أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ياسر اسكيف - الشعر على نعش الانشاء - فرات اسبر في : خدعة الغامض















المزيد.....

الشعر على نعش الانشاء - فرات اسبر في : خدعة الغامض


ياسر اسكيف

الحوار المتمدن-العدد: 1577 - 2006 / 6 / 10 - 07:42
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في ( خدعة الغامض ) المجموعة الشعرية الأخيرة للشاعرة ( فرات اسبر ) تجد الكتابة نفسها حائرة في الانتماء , ومعها تحار القراءة النقدية في انتقاء أدواتها , وبتعبير أدق اجتراح واستنباط تلك الأدوات .
لا جديد في قولنا بأنه من الظلم والتعسّف قراءة نص بالأدوات والآليات التي تكرّست بدلالة نصّ آخر وبضغط من إيحاءاته وسيادته كنص حسم أمر انتمائه .
كما بات من المسلم به في الأدبيات النقدية أن النص الأدبي هو من يقدّم مفاتيح قراءته وبالتالي يؤشر إلى آليات قراءته النقدية . غير أن ما يغيب عن أذهان الكثيرين ,
كتّابا ً وقراء , هو أن النصّ الذي لا ينتمي إلى ذاته سيكون عاجزا ً عن الانتماء إلى جنس معيّن , أو خلق جنس يحتويه . وبالتالي سينتمي إلى أقرب الأجناس إليه , ولا تعسّف هنا , يمكن أن ينسب إلى النقد , في استخدام الأدوات التي فرضها وكرّسها الجنس المعني . وأقصد بالانتماء إلى الذات أن جديدا ً يزاحم على اجتزاء مساحة تخصّه دون سواه في حقل الذائقة .
يمكننا القول بأن الشعر الجديد , الذي تخلص من أدوات الفعل التي تخصّ أشكال الشعر السابقة , قد كرّس , بأدوات فعلِه التي بات يفرضها على الذائقة , مجموعة من الآليات والمميزات والخصائص التي تدل عليه دون غيره . وبات من غير الممكن غياب المقاربة والمقارنة , مع كل كتاب يعلن انتماءه صراحة إلى الشعر , وهذه المقاربة أو المقارنة تخصّ بالدرجة الأولى مسألة الانتماء إلى الجنس .

في ( خدعة الغامض ) يأتي النص الأول ( مغارات الضوء ) ليقدّم الذات الكاتبة في علاقتها مع اللغة , حيث تبدو اللغة مصدر كلّ شيء ومستقرّه’ أيضا ً . وكأنما الكاتبة مجبولة من هذه اللغة :

( سأدهشك باللغة ِ / وأرمّم الكلام المكسور / من فضائي تختار أغانيك / هل ترى لون الضوء في الكلمات / إني أرى صباحا ً يشرق في غابة وجهك / أنت يوم عاصف بالضوء / وأنا سيّدة اللغة أمنحك المعاني . ص 5 – 6 )

الضوء واللغة ئنائية لا تبدو بالبساطة التي يمكن أن يختصرها نص شعري بجمل محدودة . ويتضح ذلك من ظهور هذا النص كظلال ملامح لنظرة صوفية أو باطنية تخص ما ينسب إلى اللغة من أزلية وقدسية . وهو بهذا يقدّم أوراق انتسابه إلى الغير عبر نهل ٍ سطحي من معين ِ طلسم ٍ يبسط سيطرته ويعمّم ألوانه . من جهة أخرى يبدو الارتباك , بل السذاجة التعبيرية , أحد ملامح هذا النص , وتحديدا ً في المقطع التالي :
( سأصحبك معي / إلى مدن الكلام / في بساتينه مغارات الضوء / عمق الكلام الخفي . ص 5 )
فإذا أخذنا مفردتي ( كلام ) في موقعيهما , الذي يفترض اختلافهما تعبيريا ً , لما وجدنا غير الركاكة التي لا تنتسب إلى الشعر بأي حال .
ولعل الخطابية هي الخطر الأكبر الذي يجوّف أي قول من شعريّته . مع التأكيد على أن الخطابية المقصودة , ليست تلك الحالة من التوجه إلى الآخر , ذلك أنه ما من كلام قيل إلا ليسمعه أحد . ولكن الفارق هنا بين أنه كلامي الذي تقوله نفسي لنفسي وليسمعه من يشاء وبين أنه كلامي الذي تقوله نفسي بقصد أن يسمعه الآخرون .
أعتقد بأنها نقطة هامّة في إضاءة شعرية نص دون غيره , مع أن لهما اللون ذاته .
ولعلّ أكثر النصوص إشكالية هي التي تنتقل بين شكلي ذلك الخطاب . وهو ما نلمسه دائما ً في النصوص الطويلة . فبعض النصوص تكاد تمسك بطوق النجاة الذي يؤمن لها عبور المسافة الغامضة والإشكالية بين نثرين ( سردي – شعري ) غير أن التوتر الشعري سرعان ما ينبسط ويتلاشى تاركا ً مساحته للسردي الذي يقدّم أرضية مناسبة للتدوين والتأليف مقارنة بالدفق الحارّ للتجربة .

