|
الجهاد و التشبيح : محاولة لرؤية طب نفسية
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 20:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالرغم من وجود كم هائل من دراسات الثورة السورية ، غطت بشكل عام معظم جوانب هذه الثورة ، ببعدها الطبقي ، و الطائفي ، و الإثني ، و التاريخي ، و بكل اللغات تقريبا ، لكن مازال هناك نقص كبير في دراسة دور الخلل النفسي ، و الإضطرابات النفسية عامة ، في التأثير بمجريات هذا الحدث الصادم في تاريخنا الوطني ،و هذا عائد برأيي إلى قلة المعرفة بالجوانب الطب نفسية لدى الكتاب و الصحفيين من جهة ، و إلى ضعف انخراط الأطباء و المعالجين النفسيين بالمساهمة في هذه الدراسات ، بالرغم من أن دور الخلل النفسي أوضح من الشمس في بعض المواقف التي سلط عليها الكثير من الضوء ، كالتحول المفاجئ لأحد قيادات جبهة النصرة إلى المسيحية ، أو قتل داعشي لوالدته ( بكل رمزيته في التحليل النفسي ) ، أو أكل الكبد ، وضع الطيار الأردني في قفص حديدي و من ثم حرقه بأسلوب هوليوودي ( النار و القفص ) ، قيام عناصر النظام بقطع العضو الذكري للكثير من المعتقلين السياسيين حتى الأطفال منهم (حمزة الخطيب ) ، و اصرارهم على إهانة لفظ الجلالة ، مقابل تأليه بشار.....كل هذه الصور ، تستلزم الوقوف الطويل عندها و تأملها جيدا ، طب نفسيا و تحليلا نفسيا ، من أجل فهم أعمق لسيكولوجية المنخرطين في هذه الثورة ، و على ضفتي (أو ربما ضفاف ) الحرب . سأقوم في هذه المقالة ، بمناقشة سريعة و مختصرة ، لحالتين مرضيتين معروفتين جدا في الطب النفسي ، أعتقد أن لهما بعضا من الأثر في تطور مسار الثورة السورية ، و هما حالتي الفصام ، و اضطراب الشخصية المضاد للمجتمع . فالفصام بأشكاله المختلفة ، نسبة انتشاره بأي مجتمع ، تكاد تكون 1% تقريبا ، فاذا كان تعداد السوريين قبل موجات اللجوء و القتل و الإستشهاد ، حوالي 24 مليون انسان ، فهذا يعني وجود حوالي 240 الف مصاب بالفصام ، و هم أشخاص فاقدين للقدرة على المحاكمة المنطقية ، نتيجة اضطرابات عقلية و خلل عصبي بحت ، و يسهل عادة التأثير بهؤلاء المرضى و السيطرة عليهم ، و دفعهم للقيام بالعديد من الأنشطة الإجرامية ، لذلك يستوجب غالبا اخضاعهم للمتابعة الطبية المستمرة ، ووضعهم تحت الوصاية القضائية في كثير من الأحيان . و السؤال : كم من هؤلاء الأشخاص يجري استغلالهم في الحرب السورية ؟ خاصة أن النظام السوري ، بطبعه نظام مخابراتي ، و يعرف جيدا طرق استغلال البشر ، و طرق الولوج الى دواخلهم للسيطرة عليهم ، و يستطيع الوصول الى السجلات الطبية لجميع السوريين ، و سجلاتهم القضائية أيضا ، و معرفة كل تفاصيل حياتهم الشخصية ، مما يجعله قادرا على استغلال هؤلاء المرضى ، و إن كانت نسبة لا بأس بها من هؤلاء المرضى من غير الممكن زجهم في الحرب ، نتيجة فقدانهم لكل قدراتهم العقلية و تواصلهم مع المحيط ( أتكلم هنا عن الفصام المشخص ) ، لكن هناك أيضا نسبة لا بأس بها من المرضى الذهانيين غير الفصاميين ، الذين يبقون على حدود مقبولة من التماسك مع الواقع ، و لا يفقدون قدراتهم العقلية تماما ، و يمكن استخدامهم بسهولة في عمليات اجرامية متعددة , هذا الأمر ينطبق أيضا على المصابين باضطراب الشخصية المضادة للمجتمع ( السكوباتي ) و هو اضطراب في بنية الشخصية ، لها معدل انتشار يتراوح بين 1-2% من السكان ، تجعل الشخص مستعد للقيام بكل الجرائم و الإنتهاكات ، دون أي احساس بالذنب ، و دون أي تأنيب للضمير ، و النظام السوري ، و غيره من أجهزة الإستخبارت