|
38المسار- العدد
الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 11:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العدد /38/ آذار / مارس 2020
1. رحيل مناضل:الرفيق عمر حنيش(أبوأحمد)وداعاً ..
توفي اليوم في اللاذقية الرفيق عمر حنيش(أبوأحمد)عضو الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي). ولد الرفيق عمر حنيش في اللاذقية عام1942.تخرج من الثانوية الصناعية باللاذقية وعمل مسؤولاً للصيانة الميكانيكية في معمل الأخشاب(المعاكس) عند مفرق صلنفة بين عامي 1964و1983. انتسب عام1962إلى حركة القوميين العرب واعتقل لمرتين في عامي1964و1968. في عام1976انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)وتولى مسؤليات حزبية عدة.كان له دور رئيسي في ترميم منظمة اللاذقية للحزب بعد حملة الإعتقالات لأعضاء الحزب التي بدأت في يوم7تشرين أول1980.في آذار1983تمت ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية حيث ذهب لدمشق وتولى مسؤولية طباعة جريدة الحزب :"نضال الشعب"حتى القرار الذي أخذته أحزاب (التجمع الوطني الديمقراطي)باغلاق جرائدها الحزبية في كانون أول1990لصالح جريدة للتجمع هي "الموقف الديمقراطي"التي تولى الرفيق أبوأحمد مسؤولية طباعتها ومسؤولية توزيعها منذ عددها الأول الصادر في شباط1991وحتى نهاية عام2001. عندما أخذت قيادة الحزب في كانون ثاني2002 قراراً بانتقال الرفاق من أعضاء الحزب الملاحقين من الأجهزة الأمنية من حالة الاختفاء إلى العلنية كان الرفيق أبوأحمد من بينهم .بين عامي2003و2005كان الرفيق أبوأحمد من المعارضين لطروحات الأمين الأول للحزب رياض الترك حول تغيير اسم الحزب والانتقال من الماركسية إلى الليبرالية .كان الرفيق أبوأحمد ضمن أعضاء الحزب الذين بقوا في بيت الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)ورفضوا الذهاب إلى تأسيس (حزب الشعب)في نيسان2005،وقد ظل الرفيق أبوأحمد ملتزماً ومشتركاً في عضوية ونشاط الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)منذ أيار2005وحتى وفاته اليوم في 3آذار2020. كان الرفيق عمر حنيش هو الذي استلم من الأستاذ الياس مرقص النسخ 63لشرائط التسجيل التي أجريت معه قبيل ستة أشهر من وفاته في كانون ثاني1991ثم قام بتفريغها لتتحول إلى كتاب تحت عنوان:"الياس مرقص:السيرة الفكرية"،وهو الذي كانت لديه مخطوطة الياس مرقص لعام1987التي تم نشرها مؤخراً في موقع الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي). الرفيق أبوأحمد هو نموذج للمناضل الصلب والخلوق والمتواضع والذي لايحب الأضواء.ستبقى ذكراه عطرة .
________________________________
2. افتتاحية العدد: من المهزوم في سوريا؟
في اليوم الأخير من مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة (2-3 تموز/ يوليو 2012) طلب ناصر القدوة، نائب كوفي أنان المبعوث الدولي للأمم المتحدة بما يخص الأزمة السورية، اللقاء مع ممثلين أربعة يمثلون بالتساوي (المجلس الوطني السوري) و(هيئة التنسيق الوطنية). قال لهم إن هناك بياناً صدر عن الأزمة السورية قبل ثلاثة أيام في جنيف وافقت عليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو أتى حصيلة لتوافق أميركي- روسي، وطلب منهم تضمين البيان الختامي للمؤتمر تأييداً لبيان جنيف. وافق عضوا هيئة التنسيق على ذلك وهما حسن عبدالعظيم وعبد العزيز الخيِر، فيما رفضه فاروق طيفور عضو المكتب التنفيذي في المجلس ونائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية وأعلن «العزم على إسقاط النظام السوري بالقوة". كان فاروق طيفور منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2011 المكلف بتأطير المنشقين عن الجيش السوري في كتائب مسلحة، وكان شرطه لتقديم الدعم لهم ولكل من يحمل السلاح أن تكون رايته إسلامية. في تموز 2012 سقطت معظم أحياء حلب ودير الزور بأيدي الفصائل المسلحة المعارضة وحصل تفجير «خلية الأزمة» في حي الروضة بدمشق ونُفذت محاولة عسكرية كبيرة من الغوطة الشرقية للوصول إلى أحياء دمشق، وكان ذلك الشهرَ الأقسى على السلطة السورية طوال عمر الأزمة. في 11 أيلول (سبتمبر) 2012 قتل اسلاميون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» السفير الأميركي لدى ليبيا أثناء وجوده في بنغازي، وهو ما أحدث زلزالاً في دوائر صنع القرار الأميركي دفعها نحو فك التحالف مع الاسلام الإخواني، هذا التحالف الذي نسج على عجل في مرحلة ما بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك. في 31 تشرين الأول 2012 شنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هجوماً علنياً على المجلس الوطني السوري وطالبت بتغييره إلى جسم سياسي جديد، متهمة إياه بالخضوع لهيمنة الاسلاميين. وعلى إيقاع ما قالته كلينتون عقد في الدوحة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 اجتماع ضم أطراف «المجلس» وقوى وشخصيات سياسية أخرى من أجل انشاء الجسم الجديد بحضور وزيري خارجية تركيا وقطر والمندوب الأميركي روبرت فورد. ناور الاسلاميون بشدة من أجل منع ولادة هذا الجسم الجديد ولما عجزوا اتجهوا للمناورة نحو السيطرة عليه، وقد عاونهم على ذلك رياض الترك زعيم حزب الشعب الديموقراطي الذي اضطر روبرت فورد ووزير الخارجية القطري إلى التفاوض معه عبر السكايب من أجل نيل موافقته على ولادة الجسم الجديد الذي سمي «الائتلاف الوطني»، ولكن مقابل إضافة الفقرة الخامسة التالية التي اقترحها الترك على اتفاق الدوحة: «عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم". كان الرياضات الثلاثة هم المظلة للعمل المسلح المعارض: مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين رياض الشقفة، رياض الترك، رياض الأسعد مؤسس «الجيش الحر». كان اتجاه هؤلاء الثلاثة معاً نحو العمل المسلح قد أتى إثر فشل العمل السلمي المعارض في تكرار ما جرى في مصر مع الرئيس مبارك، وقد شجعتهم على ذلك التجربة الليبية لما استجر العمل المسلح المعارض تدخل حلف شمال الأطلسي لإسقاط حكم القذافي في 23آب (أغسطس) 2011 بعد خمسة أيام من مطالبة باراك أوباما الرئيس السوري بالتنحي. وكانت هناك عملية تلازم بين المسارين عندهم: عمل مسلح محلي يقود عبر المواجهات مع السلطة وسيناريو العنف والعنف المضاد إلى تدخل عسكري خارجي لم يكن بعيداً طلبه عبر وسائل الاعلام من هؤلاء الثلاثة، أو ممن يتبعهم. وقف هؤلاء الثلاثة وما يمثلونه ضد رئيس الائتلاف الشيخ معاذ الخطيب عندما اقترح في شباط (فبراير) 2013 مبادرة للحوار مع السلطة السورية، وأطاحوه على خلفية ذلك، وهم وما يمثلونه كانوا وراء عدم الدخول في مفاوضات حقيقية مع السلطة السورية في «جنيف2» عام 2014 و «جنيف3» عام 2016. خط هؤلاء الثلاثة هو الذي هُزم في سورية 2011- 2017: كانت المحطة الأولى في مسار هذا الثالوث المهزوم هو تخلي واشنطن عن تحالفها مع الاسلاميين الذي بانت ملامحه في اتفاق 7 أيار (مايو) 2013 في موسكو عندما نزعت واشنطن الملف السوري من الأتراك وسلمته إلى الروس، ثم بانت ملامحه أكثر في تأييد واشنطن لما جرى في مصر يوم 3 تموز 2013 ضد حكم «الاخوان». عندما حصل توقيع اتفاق الكيماوي السوري بين كيري ولافروف في 14 أيلول2013 أبلغت أوساط ديبلوماسية غربية كل كيانات المعارضة السورية بأن الاتفاق يحوي اتفاقاً ضمنياً يقضي بتخلي واشنطن عن مطلبها تنحي الرئيس السوري مقابل ضمان روسي بنزع الكيماوي السوري وضمان روسي ثان بتنفيذ بيان «جنيف1» الذي جرى تضمينه بنصه الكامل بعد أسبوعين في القرار 2118 الدولي الخاص بالكيماوي، وهو ما قاد إلى انعقاد «جنيف2" في كانون ثاني2014. كانت المحطة الثانية في هذا المسار سقوط الموصل بيد «داعش» يوم 10 حزيران 2014 وصدور القرار الدولي 2170 الذي عنى أولوية مكافحة الإرهاب على ما عداه في أجندات واشنطن، وبالذات بعدما اصبحت الرايات السود لـ «داعش» و «النصرة» هي الأقوى والأبرز في العمل العسكري السوري المعارض. لولا سقوط الموصل ما كان باراك اوباما ليعقد الاتفاق النووي مع خامنئي في 14 تموز 2015 ولا ليسمح لبوتين بالتدخل العسكري في سورية يوم 30 أيلول 2015، وقد كان التفاهم الأميركي- الروسي في محطات «فيينا 1 و2» والقرار 2254 و «جنيف3» و «جنيف4» كافية للقول إن الكرملين لا يعمل في سورية بالتضاد مع البيت الأبيض. هذا التفاهم الأميركي- الروسي هو الذي أقنع أردوغان خلال لقائه بوتين في موسكو يوم 9 آب 2016 بالتخلي عن دعم المسلحين في حلب مقابل قطع «الرواق» الكردي (جرابلس- الباب- أعزاز) وهو ما بدأه أردوغان في 24 آب بذكرى معركة مرج دابق. من دون 9 آب لا يمكن تفسير ما جرى في حلب يوم 22 كانون الأول2016. كانت استعادة السلطة السورية مدينة حلب ضربة نوعية للمعارضة السورية المسلحة مثلما كان العكس في تموز2012. ومن دون 22 كانون الأول 2016 لا يمكن تفسير الانهيار المطّرد في الغوطة(ربيع2018)وحوران(صيف2018) لمجمل العمل المسلح المعارض تقريباً في أنحاء الأرض السورية، مع بقاء ادلب كمحطة أخيرة للعمل المسلح ستخضع لتفاهمات روسية- تركية بحكم حساسية أنقرة لوضع ادلب الحدودي وبسبب خوف الأتراك من تدفق مهاجرين جدد سوريين نحو تركية. هنا، يمكن القول إن هذا الخط، الذي قام على ركنين: العمل المسلح المعارض والاستعانة أو استجرار التدخل العسكري الخارجي لإحداث تغيير داخلي قد تمت هزيمته. هذا الطرف المهزوم يتألف من ثلاثة أفرقاء: الاسلاميين والليبراليين الجدد والعسكريين المنشقين،رغم محاولات في عامي2019 و2020لغسل أيديهم من خلال الهجوم على الاسلاميين الذين بدأوا بالتحالف معهم في "اعلان دمشق"عام2005وصولاً لتحالفهم معهم في المجلس والائتلاف بعامي2011و2012،ومن الصعب لعملية الغسل هذه أن تتم مالم تتم مراجعة جدية عند هؤلاء لفكرتين: (الاستعانة بالخارج من أجل احداث تغيير داخلي بدلاً من النضال الداخلي ضد الاستبداد) و( استعمال العنف المعارض أوتقديم الغطاء السياسي له من أجل التغيير السياسي).