|
هل استلهم دونالد ترمب فكرة -صفقة القرن- 2019 من أبحاث أكاديميين شباب: ما هي فرص إنجاح (ميثاق ويستفاليا) – -بنسخة شرق أوسطية- تتجاوز حالة (المرارة – التعقيد – اليأس).؟
عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر
(Issam Bencheikh)
الحوار المتمدن-العدد: 6525 - 2020 / 3 / 28 - 20:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هل استلهم دونالد ترمب فكرة "صفقة القرن" 2019 من أبحاث أكاديميين شباب: ما هي فرص إنجاح (ميثاق ويستفاليا) – "بنسخة شرق أوسطية" تتجاوز حالة (المرارة – التعقيد – اليأس).؟ *************************************** د/ عصام بن الشيخ أستاذ محاضر جامعة قاصدي مرباح ورقلة الجزائر – الجزائر- (السبت 28 مارس 2020) حتى الفلسطينيون أصبحوا ينتظرون نهاية الحرب السورية، فبعدما تفككت المسارات العربية في الصراع العربي الصهيوني، سيضطر الغرب إلى إعادة تجميع المسارات العربية مجددا والبحث عن "ضامن للسلام الإقليمي". حرب طويلة وبلا نهاية، يغذيها التعصب الديني والشك الطائفي، الطموحات الشخصية والتنافس الإقليمي، الصراع على النفوذ والموارد والخوف من الهيمنة، تجرّ معها القوى الدولية المجاورة والقوى العظمى أيضا، فشلت فيها كلّ محاولات وقف إطلاق النار، هدنات مزيفة خلفت معاناة مستمرة لموجات من اللاجئين. فهل نتحدث عن نزاعات منطقة الشرق الأوسط بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في العقد الثاني بعد الألفية الثالثة، أم عن النزاع التاريخي لحرب الثلاثين عاما (1618-1648)؟. لقد رتّب مركز كوبر Koper الألماني للأبحاث –وحدة تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الاتحادية الألمانية- مؤتمرات أكاديمية هامة لإعادة قراءة مؤتمر ويستفاليا للسلام الأوروبي، من أجل استلهام حلّ جذريّ للأزمة في الشرق الأوسط، وصدر أهم عمل عن المؤتمر في كتاب هام عن الأزمتين الشرق أوسطية المعاصرة والأوروبية القديمة، لتدعيم مسائل الواقع بالخيال السياسي المدعم بالسوابق التاريخية. فقد يحمل مؤتمر ويستفاليا للسلام الأوروبي 1648 مفتاح حل للحروب الطويلة الجديدة في الشرق الأوسط. هل يمكن عقد "مؤتمر سلام شامل" يتم فيه الاستماع إلى الاحتياجات الأمنية لجميع الأطراف ومعالجتها، تسوية ناشئة تقدم حلولا مركبة لرقعة مجزّأة من الحلّ الشامل، كيف ترتبط الحلول بمقاربة توازن قوى تضمن الاستقرار داخل وخارج الدولة، وكيف تتحول كلّ دولة في المنطقة إلى جزء من الحلّ وهي بالأصل جزء من المشكلة، وهل ستقبل الدول الأكبر وزنا التحول إلى دول وظيفية مثلها مثل الدول الصغرى ضحية الصراعات الإقليمية (رقعة الشطرنج) "ساحة الاحتراب".؟ كانت سنة 2019 "نقطة انعطاف" لعنف مستنفذ واستقرار مستعصي، ففي واشنطن لاحظ المشاركون العرب في مؤتمرات قضايا الشرق الأوسط، انسحابا غربيا "غريبا" من المسؤوليات القيادية، بسبب الملل من تعقيدات الموقف وعدم قبول العواصم الغربية الاتهامات بالامبريالية والرغبة في الهيمنة. فقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في (أكتوبر 2019) أنّ المنطقة "ملطخة بالدماء غارقة في الرمال"، استنفذنت 08 تريليونات دولار أنفقتها واشنطن على الحروب، وكلف ترمب المستشار الشاب آفي بيركوفيتش A. Berkovic (31 عاما) لبحث (كيفيات إنجاح انفصال واشنطن عن الشرق الأوسط)، ووصف الباحثون الأمريكيون هذا الطلب بأنه هروب من الشعور بالهزيمة، استقالة قاتمة للغرب (الغرب يغسل يديه من المنطقة، ويشطبها من اهتماماته)، وسيترك للضامن الروسي كلّ شيء