العربية و الأجنبية ، لديها بالتأكيد خبراء ، و تستطيع معرفة هؤلاء الناس ، لاستغلالهم في تعذيب المساجين ، و قتل المتظاهرين ، و العمل كمخبرين لديه ، بدافع الإيذاء و التشفي بالقتل ، و قد رأيت مرة ببداية الثورة ، أحد المرضى المصابين بهذا الإضطراب ، و الذي كان يتردد على مشفى المواساة ، و يتلقى علاج نفسي دوائي ، يعمل كشبيح في شوارع دمشق ، و قد نبهت عدد من زملائي الأطباء إلى هذه الحالة ، دون أن يكون باستطاعتنا القيام بأي شيئ (لأسباب معروفة ) ، و ذكرت حينها قصة هذا الشاب في عدد من أماكن التواصل الإجتماعي ، لأن هذا الجريمة وحدها ، كافية لإدانة هذا النظام الوحشي . هذا الأمر لا ينطبق على السوريين فقط ، بل على بقية العرب و الأوربيين ، فالتطرف و القتل و الدمار ، الحاصل في سوريا ، أثار العديد من غرائز هؤلاء المرضى ، و عزز خيالاتهم و ذهاناتهم المرضية ، كما تؤثر متابعة مجريات الأحداث في البلاد ، من مجازر ، و اعدامات ميدانية بطرق سينمائية ، و بيع للنساء ، كعامل محرض لتسوء الحالة المرضية ، مما دفع بالعديد من المرضى و المصابين بأمراض نفسية ( أو ربما يدفع بهم ) للمجيئ الى البلاد للمشاركة في هذه الحرب ، و حالة داعش و الجهاد ، كخيالات مرضية ، نجدها كثيرا في أوربا ، و تقوم الدولة عادة بوضعهم في الأقسام النفسية ريثما تستقر حالتهم ، لكن بالطبع الدول الأوربية ( بافتراض حسن النية طبعا ) لا تستطيع معرفة جميع هؤلاء المرضى ، و قد تسلل الكثير منهم الى سوريا ، و هناك العديد من الحالات المرضية ، الموثقة أوربيا ، لأشخاص اعتنقوا الإسلام فقط كي يشاركوا في الحراك الجهادي المتطرف ( أعتقد أن حالة أدريان راسل الذي غير اسمه ليصبح خالد مسعود و انخرط في الحراك الجهادي المتطرف ، تحتاج إلى المزيد من الدراسة الطب نفسية ) و قد أشارت الكثير من التقارير الإخبارية ، الى وجود أوربيين في داعش ، لا يملكون العلم الكافي بالإسلام أو اللغة العربية ، و يستبعد أن يكون اسلام هؤلاء حصيلة دراسات فكرية أو روحية بحتة ، على كل ،لا أعتقد بوجود أي تجربة عميقة ممكن أن تدفع الإنسان للإنتساب لداعش . أو موقف فكري أو وطني تجعله مشاركا في خدمة عائلة الأسد ، لا أود أن أقول بالطبع ، أن كل منتسبي داعش من المصابين بالمرض النفسي و اضطرابات الشخصية ، لكن نسبة مهمة جدا من المساهمين في هذ الحركة ، لديهم اضطرابات نفسية ، لو كنا نملك دولة بمؤسسات حقيقية ، لكانوا تلقوا العلاج النفسي و الدوائي المناسب ،و ساهموا في نهضة البلاد ، بدلا من تخريبها و قتل أبنائها .
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القبيسيات و محافظ حمص
-
رواية انتصاب أسود لأيمن الدبوسي.....ثرثرة و جنس و قيئ
-
حياة لا تتسع لقراءة كتاب
-
زهران علوش........وداعا
-
التطرف : كلنا بالهوا سوا.....
-
لم أرتكب أي جريمة في باريس
-
أوراقكم مكشوفة أيتها المؤسسات الدينية
-
المثقفين السوريين و تحطيم تمثال ابراهيم هنانو
-
أهلا بكم في جمهوريات الكلام
-
التطرف أيضا من مقومات بناء الأمم
-
الإعلام المصري : شر البلية ما يبكي
-
سقوط الإعلام المصري : برنامج المستخبي نموذجا
-
فيلم الفيل الأزرق : أخطاء طبية فادحة و معلومات مضللة
-
للأسف يا سعد الدين ابراهيم
-
لماذا اغتالوا سعادة ؟ قراءة في تاريخ لبنان الحديث
-
أخطاء التمثيل في المعارضة السورية
-
المجتمع السوري و التطرف
-
الثورة : نشوة الجسد و التعري
-
نحن جيل الهزيمة
-
فيلم مترو : الوصول بالسينما إلى الحضيض
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|