|
الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا 2
بسام العيسمي
الحوار المتمدن-العدد: 1577 - 2006 / 6 / 10 - 07:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء الثاني الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا معوقاتها وشروط الانتقال إليها
أصبح العالم قرية كونية صغيرة ، بعدما أدى التقدم التكنولوجي، وثورة التقانة، والمعلوماتية بإطار العولمة الكاسحة، إلى جعل الحدود الوطنية جدراناً مسامية مُختَرقة بعشرات الفجوات المنفلتة من قدرة أي دولة التحكم فيها. فدول اليوم، يصعُب عليها حماية حدودها من الاختراقات القسرية، الغير خاضعة للسيطرة. فانتقال الأموال والمعلومات ،والثقافات، لا يمر عبر بوابات التفتيش، ودوائر المنع والتحكّم. انتهى العصر الذي كانت فيه الحكومات، والأنظمة، تصنع ذهنية شعوبها، وثقافتها، وفق منظورها الخاص،. في عالم اليوم ، الدول تحتفظ بسيادتها ، أما الحكومات تعاني من تآكل واضمحلال سلطاتها. الجيرة الكونية التي تحققت في عالم اليوم ، تصوغ روابطاً مشتركة ، ذات طابع عالمي ، لمواجهة المشكلات المستجدة ، مثل المحافظة على السلم والنظام ، والتصدي للتلوث ، والآثار السلبية للتغيير المناخي ، أو الحد منه ، والتعاون في مكافحة الأمراض الوبائية ، وكبح جماح انتشار الأسلحة ، وتفادي المجاعات ، ومواجهة الكوارث الطبيعية ، كالزلازل والبراكين وأثارهما المدمرة ، التي يصعب على الدولة المنكوبة مواجهة تبعاتها ، والخراب الذي تحدثه . وأقدس هذه الروابط الكونية المشتركة هي المتعلقة بحقوق الإنسان ، وأمانه الشخصي ، واحترام ذاته الإنسانية ، وجوداً وفكراً وعقيدةً . هذا الاتقاء حول أنبل الخصائص، لأنها تتعلق بالشخصية الإنسانية ، بغض النظر عن الجنس أو، اللون أو، الطائفة ،أو الفوارق الاجتماعية، أو السياسية مخترقة حدود الجغرافية،ومولدةً الإحساس بوحدة الإنسانية، ومتجاوزةً الاعتبارات ،والانقسامات القومية ،أو المذهبية. إنّ قدرة الناس الجماعية على تشكيل المستقبل ،هي ممكنة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لجعله أكثر إنسانية، وأكثر ديمقراطية وأمناً ،من خلال تعزيز آفاق الالتزام الجمعي، أو الكوني ،لتحقيق أهدافاً مشتركة ، ولتعزيز السلم العالمي، وتحقيق الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، والتنمية المستدامة ، وحماية الحقوق الأساسية للأشخاص، من العسف والاستبداد، وتعزيز الحماية الدولية لهذه الحقوق المعمول بها في إطار الأمم المتحدة. والانفتاح على المنظمات غير الحكومية ، والدفاع عن التنوع الثقافي، ومبادئ المساواة بين الثقافات ، وخلق ظروف أفضل للتعايش بينها، بإطار الاحترام المتبادل، والتشاركية ،من خلال نبذ ثقافة العنف، ومفردات خطاب الكراهية، والتفاعل الخلاق عبر ثقافة الحوار. كل هذا يستدعي إجراء إصلاحات في أساليب وتعاطي المجتمع الدولي مع المشكلات التي تواجهها البشرية جمعاء. مما يرتّب على المجتمع الكوني أعباءً إضافية، بخلق آليات جديدة لحماية هذه المشتركات، التي تتعلق بتوفير