كما فعل عبر آليات مؤتمرات سوتشي ومينسك وجينيف. كريستوف هرتسل الصحفي الألماني بالتلفزيون الألماني الرسمي والأستاذ بمعهد السلام والأمن بمدينة هامبورغ الألمانية يقول رواية مخالفة تماما، يقول أنّ الربيع العربي كان بتدبير أمريكي، يعكس حالة "جشع متأجج وطمع أعمى لواشنطن"، التي توصلت كما يؤكد الأمريكي جيفري ساتسش Jeffrey Sachs إلى تدبير عملية "تيمبر سيكامور/Timber Sycamor" من قبل CIA وMI6 عام 2011 لتفجير سوريا، وقد فضحتها صور لقاءات السيناتور الراحل ماكاين مع البغدادي ومع ثوار بنغازي خارج العراق وسوريا وليبيا، إضافة إلى دور برنرد هنري ليفي لصالح باريس والكيان الصهيوني، لقد كانت ضربات حلف الناتو في ليبيا واضحة (كلما ازداد الدمار حصل الغرب على عقود رخيصة للنفط العربي)، والتزمت ألمانيا والصين وروسيا الحياد لكنها استفادت من الربيع العربي كمستثمر ووسيط ووريث. فقد توجست برلين من الأنظمة التي تم تنصيبها بعد ثورات الربيع العربي، لأنها تذكرها بحكومة (المافيا والبلطجية) التي تم تنصيبها في كوسوفو بعد الحرب الصربية ضد سلوبودان ميلوزوفيتش عام 1998. هل يمكن أن تنجح فكرة سيمس ميلتون وأكسورثي في عقد اتفاق سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط؟، هل يمكن للغرب أن يعقد مؤتمر سلام شامل يتم فيه دعوة ممثلين عن داعش تنظيم الدولة وجبهة النصرة إلى المحادثات؟، ولماذا عقدت واشنطن اتفاق سلام مع طالبان عبر الوسيط القطري؟، وهل ستتوقف واشنطن عن إغراق العالم في حالة عدم الاستقرار والبلبلة الأمنية والحروب والبؤس وفقدان الثروة؟
*أولا:- الحلّ المقترح ونقده: كيف نترجم الخيال إلى أفكار عملية؟ تاريخ ويستفاليا قد يحمل مفتاح الحلّ: مؤتمرات السلام لمونستر وأوسنابروك (1643-1648) يقدّم الكتاب الهام Towards A Westphalia for the Middle East للباحثين باتريك ميلتون Patrick Milton، مايكل أكسورثي Michael Axworty، برندن سيمس Brendan Simms أفكارا مبتكرة للدبلوماسية العالمية وصانعي السلام ممكنة التطبيق، وتكتيكات تفكيك الأزمات المتشابكة في منطقة إقليمية منهارة، يقدم ملخصات عن الجغرافيا السياسية عن التحولات الإقليمية، ويقدم اقتراحات لنموذج سياسي هيكليّ جماعيّ لحلّ الأزمات في منطقة إقليمية غارقة في العنف المتوطن. فما الذي حدث في لقاءات التداول في مدينتي مونستر The Peace Congress of Münster وأونسابروك Osnabrück بين (1643-1648) طول خمس سنوات؟، وهل يمكن اختصار تلك السنوات الخمس اليوم لأن ذلك العصر كان يعاني فيه المفاوضون من صعوبة التنقل والسفر؟، ومن هي القوة الدولية القادرة اليوم على لعب دور "الضامن الأساسي للسلام"؟. يقارن الباحثون عبر "إسقاط خيالي" فعال (لحل مشكلاتنا المعاصرة من خلال ذكريات حدثت في الماضي) لحالة اضطراب مستمر دون "حالة إعلان حرب رسمية" واضحة: ــ يشبهون الممر الأسباني عام 1620 عبر أوروبا، بالهلال الشيعي. ويشبهون استخدام الوكلاء والانجذاب للصراع الواحد تلوى الآخر (حرب تولّد حربا أخرى)، بحالة التطابق بين تورط قوى غير راغبة في إلزام نفسها بالحرب بشكل مباشر مقارنة بين 1618 و 2011. (ما يقترب من 400 عام "أربعة قرون من بعد المسافة الزمنية للحدث"). ــ ربيع عربي احتجاجيّ كارثة إنسانية في اليمن وحركة جماعية للاجئين السوريين (06 ملايين نازح ولاجئء) نحو دول الجوار وصولا إلى أعتاب دول أوروبا الغربية تطلبت رسم سياسات صارمة من قبل دول مؤثرة كالسعودية وإيران وتركيا وألمانيا، كما حدث عند اندلاع التمرد الهولندي على الكاثوليك من قبل البروتستانتيين واضطرارهم إلى الهجرة والنزوح عام 1566م، مما أدى إلى تدخل الدانمارك والسويد وفرنسا عام 1625م. ــ يقارنون بين انقلابات الأسر الحاكمة في دول الخليج (2011-2019) وانقلابات أسرة هابسبورغ في النمسا وألمانيا. إضافة إلى أثر رواج خطاب الكراهية الطائفي والتضليل بالأخبار الزائفة، يشبه تماما حالة سوء الفهم والتشويه، المعاناة المروعة والتعقيد الشرس الذي عانى منه السياسيون الأوروبيون في منطقة حساسة من قلب العالم خلال القرن 17م. ــ استحالة الحلول الثنائية البسيطة بسبب استعصاء الحلول وممارسة الضغوط والابتزاز المتبادل، تشبه تماما حالة اليأس الأوروبيّ من الحلّ في القرن 17م. تشابهات مواضيعية وموضعية تقريبا، بناها الباحثون على أساس الاعترافات الثاقبة بأنها (ليست حروبا دينية بحتة، ليست حروبا شاملة تستهدف التوسع أو البحث عن الموارد والمساحات الجغرافية أو النفوذ، ليس لها أبعاد جيوسياسية، كما أنها غير قابلة للترتيب الدستوريّ). وصف رواد هذا مؤتمر كوبر 2018 مداولات مونستر The Peace Congress of Münster وأونسابروك Osnabrück بين (1643-1648) بأنها (كارتيزية المنهج) بأنها "صعبة ممكنة"، وجرت كالآتي: ــ كانت المحادثات متداخلة ومتزامنة. ــ لم تستبعد أية دولة أو مجموعة دينية. ــ قدمت حلول مجزأة، في مداولات شاملة. ــ كان للمفاوضين سلطات تفويض قوبة وملزمة وفورية. ــ تم السماح بتدخل الطرف الثالث للاتصال بالطوائف الدينية. ــ تسببت الأوضاع الأمنية في جعل الجميع قابلا لتقديم التنازلات. ــ لم تراهن على اشتراط الثقة والشفافية (كانت منخفضة في البداية). ــ راهنت على احتواء عناصر النزاع دون حل شامل، لتسهيل تجميع الحلول. ــ تم رسم الخطوط الحمراء (الأمنية، العسكرية، الدستورية) منذ البداية بكل وضوح. ــ تجرّد الجميع عن مصلحته الذاتية لبحث مصلحة جماعية (لتحقيق الأمن الجماعي). ــ لم تشترط الفورية في الإجابة لأن عناء السفر وصعوبات اللقاء كانت أكبر من اليوم، (السفر لم يسمح بخفض الرهان أو إحباط الجهود). ــ أخيرا وأهم شيء، الجانب الأبرز هو التركيز على التسوية من خارج آليات الدولة، لتدخل سلطة أو عدة سلطات ضامنة لتسوية الخلافات عبر اجراءات صارمة لضمان السلام في الواقع. ــ لم تراهن على وقف إطلاق النار أثناء المحادثات، ولم تشترط وقفها قبل اللقاء. يعاني منظور هذه المقارنة والإسقاط الخيالي التاريخي من نقد يتمحور حول أسباب تقيد المؤتمرين بتجربة ويستفاليا الضيقة، كما عانى الباحثون المؤتمرون في مركز كوبر Koper الألماني من انقسام مربك بين واقع مشتعل ومسؤولية فكرية في اجتماعات الصالونات، مشكلة التنسيق بين خيال الساسة والدبلوماسيين في المؤتمر، ومعاناة القادة الميدانيين في الواقع. (مشكلة المسافة الجسدية والنفسية بين رواد المؤتمرين والمحاربين في الميدان). ملأت الولايات المتحدة الأمريكية الفراغ الذي تركه الاحتلال الانجليزي لمنطقة – الخليج الفارسي "كما سماه رواد مؤتمر كوبر"-، ثم تحولت إلى "وسيط سلام إقليمي، اتهم بالامبريالية واستخدام المقاربات ما بعد الكولونيالية في سياساته العالمية، لكنه حقق سجلا من التجارب الناجحة في (مفاوضات كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر عام 1978، تحرير الكويت عام 1991، الانتقام من طالبان في أفغانستان عام 2002 وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003)، مع نجاح أبرز هو (الحفاظ على النفط في أوقات الصراع). لكن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة لن يحقق نتائج أفضل.