( من دخل قلبي فهو آمن ) نص يبدأ بمقطع شفيف أقرب إلى المناجاة منه إلى النداء :
( لا تقترب من الحلم / قد تتكسر المرايا / أيها الوجه الغارق في الرمل / كيف للشمس أن ترفعك . ص 7 ) لكن السردية الخطابية , وبرودة التدوين , سرعان ما تتسلل إليه لتجرده من دفقه الشعري ( الفيل الذي يحمل العاج في قرنيه / بخطوته يضرب الأرض / هنا التاريخ ........ ص 7 ) ثم يعود البوح بشحنته القهرية كجمر يتفتح داعما ً النصّ ومقتربا ً من إبعاده عن لزوجة السرد ورخاوته : ( غدا ً يطلع النهار / من يأخذ الميت َ إلى الميت ِ / من يضع الشاهدة / من يقول للمدينة أين عشاقها ؟ ص 8 ) لكن هذه الشحنة سرعان ما تستنفذ ليسيطر رماد الشعر بكل ما للكلمة من معنى .
ولكن نصّا ً ك ( الغربة تنام في قميصي ) يوقعنا من جديد فيما يمكن اعتباره إغواء الشعر , غير أنه وقوع مصحوب بصدى الكثير من الأصوات الشعرية المترجمة , حيث الربيع والبحيرات والحدائق والغزلان والبراري :
( الغربة تنام في قميصي / على وسادتي تزهر أشجارها / نامي يا أحلامي الفقيرة / لا أمل لهذه البحيرات / حيث كان الربيع / يركض فوق حدائق الجسد / والفتنة طافية . ص 17 ) . لو توقف النص عند حدود هذا المقطع لوضعني كقاريء في دوامة ٍ عاصفة ٍ من الخيالات والتهيؤات , رغم إيقاعه الجنائزي الهادىء , لكن الاستمرار في الوصف الإنشائي , يكشف النص ويدمّر ما أراد اكتنازه من قدرة ايحائيه .

نصّ وحيد ( أحياء نحن قلت لك ) بنته الشاعرة على أساس المقطع القصير , الذي يفترض به اكتناف دفقة شعورية خاطفة تخز القاريء وتشعره بدوار جمالي أو فني . لكن هذه المقاطع القصيرة لم تلعب دورها المطلوب , وبقي النص أقرب إلى قطعة موسيقية من جملة لحنية واحدة تكرر عزفها آلات مختلفة .

ومع تتالي النصوص تزداد السمة الإنشائية وتتعزز السردية لتعكس إشكالية حقيقية في النص المنتسب إلى الشعر عموما ً , وهذه الإشكالية تكمن في عدم المقدرة على الفصل بين التدوين والتأليف من جهة والكتابة / التجربة من جهة أخرى , ذلك أن التدوين والتأليف من إنتاج المساحة المستقرّة في الذات والموّجهة , بدراية وقصد , إلى مساحة الاستقرار في الذات المتلقية . بينما أجد أن الكتابة / التجربة من إنتاج المساحة القلقلة في الذات والتي تجد استقرارها في مدى إحداثها للقلق في الذات المتلقية .
هو حطام أنثى . يمكنني القول وأنا أغلق , بادعاء جنائزي مبالغ فيه , ( خدعة الغامض ) , حيث ما من بصيص لأمل , ما من ابتسامة , وان وجدت فقد جمعت ( من ثغر النجوم ) , بحيرات جافّة , طنين تناصّ يسحب على الحاضر ملاءة الماضي , زهد يجعل من عيش اليوم جناية .
ويمكنني القول إن في هذا الكتاب ميل كبير إلى البلاغة والإنشاء على حساب العفوية والحسيّة في الإعلان عن المشاعر . وهذه البلاغة , كما أظن , هي التي حجبت عن هذه النصوص أي شكل للفرادة أو التميّز وجنحت بها , بإفقارها من نبض اليومي الذي تزدحم به حياتنا , إلى الاصطفاف مع الخواطر الأدبية بديعة الإنشاء .


الكتاب : خدعة الغامض
الكاتب : فرات اسبر
دار التكوين – 2006



#ياسر_اسكيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( الشعر اذ يقيم خارج النص - انتصار سليمان في( أبشرك َ بي
- (كعناق بين شارعين- سوزان عليوان في ( كراكيب الكلام
- الشعر السوري على أبواب المدن
- كم تشبه’ الوردة’ سكينا ً , أو ملعقة ً
- بورنولوجيا / كسواد ِ غيمة ٍ مجروح ٍ بلهب
- بورنولوجيا / كعدم ٍ بين َ جوهرين
- تصحيح خطأ الوعي
- بورنولوجيا / في رتق الذكورة
- بورنولوجيا / أنفاس غرفة باردة
- من وضعيّة الرامي منبطحا ً
- خدام ومجلس الشعب السوري
- الشاهد الملك - خدام يستيقظ متأخرا ً
- مساحات للشبهة
- عابر كغريب مالح
- المعارضة السورية , بصحونها الفارغة , على أبواب السلطة
- مرارات
- سوريا .. ميليس ... الأبهق* تحت شمس الظهيرة
- أظنّكَ تفهمني
- سنن العابر
- هبوط الحواسّ


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ياسر اسكيف - الشعر على نعش الانشاء - فرات اسبر في : خدعة الغامض