العالم الذي سنعيش فيه بعد جائحة الفيروس التاجي بعيون Yuval Noah Harari

عبد الحق مربوط

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 31 - 13:26
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

إذا كان من المؤكد أن عاصفة الفيروس التاجي كوفيد19 ستمر، فإن الأمر الحتمي هو أن عالم ما بعد هذه الجائحة العالمية لن يكون هو العالم الذي عشنا فيه قبلها. بداية هذه التغيرات تجلت على مستوى اتخاذ الدول لقرارات وإجراءات تدخل في إطار حالة الطوارئ الصحي. هذه الاجراءات سيرثها عالم ما بعد العاصفة بكل تأكيد، ليطرح السؤال حول إمكانية بقاء العديد من القواعد القانونية والإجراءات المتخذة على صعيد كل دولة، وعلى الصعيد الدولي سارية المفعول، حتى بعد تجاوز الازمة؟
عند قراءة مقال المؤرخ Yuval Noah Harari صاحب كتاب «Sapiens. Une brève histoire de l’humanité» في مجلة «Financial Times»والذي ترجمته من اللغة الفرنسية (نشر في الأصل باللغة الانجليزية)، فإن الكاتب يحملنا إلى أكثر من مجرد تأمل لأرقام الإصابات بالفيروس وعدد الموتى بسببه في العالم، وإلى أكثر من مجرد رصد سرعة انتشاره السريع في أغلب بلدان العالم، إلى فتح مجموعة من الأسئلة حول تعامل السلطات في كل بلد، وكيفية تعامل المجتمع الدولي برمته، مع هذه الأزمة التي تهدد الأمن الإنساني في شموليته، سواء على المستوى الداخلي لكل دولة، أو على مستوى العلاقات الدولية؟
كيف يشكل الفيروس اختبارا حقيقيا لقدرة المواطنين؟ وهل ستستعيد القواعد الديمقراطية وجودها وهيمنتها؟ أم أن المراقبة التوتاليتارية والشمولية سترسم معالم العالم الجديد لما بعد أزمة كوفيد 19؟
ثم ما هي الطرق التي نصل فيها إلى جعل كل السكان يمتثلون للتوجيهات الداخلية التي تروم وقف الوباء؟ هل عن طريق مراقبتهم ومعاقبة الجانحين منهم؟ أم عن طريق فسح المجال أمامهم للاضطلاع الجيد من أجل جعلهم ينخرطون بشكل إرادي في اتخاذ القرارات الصحيحة لهم وللمجتمع؟
ما هو واقع المجتمع الدولي في ظل أزمة الفيروس التاجي؟ وهل لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية قائدة للعالم؟ وهل يجب الاستمرار في الثقة في هذه القيادة أم أن تجاوز الأزمة الحالية وعواقبها والأوبئة المستقبلية يتطلب البحث عن زعيم دولي يثق فيه الجميع؟

