يصرف الأنظار عن دور الدولة وقوتها ورسوخها ، لأن الدولة الحية هي الدولة ذات التأثير الواسع والتي تسعى دائماً للحصول على المزيد من القوة وعناصرها ، وقد آمن بذلك - فردريك هيغل - أقرأ كتابنا ( الأسس السياسية والمذهب الواقعي طبعة إيران ولبنان ) .
يقودنا هذا لتوضيح الجدلية السائدة بين مفهوم تحقيق المنفعة الذاتية للدول ومفهوم تحقيق السلام والعدل الدولي ، فالوظيفة الإجرائية لا تقتصر أبداً على ما يهم الجانب الذاتي بل يتعدآه ...
المنطق التاريخي لمفهوم الأمن :
سوف لا نتحدث عن التسلسل التاريخي لمفهوم الأمن ، ولكننا سندقق فيما تحدثت عنه ديباجة معاهدة وستفاليا التاريخية ، في مجموعة الافتراضات والبراهين التي اعتمدها المشرع وهو يقرر صيغ الأمن الممكنة للدولة القطرية أو القومية ، تقول الديباجة : - بما الأمن لازم للدول لذا توجب ان يكون الأمن قوياً - ، وهذه الملازمة بين الدولة القوية والأمن القوي ملازمة اشتراطية وجودية ، وإلى ذلك إشارة النظرية السياسية الواقعية حين عرفت معنى - الدولة القوية - ، ولا يخلو هذا المعنى من فهم منطقي لطبيعة الأولويات في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ، والمتصور أو الممكن فيها هو العامل العسكري ، والذي قيل عنه ( هو الوسيلة وهو الأداة ) الأكثر تعبيراً في تحقيق معنى الدولة القادرة نظرياً وعملياً ، ومن أجل هذا يتطلب :
أولاً : حشد كافة الطاقات والإمكانات من أجل تكريس قدرة الدولة .
وثانياً : الاستفادة من التجربة التاريخية للحروب في اظهار قدرة الدولة .
وهذه المقاربات التاريخية الواقعية أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك هشاشة الافتراضات المثالية ، على الصعيد العملي أو على صعيد معاییر السلوك الدولية ، فالواقعية في مجال العمل هي التي تلتزم بالمعايير ومقولات السلوك الطبيعي ، وهي ذاتها التي تمتلك من التجربة والرصيد التاريخي ما يعزز قدرتها ، والتاريخ الإنساني سمح لنا في الاطلاع على كثير من التجارب والتحليل العلمي ومعطياتهما ، وهذا ما يجعل فهمنا للتفسيرات التاريخية للسلوك السياسي والحكم عليه فيما لو كان واقعياً أم لا .
في المعادلة الرياضية لفيثاغورس تشكل المقاربة التاريخية و المنطقية لمعنى - أمن اقتصاد - أن تتعادل قدرة الدولة مع قدرتها في الحفاظ على بقائها واستقلالها السياسي ووحدة أراضيها ، وليس هذا من قبيل التحفيز نحو جعل - الأمن الذاتي أكثر حيوية وفاعلية بل وكذلك اعتباره الكفيل في السلامة الوطنية والضمان الاجتماعي - ، من هنا يكون ما بدأناه عن متلازمة - أمن واقتصاد - حاضرة باعتبارها تقوم على التوازن والتنسيق بين المصالح والحاجات ، وفي هذا المجال لا يجب البتة ( تغليب مصالح الغير على المصالح الذاتية والمحلية ) مهما علا هذا الغير أو قرب ، ولا يجب التذكير بطبيعة التناقض والصراع الغالب في سلوكيات الدول و المجتمعات بل والافراد كذلك .
وفي الختام نقول : - إن قواعد وركائز الدولة القوية هي ذاتها التي تجعل أو تؤوسس للمكانة والشأنية بين الدول - ، والتي تعتمد على ما تمتلكه الدولة من عناصر القوة في مجالي الأمن والاقتصاد ، ولا يغرب عن البال : إن عامة الدول ميالة بطبعها للهيمنة والسيطرة والتمدد ، وهذا الدافع التضمني يجعل أو يستلزم التحفز والحيطة والحذر والاعتماد على قوة الدولة في مجالي الأمن والاقتصاد ، وفي هذا السياق ورد القول التالي : - ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ، في صيغة اطلاق اللفظ وعموم المعنى أي في الحماية من التهديد وتحييد القوى المضادة هذا من جهة ومن جهة ثانية حفظ التوازن والأمن ، ولا يكون ذلك كذلك من غير قوة اقتصادية تؤمن للمجتمع الطمأنينة والثقة بالمستقبل ..
وللحديث بقية
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا .. ونهاية العولمة
-
كورونا ... ونهاية سلطة القانون
-
في رثاء صديقنا وأخينا الدكتور محمد شحرور
-
الأضحية
-
كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
-
رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
-
رأينا في العدل ( الجزء الأول )
-
بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
-
الوصية .. والميراث
-
الإمامة ثانياً
-
الإمامة أولاً
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 3 -
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 2
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات )
-
إلى الشيخ على جمعة مع التحية والسلام
-
النبوة (3)
-
النبوة الحلقة الثانية
-
المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، ال
...
-
تداعيات النص 40 من سورة التوبة
-
المعجزة والتاريخ
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|