الليبراليون الجدد،وهم كلهم ماركسيون سابقون،تشاركوا مع الاسلاميين في الفكرتين المذكورتين. أما أطراف المعارضة السورية التي نادت بالتغيير عبر الانتقال السياسي وفقاً لبيان جنيف والقرارين 2118 و2254 فلم تهزم. لا يمكن ارجاع سورية بعد تسع سنوات عاصفة إلى يوم 17 آذار (مارس) 2011. المجتمع الدولي في واشنطن وموسكو ومقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل يدرك أن التسوية السياسية عبر بيان جنيف1 والقرارين 2118 و2254 هي الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية التي زعزعت الاستقرار الاقليمي والعالمي وكانت بيئة خصبة لمنظمات الارهاب العالمي أكثر من أفغانستان 1989- 2001 وعراق ما بعد9 نيسان 2003، وقد قالت فيديريكا موغيريني صراحة في تشرين الثاني 2016 أمام وفد معارض سوري إن عملية إعادة الاعمار في سورية لن تبدأ أو تتم من دون حصول تسوية سياسية حقيقية تبنى على بيان «جنيف1» والقرارات الدولية ذات الصلة وأولها القرار2254. هؤلاء هم المهزومون السوريون.بالمقابل لايوجد منتصر سوري واحد. ____________________________________ 3. نص من البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)لعام2019: آفاق ومهمات
سيقود التدويل للأزمة السورية إلى جعل سوريا، بعد التسوية التي ستكون مفروضة من الخارج ومتحددة بتوازنات دولية، تحت هيمنة سفارات معينة على الغالب ستكون بتسلسل القوة: الروسي-الأميركي-السعودي-الإيراني، ولكن سيكون هذا مترافقاً مع ديموقراطية حزبية وحريات سياسية تحت سقف الهيمنة الدولية على الوضع السوري. سينتهي نظام مابعد8آذار1963وسيكون هناك مشهد سياسي سوري جديد سيكون متصدراً من تيارات سياسية أربعة وفق تسلسل القوة: الليبرالي-الإسلامي-الماركسي-القومي الكردي، فيما سيكون التيار القومي العروبي بطبعتيه البعثية والناصرية أقل قوة من التيارات الأربعة المذكورة. ستكون التحالفات والتقاربات بين هذه التيارات وفقاً لاصطفافاتها مع تلك السفارة أو تلك، سواء كانت دولية أو إقليمية، أومن خلال تلاقيها على رفض الهيمنة الخارجية على المقدرات السورية ومن رفضها وتمايزها عن قوى سورية تابعة للخارج. إضافة إلى (البعد الوطني ورفض هيمنة الخارج) سيكون هناك (البعد الديموقراطي) محدداً ثانياً للمتلاقيات والمتباعدات بين التيارات والقوى السياسية السورية. سيكون هناك بعد ثالث هو (القضايا الاقتصادية والاجتماعية) في مجتمع أصبح 80%من سكانه تحت خط الفقر وأصبحت الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء واضحة وملموسة بالترافق مع تلاشي الفئات الوسطى. هناك بعد رابع في تحديد المتلاقيات والتفارقات فيما بين التيارات السياسية هو قضايا دستورية: علمانية الدولة للفصل بين الدين والدولة من دون حرمان الاتجاهات السياسية التي تشتق أيديولوجيتها من الدين من الحق في العمل السياسي تحت سقف دستور النظام العلماني- شكل النظام السياسي: رئاسي أم برلماني أم مختلط على الطراز الفرنسي؟..- النظام الانتخابي: البلد دائرة انتخابية واحدة وفق نظام النسبية على اساس القائمة الحزبية أو القائمة الائتلافية لأكثر من حزب أم المحافظة دائرة أم نظام الدائرة الفردية أم مختلط بين النسبية والدائرة الفردية؟....وقضايا تشريعية تتعلق بقانون الأحوال الشخصية وبالزواج المدني. من المرجح أن يتلاقى الماركسيون مع الليبراليين والأكراد في (البعد الديمقراطي)،فيما سيتمايزون ويختلفوا مع الحركة السياسية الكردية في قضية (الفيدرالية)مفضلين عليها (اللامركزية الإدارية) والموقف من الوجود العسكري الأميركي في سورية المجلوب بواسطة حزب الاتحاد الديمقراطي،وأن يتلاقوا مع الليبراليين والأكراد في القضايا الدستورية والتشريعية ،وأن يختلفوا مع الليبراليين في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فيما سيتلاقون مع (التيار القومي العروبي)في (البعد الوطني) وفي الهوية الثقافية الحضارية العربية لسوريا وفي موضوعي (الفيدرالية)و(الوجود الأميركي العسكري)من دون إغفال مساواة كافة السوريين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن معتقدهم السياسي ودينهم وطائفتهم وقوميتهم وجنسهم. في سوريا القادمة هناك تيارات ستعيش في المدى المنظور حالة صعود ومدّ: الليبراليون والماركسيون والقوميون الأكراد وهناك تيارات ستعيش حالة انحسار وجزر: الإسلاميون والقوميون العروبيون بطبعتيهم البعثية والناصرية. على الأرجح أن سوريا وهي تضمد جراحها ستعيش حالة اضطراب داخلي وعدم استقرار للفترة المباشرة في مرحلة ما بعد التسوية على طراز لبنان ما بعد اتفاق الطائف عام1989ولكن من دون الرجوع إلى العنف. مازال التيار الماركسي، بفرعيه الشيوعي (أي الآتون من حزب 1924الشيوعي) واليساري الجديد: حزب العمل الشيوعي والحزب اليساري الكردي، قويا في سوريا رغم التشتت التنظيمي والخلاف السياسي الذي جعل الماركسيين في خندقي الموالاة والمعارضة طوال فترة1972-2017. على الأرجح أن الماركسيون هم الذين سيستفيدون أكثر من غيرهم من بدء انحسار تيار الإسلام السياسي في عموم المنطقة العربية منذ سقوط حكم (الإخوان المسلمون) في مصر بيوم3يوليو2013 وهناك علامات كثيرة على أن هناك موجة يسارية جديدة في الوطن العربي، ملامحها واضحة في سوريا ومصر وتونس وبالذات بين الشباب من الجنسين، كما أن الفوارق الطبقية وقضايا التحديث في الدساتير والقوانين التشريعية ستكون وقوداً قوياً محركاً لعربة الماركسيين. هناك مهمات أمام الماركسيين السوريين: 1. الاتجاه نحو توحيد أنفسهم في حزب واحد جديد خاصة وأن مرحلة ما بعد التسوية ستقود إلى تهزهز أو انفراط التحالفات والتجمعات السياسية للموالاة والمعارضة. إن لم يكن ذلك ممكناً في المدى المنظور لما بعد التسوية فمن الممكن أن يكون عبر هيكل تجمعي ماركسي للأحزاب والتنظيمات والأفراد كفترة انتقالية نحو حزب واحد. 2. ستكون مهمات الماركسيين رباعية: وطنية- ديمقراطية- اقتصادية اجتماعية - تحديثية. وستكون تحالفاتهم وتلاقياتهم مع الآخرين وفقاً لهذا الرباعي ومتحددة بأولوية (الوطني) وتلون المهام المرحلية الثلاث الأخرى به، وهو ما سيحدد التحالفات. 3. يجب أن تكون من مهمات الماركسيين إضافة إلى مكافحة هيمنة الخارج الدولي-الإقليمي على سوريا ما بعد التسوية هو العمل بكل الوسائل المشروعة والممكنة لاستعادة الجولان بمافيها الكفاح المسلح في ظل ضعف سوريا داخلياً بعد الأزمة وفي ظل تلاشي دور سوريا الإقليمي هي وباقي الأراضي السورية المحتلة ومنها لواء اسكندرون. 4. ليست المرحلة القادمة أمام الماركسيين ذات مهمات اشتراكية بل ضمن الرباعي المذكور وفي أفق رأسمالي مع التأكيد على الحفاظ على وظائف الدولة في التعليم والصحة والنقل والاتصالات الثابتة والخليوية وفي قطاعات الصناعة الإستراتيجية وفي النفط والغاز. مهمة الماركسيين في إطار القضايا الاقتصادية-الاجتماعية هي الدفاع عن مصالح الطبقات والفئات الفقيرة في وجه رأسمالية متوحشة ولدها النظام السوري في فترة(1974-2017)، وليس حرق المراحل باتجاه "الاشتراكية" متعلمين من دروس التجربة السوفياتية. 5. الماركسيون سيكونون في مرحلة ما بعد التسوية لاصقاً وطنياً في الجسد السوري المتعب. 6. رفض الحل التسووي للصراع العربي -الإسرائيلي في طريق استمرار الكفاح العربي والفلسطيني من أجل التخلص من الكيان الصهيوني باتجاه دولة ديموقراطية علمانية في أرض فلسطين التاريخية. 7- سوريا جزء من الوطن العربي المجزئ بفعل الهيمنة الامبريالية على المنطقة العربية. الوحدة العربية لا تتحدد فقط باللغة والهوية الحضارية- الثقافية بل تتحدد كضرورة للخلاص من الهيمنة الامبريالية وكطريق للوصول إلى دولة عربية قوية .في بلد مثل سوريا سكانه العرب يشكلون 90%من قاطنيه لا يمكن القول عنه بأنه غير عربي أوأنه متعدد الانتماء والهوية القوميتين وإن كان هناك حاجة ملحة أبرزتها مؤخراً الأزمة السورية إلى تحقيق الحقوق الثقافية واللغوية للقوميات الأخرى وإزالة المظالم اللاحقة بها مع ضرورة تساوي المواطنين السوريين جميعاً في الحقوق والواجبات بمعزل عن قوميتهم ودينهم وطائفتهم وانتماءهم السياسي وجنسهم مع ضرورة (اللامركزية الإدارية الواسعة)ورفض (الفيدرالية). (العروبة)أيضاً هي لاصق ضروري للسوريين عابر للأديان والطوائف في مرحلة ما بعد الأزمة ولا يوجد غيرها الآن لتحقيق ذلك. الوحدة العربية التي نريد هي وحدة الأقطار العربية والشعب العربي في إطار سياسي- كياني موحد يتفق عليه.