الأمان والكرامة للشخصية ،الإنسانية، والعيش الكريم. دون أن يعني هذا الذوبان في العالمية، وإلغاء الخصوصية ، بخضع الداخل الدولتي بالكامل لشروط الخارج العالمي . أو أن يكون عجينة فاقدة لبعدها المكاني والزماني. لو حدث ذلك سنكون في عالم أقل ديمقراطية ، وأقل حفظاً لمصالح الشعوب ، وأقل أماناً لمستقبلها ، وأكثر تحقيقاً لمصالح الدول الكبيرة والمهيمنة، التي مازالت تحتفظ بميول قومية عدوانية، واستغلالية، تفرضها على الشعوب الضعيفة المغلوب على أمرها . مما يتطلب استحداث معايير جديدة، أخلاقية عالمية، تضفي الطابع الإنساني على المجتمع الكوني، وتعمل على الحد من الغرائز التنافسية الأنانية الضيقة، وتلجم الميول العدوانية للدول، والتكوينات القومية، التي تسعى للسيطرة على النظام الكوني، جاعلةً منه حالة طغيان باسم العالمية، تخضعه لمنطقها الخاص وتستثمره لتحقيق مصالحها وأهدافها الاستغلالية . إن التحولات الإيجابية التي حدثت عالمياً، في سياق النضال، من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمعبر عنها في كثير من المؤتمرات العالمية مثل مؤتمر فينيا لعام 1993 – ومؤتمر القمة الاجتماعية في كوبنهاغن عام 1995 – ومؤتمر بكين عام 1995 مروراً بالاتفاقيات التي تكرس حقوق المرأة والطفل وصولاً إلى استحداث مجلس خاص بحقوق الإنسان يتبع الأمم المتحدة لعام2006 . إلّا أن المجتمع الدولي لم ينجح حتى الآن، في تجاوز السقوف المفروضة، على هذه الحقوق، ولم يستثمرها أو يغتنم فرص التحولات الجديدة، لإيجاد مؤسسات فعالة، تترجم المسؤولية المشتركة للإنسانية جمعاء في حماية هذه الحقوق. وذلك نتيجة استمرار وتواطئ قوى دولية كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مع الكيان الصهيوني، ودعمها الدائم له، والتعاطي مع الأزمات الدولية، بسقوف متعددة، ومعايير مختلفة، تبتعد عن العدالة والنـزاهة، من خلال التوظيف النفعي لمبادئ حقوق الإنسان، والتلاعب فيها ، مما يخلّف شعوراً عاماً لدى مجتمعنا، يحط من مصداقية الدول الكبرى ، وبزيف ادعائها في الحفاظ على تلك الحقوق. وما سكوتها على أنماط السلوك العدواني، الذي تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين ، والتحول المفاجئ للعلاقات الليبية الأمريكية، بالرغم من سجل ليبيا الحافل وغير المحمود، والغني بانتهاكات حقوق الإنسان وتغييب الديمقراطية، مما أنتج لدينا خطاباً شبه سائد، في منطقتنا ،هو الخطاب الرافض والمتوجس من العولمة والذي يعتبرها معادلة للأمركة. لكن بقائنا بعيدون عنها ، ومقاومتها والتصدي لها، لا يقينا من تحمل عواقبها، وسيئاتها. وبالتالي هذا الموقف السلبي يحول دون استفادتنا من نتائجها الإيجابية .