*ثانيا:- وصف حروب منطقة الشرق الأوسط: الربيع العربي بداية عصر الفوضى الإقليمية. هل ينجح التوفيق بين الإسقاط الخيالي والمطابقة الميدانية؟ يصف الباحثون الثلاثة حروب منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، بأنها انزلاق أدى إلى خلق "تهديد وجودي" للدول في منطقة الشرق الأوسط، تسبب في اختلاق مظالم متراكمة فوق المظالم الشرعية الكامنة، ملاحظين ما يلي: ــ حدث إقليمي استقطب تركيز القوى الكبرى، وفرض عليها الاصطفاف بالقوة لخلق توازن إقليمي للقوى والقوى المضادة لبعث "سلام نزاعي" من وحي التوازانات، فلقد فرض الحدث الإقليمي جرجرة عواصم القوى الدولية الكبرى لأنه ناجم بالأساس عن حلقة مفرغة من الحروب الدينية المتجذرة ثقافيا في شكل استبداد سلطويّ وإرث تصادميّ مجتمعيّ (تغيب فيه الشرعية والحوكمة والمساءلة)، تسبب في دمار بحاجة إلى عقود إعادة اعمار بفاتورة قدرت بـ: 250 مليار دولار عام 2017، وبين (350-400) مليار دولار عام 2020، إضافة إلى توازنات سياسية وطائفية وعرقية وتنموية دقيقة ومؤثرة على دول الجوار السوري، خاصة الدول الوظيفية الضعيفة كلبنان والأردن. فلقد كان الجيوبوليتيك السوري سببا في تهديد المعابر الدولية والمناطق الاستراتيجية ومصالح الدول الكبرى وضرب مكونات المجتمعات الشرق أوسطية ذات الارتباطات السياسية مع القوى الأجنبية خاصة في العواصم الغربية. ــ صراع دمويّ عنيف تمارسه أطراف تعاني من البرودة السياسية (تجنب العداء المباشر)، فكلّ دولة تتهم الثانية وكل دولة ترفض اتهامات الأخرى لها، تبادل للاتهامات وتحركات مبنية على سوء الظنّ، إذ يكشف الخطاب الديماغوجي والتصريحات والألفاظ أنّ الحروب تدار بالوكالة، مما تطلب عقد اتفاقات قصية المدى لتجنب الاحتكاك والتصادم بين القوى الفعلية أو وكلائها ضمن مناطق النفوذ، حتى تحولت الأراضي السورية إلى "رقعة شطرنج" كما تصورها الراحل زبيغينيو بريجنسكي - Zbigniew Brezinski (1928-2017)- في أفغانستان عام 1979، والحسابات الإقليمية بين السعودية وباكستان لتقويض المارد السوفياتي المفكك. ــ أزمة لاجئين وصلت عام 2014 إلى أعتاب الدول الأوروبية، جلبت معها هواجس انتشار الأفكار الدينية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتطلبت خطة مالية تضامنية أوروبية لتغطية جهود استقبال أكثر من 06 ملايين لاجئ ونازح سوريّ، ناهيك عن مشكلة الإغاثة الإنسانية في اليمن، واستخدام الأسلحة الكيماوية وما نجم عنها من كارثة إنسانية وترتيبات سياسية ودبلوماسية وقانونية معقدة، إضافة إلى كلفة تدخل التنظيمات الدينية المسلحة لما دون الدولة مثل حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن، وقدرتهما على تأجيج الحرب الأهلية والطائفية بشكل خطير جدا. ــ تدخل عسكريّ روسي بالقوة الصلبة عام 2015 لإنقاذ النظام السوريّ من الانهيار، تدخل تركي في حلب عام 2016 دمر المدينة عن آخرها، وتدخل إيرانيّ عام 2017 ساعد على دحر تنظيم الدولة داعش، إضافة إلى مسائل أخرى تخص الأكراد في عفرين 2019، وتجوال الحشد الشيعي في الهلال الشيعي