نحن نرى العروبة لاصقاً لعرب في ظروف الهجمة الامبريالية- الصهيونية القائمة التي تريد ليس فقط تجزئة المجزأ من الأقطار العربية الحالية بل أيضاً إثارة النعرات الدينية- الطائفية- الإثنية لاستغلالها لصالحها.نحن نرى العروبة أداة مقاومة ضد الامبريالية التي كانت تجسداتها الرئيسية في التجزئة العربية واسرائيل والسيطرة على الثروات العربية ومحاولة التحكم بالقرار العربي،ونرى الوحدة العربية كأداة للتنمية وطريقاً إلى أمة عربية موحدة 8. الماركسيون علمانيون بالضرورة من حيث أن العلمانية هي (حيادية الدولة تجاه الأديان والطوائف والعقائد السياسية) ، ويسعى الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي إلى صياغة دستور سوري جديد على أساس ذلك ويجب أن يكون باب الحياة السياسية مفتوحاً أمام كل القوى السياسية القابلة بالدستور والتعدد الفكري-السياسي ونبذ العنف وبتداول السلطة. العلمانية التي نريد هي فصل الدين عن الدولة ،كمافي دول عديدة كالهند وألمانية ،وهي علمانية تشتغل تحت خيمتها كل التعابير الفكرية- السياسية المتبلورة في أحزاب سياسية لتكون مسموحة قانوناً مادامت تقبل بالتعدد الفكري- السياسي وتتقيد بالقانون الذي يمنع استعمال القوة خارج إطار سلطة الدولة. 9. مفتاح التغيير في الوضع السوري الراهن هو التسوية السياسية على أساس بيان جنيف1الصادر يوم30حزيران2012والقرار الدولي 2254عام2015لتشكيل هيئة حكم انتقالية تتشارك فيها المعارضة والسلطة نحو الوصول إلى انتخابات لجمعية تأسيسية تصوغ دستوراً جديداً. يجب فتح المجال أمام كل التعبيرات الفكرية-السياسية لكي تنتظم في العملية الديمقراطية. لا يوجد طريق آخر لعملية التغيير الديمقراطي ولا طريق آخر لتجاوز الأزمة السورية. 10. التلاقيات السياسية للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي ستكون محددة حسب ما يراه من متطلبات في كل مرحلة من المراحل الثلاث التالية : مرحلة الأزمة السورية الراهنة- مرحلة الانتقال السياسي إلى وضع ما بعد الأزمة نحو نظام ديمقراطي يتجاوز وضعية نظام مابعد يوم8آذار1963- مرحلة ما بعد الانتقال السياسي. 11- رفض كل المعاهدات والاتفاقات العلنية والسرية التي تخل بالسيادة السورية من أية جهة سورية كانت.______________________________________ 4. المملكة العربية السعودية وإسرائيل: من يحتاج من؟ BESA Center Perspectives Paper No. 1,370 "مركز بيغن- السادات"- جامعة بار ايلان – "اسرائيل" - فرانك موسمار ترجمة هيئة التحرير ملخص تنفيذي: يزيد عدم الاستقرار الشديد وانعدام الثقة من حدّة التوتر في الخليج العربي، وخاصة بين إيران الشيعية والسعودية السنية. تلاشت شهية أميركا للمشاركة العسكرية بعد ما يقرب من عقدين من الحرب والمنطقة التي تفتقر إلى أي شكل من أشكال إطار الأمن الجماعي، تاركة فراغاً أمنياً كبيراً. تشكِّل مبادرات دول الخليج لإسرائيل جزءاً من جهد لإنقاذ التزام أميركا الأمني بالمنطقة مع دعم علاقة يمكن أن تخفف نفوذ طهران المتزايد. بدأت العلاقة بين اسرائيل والسعودية في الاتجاه نحو الحميمية منذ بعض الوقت. لقد شعر الطرفان بالقلق إزاء ما رأت حكومتهما من ضعف إدارة أوباما في مواجهة إيران الصاعدة. عارض كلاهما الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة، JCPOA) عام2015. وكلاهما يريد أن يرى الكثير من الإجراءات الأكثر صرامة التي تُتخذ ضد نفوذ طهران المنتشر، وليس أقلها في سوريا. ولكن مع كل ما قيل، فإن اسرائيل - التي لا تستورد أي شيء من الخليج - تفضِّل ألا تتدخَّل مباشرة في الصراع السعودي الإيراني، لأنه من غير المرجَّح أن تستفيد من هذا التدخل وقد تتعرَّض في الواقع لأضرار جسيمة. تودّ السعودية تنشيط اهتمام واشنطن بالمنطقة، لكن هذا أمر أصعب في الإقناع ممّا كان عليه في السابق، وليس فقط لأن الأمريكيين سئموا من المشاركة العسكرية في صراعات بعيدة. صرح الرئيس دونالد ترامب تماماً أن أمريكا لا تحتاج إلى نفط الخليج، ويؤكد أن المستفيدين من هذه التجارة يجب أن يهتموا بأنفسهم فقط بدعم عام من الولايات المتحدة. وممّا يزيد من التحدّي الذي يواجه الرياض صورة قيادتها الملوَّثة. فقد تمَّ إدانة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على نطاق واسع (إن لم يكن فعالاً) لأنه أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتعرَّضت المملكة لانتقادات متزايدة بسبب سلوكها في الحرب في اليمن. واحدة من المسرحيات القليلة المفتوحة أمام الرياض هي تقديم مبادرات سلمية تجاه إسرائيل، وهي خطوة من المُحتمَل أن تعزِّز رصيدها في واشنطن على الرغم من أنها تقدّم فوائد مُحتمَلة أخرى. تواجِه المملكة العربية السعودية عواقب وخيمة ناجمة عن اشتباكاتها مع إيران الشيعية ووكلائها. لقد تعطَّل حوالي نصف إنتاج البلاد من النفط - 5 ملايين برميل يومياً - نتيجة غارات الطائرات بدون طيار التي شنّها المتمرِّدون الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران على منشآت نفط أرامكو السعودية واسعة النطاق في منطقة بقيق في 14 أيلول/سبتمبر 2019. وفقاً لموقع الويب الخاص بـ "المسيرة"، قناة الأخبار الفضائية التي يديرها الحوثيون، تتوعد المجموعة بهجمات إضافية إذا لم تنسحب قوات التحالف السعودية من اليمن. أثبتت الضربة أن الرياض عرضة لهجمات طهران وعملائها. كما إن المزيد من الضربات الحوثية على قطاع النفط السعودي ستكون كارثية لأن النفط هو الركن الأساسي لاقتصاد المملكة وحجر الزاوية في تنميتها. ووفقاً لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي، فقد شكَّلت إيرادات النفط حوالي 85٪ من صادرات المملكة العربية السعودية وحوالي 90٪ من الإيرادات المالية، ويشكِّل قطاع النفط أكثر من 40٪ من إجمالي الناتج المحلّي. كما يبلغ العجز في ميزانية المملكة العربية السعودية كل عام، اعتماداً على سعر خام برنت، ما بين 40 إلى 60 مليار دولار. تحتاج المملكة العربية السعودية بشكل عاجل إلى طريق تصدير بديل لنفطها، وهذا سبب إضافي لمبادرات الرياض نحو اسرا اسرائيل. تتحدث المملكة بالفعل مع الاسرائيليين حول خط أنابيب إلى إيلات، على بعد 40 كم فقط من السعودية ، لاستيراد لغاز الطبيعي من اسرائيل ، وامتداداً لذلك، يمكن تطوير هذا الطريق كوسيلة بديلة لنقل النفط السعودي إلى ميناء حيفا العميق للتصدير إلى أوروبا والغرب. ستكون هذه طريقة أكثر أماناً وأسرع لضمان الصادرات السعودية إلى الغرب، لأنها ستتجنّب العدوان الإيراني على مضيق هرمز ومضيق باب المندب في البحر الأحمر. كما أنه سيوفر رسوم العبور الكبيرة التي ينطوي عليها عبور قناة السويس. قد يفتح هذا الطريق عالماً جديداً من أسواق التصدير للمملكة العربية السعودية. تتطلّع المملكة في الوقت الحالي، إلى استيراد الغاز الطبيعي، ولكن في الوقت المناسب، قد تتحرَّك لتطوير احتياطياتها من الغاز الطبيعي، والتي تُعَدْ خامس أكبر احتياطي في العالم. تقوم اسرائيل بتطوير احتياطياتها من الغاز الطبيعي، لكنها لا تملك ما يكفي من الغاز لتبرير بناء خط أنابيب تصدير إلى أوروبا. ومع ذلك، قد يؤدّي الارتباط مع المملكة العربية السعودية إلى رفع الموازين لصالح خط أنابيب شرق البحر المتوسط، والذي قد يكون مربحاً للغاية لكلا الشريكين. سواء أكانت السعودية تضغط من أجل الحرب مع إيران أم لا ، فإن خياراتها لتجنُّب الخيار تضيق. إن المملكة، التي تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية ، لديها الكثير لتخسره من مثل هذه الحرب أكثر من إيران. وقال جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما: "المملكة العربية السعودية لن تدعم الحرب مع إيران ". تواصل طهران الاستفادة من العديد من الاضطرابات في الشرق الأوسط لنشر نفوذها. إنها تشكِّل جسراً برياً لربط إيران عبر العراق بسوريا و الجولان ولبنان ("الهلال الشيعي"). يشكّل الشيعة 10٪ فقط من سكان العالم من المسلمين، لكنهم يشكِّلون أغلبية كبيرة في إيران، التي استخدمت الحركات الشيعية في أماكن أخرى لتأكيد هيمنتها الإقليمية. ويمثل الهلال الشيعي المكتمل تحدّياً خطيراً للمصالح السعودية في المنطقة. سوف يهدِّد طرق التجارة الحيوية وأمن المنطقة ككُل. سيجعل التدخُّل في المناطق التي تهيمِن عليها إيران أكثر تعقيداً، نظراً لإمكانية التصعيد بين المملكة العربية السعودية والقوات المدعومة من إيران. يغذّي الوجود الإيراني على نطاق أوسع، الطائفية المتنامية التي ستشكِّل تهديداً للاستقرار الإقليمي لسنوات قادمة. ستبذل الرياض ما في وسعها للتخفيف من هذا التهديد، حتى الذهاب إلى أبعد من مدّ يدّ صديقة لاسرائيل. __________________________________________________ 5. طيب تيزيني كماعرفته عن قرب ..
الدكتور جون نسطة (بمناسبة مرور عام على وفاة الدكتور طيب تيزيني)
تشكل عملية الكتابة عن ذكريات مع شخصية فلسفية بارزة مثل الدكتور طيب تيزيني، ترجع بداياتها لأكثر من ستين عاما، مهمة ليست سهلة، تستلزم الدقة وحك الرأس، كما يقال بالعامية. عرفته في مطلع الشباب من خلال تواجدنا في مدينة واحدة، حمص التي تتميز علاقاتها الاجتماعية بطابع خاص متميز عن بقية المدن السورية الاخرى. كنا- وحمص مدينة عدد سكانها في الخمسينيات قليل نسبياً- نعرف بعضنا البعض وخصوصا معشر الطلاب. وكان الطيب من سكان المدينة القديمة الشرقية، وكان عليه حينما يرغب بالذهاب إلى مركزها أن يمر بنفس الشارع الذي كنت أعيش فيه حيث ألتقيه فيه. كان شاباً متوسط القامة يميل إلى القصر، كثيف الشعر، أبيض الوجه، لباسه لا يميل إلى البذخ، يسير التؤدة متمهلا، لطيف السحنة، وكلامه ينطق بالتهذيب العالي والتواضع والانفتاح على الآخر،وكنا نحمل نفس الأفكار والتوجهات السياسية. بعد هذه الفترة من التلاقي الغير منتظمة وغير مخطط لها، شاءت الأقدار ان نلتقي في مدينة بيروت اللبنانية، فارين من أحهزة القمع الاستبدادية السراجية في زمن الوحدة بين مصر وسوريا. كنا الطيب وانا منتظمين في صفوف الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش الشخصية التاريخية المثيرة للجدل، الذي لم يصوت كعضو مجلس نيابي على قرار المجلس النيابي السوري عن قيام دولة الوحدة في شباط1958، بعد أن غادر دمشق بنفس اليوم. ولم يوافق الحزب بحل نفسه حسب شروط الرءيس جمال عبد الناصر للوحدة، وأعلن الحزب عن موقفه تجاه الوحدة باعلان المبادىء الثلاثة عشرة والتي قالت بتلخيص أن هذه الوحدة الاتحادية لم تراعي الظروف الموضوعية والتاريخية لكلا البلدين، وأنها تغاضت عن مبادىء الديموقراطية، وأنها بهذا الشكل لا بمكن ان تعيش طويلا، الا إذا راعت هذه المباديء الهادفة إلى الإصلاح. في ليلة رأس السنة عام ١٩٥٨-١٩٥٩ شنت الأجهزة الأمنية المخابراتية حملة اعتقالات واسعة شملت آلاف من كوادر وأعضاء الحزب. في بيروت كان أعضاء من قيادة الحزب وبمساعدة الحزب الشيوعي اللبناني يعملون على استيعاب الأعداد الكبيرة من الشيوعيين اللاجئين وتنظيمهم وايجاد مساكن لهم ومساعدتهم مالياً ومعنوياً. وشاءت الصدفة أيضا أن نلتقي في غرفة واحدة استأجرها الحزب لنا على سطح بناية عالية في حي الأشرفية ، وهي بالأساس معدة للغسيل لسكان البناية. كانت غرفة ضغيرة الحجم، وكنا نعيش فيها وعددنا يتراوح بين سبعة الى عشرة أشخاص حسب الظروف. كنا نفترش الأرض على فرشات محشوة بقشر الموز المجفف وسعر الواحدة سبعة ليرات لبنانية بدون شراشف ولا مخدات تحت الرأس، التي كنا نستعيض عنها إما بالكتب او الأحذية، وكنا أحياناً نتناوب بالنوم نظراً لضيق المكان. كانت النقاشات حادة وبصوت عالي تمتد لساعات طويلة، وأحيانا كان يتحلق الرفاق للعب الورق او الشدة بالعامية وما يرافق ذلك من صراخ من اعجاب وسخط. كان الطيب رجلا هادئا، جادا متزناً، شديد التفكير والتأمل، منزعجا من هذا الجو المحيط به. وكان يقرأ لساعات طويلة في مختلف الكتب اليسارية الفكرية والتاريخية. وفي مرة سألته لماذا يواظب على القراءة المكثفة أجابني بانه يعد لكتابة مؤلف يهز به أركان الدولة الناصرية- حسب تعبيره- "القائمة على الاستبداد وديكتاتورية الفرد ومظلومية الشعب السوري".كان الطيب إنساناً عاقلاً حكيماً شديد التزهد بالطعام والشراب والملبس. كان أحياناً يسلق كيلو من البطاطا ويعيش عليه لمدة أسبوع كامل طبعاً مع الثوم والزيت. بقينا في في بيروت عدة ًشهر, وبعدها بدأ الحزب بارسالنا تباعا لدول المنظومة الاشتراكية بقصد الدراسة الجامعية. وخرج الطيب بوثيقة سفر لبنانية لمرة واحدة, وخرجت أنا ورفيقي (عون جبور) بجوازين سفر لبنانيين مزورين. وشاءت الصدف أيضا أن نلتقي أيضا بقرية صغيرة بالقرب من برلين في بيت للراحة تابع لاتحاد النقابات العمالية الألمانية. وأمضينا في هذا البيت وتحت سقف واحد أيضا عدة اشهر تعرفنا خلالها على معظم مدن ألمانيا الديموقراطية ومعالمها الرئيسية عن طريق رحلات نظمها لنا الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم الذي أكرم ضيافتنا إلى أبعد الحدود. وبعدها ،واختصارا للوقت، بدأنا في شهر ايلول من العام ١٩٦٠ بدراسة اللغة الالمانية في معهد هردر بمدينة لايبزغ وأيضاً في بيت واحد للطلبة. كانت قيادة الحزب قد أصدرت قراراً لا يسمح لأعضاء الحزب بالدراسة إلا بالفروع العلمية من هندسة وكيمياء وفيزياء ورياضيات إلخ، ولا يسمح بدراسة العلوم الاجتماعية من فلسفة وتاريخ واقتصاد إلخ. سألنا عن امكانية دراسة الطب فجاء الجواب ايجابياً. فعكفنا الطيب تيزيني وأنا وعدد لابأس به من الرفاق بدراسة الطب في جامعة لايبزغ. صديقي الطيب وافق على ذلك بمضض ولكنه وبعد عدة اشهر اكتشف نهائياً بأنه غير متأقلم ومنسجم مع دراسة الطب، وتقدم بطلب خاص للسماح له بدراسة الفلسفة وأخذ الموافقة. أخذ الطيب في الانصباب انصباباً مذهلاً على الدراسة في قراءة أسس الماركسية اللينينية،واستغرق بدراسته عدة أشهر، واستمر بهذا الاجتهاد والجلد لحين تخرجه في العام ١٩٧٠ . خلال دراسته كان يسكن في غرفة منفردة في ببت للطلبة، وكان لا يخرج منها إلا فيما ندر وللضرورة فقط، ولم يكن مهتما بتبؤ مراكز قيادية في منظمة الطلاب او بالمنظمة الحزبية. في العام ١٩٧٤ وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة في الفلسفة التقينا مجدداً على أرض الوطن وفي دمشق بالتحديد. وكان يحاول الدخول إلى قسم الفلسفة بجامعة دمشق كمدرس، والجامعة ترفض بناءاً على قرار من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي لا يسمح لغير اعضاء الحزب بممارسة مهنة التدريس في الجامعة. وقتها سألني ،باعتباري كنت قيادبا في منظمة لايبزغ الحزبية، عن رأي الحزب بهذا الموضوع. فقلت له وبدون مراجعة قيادة الحزب، اذهب وانتسب لحزب البعث ودرِس بالجامعة لأنك هناك تفيد الفكر الماركسي أكثر مما لو بقيت في الحزب الشيوعي السوري،هذا الحزب الذي لم يكن يولي اهتماماً بالمثقفين عموماً والفلاسفة خصوصاً، وكان يقول" أن الرفاق الكبار(السوفييت )يمدونا بالفكر والفلسفة بما يكفي." ودخل الطيب جامعة دمشق مدرساً ناجحاً جداً محبوباً من الطلاب المتشوقين للاطلاع على الماركسية في تلك الفترة،وبدأ الدكتور طيب تيزيني يؤلف كتاباً بعد الآخر يدرس فيه التراث الفكري العربي الاسلامي وينتقده من وجهة نظر ماركسبة متطورة. وانتشرت كتب طيب تبزيني كالنار في الهشيم في كل العالم العربي من أقصاه إلى اقصاه، في محاولة تشكيل وعي عربي جديد.ومن أكثر ما قرأته بشغف كان جداله ونقده لفكر محمد عابد الجابري، وتأويله في تفسير القرآن الكريم ونقاشه مع المفكر الاسلامي محمد سعيد رمضان البوطي. وعلى النطاق الاجتماعي السياسي أيضا ً لا يسعني إلا أن أذكر بمواقف الدكتور طيب المشرفة والشجاعة، فقد قام منذ التسعينيات من القرن الماضي بتعرية النظام القائم من حيث ممارسته العنف المنظم من اعتقالات وملاحقات لستر تورطه في مجالات الفساد ونهب خيرات وثروات الشعب بأكمله. وهو صاحب ترويج فكرة فضح نظام الفساد والإفساد على نطاق واسع. طيب تيزيني شكل مثالاً واقعياً لما عبر عنه الماركسي الايطالي غرامشي عن (المثقف العضوي). فهو في دفاعه عن المفقرين والمهمشين وأصحاب الدخل المحدود لم ينسى تحميل النظام المسؤولية عما يحدث. وبنفس الوقت كان يهاجم الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل والصهيونية والرجعية العربية وحلفاءها، ويحمل العولمة الراءسمالية المتوحشة مسوؤلية افقار الشعوب وفرض الهيمنة الأمريكية على أسواقها واقتصادياتها الضعيفة. وهو خاض مع بقية أطراف المعارضة الدفاع عن هبة الشعب السوري في 18آذار2011 وقتل المتظاهرين العزل وأيد أهدافها بكل جرأة ووضوح. ففي اللقاء التشاوري الذي دعا اليه نائب رءيس الجمهورية السيد فاروق الشرع في 10تموز2011طالب بتفكيك الدولة الأمنية وبوقف اطلاق الرصاص على المتظاهرين، وباطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، كمقدمة لحوار ديموقراطي يعالج الأزمة السورية. رحل عنا فقيدنا الدكتور طيب تيزيني مخلفاً إرثاً ثقافيا ً عظيما ً سوف يخلده في تاريخ الفكر العربي الحديث.
