|
وقفة مع ستينات القرن الماضي - كيف كنا - رؤية
عيسى بن ضيف الله حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 31 - 16:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المنظار، قراءة من الداخل- يختلف المشهد باختلاف موقع الناظر والمنظار.. فالرؤيا من علو في طائرة غير ما تكون عليه الرؤيا ذاتها من سيارة، وما سبق لا يتفق مع مشهد السائر على قدميه.. أكثر المناظر مقاربة للحقيقة حين نمعن في رؤيتها من بين ظهرانيها.. بمقدار البعد عن المشهد يشتد خداع النظر.. كما في المكان يكون في الزمان.. لا يمكن رؤية الماضي على حقيقته من منظار الحاضر بحالته.. فللماضي شأنه الذي كان عليه، بعضه زال وبعضه أتى.. أجل، إن حاضرنا يولد في ماضينا.. لم يكن الماضي قط ولا يمكن أن يكون في حالة سكون ولا الحاضر أيضاً.. بمقدور الحاضر أن يكون مختلفاً عما عليه، لو أن سياق الصراع في الماضي قد قيض لعناصر أخرى التفوق على العناصر التي وضعت يدها على الزمام.. فاللحظات الحاسمة تقرر المجريات الآتية.. قطعاً لم يتقرر مصير بلدنا في حقل معترك جامعة دمشق.. فالجامعة ليست أكثر من مرآة عاكسة.. غير أن قدرتها على عكس الظاهرات أكثر من غيرها، لأن للجامعة رفاهة حسها، وبوسعها والحالة هذه أن تكون اللوحة الحساسة للتيارات وللصراعات السائدة في البلاد.. لعل محاولتي تحمل في طياتها السردية قبساً ما، من الماضي للآتي.. ليس سراً أن نقر بدون وجل، أن التاريخ لم ينجز مهمته بعد.. وأمامه مشوار طويل ليقول كلمته الفصل دون دجل وبدون وجل.. ويجدر بنا الإقرار العلني هنا، بقبول تطوّر المواقف وفقاً لتغير الوقائع ومعطيات الواقع.. والسؤال، هل كان عالم الستينات كعالم يومنا.. ألم تكن المواقع والوقائع والمرجعيات هي غير ما عليه الآن.. أكان كل ما يقال خارج دارة الصواب.. ثم ألم تتغير راديكالياً معالم العالم..! وهل عالم اليوم هو أفصل من عالم ذلك اليوم.. ! فلماذا إذن هذا الانهيار والانبهار والعسف والقصف المازوشي والسادي على الذات.. مهلاً يا سادة، ما أحوجنا لاسترداد وعينا وبأسنا والخروج من مصيبة جلد ذواتنا والسير حثيثاً في طريق تنقيتنا من أخطائنا، لا الارتداد المهين على كليّة تاريخنا وقيمنا.. كفى عملاً في خلط الحابل بالنابل والانتقال من معسكر إلى المعسكر المقابل.. لوحتنا الحساسة، سيرورة تشكّل ودينامية فعل- أرى فيما أدعوه بلوحتنا الحساسة، تلك الأداة التي تتولّى تشكيل الرؤى المعبرة كحالة انعكاس للوقائع والأحداث الدائرة بين ظهرانينا، وتنفعل بها ولها. من المؤكد أن هذه الرؤى لا تظهر متماثلة بين كل الناس. قد تبدو بعض الرؤى متقاربة، بيد لا يمكن لها أن تكون متطابقة، وهي في جدل تقاربها وتفارقها إنما تشكل بكيفية ما يمكن أن ندعوه بالوعي الجمعي، الذي يشكل مرجعية شاملة للجميع، ففي ظله ومنه تنحدر تجليّات الوعي الفردي. بصدد آلية تشكّل اللوحة الحساسة، يمكن تلمسها عبر عملية مركبة ومعقدة، يتداخل في تشكلّها عناصر عدة، منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو فردي.. وبما بين الاجتماعي والفردي من جدل. أما ما يعود للعامل الفردي في تشكّل معالم تلك اللوحة الحساسة، يمكن إجماله، بما مرّ لدى الفرد في خبرات وما أكتسب من ثقافة وعبر به من تجارب خلال مسار طفولته وصباه وفتوته.. ولا يتوقف المرء من تشكيل لوحته الحساسة إلا بانتهاء زمنه، وإن كانت عملية وضع حجر الأساس لتلك اللوحة الحساسة قد مرت من قبل، في الزمن المبكر.. ونرى أن اللوحة الحساسة وهي تتشكل تنفعل وتفعل، وتأتي بردود سريعة، عفوية وقد تكون إرادية.. وهي في كل حالات ردودها، تنضح