|
جايْحت كرونا ونزاع الصحراء
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 31 - 13:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوحش كورونا الذي فاجئ العالم ، حين جاء غازياً بدون استئذان ، ليخلف ضحايا يتساقطون بالآلاف في كل بقاع المعمور ، وبدون شفقة ولا رحمة ، كان من حسناته الغير منتظرة ، انه عرّى على حقائق لم تكن منتظرة ، ولا متوقعة ، ولا معروفة ، بل لم يكن مشكوك فيها بالمرة . ان من اهم ما عرى عنه فيروس كورونا ، وهذا شيء خطير ، ان الاتحاد الأوربي الذي تغنى به الجميع ، ثروة ، وتقدما ، وقوة ، وعِلما ، لم يكن في الأصل اتحادا اوربيا صلباً ، ولم يكن حقا قوة جبرية ، ولا اقتصادية حقيقية ، بل كان اتحادا كرطونيا انتهازيا ، اتحادا في نهب ثروات ، وخيرات البلاد العربية ، والافريقية ، ودول العالم ، لان قوته المغشوشة استمدها من الدعاية الأيديولوجية التي تركز على الاحتقار ، والتفوق العرقي ، والحضاري ، فالغرب الذي كان يدعو ظاهريا لحوار الحضارات ، كان يخوض في الخفاء الحرب الاقتصادية ، والمالية ، والعلمية ، والطبية ، والحضارية .. ضد كل من ليس عضوا في اتحاد الشركات العابرة للقارات ، المتخصصة في النهب ، وفي امتصاص دم الشعوب المقموعة من طرف الحكام المحليين ، وكلاء هذا الغرب بكل دول المحيط . لقد خلق الاتحاد الأوربي ومعه أمريكا ، وكالات النهب، والسرقة ، والامتصاص ، من خلال المصاريف المختلفة التي يمْتصُّون منها دم شعوب العالم ، وعلى راسها صندوق النقد الدولي ، والبنك العالمي ، والابناك الاوربية المختلفة ، عن طريق اغراق العالم في المديونية الخطيرة ، التي تزداد بأرقام متصاعدة بسبب الفوائد الباهظة المتزايدة ، وبسبب تحويل الحكام المتخلفين الجشعين ، وأنظمة العالم المتخلفة ، جزءا من تلك القروض الى حساباتهم المفتوحة بالتحايل ، بسويسرا ، ولليكسمبورغ ، وفرنسا ، واسبانيا ، وامريكا ، وبنما ، وجزر السيشل ..لخ والسؤال : اين ذهبت كل القروض التي اقترضتها الدول / الحكام لأسباب متعددة ، وبالتحايل ، ولا تزال تواصل الاقتراض رغم غرَقها في بئر المديونية العميق ، والذي لن تخرج منه ابدا ؟ وكيف اصبح لبعض الحكام في سنين معدودة ثروات طائلة لا تقاس ، مخزونة في المصاريف الدولية المختلفة ؟ وإضافة الى القروض الظالمة التي جزء منها يعود الى حسابات الحكام خارج بلادهم ، أين أخذت وجهتها المساعدات والاعانات المالية ، بملايين الدولارات واليورو ، التي قدمها الاتحاد الأوربي ، وقدمتها الولايات المتحدة الامريكية للعديد من الدول ، وهي مساعدات اصلها يعود الى نهب الغرب لثروات العالم الثالث ، بملايير الدولارات ، واليورو، وليس فقط بالملايين التي يخصص جزءا منها في شكل مساعدات تأخذ الجانب الإنساني مرة ، والجانب الاجتماعي مرة ... مع العلم ان الحكام الغربيين يعلمون الوجهة التي اتخذتها تلك المساعدات ، حيث الجزء الأهم يذهب الى جيوب الحكام وكلاء الغرب ، في تسهيل النهب ، والنهم ، والافتراس ، ولتعود ادراجها الى حسابات الحكام خارج بلادهم ؟ فهل الوحش كرونا الذي عرى عن حقيقية الاتحاد / اللاّإتحاد / الاوربي ، الذي هو اتحاد لسرقة ثروات ، وخيرات الشعوب المقهورة ، وامتصاص دمها ، وعرى عن الحقيقية المدهشة عندما تنكرت دول الاتحاد لبعضها البعض ، وتنكرت الولايات المتحدة الامريكية لكل الاتحاد المفروض انه من الحلفاء الاستراتيجيين ، قادر على لعب نفس الدور في انهاء نزاع الصحراء الذي عمر لما يفوق خمسة وأربعين سنة مضت ، ولا يزال مطروحا كنزاع بيد الأمم المتحدة ، ويكون بذلك وحش كرونا قد نجح في ما فشل فيه المنتظم الدولي ، سواء مجلس الامن الذي دأب على استصدار قرارات غير ملزمة تحت البند السادس وليس البند السابع ، او الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لم