بين العراق سوريا ولبنان عبر معبر البوكمال خلال السنوات (2017-2019)، ومعضلات أمنية معقدة. خاصة في المناطق السورية الغنية بالنفط شرق سوريا. ــ لم يجامل رواد مؤتمر كوبر العالم العربي، فلقد انتقدوا بكل وضوح دور الجامعة العربية في طرد سوريا من الجامعة عام 2011، وتخليها عن الدولة السورية التي تدخلت فيها العديد من الأطراف الأجنبية، وتحملت لوحدها كلفة حروب دينية صدرتها جميع دول الجوار، وكانت ضحية للعنف المتوطن، وخسرت ضحايا ولاجئين بكلفة إنسانية فادحة.
*- ثالثا: هل سيغسل الغرب يديه من منطقتنا قريبا؟: الاستدارة الأمريكية نحو الباسيفيك "جرّ الشرق الأوسط من الخلف": الافتراس الصيني والروسي استدار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالسياسة الخارجية الأمريكية نحو الباسيفيك – وقام بإهمال منطقة الشرق الأوسط- للرد على سياسات بيجين من خلال منظمة شنغهاي للتعاون (سياسيا) أو بنك التنمية الآسياوي (اقتصاديا)، كانت نظرته تنطلق من فكرة "إحداث رجّة قوة من الخلف في منطقة الشرق الأوسط، عبر تثبيت الدورين الروسي والصيني في منطقتهما"، لكن هذه النظرية صعبة التطبيق، لأن بومبيو أكّد أن رهان أمريكا الآن هو: "إبقاء الصين في مكانها الصحيح". فحتى تأخذ الصين مكانا على الطاولة الأمريكية ويصبح لها ثقل عالمي فهذا يعني "موت النظام الدولي الليبرالي". استخدم ترمب مستشارين كثر، وقام بعزل الكثير منهم، حتى استقر رأيه على وزير خارجيته بومبيو، الذي عمّر طويلا نسبيا. كتب الصحفي البارز فريد زكريا Fareed Zakaria في مقاله الأخير بمجلة الفورين بوليسي (2020) عن مفهوم هنري كيسنجر Henry Kissinger حول "المشاركة المحسنة/الالتزام الصريح" لتحقيق الدعم المحلي للخارجية الأمريكية والذي يعني (إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي). يقول زكريا أن غراهام آليسون Graham Allisson كان محقا حين نبّه إلى "فخ ثيوسيديز Thucydides Trap" (خطر حرب بين قوة صاعدة وهيمنة قلقة/War Between Rising Power and an Anxious Hegemon"، وناقش شعار دنغ شياو بينغ XiaoPing "إخف قوتك، استغل وقتك/ Hide your Strenth, Bide your Time". فالصين حسب فريد زكريا لا تزال تعمل كمفسد as a Spoiler لتعطيل الديمقراطية الغربية، ترفض مفاهيم حقوق الإنسان ولا تحتمل أية معارضة، تسرق الأسرار الاقتصادية للغرب، تفرض رقابة على الشركات الغربية، تقوم بتأميم جهود العبقرية والذكاء الغربي، لها طرق تدخلية في الحركة التجارية). لذلك فإنّ دورها في منطقة كالشرق الأوسط هي وروسيا، بحاجة دوما إلى الضوء الأخضر الأمريكي. ما يحدث بين روسيا وأميركا في سوريا أيضا يشبه العلاقة الأمريكية مع الصين، فشعارها حسب فريد زكريا هو "يتجنبان الاعتماد المتبادل، ويحتضنانه في نفس الوقت/ Contradictory Tracks: At Once Eschewing Interdependence and Embarcing It"، وبمجرد استعداد الأمريكيين لعقد مؤتمر صفقة القرن، ستكون بيجين وموسكو مستعدين كـ: "ضامن إقليمي". استقبل سلطان سلطة عمان الراحل رئيس الوزراء الصهيوني نتن ياهو في العاصمة