كما أننا لا نملك حالياً خياراً آخر بديلاً عن الانخراط فيها . إن استمرار حالة الانغلاق، في مجتمع اليوم، سيؤدي دون محالة إلى حالة من التشظي، الذي لا يحمد عقباه . فمن الضروري لنا أن نتفهم آليات وأدوات العولمة. ونسعى إلى التخفيف قدر الإمكان من آثارها السلبية ، وأن نوفر الإمكانات القادرة على استثمارها إيجابياً ، والحصول على بعض المكاسب من منطلق الصراع من داخلها، وليس بالتخارج عنها . لنعترف، ونُقر إننا لم نصل إلى مجتمع مثالي، أو إلى المدينة الكونية الفاضلة، التي تنتهي منها العلاقات الكيدية بين الدول، والأطماع غير المشروعة،المتمثلة برغبة الطرف الأقوى في توسيع دائرة سيطرته ونهبه للطرف الأضعف . مما يتطلب منّا أن لا نبقى في دائرة عجزنا، وأن نواجه العولمة بأدواتها، من خلال تنمية وتعبئة طاقات مجتمعاتنا الاقتصادية، منها والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والفكرية، والخروج من النسق الشمولي، لإعادة المجتمع للاهتمام بالشأن العام، والسماح له بالانخراط في هذه المواجهة، وتمكينه ذلك، من خلال إعادة توصيف العلاقة بين سلطة الدولة، وتعابير المجتمع، المدنيةو، السياسية ،والاقتصادية ،والفكرية .بنقلها من علاقة تبعية وإذعان، تمر عبر آليات قسرية محكمة، لا تسمح للأفراد بالمبادرة والشراكة في شؤونهم العامة والخاصة، ينفذون ما يؤمرون به. إلى علاقة تشاركية تحكمها الآليات الديمقراطية. التي تسمح بتنوع الرؤى والتصورات. ومعالجة الأزمات واقتراح الحلول لها، والمشاركة السياسية مع أصحاب القرار. تلك الآلية التي تخلق الظروف المؤاتية لمواجهة العولمة من الداخل وتشكّل حالة ارتقاء ونهوض لكل قوى المجتمع وعلى كافة الصعد . فالقطع مع العولمة، والانغلاق على الذات، وتغييب الديمقراطية من المجتمع، وإنكار عالمية حقوق الإنسان والتعامل معها باعتبارها قيماً غربية، تهدد الخصوصية الوطنية والقومية . لا ينتج إلا ثقافة ماضوية معزولة عن واقعها المحسوس، فهي لا تستطيع العيش بالحاضر، كما أنها لا تصوغ المستقبل . إن الحفاظ على الخصوصية، والإبقاء عليها ككتلة صماء، في مواجهة الهوية العالمية أو الكونية . هو ضرب من الانتحار، وخروجاً من التاريخ ، وغياباً عن المستقبل. لذلك لابد من إعادة صياغة الهوية بإطار السمة العالمية أو الكونية، لخلق وبلورة آليات جديدة ومفاهيم وإستراتيجيات ثقافية وتربوية واجتماعية وسياسية وعلمية وتقنية واقتصادية. تمكننا من الاستمرار والمشاركة الإيجابية في هذا العالم . كما أن التماهي في العالمية والخارج، بمنطق الخضوع والذوبان الكامل، يخلق حالة من التشظي والانفصام، وعدم القدرة في الحفاظ على شخصيتنا، وخصوصيتنا، وملامحنا، ولا يمكّننا من الاحتفاظ بهويتنا، وبالتالي تكون النتيجة معادلة للانغلاق . فالحفاظ على الهوية، لا يتم بتحنيطها، ووضعها في صندوق محكم الإغلاق، بدواعي الحفاظ على الذات. ولا يتم أيضاً بتعويمها، وفقدها من خلال الذوبان في الآخر. وإنما يتم بالدفاع عن الهوية والحفاظ عليها من خلال إعادة بنائها في إطار العالمية .