تستطع من خلال الأمانة العامة ، من الضغط على الأمين العام لممارسة السلطات الاستثنائية التي يعطيها له منصبه كأمين عام للأمم المتحدة . العالم اليوم وبسبب الوحش كرونا الذي يغزو ، وبدون استئذان ، انّ من فضائله الجمة ، انه عرى عن حقيقية الأنظمة الغربية الحاكمة ، واظهرها كأنظمة ضعيفة لا مبادئ لها اطلاقا ، وهنا يكون الوحش كرونا قد مهد السبيل وفتح الطريق كي تتحرك الشعوب ، شعوب العالم لمواجهة الأنظمة الما/فوق امبريالية ، والما/فوق برجوازية ، والما/فوق رأسمالية ، ويكون بذلك وجه التاريخ قد اخذ مساره الحقيقي ، نحو التهيؤ للثورات الشعبية الحافظة للكرامة الإنسانية ، وضد مخططات القتل ، والتفقير والتجويع ، والمرض ..لخ ، لكي تنعم الأقلية القليلة ، ووكلاءها خادمي الاستعمار ، بالثروات ، والخيرات ، بدون حسيب ولا رقيب . فانْ استغلت الشعوب الظرفية ، والتسهيلات التي جاء بها الوحش كرونا للمستضعفين ، ونجحوا في انتزاع زمام المبادرة ، والسبق في اتخاذ القرارات المصيرية ، والاستراتيجية ، فان تغيير العالم سيصبح امرا حتميا ، وعوض دول الشركات العابرة للقارات ، وبدل سيادة الأنظمة الما/فوق رأسمالية ، والما/فوق برجوازية ، سيصبح العالم بيد الحكومات الشعبية والجماهيرية ، وحين ستشرع الشعوب في تدبير امورها ، وبمعزل عن اية وصاية فوقية ، اكيد ان التغيير سيصيب المجتمع الدولي من مجلس الامن ، الى الجمعية العامة ، ومنها الأمانة العامة للأمم المتحدة . في هذه الاثناء ، فان مصير نزاع الصحراء الذي دام خمسة وأربعين سنة بدون حل ، سيعرف طريقه الى الحل بشكل سيسهل استقلال الصحراء عن النظام المغربي ، والنظام الجزائري ، وسيعجل ببناء مغرب الشعوب ، ومغرب الجماهير بعد القضاء على الأنظمة المتاجرة بهموم الشعوب ، والمسؤولة عن فقرها وتفقيرها ، وبؤسها ، ومرضها ، وبطالتها ، في حين يزداد ثراء الحكام بشكل فاحش غير متصور . فهل ينجح الوحش كرونا بعد تغيير كل المعطيات المتداولة ، والتي أصبحت عديمة الجدوى ، فيما فشل فيه المجتمع الدولي عند مباشرته ملف نزاع الصحراء ؟ وهل سينجح الوحش كورونا بعد تعرية العديد من الحقائق التي لم تكن واضحة ، من تمكين الشعوب والجماهير ، من بناء مغرب الشعوب ، ومغرب الجماهير ، حتى ينتقل مركز الثقل ، والقوة الاقتصادي ، والسياسي ، والعلمي ، والاجتماعي الى جنوب الاتحاد / اللاّإتحاد الأوربي المهدد بالانهيار ؟ ان من حسنات التاريخ انه لا يمشي مستقيما ، بل انه يمشي بشكل حلزوني ، وهذا ليس له من تفسير ، انه امام الوحدة المصيرية للشعوب ، فان ثقل العلوم ، والتكنولوجية ، والمعلوميات ، والصناعات المختلفة ، وثقافة الفلسفة ، والادب ، والعلوم الحية .... لخ ، حتما سيتحول الى جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط ، وان مركز الحضارة والمدنية العريقة في التاريخ ، سيتحول الى شمال افريقيا ، وان تاريخا جديدا سيكون قيد البدئ ، وعندما تتمكن الصحراء بفضل الوحش كرونا من توحيد الشعوب ، وتوحيد الأرض ، وبغض النظر عن حزازات الماضي الدفين ، والذي يجب دفنه فعلا ، ستكون الشعوب المقموعة ، والمستلبة ، والمفقرة ، قد نجحت في وضع لبنة الانطلاقة التاريخية العظمى ، لبناء المستقبل الذي لن يكون غير مستقبل الشعوب ، ولن يكون ابدا استمرارا للأنظمة الطفيلية وكيلة الاستعمار في استغلال الشعوب ونهبها ، ومراكمة الثروات الغير متصورة بالنهب ، والسرقات ، والافتراس ، الامر الذي يدحض اشاعات الاستقلال ، ويزكي استمرار الاستعمار عبر وكلائه ، في السيطرة على المقدرات الوطنية ، من سيادة غير موجودة أصلا ، الى السيطرة على الاقتصاد ، والثروات ، وقمع احرار وشرفاء الشعوب . ان كل الدلائل ، وان كل المؤشرات تبشر بمستقبل الشعوب الأوربية ، والأمريكية ، والعربية ، والافريقية ، بل شعوب العالم