6. ألم يكن فؤاد مرسي على حق؟...
الإثنين 2آذار2020 – جريدة "الأخبار" محمد سيد رصاص
انقسم الشيوعيون المصريون في الموقف من سلطة ما بعد 23 تموز/ يوليو 1952: شارك ضبّاط، مثل خالد محي الدين ويوسف صديق وأحمد حمروش، كانوا أعضاء في التنظيم الشيوعي: (الحركة الديموقراطية للتحرّر الوطني ــ حدتو)، في الحركة العسكرية التي أطاحت بالملك فاروق. كان رأي «حدتو» بأن السلطة التي نتجت عن حركة الضباط ستقود إلى ثورة وطنية ديموقراطية تقضي على الإقطاع وتُنهي التخلّف. في المقابل، كان رأي «الحزب الشيوعي المصري» ــ «الراية»، بأنّ أزمة السلطة في مصر ــ بدءاً من تظاهرات عام 1946 ضدّ معاهدة صدقي ــ بيفن، وصولاً إلى حرب العصابات في منطقة القنال ضدّ البريطانيين التي أعقبت إلغاء حكومة حزب «الوفد» في تشرين الأول/ أكتوبر 1951 لمعاهدة 1936 مع لندن ــ لم يكن الحكم الملكي قادراً على حلّها بالطرق التقليدية، وكان رأي حزب «الراية» أنّ العسكر قفزوا إلى السلطة بانقلابهم العسكري على هذه الخلفية، بدعم من واشنطن التي كانت تسعى لخلافة لندن في زعامة العالم الغربي. التنظيمان الشيوعيان دعما الرئيس جمال عبد الناصر لما قادت تناقضاته مع لندن إلى سياسات وطنية، مثل تأميم شركة قناة السويس عام 1956 ورحّبا بتقاربه مع موسكو منذ أيلول/ سبتمبر 1955، وعلى خلفية تقاربهما هذا في رؤية السلطة المصرية، كان توحّدهما في تنظيم واحدٍ هو «الحزب الشيوعي المصري» في يوم 8 كانون الثاني/ يناير 1958. انفجرت التناقضات سريعاً: في تموز/ يوليو 1958 تمّ إبعاد ممثّل «حدتو» في قيادة التنظيم الجديد، كمال عبد الحليم، من القيادة، وسيطر ممثّل «الراية» الدكتور فؤاد مرسي على قيادة الحزب، وهذا ما أدّى إلى انشقاق «حدتو» بعد شهرين. خلال تسعة أشهر، بانت وحدة التنظيمين الشيوعيّين هشّة، ويبدو أنّ تقاربهما في الرؤى كان مقتصراً على الشكل، وليس على المحتوى في رؤية السلطة المصرية، حيث اعتبرت «حدتو» أنّ صدام عبد الناصر مع البريطانيّين وتأميمه لقناة السويس وتقاربه مع السوفيات يثبت وجهة نظرها بأنّ سلطة 23 يوليو ذات طابع وطنيّ تقدمي فيما كان رأي حزب «الراية» بأنّ هذا الصدام ناتج عن شروط لندن الصعبة التنفيذ من قِبل عبد الناصر (مثل الدخول في «حلف بغداد» المؤسّس في شباط/ فبراير 1955) وبأنّ هناك اتّجاهاً عند الأخير لاستخدام العلاقة مع السوفيات لتحسين الشروط المصرية تجاه الغرب، في وقت لم تكن فيه واشنطن ضمن نغم واحد مع البريطانيين، وهذا ما ظهر جلياً في حرب 1956. لم يأبه عبد الناصر بتناقضات التنظيمَين الشيوعيَّين المصريين، وقام بشنّ حملة اعتقالات عليهما (مع الحزب الشيوعي السوري) بدءاً من ليلة رأس سنة 1959. كان رأي قادةٍ في «حدتو»، ومنهم شهدي عطية الشافعي الذي مات تحت التعذيب، أنّ الاعتقالات هي «سوء فهم». لم توحّد الاعتقالات رؤى التنظيمَين أو تقرِّبهما، حيث أنه عندما جرت تأميمات البنوك في شباط/ فبراير 1960، ثم توسّعت التأميمات لتشمل منشآت صناعية كبرى في تموز/ يوليو 1961، رأت «حدتو» أنها تخطّ طريقاً انتقالياً نحو الاشتراكية، وعندما طرح عبد الناصر «الميثاق» في أيار/ مايو 1962، بدأ سجناء «حدتو» يطرحون فكرة أنّ هناك «مجموعة اشتراكية» يقودها عبد الناصر داخل السلطة المصرية، وأن هناك حاجة إلى تنظيم واحد للاشتراكيين. مقابل ذلك، كان رأي فؤاد مرسي بأن التأميمات هي إجراء رأسمالي (هي والإصلاح الزراعي)، وبأنها تعبّر عن أزمة تنمية بسبب تمنّع الغرب عن الاستثمار في مصر ما بعد 23 تموز/ يوليو 1952، وبسبب هروب رأس المال المصري والأجنبي من مصر في فترة 1952 ــ 1960، وهذا ما استدعى تدخّل الدولة وإمساكها بالعملية الاقتصادية، ولأغراض رأسمالية، نحو سيطرتها على فائض قيمة العملية الإنتاجية الاقتصادية وعلى مصادر الادّخار والإيداع من أجل تمويل عملية التنمية. برأي فؤاد مرسي، أنّ هذا سيقود إلى «رأسمالية الدولة» بدل «رأسمالية السوق»، وقد ظلّ متشائماً بأن حدود المشروع الناصري ستقود إلى انفجار سلبياته وتطغى على إيجابياته، وهو ما تبعه تلميذه الدكتور سمير أمين، الذي كان عضواً في حزب «الراية»، مقيماً للدراسة في باريس في الخمسينيات، عندما اعتبر أنّ هزيمة 1967 قد عجّلت في انتصار ظاهرة أنور السادات، الذي برأي الدكتور أمين، لم يكن ثورة مضادة بل قوة تعجيل وتغليب للاتجاهات اليمينية في المشروع الناصري، حيث توازت عملية الانفتاح الاقتصادي الداخلي، من رأسمالية الدولة نحو اقتصاد السوق عند السادات، مع فك العلاقة مع موسكو، والاتجاه نحو واشنطن ثم التسوية مع إسرائيل. هنا، يجب الاستدراك: صحيح أنّ الدكتور فؤاد مرسي خرج من السجن هو وباقي الشيوعييّن المصريين، في أيار/ مايو 1964، بالتزامن مع زيارة خروتشوف إلى مصر، ثم تمّ حلّ حزبَي «الراية» و«حدتو»، في عام 1965، لينضم أفرادهما فرادى إلى «الاتحاد الاشتراكي» تحت ضغط الاتحاد السوفياتي، الذي بدأ منذ، شباط/ فبراير 1964، بوصف نظام عبد الناصر بـ«النظام الديموقراطي الثوري»، وبأنه في «طريق التطوّر اللارأسمالي»، إلّا أنّ الدكتور مرسي لم يفعل ذلك الانضمام عن قناعة، بخلاف أعضاء «حدتو»، بل تحت ضغط موسكو. وهو رغم تبوئه مناصب، مثل عضوية إدارة البنك المركزي، ثم دخوله في وزارة الدكتور عزيز صدقي عام 1972، إلّا أنه سرعان ما أحسّ باللاانتماء وخرج سريعاً. كمكثّف: ليس القصد من هذا المقال نكء جراح الماضي، ولا إشعال حساسيات أيديولوجية، بل هو نوع من المقاربة لتفسيرات تساعد على إلقاء الضوء على تحوّلات مصرية في ستة عقود أعقبت يوم23 تموز/ يوليو 1952، وقادت إلى نظام رأسمالي جديد في أرض الكنانة، يتحالف فيه ثالوث «العسكر» و«رجال الأعمال» و«المؤسسة الدينية الأزهرية». ليست سوريا ما بعد 8 آذار/ مارس 1963، وجزائر ما بعد 5 تموز/ يوليو 1962، خارج هذا المسار المصري، ولو اختلفت تفاصيل السياسات الخارجية عندهما عن تلك المصرية.
7. إدلب المحطّة ما قبل الأخيرة مصطفى سعد Thelevantnews مارس 14, 2020
عندما نريد أن نتحدّث عن اتفاق بين روسيا وتركيا وبشكل أدقّ بين بوتين وأردوغان علينا أولاً أن نعود قليلاً إلى الوراء، تحديداً إلى بداية الألفيّة الجديدة التي شهدت حدثاً هاماً في المنطقة، وهو ظهور غزل متبادل بين بلدين متجاورين بينهما تاريخ طويل من العداء والدّماء. إدلب روسيا التي استلم زمام الحكم فيها ضابط الاستخبارات السّابق فلاديمير بوتين، وقد بدا واضحاً منذ بداية عهده أنّ حلمه ومشروعه عودة بلاده إلى أمجادها القيصريّة، وفي عام 2002 نجح حزب العدالة والتنميّة في تركيّا الذي اعتمد في سياسته الخارجيّة على عدّة مبادئ منها مبدأ السّياسة الخارجيّة متعدّدة الأبعاد. خلال فترة زمنيّة قصيرة صارت تركيّا أكثر استقلاليّة واتّسمت بفعاليّة على الصعيد الخارجيّ.نجح حزب العدالة والتنميّة في بروز بلاده كلاعب مؤثّر في دول الجوار والمنطقة.السّياسة المتبعة لدى كلٍّ من موسكو وأنقرة رسمت خطوط جديدة في علاقتهما، وبدأت حقبة تؤكّد وتركّز على المصالح المشتركة والتبادليّة بين البلدين، هذه الحقبة لم تنسِ القضايا الخلافيّة لكن لا تهتمّ بها.لكن مع بداية الرّبيع العربيّ، وتحديداً منذ بداية الأزمة السوريّة آذار 2011، بدأ الخلاف العلنيّ بين أنقرة وموسكو في قراءة الحريق السوريّ، أسبابه، وطريقة إخماده.التركيّ سعى إلى تسويةٍ سياسيّة في دمشق بين النّظام السوريّ وجماعة الإخوان المسلمين، وعندما فشل في مسعاه بعد زيارة وزير الخارجيّة التركيّ السيد أحمد داؤود أوغلو لدمشق في الأسبوع الأوّل من شهر آب 2011 عمل على تأسيس المجلس الوطنيّ السوريّ.كما حاول جمع المعارضة السوريّة المتمثّلة بالإخوان المسلمين وإعلان دمشق وهيئة التّنسيق ضمن ائتلاف سوري معارض ليكرّر السيناريو الذي جرى في ليبيا ويكون ذريعة لتدخّل قوات الناتو في سوريا. أمّا في الجانب الآخر فالروسيّ قالها وكرّرها مراراً بأنّه لن يقبل بأيّ تدخّل عسكريّ وتحت أيّ ذريعة، فسوريا المياه الدافئة التي لا يجوز التّفريط بها، كما أنه لن يقبل بتكرار التجربة الليبيّة التي عاد منها بخفي حنين.وجود بوتين وأردوغان على النقيض مع طرفيّ الصراع في سوريا لم يؤثّر سلباً على حجم التبادل التجاريّ بين البلدين.لكنّ انقلاب الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما على الإخوان المسلمين وتخلّيه عنهم وقدومه إلى سوريا عند ظهور الرّايات السّود ودعمه للأكراد واعتماده عليهم متجاهلاً دولة أساسيّة في حلف الناتو، ومحاولة الانقلاب في تركيا على رجب طيّب أردوغان وموقف كلّ من البيت الأبيض والكرملين حيال هذا الانقلاب جعلت من أردوغان يستدير نحو روسيا.هذه الاستدارة أدّت لعقد عدة اتفاقيّات أوّلها كان تخلّي تركيا عن الدّعم الذي تقدّمه لمسلحي حلب والغوطة وشمال حمص، لتنفّذ عمليّة عسكرية داخل الأراضي السورية في خط جرابلس- الباب- إعزاز 2016 وعمليّة أخرى في عفرين مطلع عام 2018، ثمّ في اتفاق بين بوتين وأردوغان الذي جرى أيلول من العام نفسه أخذ الأخير ضوءاً أخضراً لتواجد قوّاته في إدلب، وشريط على الحدود السوريّة- التركيّة يمتدّ من جرابلس حتى منطقة ربيعة في ريف اللاذقيّة.كما أدّى التقارب الروسيّ- التركيّ وبمشاركة إيران في مؤتمر سوتشي والذي نتج عنه من جملة ما نتج الاتّفاق على اللّجنة الدستوريّة. أعلن السيّد غير بيدرسون في أيلول من العام الفائت عن بدء أعمال اللّجنة الدستوريّة والتي توقّفت أعمالها بعد الجلسة الثّانية التي جرت في النّصف الثّاني من شهر تشرين الثّاني من العام نفسه.اللّجنة الدستوريّة هي الحلّ الوحيد المتبقّي باعتراف جميع القوى الفاعلة في الملف السّوري وبعد إفشالها في الجّولة الثّانية زادت أهميّة إدلب كورقة عند النّظام السوريّ ومعه روسيا، وعند أردوغان، ورقة تحدّد مصير الجولة الثالثة للجنة الدستوريّة الّتي من المتوقّع أن تكون خلال شهر آذار الجاري.أعلن النظام في دمشق عن بدء معركة تحرير إدلب ودخل التركيّ بجنوده ومركباته.طالب التّركي عودة الجيش السوريّ وحلفائه للحدود المتّفق عليها في سوتشي والنّظام يريد استمرار التقدّم ومحاربة الإرهاب. لن نتحدّث عن تفاصيل سير المعارك وعدد القتلى والمناطق التي تمّ السيطرة عليها من قبل طرف أو آخر، لكن تأزّم الأمر في الشّمال الغربيّ من سوريا ووقوع قتلى من الجيش التركيّ وعدم نجاح أردوغان بالضّغط على أوروبا من خلال ورقة اللاجئين التي استخدمها مؤخّراً ،ًوموقف أميركا ودول النّاتو الذي جاء لا كما تشتهي سفن أردوغان، وتنامي دور السّعوديّة ومصر والإمارات ومن خلفهم واشنطن ضمن المعارضة السوريّة على حساب الإخوان المسلمين والاستعداد لعقد مؤتمر القاهرة 3 الذي يهدف كما هو متوقّع لإشراك الأكراد وتقليص النّفوذ التركيّ في هيئة التفاوض واللّجنة الدستوريّة، هذه الأمور كلّها عملت على تسريع لقاء أردوغان وبوتين لبحث مشكلة إدلب وتوقيع اتّفاق هشٍّ تمّ خرقة مرّات ومرّات. اتفاقٌ هشٌّ وعلاقات متينة وكلام دبلوماسيّ بين الطّرفين يدلّ على أنّه لا يمكن وقوع مجابهة بين البلدين وعودة سقف المطالب لدى كلّ من أنقرة ودمشق.الاتفاق ضَمِن لدمشق فتح طريقي حلب- اللاذقيّة وحلب- دمشق وشرعن تواجد تركيّ عسكريّ ضمن الأراضي السوريّة.هذا الاتفاق كغيره حيث أنّ قراءته تتمّ بأكثر من عين وأكثر من لغة. دمشق وموسكو وأنقرة لكلّ منهم رؤيته الخاصّة حول ما تم الاتّفاق عليه في روسيا، كما أنّ مجلس الأمن الدوليّ لم ينجح في إصدار بيان رئاسيّ يرحّب بالاتّفاق الروسيّ التركيّ، بسبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكيّة حسب ما ورد عن السيد فاسيلي نيبينزيا. ختاماً: مرّت الأزمة السوريّة بمحطات عديدة وبعد كلّ محطّة كنّا نشهد متغيّرات جديدة بدءاً من تسليح الحراك ومن ثم أسلمته، مروراً بالتدخّل العسكريّ الروسيّ المباشر وسيطرة النّظام على حلب لتكون إدلب المحطّة ما قبل الشّمال الشّرقي (المحطّة الأخيرة). العلاقات الروسيّة- التركيّة عميقة وقويّة وإن كانت تبهت بين فترة وأخرى لكن لا يبدو أنّ في نيّة أيّ من البلدين كسر تلك العلاقات. وما يزال مصير إدلب غامض في ظلّ تفاهمات تشبه الأدوية المسكّنة للألم. وكما جرت العادة في كل الاتفاقيّات الدوليّة الّتي تحدث هناك متضرر وحيد، “الشعب السوري”. -----------------------------------------------------
8. روسيا في سوريا: رشاقة الدببة موفق نيربية جريدة "القدس العربي"-3آذار2020
في عام 2008، نشر سيرغي لافروف مقالة بعنوان «روسيا والعالم في القرن الحادي والعشرين»، قال فيها ما يمكن تلخيصه بما يلي: «كانت نهاية الحرب الباردة نهايةً لمرحلة طويلة من التاريخ العالمي، استمرت بين 400-500 عام، كانت الهيمنة العالمية فيها للحضارة الأوروبية. وكان الغرب التاريخي يقود تلك المرحلة. الآن تصبح المنافسة عالمية بحق، وتأخذ بعداً حضارياً». هذا البعد الحضاري المذكور كما يبدو، الذي يستبطن القومية من جديد، قد حلّ مكان صراع الشرق والغرب وبعده الأيديولوجي ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. ولعلّ هذا يلخص جوهر التفكير الروسي، في القرن الحادي والعشرين في السياسات الخارجية. لذلك، يبدو من الضروري إعادة وصل السياسات بين القرن الخامس عشر وما تلاه، والسياسات الراهنة، في منطقتنا المشرقية خصوصاً، أو ربما كذلك المتوسطية سيطر حلم «استعادة الأراضي الروسية» على السياسة الخارجية منذ القرن الخامس عشر، وكان نجومه الأبرز، إيفان الرهيب وبطرس الأكبر وكاترين الثانية، هؤلاء الذين يُعتبر بوتين امتداداً لهم، وقد يضاف إليهم أيضاً بتحفظ اسم ستالين، وقد امتدت حروب تلك الأحقاب شرقاً نحو جبال الأورال وما تلاها، وغرباً نحو بولندا وإلحاق بيلاروسيا وجزء من ساحل البلطيق وأكثر من ذلك من الأراضي البولونية خصوصاً، وجنوباً نحو أوكرانيا والقوقاز والقرم وما وراءها إلى الشرق. في الاتجاه الأخير، كان ذلك الميل إلى التوسع الأكثر أهمية باتجاه مياه البحر الأسود الدافئة، حلم القياصرة الأثير. وتمثل القواعد الروسية على السواحل السورية، تموضعاً في مياهٍ أكثر دفئاً من مياه البحر الأسود، ليصبح وجودها هناك (هنا) أمراً يكاد يكون مفروغاً منه في العلاقات الدولية، بل تبدأ في محاولة التمدد إلى مياه أخرى أكثر دفئاً كذلك،على