ما هو الخيار الانسب للإنسانية في مواجهة الفيروس التاجي كوفيد-19, على مستوى العلاقات الدولية، من أجل مواجهة الوباء والأزمة الاقتصادية التي ستليه حتما، الانتصار على كل الأوبئة المستقبلية و الأزمات التي تهدد الانسانية في القرن 21؟ هل نتجه إلى العزلة الوطنية وعمل كل دولة منفردة؟ أم إلى التضامن العالمي الشامل وتدبير الأزمة في إطار مجهود عالمي منسق؟
كلها أسئلة حاول المؤرخ Yuval Noah Harari الاجابة عليها في مقالته المهمة. ومن أجل تقريب رؤية هذا المؤرخ إلى القارئ باللغة العربية حول كل هذه الأسئلة، ارتأيت ترجمة مقالته المتميزة.
المقالة كما نشرت في موقع letemp.ch:
مجتمع المراقبة، واستقالة الديمقراطية، وتفكك الأمم: هكذا حذر المؤرخ الإنساني الإسرائيلي Yuval Noah Harari صاحب الكتاب الأكثر مبيعا «Sapiens. Une brève histoire de l’humanité» في مجلة «Financial Times» من أن العاصفة ستمر، لكن الاختيارات التي ستحضرها إلينا الازمة الحالية يمكنها ان تغير حيواتنا.
فتحت اليومية المالية البريطانية اعمدتها للمؤرخ المشهور عالميا بأعمال Sapiens. Une brève histoire de l’humanité و Homo Deus الذي تلى العمل الأول. ونشرت له منبر طويل ومفيد في النقاش العام الحالي، نهاية هذا الأسبوع بولوج مفتوح، وفي نسخة خاصة.
المقال الأصلي:
Yuval Noah Harari: the world after coronavirus (Financial Times, 20 mars 2020)
بدأ المرخ الإنساني عموده بالتأكيد على ان الإنسانية تواجه أزمة عالمية، وعلى أنه في لحظة الخيار، يجب علينا الا نفكر فقط في أحسن وسيلة للتغلب على التهديد الحالي، ولكن علينا أكثر من ذلك، أن نفكر في كيف يجب أن يكون العالم الذي نريد أن نعيش فيه. »العاصفة ستمر، الأغلبية منا ستستمر، لكن في ظل عالم مختلف« ويُرجع Harari هذا الأمر، في ذات المجلة، إلى كون العديد من التدابير المأخوذة في وقت الطوارئ ستبقى في مكانها، ويُفصل ذلك اكثر بالقول أن: »من سمات الأزمات أنها تسرع التاريخ«. فالقرارات التي كانت تتطلب لاتخاذها سنوات من التقييمات، أخذت في ساعات معدودة. »أصبحت كل الدول خنازير لتجارب اجتماعية عملاقة: ماذا سيحدث عندما يعمل الجميع انطلاقا من داخل بيته ولا يتواصل إلا عن بعد؟ ماذا يحدث عندما يكون وجود الجامعات كلها مرتبط بالانترنيت وعبر البث المباشر؟«. ويضيف المؤرخ أن وقوع هذا الامر يعود إلى أننا في وقت غير طبيعي، حيث أنه في الأوقات العادية ما كان ليكون ممكنا ان يوافق لا السياسيون، ولا مجتمع الأعمال والمعرفة على هذه التجارب.
وأمام هذا الوضع، يعتقد Harari أن هناك خياران يبرزان إلى السطح بسبب أهميتهما:» الاختيار بين المراقبة التوتاليتارية والشمولية أو استعادة الديمقراطية «:
1- مراقبة داخلية »تحت الجلد «
توجد طريقتان تمكنان من الوصول إلى امتثال جميع الناس لتوجيهات معينة تستهدف وقف الوباء: يذكر Harari ان الطريقة الأولى مرتبطة بالرقابة على السكان والعمل على معاقبة الخرفان السوداء منهم. لقد سمحت التكنولوجيا لأول مرة بإمكانية مراقبة الكل في كل وقت (بعيد عن مؤشرات KGB). وتعتبر الصين، في هذا السياق، أكثر الدول استعمالا للرقابة الجماعية، حيث تستعين بمئات الملايين من الكاميرات التي باستطاعتها تقريب وجه أي شخص: تراقب الصين أجهزة سمارتفون (Smartphone)، وتفرض على الأشخاص التصريح بحالتهم العامة، وبذلك تستطيع تتبع مساراتهم في كل ذهاب وإياب، من أجل ضبط الناس التي يلتقيها هؤلاء الأشخاص.
أشار المؤرخ أن إسرائيل سمحت مؤخرا بتطوير التكنولوجيا الخاصة عادة بمراقبة العدو -المقال الأصلي باللغة الفرنسية جاءت فيه عبارة ارهابيين- من أجل تتبع الأشخاص المصابة بالفيروس.
ويضيف Harari أنه يقبل مؤاخذته من خلال كون استعمال التكنولوجيا في المراقبة لا يشكل جديدا، وكون السلطات كما الشركات تعود دوما إلى التكنولوجيا المتطورة من أجل تتبع ورصد الناس والتحكم فيهم. لكنه يؤكد على أن مصالح الحكومات مع الفيروس التاجي، تتجاوز ما هو خارجي إلى ما هو داخلي، »إنهم لا يعرفون على ماذا تنقر عليه فقط، إنهم يريدون معرفة ما يوجد تحت الجلد «.
تصوروا كل مواطن يحمل سوارا بيومتريا، ينقل حرارته، ونبضه، بشكل مستمر. آنذاك، ستسمح الخوارزميات (Algorithmes) بمعرفة متى تكون مريضا حتى قبل ان تعرف أنت ذلك، وحتى الأشخاص الذين قابلتهم سيصبحون معروفين. إذاك سوف لن يتطلب الأمر أكثر من بضعة أيام من النظام حتى يتم وقف الوباء. »تبدو فكرة رائعة أليس كذلك؟« (Sounds wonderful, right?)
أما الجانب السلبي في الأمر فهو حتما شرعنة نظام المراقبة المرعب من جديد، يُكمل المؤرخ>> إذا علمتم انني نقرت على FOX New عوض CNN، فهذا يعطيكم مؤشرا عن أفكاري السياسية، وممكن أيضا حول شخصيتي كذلك. لكن إذا استطعتم الولوج إلى درجة حرارة جسمي، وإلى ضغوطاتي، ومعدل ضربات قلبي أثناء مشاهدتي لشريط فيديو، فستعرفون ما يجعلني أضحك، وما يجعلني أبكي، وكل ما يغضبن > من المهم أن نتذكر أن الغضب، والفرح، والملل، والحب كلها ظواهر بيولوجية مثلها مثل الحمى أو السعال> يمكننا نحن كذلك استخدام التقنيات الجديدة التي تعيد منحنا القدرة، فيمكنني اتخاذ خيارات مناسبة أكثر عند معرفة الأسباب، ومعرفة ما إذا أصبحت أشكل خطرا على الآخرين، وكذا معرفة ما هو جيد لصحتي. ولا يجب أن ننسى من كذلك أن التقنيات التي تسمح للدول بمراقبة مواطنيها، تتيح من جانب آخر لهؤلاء المواطنين إمكانية مراقبة دولهم.<.
على هذا الأساس يعتبر Harari أن جائحة الفيروس التاجي كوفيد19 يشكل اختبارا حقيقيا لقدرة المواطنين، ويتجلى هذا الاختبار في أنه إذا لم نقم باختيارات جيدة، سنضطر إلى التخلي عن حرياتنا الأساسية الثمينة .