المستضعفة ، والمهانة ، وانتصارها على اعداءها الطبقيين الذين عراهم الوحش كورونا حين استسلموا للقدر ، وانهزموا امام وحش باغتهم في عقر دارهم ، وهزمهم شر هزيمة ، وجعل سرقتهم للحكم ، والثروة ، والمال ، والجاه والنفود ، مسألة وقت يناور لاستغلال الوقت الذي لم يعد ضائعا ، بل اصبح بمثابة سيف يتحين ، وينتظر ساعة جس رأس كل أعداء الشعوب اللصوص الافاكين ، وهو وقت اصبح مثل الوحش كورونا يداهم ، ولا يستأذن ، ولا يبشر بوقت الانفلات الذي سيحصل على شكل تسونامي سيذهب بالأخضر واليابس . وإذا كان التاريخ قد علمنا أنّ لكل بداية نهاية ، وان كل نهاية تبدأ في الأول مأساة ، وهي ما توجد فيه الشعوب اليوم ، وتنتهي في الثانية الى تراجيديا ، وهي الأرضية التي جاء بها الوحش كرونا ، فان استمرار الحكام في الانغماس في النهب ، والسرقة في واضحة النهار ، ومراكمة الثروات بالجشع ، وتهريب الأموال بالتحايل ، وارجاعها الى الملاذات التي قدمت منها ، واستمرار الشعوب تعيش الفقر المفروض عليها ، وتتعايش مع حياة العبودية والاستيلاب ، وتتحمل القمع ، والاعتداءات المختلفة ، والمتنوعة المسلطة عليها .... لخ له امر مستحيل . فهل يفعلها الوحش كرونا الذي مهد الطريق لبناء مغرب الشعوب ؟ وهل الوقت بفضل الوحش كرونا ، اضحى متهيئا من تحقيق القفزة النوعية التي سقلب وجه التاريخ ، من تاريخ الأنظمة المفروض والمزور ، الى تاريخ الشعوب الصانعة الحقيقية لكل التواريخ ؟ وعندما نتكلم عن الشعوب ، فإننا نقصد كل شعوب المنطقة بدون استثناء ، أي الشعب المغربي ، والشعب الجزائري ، والشعب الموريتاني ، والشعب التونسي ، والشعب الصحراوي الذي اعترف ويعترف به النظام المغربي ، عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، واعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار في سنة 2016 قبل دخوله الى الاتحاد الافريقي ، ويعترف بجبهة البوليساريو التي يفاوضها تحت اشراف الأمم المتحدة ، كما جرى في منهاتن الامريكية ، وفي جنيف السويسرية ، ولو لم تكن الجمهورية الصحراوية ، والجبهة تمثل شعبا الذي هو الشعب الصحراوي ، هل كان للنظام المغربي ان يفاوضها ويعترف بها ، وخاصة وان النظام باعترافه بالجبهة كممثل للشعب الصحراوي ، يكون قد اعترف بالقرار الاممي 34/37 الصادر في سنة 1979 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة . فهل ستصبح الصحراء وبفضل الوحش كرونا ، هي محور بناء مغرب الشعوب ، والأرض الواحدة والموحدة ، بدل الاستمرار في التقسيم والتجزيئية الذي لا يخدم غير اللوبيات أعداء الشعوب ؟
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا بعد كورونا / فيروس
-
منذ متى كان قرار وزير الداخلية قرارا ملكيا صرفا ؟
-
جايْحتْ كورونا
-
الأمين العام للأمم المتحدة ونزاع الصحراء
-
تفكيك وتحليل الدولة المغربية
-
المرأة والجنس في المجتمع الرأسمالي
-
حرب الراية
-
أمريكا / حماقة
-
جبهة البوليساريو تتمتع بتمثيلية قانونية بسويسرا
-
الرئيس الموريتاني يؤكد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية
-
كيف يفكر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني
-
النموذج التنموي
-
الأزمة الاقتصادية هي أزمتهم وليست أزمتنا نحن
-
ماذا يجري ؟ الجزائر / المغرب / موريتانية / السعودية / قطر /
...
-
وزيرة الخارجية الاسبانية لا تعترف بالجمهورية الصحراوية / هل
...
-
في المغرب هناك فقط الملك
-
الجمهورية الصحراوية ستحضر كدولة ذات سيادة اللقاء القادم بين
...
-
هل اصبح وجود الجمهورية الصحراوية واقعا مريرا صعب الابتلاع ،
...
-
هل سيقبل النظام المغربي بتعيين السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك ،
...
-
قصيدة / اضطهاد
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|