أرض ليبيا جنوب المتوسط ووسطه. كان الهدف الأبرز لحروب روسيا هو الإمبراطورية العثمانية، والصراع على الأرض معها، وقضمها بالتدريج، بشكل لم يتوقف ويتراجع نسبياً إلا في عهد أتاتورك، وحروبه التحريرية. هذا يجعل من تاريخ العلاقات الروسية – التركية على مدى عدة قرون سلفت، تاريخاً للحرب والصراع والذاكرة العدائية. ويمكن الانطلاق من ذلك لتبرير ضرورة استبداله بالعلاقات المتكاملة والطبيعية، بمقدار ما يمكن استسهال النزاع والعداء عند أي مفترق أو انتكاسة في العلاقات السلمية. تاريخ العلاقات الروسية – التركية على مدى عدة قرون سلفت، تاريخ للحرب والصراع والذاكرة العدائية فلعلّ العامل الأول في الاستراتيجيات الخارجية لروسيا البوتينية حالياً هو الطموح القيصري، الذي يترجمه خصوصاً في شرق المتوسط، ومؤخراً في جنوبه. ويستخدم ذكاءه وبراغماتية القصوى لتلبيسه لباساً عصرياً، فيما يخص العلاقات مع تركيا. ولكن هنالك عوامل أخرى غير ذلك، قد يمكن اشتقاقها وملاءمتها مع السياسة المذكورة. من ذلك تلك السياسة الروسية القيصرية القديمة، تحت عنوان حماية الأقليات، خصوصاً حماية طائفة الروم الأرثوذكس، الذين يربطهم بالكنيسة الروسية إيمان واحد، ويشدهم إليها ثقل كون الأرثوذكس الروس نصف تلك الطائفة المسيحية في العالم. ذلك عامل فاعل في الاستراتيجية تجاه كل المشرق، وقد أضافت له مكتسباً جديداً يتقدم حالياً، يتمثل في الدور الروسي في حماية العلويين. وتكاد تتفوق استراتيجية بوتين ولافروف في ذلك على القياصرة الموتى القدامى. ولكن هنالك عاملاً رئيساً في السياسة الخارجية الروسية يتخلل مواقفها وتبريراتها في المشرق خصوصاً، عنوانه محاربة الإرهاب، وتلك تجارة رائجة ورابحة، قد يكون مصدر الإيحاء بها النظام السوري نفسه، وسياسات الأسد الحالي والأسد أبيه، وكل ما ومن يمتّ إليهما بصلة. وقد كان يتم تحميل تلك السياسة على إرث حرب الشيشان في البداية، ثم توسع ليعمّ ويتعولم محمولاً على عقدة الغرب الكبرى في هذا الميدان. في ذلك تبدو روسيا وقد اختطفت من خصومها سلاحهم، وزادت عليهم من الطنبور أنغاماً وتقاسيم. في عام 2015، كان بوتين محاصراً عملياً بسبب أوكرانيا، وكان يحتاج إلى فك ذلك الحصار، وخير وسائل الدفاع هي الهجوم، ولا مكان للهجوم أكثر جاهزية من سوريا، وخصوصاً بسبب نضوج ذريعة «الإرهاب» فيها، وهي المقولة الأكثر إحراجاً للغرب. فقد كانت حركة توحيد قوية في الشمال الغربي بدعم قطري – تركي، نتج عنها تشكيل ما سُمّي بجيش الفتح، الذي ضم إلى جبهة النصرة الموسومة عدداً من التشكيلات الإشكالية بذاتها أيضاً، مثل أحرار الشام وصقور الشام وفيلق الشام وأجناد الشام وغيرها. وافتتح هذا الجيش أعماله بدخول إدلب واخراج قوات النظام منها بسهولة لافتة خلال أربعة أيام، في أواخر مارس/ آذار، تابع بعدها نجاحاته في القلمون والغاب ووصل قاعدة أبو الظهور الجوية في سبتمبر/أيلول. في الوقت نفسه وبدعم سعودي هذه المرة، قام زهران علوش بتوحيد عشرات القوى المسلحة في غوطة دمشق، وقام بتوجيه صواريخه إلى مدينة دمشق بكثافة، وأكثر من مرة، وتزايد نشاطه حتى هزم قوات النظام وسيطر على حرستا وعدرا وتل الكردي أيضاً، في سبتمبر/أيلول قرب دمشق، مُطبقاً على طريق دمشق السريع شمالاً، أمام حيرة المراقبين وتوقعاتهم بقرب سقوط النظام. فغدا إنقاذ النظام هدفاً مغرياً للروس، ومحاربة الإرهاب شعاراً يمكن الاستناد إليه أمام الآخرين. وتشكلت غرفة عمليات (4+1= روسيا وإيران والعراق وسوريا + حزب الله) وتمركزت في العراق، مع إعلان وتسويق واتصالات مع الدول الغربية تحت عنوان الحرب على الإرهاب و"داعش"، التي كانت قد أخذت تدمر وهددت السلمية، وسيطرت على نصف أراضي البلاد. في حين كان «دعم الحكومة الشرعية» هدفاً حقيقياً لكل ذلك، الذي ربما قد تمّ التحضير له جيداً في زيارة لقاسم سليماني (ما غيره) في صيف العام المذكور نفسه 2015. وابتدأ التدخل الكثيف المعلن في الثلاثين من سبتمبر، بعد أن انتهى التوقيع منذ زمن على اتفاقية استخدام قاعدة حميميم قرب الساحل السوري لمدة غير محددة، وبشكل يعطي حصانة دبلوماسية مشتقة من معاهدة فيينا لأي عسكري روسي؛ ثم ابتدأ الحشد العسكري يتراكم حتى اليوم الموعود، في التقاء لافت للظروف الملائمة مع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. فلم تغرِ العملية الروسية كل أصحاب المصلحة بتغيير حساباتهم، بل قادتهم إلى التسليم بالدور الروسي، وتطوير التفويض باستلام الملفّ، هل كسلاً وارتخاءً من قبل القوى الغربية الأساسية، وفواتاً في الأدوات والسياسات إقليمياً، أم توريطاً للروس من دون دفع أي ثمن ثقيل؟ لم يُخفِ القادة الروس على الإطلاق استهدافهم للمعارضة المعتدلة، بسبب تهديدها للنظام، ولا جهدهم من أجل تدمير البنية التحتية، التي تعتمد عليها تلك المعارضة. وقد قال غيراسيموف رئيس الأركان الروسي شيئاً مباشراً في هذا الأمر مثلاً، وأكثر من مرة. واستمرت هذه الجريمة حتى الآن، باستهداف تلك البنية التحتية: المستشفيات والوحدات الصحية والمدارس والأسواق، لتحطيم أي إرادة أو آمال لدى السوريين، في تحرير وإنقاذ بلادهم. إلا أن الأكثر إثارة للاستغراب، هو تلك «الانتظارية» التي استحكمت وما زالت بالمجتمع الدولي، أمام هذا التمدد الخطير لقوى وعوامل الفوضى والخراب، والتضحية بشعب كاملٍ وبلدٍ كامل، وتحمّل الأعباء والآثار الناتجة عن ذلك، من دون أي محاولة جدية لمواجهة أسباب تلك الكارثة، والذهاب إلى الحلّ السياسي بالاعتماد على الأمم المتحدة بشرعيتها وقراراتها ووضوح ملفاتها، من دون تلكؤٍ أكثر مما حدث حتى الآن.. ويمكن أن فلاديمير بوتين، في استلهامه روح وعظمة أسلافه الكبار الثلاثة: إيفان وبطرس وكاترين، قد استقر على تجسيد حديث لخيار القيصر المؤسس إيفان الرهيب الذي جعل سياسته :«الأوبريشنينا» ،في القمع غير المحدود، سياسة رسمية للدولة! كاتب سوري
______________________________________________________________
9. البروتوكول الإضافي لمذكرة استقرار الوضع في منطقة ادلب
جمهورية تركيا والاتحاد الروسي، بوصفهما ضامنين لمراعاة نظام وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية (المشار إليها فيما يلي باسم الطرفين)، إذ يشير إلى مذكرة إنشاء مناطق التصعيد في الجمهورية العربية السورية اعتبارًا من 4 مايو 2017 ومذكرة بشأن استقرار الوضع في منطقة إدلب التصعيدية اعتبارًا من 17 سبتمبر 2018. إعادة التأكيد على التزامهم القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية. وإذ تؤكد من جديد تصميمها على مكافحة جميع أشكال الإرهاب ، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سوريا على النحو الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة ، وإذ تسلط الضوء على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري وأنه لا يمكن حله إلا من خلال العملية السياسية التي يسرتها سوريا والتي تقودها سوريا وتسيطر عليها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 ، وإذ نشدد على أهمية منع المزيد من التدهور في الحالة الإنسانية وحماية المدنيين وضمان المساعدة الإنسانية لجميع السوريين المحتاجين دون شروط مسبقة وتمييز وكذلك منع تهجير الأشخاص وتيسير العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا ؛ قد اتفقت على ما يلي، 1- وقف جميع الأعمال العسكرية على طول خط الاتصال في منطقة التصعيد بإدلب اعتباراً من 00:01 بتاريخ 6 مارس 2020. 2 - سيتم إنشاء ممر أمني بعمق 6 كم من الشمال و 6 كم من الجنوب من الطريق السريع M4. سيتم الاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع بالجمهورية التركية والاتحاد الروسي في غضون 7 أيام. 3- في 15 مارس 2020 ، ستبدأ الدوريات التركية الروسية المشتركة على طول الطريق السريع M4 من مستوطنة ترومبا (2 كم إلى الغرب من سراقب) إلى مستوطنة عين الحفار. يدخل هذا البروتوكول الإضافي حيز التنفيذ من لحظة التوقيع. حررت في موسكو في 5 مارس 2020 من ثلاث نسخ ، باللغات التركية والروسية والإنجليزية ، وجميع النصوص لها نفس القوة القانونية ________________________________________
