|
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان - الحلقة الثامنة
صديق عبد الهادي
الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 1 - 10:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة/ الحلقة الثامنة (*) مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان مشروع الجزيرة نموذجاً/ (*) موضوعة أو ظاهرة الإستيلاء على الأرض/
إنه، وخاتمة لهذا التناول والإستقصاء حول مآلات تطبيق قانون سنة 2005، نورد هذا المقتطف المطوَّل لأجل إلقاء المزيد من الضوء ومن ثم التحفيز على المفاكرة: "أخذت الأوضاع والصراع في منطقة مشروع الجزيرة منحاً مختلفاً بعد ان قامت سلطة الإنقاذ بتطبيق قانون المشروع المعروف بـ"قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005". وهو قانون إنطوت مادته ونصوصه، ومن ثم الأفكار التي كمنت وتكمن من ورائها على أسبابٍ من الكفاية بمكان لإشعال فتنةٍ قد تحوِّل مسار التاريخ وبكل جوانبه، الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ليس بالنسبة لمنطقة الجزيرة وحسب واإنما لبلادنا كلها. إن من بين أكثر ما ميز هذا القانون عما سبقه هو سؤال الأرض، وملكيتها في المشروع. هذا القانون لم يكن القانون الاول الذي يتناول مسألة "نزع الأراضي"، إلا انه الأول من حيث الجمع بين "نزع الأراضي" وتمليكها كـ"حواشات"، ومن ثم النص على حرية التصرف فيها بـ"البيع او الرهن أو التنازل"!. وهذه الأرضية ذات الثلاث أعمدة، النزع والتمليك وحرية التصرف، تضمَّنها الفصل الرابع من القانون ، والذي إستحق ان يطلق عليه إسم "الفصل الذهبي"، لأنه لخص روح وهدف ذلك القانون!. فمبدأ نزع الأراضي من مالكيها ومبدأ تمليكها للآخرين بمنْ فيهم المستثمرون الأجانب، ومن ثمّ مبدأ التصرف فيها، كلها مبادئ تعمل في إتساقٍ وثيق، حيث أنه لابد من ملاحظة حقيقة انه ومنذ صدور "قانون أرض الجزيرة لسنة 1927م"، والذي صدر في يوم 15 يوليو 1927م، لم تجرُ أي سلطة، وبما فيها سلطة الإستعمار، على وضع هكذا مبادئ ومن ثم الجمع بينها، وذلك لا لأي سببٍ آخر سوى أن ملكية الأرض كانت تُعامل على الدوام بحسبها حقاً مقدساً لا يفت من عضده إلا مبدأ سامي واحد، ألا وهو مبدأ "المصلحة العامة" “The Principle of Eminent Domain”. ولكن في حال موضوع قانون سنة 2005م وأراضي الجزيرة، هل بيّنَ ذلك القانون طبيعة تلك المصلحة؟ وهل يمكنه، في الأساس، أن يصيغ مبدأ للمصلحة العامة؟. لن يستطع المشرعون الإفصاح بذلك، لأنهم يعلمون أن بيع أرض الوطن للمستثمرين الأجانب لا يصب في خانة "المصلحة العامة"!. لفهم ما يجري بخصوص أراضي مشروع الجزيرة لابد من الوقوف ولو حيناً للإستزادة بإضاءة تاريخية يسيرة لما قد حدث وقت التحضير لقيام مشروع الجزيرة. كانت الإدارة الإستعمارية تتداول، وفي تبصرٍ عميق، مسألة الإستعانة بشركات خاصة أوروبية، وذلك لأجل توفير التمويل اللازم لقيام المشروع لأن الأهالي والمواطنيين ملاك الأراضي، بل والدولة نفسها ليست لديهم الوفورات المالية اللازمة للاستثمار. كانت الإدارة مقتنعةّ بضرورة إستقدام شركات القطاع الخاص الأوروبية، إلا انها كانت تخاف مغبة استمرار تلك الشركات في إمتلاكها للأرض ورفض إعادتها لملاكها الأصليين من أهالي المنطقة، وفي هذا الشأن كتب اللورد "إدوارد سيسل" الذي كان متحمساً لإشراك الرأسمال الأوروبي، قائلاً/ " إن السياسة الرائدة للحكومة يجب ان تكون مشجعة لشركات الاراضي وذلك وفق شروطٍ عادلة تساعد على تحقيق ارباحٍ معقولة مع مراعاة حفظ حق الملاك المحليين في التعويض الضروري والعادل المترتب على اخذ أراضيهم في سبيل إنشاء مزارع واسعة وفاعلة إقتصادياً. ولكن على سياسة الدولة المستقبلية ان تسهل إعادة نقل تلك الأراضي من الشركات إلى أصحابها الاصليين من المواطنيين". ولكننا نجد، أنه وبالرغم من هذا القول المقرون بتوفير الضمانات فيما يخص الأرض وملاكها، نجد أن مدير الزراعة في الادارة الاستعمارية يبدي شكه وريبته نحو تلك الشركات المشار إليها وليكتب قائلاً/ " ومن تجربتي في البلدان الاخرى....لا يمكننا ان نعوِّل على إرجاع تلك الاراضي المُشتراه بواسطة الراسماليين الاوربيين إلى المواطنيين. إن مساحاتٍ واسعة من الاراضي العقارية في كلٍ من الهند وسيلان قام الاوربيون والادارات في تلك البلدان بالاحتفاظ بها وليس هناك من بارقة امل في ارجاعها للمواطنين الاصليين... وبهذا فلديَّ قناعة بان صغار المزارعين المحليين سيختفون، ثمَّ ان الاراضي المروية ستذهب في حيازة الرأسماليين المحليين وقد ينتهي بها المطاف لتكون في أيدي الاوربيين كذلك .( ) هذه الاشارة التاريخية تفصح عن طرفٍ من ارث الفلسفة التي قامت عليها سياسة التعامل مع سؤال الأرض وملكيتها في الجزيرة. وبالنظر ملياً إلى هذه الإشارة، يشعر المرء بالأسى حين المقارنة بين "الطريقة الاستعمارية" في التعامل مع ملكية الارض وبين "الطريق الإنقاذية" في ذات الشأن!. إن موقف الادارة الاستعمارية حيال سؤال الارض كان محكوماً بالنظر البعيد فيما يخص الاستقرار، وبالفعل فلقد كان ذلك عاملاً ذا اثر في استقرار وتطور النشاط الزراعي في البلاد وخاصةً في مشروع الجزيرة. وبالمقارنة، فإن موقف سلطة الانقاذ الحالي جاء محكوماً بقصر النظر وبسوء التقدير لمآلات فتح الابواب دون حجر امام الملاك الاجانب!".( ) إن كثير من الادلة تشير إلى أن نظام الرأسمالية الطفيلية قد بدأ فعلياً في بيع وإجارة الأراضي في منطقة الجزيرة وفق عقودٍ طويلة الآماد، منها ما تَكشَّف ومنها ما لم يتم كشفه بعد، ولكن قطعاً سيُكشف. في يوم 22 مايو 2002، تم التوقيع في مدينة دمشق على إتفاقية إستثمار خاصة بين دولة السودان وجمهورية سوريا العربية. مُنِحتْ على ضوئها جمهورية سوريا أرضاً زراعية في منطقة "أبو قوتة" في ولاية الجزيرة بلغت مساحتها 30 ألف فدان مربع، قابلة للزيادة حسب ديباجة الإتفاقية، لمدة 50 عام وقابلة للتجديد كذلك. إن نصوص تلك الإتفاقية تتحدث عن نفسها، وهي لم تخرج في سوئها عما هو معروف عن الإتفاقيات الخاصة بظاهرة "الإستيلاء على الأرض". نص الإتفاقية مرفق في ملحقات الكتاب، (الملحق الثالث). وأما من ناحية تقارير اللجان التي تناولت البحث في قضايا المشروع بشكل عام، فإننا نستخلص وقوفها عند مسالة ملكية الأرض كإحدى أهم المسائل. ومن أبرز اللجان تأتي لجنة البنك الدولي، والمعروفة رسمياً باسم "بعثة دراسة الجزيرة"، “Gezira Study Mission” ، ولكنها في أدب الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة فقد اندرجت وعُرِفت بـ"لجنة ريتس". إنتبهتْ هذه اللجنة لمشكلة الأرض وإيجارها في المشروع، وجاء تنبيهها حول ذلك الأمر مبكراً، أي في أكتوبر 1966، حيث رأت اللجنة بأن يتم تجديد عقد إيجار الأرض لمدة أربعين عاماً أخرى. وورد في تقريرها ما نصه: “The mission suggests that since, in a number of cases, this period has now elapsed, it would be wise for the government to take action to officially renew the lease for another period of say, 40 years, in order to avoid any confusion´-or-future contestations”(Report P. 58) وترجمة النص الحرفية والمباشرة هي: "تقترح البعثة، وطالما أن هناك عدة حالات، لإنتهاء هذه المدة، بأنه من الأعقل للحكومة أن تتخذ خطوة رسمية لتجديد الإيجار لمدة 40 سنة أخرى، وذلك تجنباً لأي تعقيداتٍ او مواجهاتٍ مستقبلية".