صنعاء، يضغط الصهاينة على واشنطن عبر اللوبي الصهيوني AIPAC التي يسجل تراجعا في الفترة الحالية، وفكرة "صفقة القرن" مستوحاة من ويستفاليا، فلماذا يتهم العرب الغرب بالانحياز للصهاينة على حساب الفلسطينيين، ولماذا يتم التشكيك في نوايا قادة الدول الخليجية، الذين يقعون هم أنفسهم تحت الإعصار كما حدث لعوائل (آل هابسبورغ، آل بوربون، آل رومانوف، آل هوهنشتاوفن،.. وغيرهم) في القرن 17م. كنت أتابع بحرص شديد جهود الصحفي جمال خاشقجي للترويج لمنظمته داون DAWN "الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن/Democracy fo Arab World Now"، لقد لاحظ خاشقجي مللا غربيا "غريبا من استمرار الغرب في لعب دور المنقذ واتهامه بالامبريالية التصريح موثق في قناة أورينت تي في السورية المعارضة-، إذ تشكل تصريحات ترمب خيبة أمل لأنصار خاشقجي من داعمي ثورات الربيع العربي الذين استفادوا من المقاربات المفتوحة والمريحة لباراك أوباما خلال ثمانية سنوات سابقة، فالمشكلة حسب خاشقجي كانت (غياب اتصال مؤثر مع واشنطن بعد وصول ترمب)، إذ يعاني عزام التميمي ونهاد عوض ورضوان المصمودي ورضوان زيادة وغيرهم من رواد الربيع العربي، من مشكلة "تمويل شرعي جديد" لأفكارهم الثورية (الفوضوية البناءة) في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فلقد انتقل هؤلاء إلى معاهد (بروكينغز/ هودسون/ واشنطن/ هيرتج/ الأطلنطي/الشرق الأوسط..) وغيرها، للاحتكاك بالباحثين الأمريكيين لعلهم يقنعون ترمب مجددا بالعذول عن مقارباته الانسحابية من المسؤوليات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وقضاياه الضاغطة، وترك الفراغ للروس والصينيين. ولن يتحركوا للتنديد بقراره نقل سفارة واشنطن إلى القدس بالطبع. الكثير من الدول تفضل التعامل مع موسكو وبيجين وليس واشنطن أو باريس، حتى برلين وروما فضلتا التعامل مع موسكو الخبيرة في التعامل مع الحروب البيولوجية كما حدث في انفجار مفاعل تشرنوبل بكييف عام 1986 أو الصين التي تفوقت على وباء فيروس التاج/الاكليل "كورونا"، لقد تمّ تحميل تهمة تفشي وباء كورونا، وازدياد القمع في مختلف دول العالم لدونالد ترمب، وحاول الكثيرون داخل وخارج أميركا توريط الرئيس الأمريكي لاتهامه بخفض همة واشنطن حيال مسؤولياتها العالمية وكلفة قيادتها الدولية. فقد شكّل خفض ميزانية الأبحاث الطبية وانسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة، سببا لملأ أطراف دولية منافسة للفراغ الأمريكي، حيث تفوقت الصين على أميركا في محاصرة الوباء العالمي. لا يفكّر الليبراليون العرب في هذه المسائل كثيرا، فلقد تلافى الغرب وتجاهل بكل وضوح، فرصة "مقرطة العالم العربي" عام 2011، حين سمحت للبنتاغون بالاتفاق مع مؤسسة قطر الدولية على توضيف شركتها (الجزيرة للإعلام، أورويدو للهاتف النقال، راس غاز القطرية، ... وغيرها) من المؤسسات القطرية لتمويل الثورات العربية عبر فصيل وحيد هو الإسلام السياسي، بدعم تركيّ واضح من أنقرة، يجعل التكتيكات القطرية جزء من الاستراتيجية التركية البارزة للعب أدوار إقليمية مختلفة تضمن الانتشار التركيّ في الدول العربية في المشرق والمغرب العربي. هاهو الربيع العربي في موجته الثانية 2019 في الجزائر ولبنان والعراق والسودان ينطلق كجرس للتنبيه، وتقوم واشنطن بتجنبه للمرة الثانية، لأنّ الربيع السوداني تم وأده بقوة جعل الخرطوم تستدير بشكل لافت على الطريقة العمانية باتجاه تل أبيب، رغم جحافل المحازبين الاسلاميين داخل السوادن (أو ما تبقى منه بعد التقسيم). فما هو رأي الغرب في ما يحدث في الجزائر والعراق ولبنان، هل هو فك ارتباط بين هذه العواصم والغرب واتجاه نحو موسكو وبيجين، أم أنه انتفاضة حقيقية ضد الفساد المرتبط بالرأسمالية العالمية بثورات محلية (صناعة محلية). لقد أثار مصطلح "تقطير الكفاءات" السخرية في نظرتي للدور الوظيفي الهام الذي لعبته الدوحة وعبر تصريح من قبل إدارة الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما، لقد كانت حربا بالوكالة أيضا بإسم (الحرية، الإسلام، العروبة، الديمقراطية، حقوق الإنسان)، فقد تمّ نشر الخراب العربي بأياد عربية من داخل قطر وعبر إعلامها الخطير، وقد بات لزاما على الدوحة أن تعود إلى بيتها الخليجي الآن قبل فوات الأوان، لأنّ الأسرة الحاكمة في الدوحة في عين الاعصار أيضا، وهي لن تكون مستقبلا "استثناء" في زمن التحولات العالمية المقبلة.
#عصام_بن_الشيخ (هاشتاغ)
Issam_Bencheikh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي الجزائري (الجمعة 22 فبراير
...
-
همهمة أكاديمية: التعديل الدستوري 2020 في عهد رئيس الجمهورية
...
-
مصيدة ربط الحقوق بالمفاوضة الابتزازية.. من بحث سياقات الفعل
...
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
-
-ضيّع نفسك، تجدها-... إبراهيم الكوني، ومعضلة تحرير الإنسان ا
...
-
الصمود المعرفي لأطروحات عبد الله الغذامي وأحمد الصرّاف: المج
...
-
تفكيك بنية الأصوليّات البروتستانتية في العالم الإسلاميّ: مقا
...
-
حول ظاهرة -انمحاء الأكاديمي- الاجتماعي، وتأثيراتها في الحالة
...
-
ثالثة الأثافي... ساسة -دمية الميدان-: فقر فكريّ وفساد ماليّ
...
-
أوروبا موحّدة ب: -وتائر- متفاوتة- لا -سرعات مختلفة-: وصفة مو
...
-
بناءات ومقاصد الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام قديما وحديثا: ت
...
-
مشكلة تمويل صناديق التقاعد في دولنا العربية: محاورة لأستاذنا
...
-
-إطحن أمو-... استحالة الهروب إلى الأمام في المملكة محسن فكري
...
-
الانفتاح والانغلاق.. المواجهة السرمدية في السياسات العربية
-
أحلام -هنري كيسنجر- والاختبار التركي... التخطيط للحرب العالم
...
-
في نقد فلم: -فضل الليل على النهار/ Ce que le jour doit à la
...
-
إشادة فلاسفة الغرب السابقين ب: -حكمة النبي محمد-: -الحلقة ال
...
-
-تعريب الغشّ-، و-عولمة تسريبات الاختبارات ومباريات الامتحان-
...
-
تجربة العمل السياسي للحركات الإسلامية في ثورات الربيع العربي
...
-
خطط الإجهاز الدوليّ على -الفرائس العربية-... ظاهرة -الرباعية
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|