من ذاتها.. وهي إذ تستمر في سير تشكلّها لا تتوقف قط عن دينامية فعلها.. بيد أن سيرورة التطوّر تتضاءل مع التقدم في العمر، كما أن منحى التطوّر ومساره لا يخرج عن مجرى التأسيس الأول.. على هذا الأساس تكون تلك اللوحة الحساسية في ماهيتها ومحتوى فعلها، فرديّة وجمعية معاً.. وقد تبدو حيناً في مظهرها الفردي كتعبير حي عن الحس الجمعي.. الأمر الذي يعني فيما يعني، بكون الفرد وهو ينطق بمكنون لوحته الحسية، يمكن أن يعبّر بذات الوقت عن الحس الجمعي، وهذا ما توفر في بعض الأحايين للفيف من الشعراء والكتاب والفنانين ولمغمورين أيضاً لم تتح الفرصة لهم للتعبير عن مكنوناتهم.. لعل التلاقي الجدلي بين الحس الفردي والحس الجمعي، يمكن أن يتواصل بتعالي نمو الحس والحدس الفردي في صلة فعالة مع البعد الجمعي، الذي يصبح من شأنه مقاربة الحقيقة بصورة عفوية وبدون مراوحة فكرية معقدة -(وفق نمط مقاربة أولية للحقيقة، دون تملكها الكلي– من حيث كون الحقيقة نسبية ومرحلية.. الخ ).. من خصائص اللوحة الحساسة تمتعها بالحيوية، فهي ليست على سكون أبداً بل هي متحركة متوثبة لها نبض حي. ويمكن لها الإعلان عن هذه النبضات في بعض الأحيان، بينما في أحيان أخرى تبقي هذه النبضات حبيسة في عمق الذات. لا أقصد في هذه المقاربة، البحث المفصل في عوامل تشكّل اللوحة الحساسة وآلية عملها، إنما يتأتى الهدف من ضرورة التلويح بها لتسويغ الغوص في أقاصي ماضي سيرتي الذاتية، التي في مجراها قد تم تشكّل الأساس البدئي في لوحتي الحساسة.. تلك اللوحة التي تلقت بدورها مجريات الوقائع والأحداث، وقامت بتسجيل تلك المواقف والرؤى، ومجمل ما ترسب في الذاكرة.. الأمر الذي يسهم بالإفصاح في آخر المطاف عن ماهية أنا المتلقي المتمثل بحامل اللوحة الحساسة، فضلاً عن أدراك المرسل المتمثل بالحدث والواقعة. بهذا الصدد أجد أن السمة السردية التي أنا مقبل عليها، لا يمكن أن تكون فردية بالمطلق، ففرديتها في جانب منها، إنما قد أتت بمثابة مظهر عبّر في فرديته، عن سمة جمعية لجيل ذلك الزمن.. ولعل نبضات من تلك اللوحة الحساسة وما سجلت في ثراها من صدى، وما أطلقت من فعالية، هي بحد ذاتها التي عملت على تحريض الدافع الأساسي لدي، كي تروي ما اختزِن بها من ذاكرة.. كنا فتيةً نجري على فطرتنا دون حساب أو ارتياب بما في الغاب من سراب. !!. ما دفعني لأسجل هذه السيرة والمسيرة، إنما لوضع صورة حية لجيل توفر لديه العدد الوفير في سلوك هذا السبيل. فإن أفلحت في المسعى فشكراً، وإن أخفقت فعذرا.
#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اوراق الأمس - على طريق العرقوب
-
معاناة باحث - من الواقع
-
من حكايات قريتنا
-
خارج عن النص – في عشق اللغة
-
قصيدة شعر - هلوسات الحاكم بأمره
-
وقفة فكرية مع السيرة الذاتية
-
شكوى سجن (رمز لواقع مرعب لبلدنا بكليته)
-
رؤية في الشعر - مقدمة من ديوان لي
-
قصة من الماضي
-
حفريات اركيولوجية في نصوص الأسفار النبوية - أحزاب وتيارات..
...
-
اسرار الكهوف - الحلقة المفقودة من الكتاب المقدس العبري - من
...
-
التوراة في ظل معتنقيها
-
الجذور التاريخية لتشكل الهوية العربية
-
رؤية في الفضاء العربي
-
- هل يمكن للاسلام ان يتماشى ويتعايش مع دولة علمانية -
-
مقاربة مختزلة لإشكالية عدم التدوين في التاريخ العربي القديم
...
-
مقاربة أولية مع إشكالية تدفق اللاجئين السوريين إلى البلدان ا
...
-
مقاربة أولية في الذاكرة الجمعية
-
المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحز
...
-
العلمانية والإسلام
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|