10. فيرديناند لاسال:اشتراكي الدولة بعد فشل ثورات 1848 تابع ماركس تحليله وبحثه الاقتصادي، وابتعد عن أوساط المهاجرين. ومرت السنوات الخمسون الهادئة تحت ظل الأزمة الاقتصادية لسنة1859 وفي سنة 1859 نشر مؤلفه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي". أثناء هذه الفترة قامت العناصر الشابة من ذلك الجيل بالظهور على ساحة "الاشتراكية العلمية" (الماركسية)، ومن بينهم فيرديناند لاسال. - يمكن تأطير ولادته السياسية داخل فترة التاريخ المعاصر –أي أثناء سنة 1848 في هذا الوقت، ولزمن قصير في التاريخ، ولأجل محاربة المطلقية، اجتمع البورجوازيون الديموقراطيون والثوار البروليتاريون. وقد أكدت ثورات 1848 بحروف من دم استحالة الوفاق بين هاتين القوتين الاجتماعيتين. وطالب لاسال بشكل مباشر الطبقة العمالية بتأسيس حزبها الخاص والمستقل. ولم يجد ماركس بدا من الانفصال عن هذه الذرية المعاقة. كما فعل عند الانفصال عن الاشتراكية الفوضوية لبرودون. لقد فرُض هذا الوضع على ماركس، خاصة وأن برودون حاول التوصل إلى وفاق بين الطبقتين، كما حاول لاسال الوصول إلى الاشتراكية عبر اختصار الطريق نحو الدولة، الدولة المطلقية للملاك البروسيين تحت زعامة بسمارك "المستشار الحديدي". ولم يكن لاسال ليتوه عن طبيعة طبقة الدولة، إلا أنه بقي سجين فكرة "تخلف" العمال رغم ما سطره هؤلاء من صفحات بطولية في تاريخ القرن التاسع عشر. وعندما احتد صراع الطبقات، اعتقد لاسال أن من واجبه "ملء الثغرة بين المثقفين والجماهير". دفعه تصرفه هذا إلى الاعتقاد بأنه المتحكم في معرفة الساعة، وأن مهمته هي تلقين هذه المعرفة إلى "غير العارف"، "الجاهل". وعند محاكمته بسبب تأثيره على الجماهير، كشف في دفاعه عن تصوره الخاص لدور المثقفين : "كيف حصل أن أضحت الطبقات البورجوازية تخاف من الشعب؟ تذكروا شهري مارس وأبريل من سنة 1848 ، هل نسيتم ما كان عليه الوضع آنذاك؟ لقد كانت قوات الشرطة عاجزة، وملأ الشعب الشوارع، وأصبح الناس والشارع تحت سلطة رعاع مشاغبين عديمي المسؤولية (...) ، جاهلين، أنتجتهم العاصفة (...) أين كان المثقفون؟ أين كنتم أيها السادة؟ (...) كان عليكم أن تشكروا هؤلاء الذين يعملون من أجل ملء الثغرات ". بين المثقفين والجماهير، لهدم الحواجز بين البرجوازية والشعب 27 كذا كان تصوره للجماهير، كما لم يختلف في تصوره للعمل قط عن هذه الفكرة التي ألح عليها برودون، الذي –وللتذكير-قال بضرورة "نهب" العمال لرأسمال البرجوازية. واقترح لاسال أن يقوم العمال بإنشاء تعاونيات للمنتجين "بدعم من لدن الدولة". وهذا ما قد يدفع إلى اعتبار الدولة البروسية المطلقية كحيوان بدون طبقات، على أساس أن لاسال لم يظن أبدا هذا. وظل لاسال غير معترف باستطاعة العمال التغلب على وضعيتهم في العمل، معتقدا أن ماركس كان "جد تجريدي" وأنه لم يفهم "السياسة الحقيقية" لأنه آمن بالإبداع التاريخي للعمال. أقنع لاسال نفسه، بقدرته، وبسهولة، على إجبار بسمارك على القبول بأفكاره، وقد حمله إدراكه للواقعية السياسية على البح ث ع ن مساع د ف ي شخص كار ل روبيرتو س ، وه و رج ل اقتصاد "اشتراكي" في خدمة الحكومة البروسية. وفي البداية حصل فعلا على موافقة روبيرتوس في شأن مشروعه حول تعاونيات المنتجين المدعمة من لدن الدولة، إلا أن روبيرتوس لم يتصور إمكانية تحقيق تحول اشتراكي إلا بعد خمسة قرون على الأقل، بينما كان لاسال مستعجلا، يود الوصول "بسرعة" إلى الاشتراكية، إن أمكن بعد سنة واحدة. لكن الأواصر التي تربط بين المثقفين الداعين إلى نظرة خاصة إلى العمل كانت جد قوية لدرجة أن عجلة لاسال توافقت وحكمة روبيرتوس، مما مكنهما من التعاون لبعض الوقت. ويجب أن نعترف بان ممثل العمال هذا لم يكن اشتراكي الصالونات، بل كان مناضلا، لم يقتصر على الكتابة فقط، بل ساهم في تأسيس أكبر حزب مستقل للبروليتاريا الألمانية، للضغط على الدولة البروسية لإجبارها على منح مساعدات مالية للعمال الذين سيؤسسون معاملهم الخاصة. وبذلك كان من الواجب التحريض على الحركة في أوساط العمال. وهذا ما قام به فعلا بواسطة ندائه التالي : "على الطبق ة العمالي ة أ ن تنتظم في إطا ر حزب مستقل ، وعليه ا أن ترف ع شعار وراية: الاقتراع المباشر المساوي للجميع، فهو الأداة الوحيدة التي ستمكن الطبقة العمالية من أن تصبح مشغلة ذاتية، كما سيقصى القانون الطاغي والقاسي المجمد للأجور في حدها الأدنى، وعندما ستصبح الطبقة العمالية مشغلة ذاتية سينجلي الفارق بين الأجور والأرباح، ومن واجب الدولة أن تخدم لصالح هذه القضية العظمى".استجاب آلاف العمال لهذا النداء، فتكونت الجمعية العامة للعمال الألمان رسميا في مايو 1863 . وفي يونيو، وبدون مشاورة العمال –وكان ذلك شيئا عاديا- بعث لاسال إلى بسمارك بالقوانين المنظمة التي تم الاتفاق في شأنها، مرفقة بالكلمات التالية: "قد يكفيك هذا لتتأكد بأن الطبقة العاملة مستعدة ضمنيا لقبول الدكتاتورية، إذا كانت هذه الأخيرة ستعمل لضمان مصالحها". لم يكن لاسال خائنا ولا من الذين تشترى ضمائرهم. لقد ناضل من أجل مبادئه ودخل السجن لأجل ذلك، كما لم يستطع أبدا أن يستسيغ إمكانية أخذ العمال بزمام الأمر، فبالنسبة إليه كانوا يمثلون "الرعاع"، وذلك ما ظنه سنة 1844 عندما ثار عمال النسيج بسليسيا، وكان آنذاك ما يزال طالبا، إلا انه اعتقد جازما في وجوب تدخل الدولة لضمان النظام. واستمر في نفس الاعتقاد سنة 1848 حين تجاوز العمال مرحلة مهاجمة الآلات إلى ضرب النظام البرجوازي. ورغم دفاعه عن انتصارات الطبقة العمالية إلا أنه ظل يعتبرهم "رعاعا" مستلبين من لدن "مشاغبين عديمي المسؤولية أنتجتهم العاصفة". ولم تتغير نظرته قط عندما ناشد الجماهير بإنشاء حزبهم الخاص والمستقل سنة 1862 ، ولم يفرق بين مناشدته هذه وهدفه الأساسي : "أن يكون هو على رأسهم". لقد كان العمال كتلة ضعيفة وعليلة، بينما كانت الدولة قوية، وكان بإمكانها أن تحقق "لكل واحد منا ما لا نستطيع أن نحققه لأنفسنا". وأحس لاسال بضرورة "تزعم" الجماهير، فهو المسير وهي المستمرة في العمل، كما ستعمل على ترشيحه لمجلس البرلمان. يقول في شأنه ماركس "إنه كان يتصرف كدكتاتوري عمالي للمستقبل، مستقيا عباراته من القاموس الماركسي". فقد حل إشكالية الأجر ورأس المال " ببساطة وتلاعب" [كذا]. وبذلك كان على العمال أن يتحركوا من أجل المطالبة بالاقتراع المباشر وأن يرسلوا إلى مجلس البرلمان أشخاصا مثله "يتوفرون على السلاح الأبيض، سلاح العلم". وبعدها سيؤسسون ورشات عمالية ذات رأسمال . مدعم من الدولة، بعدها ستنضم هذه المؤسسات شيئا فشيئا إلى البلد كله ... إذا كتب ماركس كل هذا، فليس لوعيه بالمؤامرة بين لاسال وبسمارك، ولكن لأنه كان متأكدا من اعتقاد لاسال في تخلف العمال. لقد كان لاسال ضحية سراب عصره ؛ "ليس في العلم طبقية"، وهذا ما دفعه إلى الاعتقاد وبشكل طبيعي في أنه يمثل؛ "العلم والعامل" لأن العلم بالتأكيد متضمن في المثقف الزعيم. رفض ماركس بالضرورة هذه "الصبيانيات"، وبما أنه رفض الفكرة البرجوازية القائلة بان الفترة المعاصرة هي فترة "العلم والديموقراطية"، فقد رفض النظرية المجردة "للعلم والعامل"، بقوله العلم متضمن في الآلة وفي الواقع، كما أن الديموقراطية متضمنة في البرلمان البرجوازي. لقد كان لحلم لاسال في أن يكون زعيم العمال، لقاء مع أوهام البرجوازيين، وذلك ببقاء العمال في المعامل. الماركسية والحرية رايا دونا ييفسكايا
زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت: www.scppb.org
موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن): www.ahewar.org/m.asp?i=9135
#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)
The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسار- العدد 37
-
بيان حول مايسمى بصفقة القرن
-
المسار- العدد 36
-
المسار- العدد 35
-
البرنامج السياسي للحزب
-
المسار- العدد 34
-
المسار- العدد 33
-
بيان حول العدوان التركي
-
المسار- العدد 32
-
المسار- العدد 31
-
المسار- العدد 30
-
المسار- العدد 29
-
المسار- العدد 28
-
المسار- العدد 27
-
بيان بمناسبة عيد الجلاء
-
المسار- العدد 26
-
حول الجولان العربي السوري
-
المسار- العدد (25) – كانون ثاني /يناير 2019
-
المسار- العدد (24) – كانون ثاني /يناير 2019
-
رسالة تضامن مع انتفاضة الشعب السوداني والحزب الشيوعي السودان
...
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|