2- خطة مستعجلة للتضامن العالمي
يوجد أمامنا خيار كبير آخر يجب علينا اتخاذه وهو الاختيار بين العزلة الوطنية أو التضامن العالمي الشامل. إن الوباء و الازمة الاقتصادية التي تليه يعتبران مشكلين شاملين لا يمكن حلهما إلا عن طريق تعاون عالمي.
يضيف المؤرخ على أنه يجب من ناحية اولى تبادل المعلومة على المستوى العالمي: ما يكتشفه طبيب ايطالي في الصبيحة يمكن ان يحفظ حياة مريض إيراني في المساء، كما يمكن لبريطانيا العظمى الاستفادة من كوريا الجنوبية من خلال الاستماع لإستراتيجية الأخيرة التي واجهت بها ذات مشاكل الاولى في وقت سابق,ويستدرك >>لكن هذا المستوى من روح التعاون الدولي يحتاج الى الثقة<<
يسترسل Harari في «Financial Times» ليؤكد على أنه يجب على الدول أن تقبل بمشاركة معلوماتها، وعليها القبول بطلب نصائح، وأن تثق بما يعطى لها. كما يجب بدل مجهود عالمي من أجل إنتاج إختبارات، ومعدات طبية، في إطار مجهود عالمي منسق عوض عمل كل دولة في زاوية منفردة. >>يمكن لبلد غني غير متأثر كثيرا أن يعطي وسائله من مواد وأفراد طبية لدولة فقيرة أكثر تأثرا، على أن يتم مساعدته هو الآخر لو تغير الوضع <<. كما يجب أن يتم هذا التعاون العالمي كذلك على المستوى الاقتصادي الى درجة أن يكون اتخاذ اي حكومة لأي قرار منفرد دون استشارة عاملا لزيادة الفوضى و تفاقم الازمة.
يعتقد Harari من جانب آخر أن التعاون العالمي يجب أن يمس الحركة الجوية كذلك، ذلك أن تعليق كل الرحلات الدولية لعدة أشهر ستكون له تكلفة كبيرة، وسيعيق مكافحة الفيروس التاجي كوفيد-19، على أن يتم البحث عن اتفاق يسمح بالرحلات الأساسية : رحلات العلماء و الأطباء، و الصحفيين ،و السياسيين و مجتمع الأعمال، ويضيف: >>اذا تم إجراء اختبار لكل من أراد السفر قبل مغادرته بشكل جيد، سيكون من الافضل قبول سفره<<