ووفق شروطها ومحدداتها. للخروج من حالتي الاستلاب والانغلاق . إن التحولات الكبيرة والعميقة التي حدثت كونياً، والإنجازات التكنولوجية والتقانة وثورة المعلومات والاتصالات،و العالمية في الاقتصاد. تفرض علينا مراجعة أفكارنا وقناعاتنا، وعقائدنا الأيديولوجيا (التي كانت وحتى فترة قريبة راسخة في عقلنا، كمسلمات شبه إيمانية، لا تقبل النقد أو التخطيىء ولا تخضع للمراجعة أو التصويب، ولا يأتيها الباطل أبداً). إلى إعادة النظر فبها، كونها مسائل اعتقادية قابلة للمراجعة والتمحيص، والتخطيء ، والتصويب، وصياغتها من جديد عبر حوار وطني ديمقراطي، نثبّت ما هو ملائم لمصالحنا، ونقوّم ما كان فيه خللاً، ونعيد صياغته من جديد . إن مدحلة العولمة الجارفة، تطرح علينا كثيراً من الأسئلة، التي عجزت إلى هذه اللحظة النخب العربية داخل السلطة، وخارجها،من الإجابة الصحيحة عليها. إن عقدة النقص التي نشعر بها تجاه الغرب المتقدم. والهزائم المتوالية التي تعرّضنا لها، وفقدان الثقة بالذات جعلنا عازفين عنها، وقانعين بضعفنا . وبدلاً من العمل على امتلاك الإرادة لتجاوز هذا الضعف. ننطلق بمواجهتها عبر الخطب التعميمية والتحريضية، والأحكام العامة، والشعارات الأيديولوجية المغلفة بالعواطف الوطنية، والمشحونة بهواجس الخوف والقلق . والنظر إليها أو إلى الخارج بأنه شر مطلق ومطبق . نخفي وبحياء وراءه كل عيوبنا، ونواقصنا ، ونقدمه بصورة اختزالية وسكونية، وشمولية، لا تمكّننا من رؤية الخير فيه. فلا يمكن لأمريكا والعالم الغربي أن يكون شراً مطلقاً، ولا خيراً مطلقاً. إن النظر إلى أمريكا كقائدة لمشروع العولمة الاقتصادية الرأسمالية، وعملها على توحيد العالم بحكم وجودها على قمة الهرم في النظام الرأسمالي، الذي لا يتناقض مع إشاعة الديمقراطية ودولة القانون. غير النظرة إليها كدولة إمبريالية، تعمل على توسيع قاعدة نهبها لخيرات الشعوب، من خلال التدخلات غير المشروعة في شؤون الدول، والتي وصلت أحياناً إلى درجة الاحتلال المباشر . فلا ضير من تمثّل مشروعها العولمي والإنساني، كمنجز حضاري . والوقوف بنفس الوقت ضدها بلا هوادة كمشروع وحقيقة إمبريالية ومعارضة شرورها ونزوعها العدواني. إن النظر إلى الغرب بكونه كتلة واحدة، لا تسمح لنا بتأسيس سياسات ناجعة، وفاعلة ،ومؤثرة، وقادرة على استيعاب الواقع والتعامل معه بإيجابية . فأمريكا كتلة من المصالح المعقدة، تعكس شبكة من الخيارات المتبدلة، والمتغيرة على إيقاع المصالح الأمريكية. فلابد لنا أن نخرج من الماضوية، والتغني بالأمجاد القديمة، التي نفتخر بها ونعتز. كونها جزءاً منيراً من تاريخنا، لا أن نستخدمها للتعويض عن حالة الهزائم المتكررة، التي ألمّت بنا، وغلّبت لدينا الفكر الدفاعي، على الفكر النقدي . إن الاندماج في العالم المعاصر،يتطلب منّا الاعتماد على الذات، والاستثمار الأمثل للموارد الاقتصادية والفكرية، والعلمية، والبشرية، والطبيعية، والإسراع في عملية الإصلاح ،وولوج باب الديمقراطية، هذا المنتج الإنساني الرائع الذي يمكّن الشعوب، من الإمساك بمصائرها، ويفجّر طاقاتها، لمواجهة أزماتها، ودخول حلبة التنافس الدولي بكل ثقة واقتدار. يتبع........
#بسام_العيسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا معوقاتها وشرو
...
-
الفساد و ظاهرة اللامبالاة
-
المرأة.. بين مطرقة التشريع وسندان المجتمع الذكوري
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|