( ) والآن، يحدث بالضبط ما نبهت إليه تلك البعثة أو اللجنة. لأنه وبعدم قيام الحكومة آنذاك، وكذلك الحكومات التي أعقبتها، بخطوة تجديد عقد الإيجار مع الملاك كان أن ضَعُفَتْ الثقة بين الحكومة والملاك، مما اضطرَّ بعد ذلك كل الحكومات لمحاولة معالجة المشكلة بطرقٍ أصبحت تهدد حق الملكية للأرض!. وقد جاءت الترجمة الحقيقية لذلك منعكسة في صدور قانون 2005!. أما اللجنة المهمة الثانية، فهي اللجنة التي تتبع لوزارة الزراعة والغابات، والمعروفة بـ "لجنة معالجة أيجار أراضي مشروع الجزيرة". وهي من اكثر اللجان التي خاطبت جذر المشاكل المتعلقة بملكية الأرض في الجزيرة. وذلك لانها إطلعتْ على عمل جملة لجان، تصدت من قبل وبالتحديد لمشاكل الأرض وإيجارها في المشروع، وذلك مثل "لجنة مراجعة فئة الإيجار للأراضي المؤجرة من قبل الدولة بمشروع الجزيرة، مايو 1991"، و "لجنة إعادة النظر ومراجعة فئة الإيجار للأراضي المؤجرة من قبل الدولة بمشروع الجزيرة، ديسمبر 1999"، وكذلك "مذكرة رئيس الإدارة القانونية بمشروع الجزيرة حول أراضي الملك الحر داخل مشروع الجزيرة، 15 سبتمبر 2002". وقد كانت أهم توصية تقدمت بها، هي "6. ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي المشروع وذلك للأهمية الإستراتيجية للمشروع كوحدة بكل ابعاده الإقتصادية والإجتماعية والسياسية".( ) كما وأنها، أي نفس اللجنة، تبنت نزع الأراضي على ضوء قانو نزع الأراضي لعام 1930، وذلك بعد أن يتم الغاء المادة (32) من ذلك القانون، والخاصة باستثناء ارأضي مشروع الجزيرة. إن آخر لجنة تصدت لقضية الأرض في مشروع الجزيرة هي لجنة "مراجعة الأداء بمشروع الجزيرة"، تحت رئاسة د. تاج السر مصطفى. تبنت هذه اللجنة ما جاء به قانون 2005 حول الأراضي في مشروع الجزيرة. لا غرو، فرئيس هذه اللجنة كان رئيساً للجنة التي تكونت في عام 1998، وكان أن تقدمت لجنته تلك بتوصية شهيرة لخصخصة مشروع الجزيرة. وقد شكَّلَ تقرير تلك اللجنة الأرضية الصلبة التي إنبنى عليها تقرير لجنة البنك الدولي والمعروف بـ"السودان وخيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة،27 اكتوبر 2000"، (Sudan, Options for the Sustainable Development of the Gezira Scheme, October 27, 2000) ، وهو التقرير الذي على ضوئه صدر قانون سنة 2005. والذي وفي تصديه ومعالجته لقضية الأرض في مشروع الجزيرة كان أن فتح الباب علي أسوأ الإحتمالات، والتي تتمثل في أيلولة ملكية الارض في مشروع الجزيرة للرأسمال والمؤسسات المشبوهة، ليست المحلية لوحدها وإنما العالمية العابرة للامم أيضاً، في خاتمة المطاف. ومن هنا جاء إستهلالنا لهذا الباب من الكتاب يإضاءتنا لمسألة وظاهرة "الاستيلاء على الأرض" “Land Grabbing”.
#صديق_عبد_الهادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
...
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
...
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة والمناقل الزراعي
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
...
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
...
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
...
-
بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان
-
مئتا عام على ميلاد المفكر كارل ماركس
-
-يوم الأرض-....هذا الشعار الخطر!
-
مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس)
-
وداعاً...ايتها الشيوعية العزيزة ... في وداع فاطمة أحمد إبراه
...
-
150 عاماً على نشر كتاب رأس المال لمؤلفه المفكر كارل ماركس
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|