• اعادة اكتشاف طريق الثقة

يتأسف Harari على الواقع الحالي المتسم بشلل المجتمع الدولي. :>> there seem to be no adults in the room<<، فقد كان من متوقعا قبل أسابيع نسج خطة شاملة يتزعمها زعماء هذا العالم، بيدا أن قمة G7 التي أُقيمت عبر تقنية الفيديو(vidée conférence) لم تنجح في ذلك. كما أن الولايات المتحدة الامريكية تخلت عن دورها القيادي للعالم، الذي لعبته من الأزمات السابقة، و فضلت، بصراحة، العظمة الأمريكية على مستقبل البشرية. ويضيف: >>حدث و تخل هذا البلد حتى عن حلفائه المقربين الذين لم يقم باستشارتهم و حتى اخبارهم قبل منع الرحلات الجوية من الإتحاد الأوروبي. و حتى لو تغيرت سياساتهم و تم اقتراح برنامج و خطة عمل تثق في قائد لا يتحمل أية مسؤولية و لا يعترف بأي خطأ و يتهم الآخرين على الدوام، فإنه إذا لم تأخذ دول أخرى مكان الولايات المتحدة الامريكية في قيادة العالم، فلن يكون من الصعب فقط وقف الوباء الحالي، بل أن عواقبه ستزيد في تسميم العلاقات الدولية لسنوات.>> ولكن ولأن كل أزمة تمثل فرصة يجب اغتنامها، فيجب أن نأمل في مساعدة هذه الأزمة البشرية على فهم الخطر الجاد الذي يشكله الانقسام العالمي<<.
يختم Harari في «Financial Times» بأنه على الانسانية أن تتخذ خيارا >> هل نحن ذاهبون الى انقسام أم أنه علينا أخذ طريق التضامن العالمي؟ الخيار الأول لا يمدد الأزمة الحالية فقط و لكنه سيجلب أكثر أسوأ من ذلك. أما إذا اخترنا التضامن فسيكون النصر, ليس فقط ضد الفيروس التاجي كوفيد-19, ولكن أيضا ضد كل الأوبئة المستقبلية و الأزمات التي تهدد الانسانية في القرن 21.

 القرن 21و ليس القرن 20 شكرا للقارئ الذي اكتشف الخطأ.

ملاحظة:
المقالة تم نشرها باللغة الفرنسية في الموقع letemp.ch يوم الثلاثاء 24 مارس 2020 بولوج مفتوح، قبل أن يتم حذفها مساء يوم الجمعة 27 مارس 2020 بسبب امتلاك موقع آخر وهو lexpress.fr لحقوق النشر الحصرية.
- رابط نشر المقالة في الموقع letemp.ch:
https://www.letemps.ch/monde/monde-apres-coronavirus-yuval-noah-harari
- رابط نشر المقالة في lexpress.fr:
https://www.lexpress.fr/actualite/yuval-noah-harari-le-monde-dans-lequel-nous-vivrons-apres-l-orage_2121963.html

)) باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة

#عبد_الحق_مربوط (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات