|
الحملة الصليبية التي تمكنت من مصر 1997
جمال عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 25 - 10:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ زمان بعيد في بلاد فارس كانت العادة إذا مات الملك أن يترك الناس خمسة أيام بدون ملك ولا قانون ، بحيث تعم الفوضى والإضطراب أنحاء البلاد . وكان الهدف من ذلك هو أنه بنهاية الأيام الخمسة ، وبعد أن يصل السلب والنهب والقتل والإغتصاب إلى أقصى مدى ، فإن من يبقى حياً بعد هذه الفوضى الطاحنة ، سوف يكون لديه ولاءً حقيقياً وصادقاً للملك الجديد ، وسيدعون الله ليل نهار بأن يمد في عمره ، وأن يجعل موته قبل موت الملك . وهذه مجرد عينة من الطغيان الذي ساد شرق الكرة الأرضية منذ آلاف السنين ، وجعل هيجل يقول عن أحد شعوبها " إن الشعب الصيني لديه فكرة سيئة جدا عن نفسه ، فهو يظن أنه ما خُلق إلا ليجر عربة الإمبراطور" . وفي كتابه"الجمهورية" يقول أفلاطون : "إن ظهور الطاغية يرتبط بوجود حالة من الفوضى أو التسيب في الدولة ، بحيث يكون هو المنقذ الذي يعيد النظام والأمن والإستقرار" . ويقول أندروز في كتابه طغاة الإغريق : "إنهم كانوا يظهرون في فترات الأزمات بحيث يكون المبرر العام هو التوترات الداخلية أو الضغوط الخارجية ، وعندما يحكم يكون هو نفسه كارثة أسوأ من الكارثة التي جاء ليعالجها " . • من هو الطاغية : ـــ هو حاكم يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع كالمؤمرات و الإنقلابات و الإغتيالات ، وبإختصار فهو لم يكن ليحكم لو سارت الأمور بشكل طبيعي . وعادة ما يقفز إلى منصة الحكم بأسلوب غير شرعي سواء بإرغام الناس أو بخداعهم ، وبسبب هذا فهو يتحكم في شئون الناس بإرادته هو لا بإرادتهم هم . ويحاكمهم بهواه وليس بقانون أو شريعة . ويعلم عن نفسه أنه الغاصب والمعتدي فيكمم الأفواه ، وهو لايعترف بقانون أو دستور بل تصبح إرادته هي القانون ، وعلى الشعب السمع والطاعة . ويسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته ومتعه ، وهو لايخضع لأي محاسبة أو مساءلة أو رقابة من أي نوع . ويقترب الطاغية من تأليه نفسه ، فهو يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة ، وسلب المال حتى لا يجدوا إلا التزلف له وتملقه ، وليس للطاغية قيم أخلاقية يحافظ عليها ، فلا وفاء بوعد ولا كلمة شرف . *والتنظيم السياسي المفضل من الطاغية هو التنظيم الشمولي ، والشمولية تعني إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات في شخصه . وهو ما عبر عنه موسوليني بقوله : "الكل في الدولة ، ولا قيمة لشئ إنساني أو روحي خارج الدولة" علما بأنه هو نفسه الدولة ، فهو يقدس الدولة ويجعل من نفسه الكاهن الأعظم الذي يرعى قداستها ويفسر رغبة جلالتها ويترجم إرادتها السامية . وعليه فالدولة الشمولية كتلة واحدة لا تقبل بمبدأ الفصل بين السلطات ، ولا بأي شكل من أشكال الديمقراطية ، وأي معارضة لهذا الكل يتم تحطيمها فورا ، فلا رأي ولا تنظيم إلا الدولة . ويلجأ الطاغية لمخاطبة مشاعر الناس وليس عقولهم ، فيكتسب التأييد من خلال تعطيل العقل وإلهاب المشاعر وإثارة الناس . ويواصل أفلاطون في كتابه الجمهورية : "إن الطاغية يبدأ حكمه بالتقرب من الناس ، ويتواضع ويتباسط ويستنكر الطغيان ويجزل الوعود ، ويتصنع الطيبة والود مع الجميع (كأن يقول للجماهير أنهم نور عينيه) ، وفي الوقت ذاته يعمل على تكوين حرسه وجيوشه التي تلتف حوله وتؤمن وجوده . وبعدها يبدأ في التخلص من المحيطين به ويظهر وجهه الكريه للشعب ، ويبدد ثروة البلاد ويزيد من الضرائب لينشغل المواطن طوال يومه بكسب نفقاته المعيشية ولا يتبقى له وقت لمناقشة الأمور العامة . وعندما يستتب له الحكم فإنه لا يجد غضاضة في سفك دماء أهله ، ويسوقهم للمحاكمة بتهم باطلة فهو لا يعرف قضاء ولا يحترم القانون ، وبهذا يتحول الطاغية إلى ذئب " . - وأفلاطون يعتمد هنا على أسطورة يونانية تقول أن المرء إذا أكل لحم أخيه الإنسان تحول إلى ذئب ، والمؤسف لدينا في مصر أن طاغيتنا يأكل لحم أخيه الإنسان من خلال منصة القضاء . حيث حول السلطة الثالثة في البلاد إلي تابع للأجهزة الأمنية تُعلي تقاريرها على الأدلة ، وتوجه التهمة والعقوبة التي يأمر بها الأمن . وبهذا فإن عبد الفتاح لم يتورع عن تحويل القضاء إلى عبدٍ مأمور ، أو بمعنى أخر فقد حول القضاء المصري إلى "زكي قدره" بتاع الأمن الوطني : - إعدم يا زكي .. يعدم زكي - إسجن يا زكي .. يسجن زكي وأتحدى من يقول أن هذا أمرا إستثنائيا سينتهي قريبا فلم يحدث أبدا أن تنازل نظام طواعية عن إحدي السلطات التي إغتصبها . وما يزيد الأمر خطورة أن هناك حملة صليبية تمكنت من مصر منذ أواخر القرن الماضي ، وما نحن على يقين منه أن هذه القوى قد إنعقدت لها القيادة والسيطرة في البلاد منذ 23 سنة بالضبط . وعندما حاول عبد الفتاح السيسي وولده محمود إنتزاع القيادة والسيطرة منها ظهر المقاول محمد علي ليهز الحكم بعنف . وهذه القوى هي من تقوم الآن بتصفية المعارضة الدينية . ونعود إلى أفلاطون الذي يواصل وصف حالنا فيقول : "والطاغية دائم الغدر حتى بالمقربين منه ، وهو في حرب دائمة مع الجميع وهو يستهدف كل من يرفض منافقته وكل شريف و نزيه وصاحب فضيلة أو فكر وكل وطني حر ، وبهذا فهو بإستمرار يخلص الوطن من أجمل وأرقى ما فيه . وهذا الآداء يثير مزيدا من الكراهية والسخط في نفوس مواطنيه ، فيزيد الطاغية من حراسه ويغدق عليهم الأموال . كما يقرب الكتاب والشعراء منه ويمنحهم المكافآت ليمدحونه . والطاغية يصل بالدولة إلى الإفلاس حتى لو كانت تملك الكنوز ". غير أن أفلاطون يتنبأ بأن الشعب سيدرك مدى الكارثة التي جلبها لنفسه يوم ساند الطاغية وإرتضى حكمه : " إن الشعب سيدرك بحق مدى الحماقة التي إرتكبها حين أنجب مثل هذا المخلوق و رعاه و رباه حتى إستعبدهم وأصبح غير قابل للعزل . والطاغية مجنون ومتطرف وهمجي لا يتورع عن قتل والديه ، وهو شخصية بهيمية كما يقول أفلاطون فيسميه الحيوان الأكبر . ومثل هذه الشخصية تختار أصدقاء و معاونين يكونوا بنفس مستوى الإنحطاط والتدني ، فيسرقون ويرتشون وينهبون المال العام تحت حماية حيوانهم الأكبر . ويوضح أفلاطون أن الطاغية ليس لديه سلوك وسطي فهو متطرف دائما فبدون السلطة يكون عبدا ذليلا ، وإذا إمتلك السلطة تحول إلى ذئب وأظهر تعطشه للدماء وكشف عن نفسه الوضيعة . ● كيف يحتفظ الطاغية بالسلطة : يقول أرسطو في كتابه السياسة أن الطاغية يحتفظ بالسلطة بوسائل معروفة يتوارثها الطغاة وهي : 1- تدمير الروح المعنوية للمواطنين (كأن يقول للجماهير أنهم فقرا أوي .. فقرا أوي) كما يزرع الشك بينهم ويجعلهم عاجزين عن فعل شئ . ويحرص الطاغية على تعويد الناس على الخسة والوضاعة ، والعيش بلا كرامة ، بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان . 2- القضاء على البارزين من الرجال وأصحاب العقول الناضجة ، وإستئصال كل من يحاول رفع رأسه . 3- منع الإجتماعات والنوادي وحظر التعليم و التحقير من شأنه (كأن يقول للناس : ح يعمل إيه التعليم في وطن ضايع) وهو يحجب كل ما يعمل على تنوير النفوس أو بث الشجاعة والأمل والثقة بالنفس . 4- إتخاذ كافة السبل التي تغرس في المواطن شعورا بأنه غريبا في بلده أي قطع الحبل الصري بين المواطن ووطنه . وجميع هذه الأساليب مصدرها البرابرة وفارس القديمة . 5- زرع الخوف من إنتقاد النظام وإجبار الناس على كتم آرائهم بداخلهم ليشعروا بالقهر . 6- إفقار شعبه لينشغل بالبحث عن ما يسد به رمقه *ثم يذكر أرسطو صفات الطاغية فيقول أنه لا يعرف ولا يستخدم إلا الفاسدين من البشر ، وهو ينتشي بنفاقهم وتملقهم له ، وهو لايحب رجلا ذا كرامة أو رجلا شريفا أو صاحب شخصية مستقلة و روحا عالية لآن الطاغية يدعي أنه يحتكر لنفسه هذه الصفات (مثل قوله لعنه الله : أنا صادق أوي وشريف أوي وآمين أوي) . وعادة يفضل صحبة الأجانب والغرباء على صحبة مواطنيه ، ذلك أن الغرباء لا خطر منهم بينما المواطن عدو له " . ويعود أرسطو ليلخص هذه الأساليب في 3 غايات قديمة قدم الشر كما يقول : *الغاية الأولى ــ تدمير روح المواطن لأن المواطن الذليل لن يثور عليه أبدا . *الغاية الثانية ــ التفريق بين المواطنين لأن الثورة عليه تحتاج تكاتف الشعب كله ، وكذلك مطاردة الأخيار من الناس لأنهم خطر عليه من ناحيتين اولهما أنهم يأنفون من أن يحكموا كما يحكم العبيد ، وثانيهما إنهم يثقون في بعضهم البعض ولا يشي أحدهم بما قاله الأخر . *الغاية الثالثة ــ يحرص الطاغية على جعل مواطنيه عاجزين عجزا تاما عن فعل أي شئ فيصبح خلعه ضربا من المستحيل . ويختتم أرسطو بأن الطاغية يحرص دائما على إظهار أنه محتفظا بالسلطة رغم أنف الجماهير وليس برضائهم لأن تنازله عن هذا الغصب يعني تنازله عن الطغيان " . وهو ما قاله السيسي بكل صراحة ووقاحة ، ثم نفذه بإنتخابات وهمية إختار فيها منافسه وهو مواطن يدعى / موسى مسخره موسى . وفي النهاية فإن محاولة إستعباد الشعب محاولة مجنونة لا تصدر إلا عن صعلوك موتور فقد توازنه أمام السلطة ، فالمحاولة شديدة الخطورة عليه وعلى أسرته وملئه وعصابة اللصوص التي يحيط نفسه بها . فالسلطان كراكب أسد يهابه الناس وهو لمركوبه أهيب حسبما يقول الإمام جعفر الصادق (ع) ، وعندما يغضب الشعب ويهب ليثأر لكرامته فإنها لحظات بشعة سجل التاريخ أهوالها من قبل ، وأورد تجارب لشعوب إفترست طاغيتها الذي حاول كسر إرادتها وإنا لمنتظرون .
#جمال_عبد_العظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمهات في السجن
-
العرب أحق من اليهود في الإحتفال بعيد المساخر
-
الإستعمار العثماني أوقف العقل العربي
-
لن ينتصر الإسلام بتركيا ولا إيران
-
الخلافة الإسلامية الحديثة
-
الفيل الأزرق يتوعد الإخوان بالسجن
-
هذا هو حكم العسكر
-
معاقبة ليبيا بسبب تهريب تركيا من السجن
-
الليبرالية هي الطريق الأوحد للتحرر
-
الاعلام المصري في عهد عبد الفتاح السيسي
-
فيلم الممر دعوة للتنازل عن سيناء
-
عبد الفتاح السيسي رئيس تحت التمرين
-
ضد من اطلقت امريكا المارد الايراني من القمقم
-
لماذ يحاول بعض الاقباط قتل فاطمة ناعوت
-
كيف خرج النمر الاسود من الدين والوطن واللغة الى احضان اسرائي
...
-
يوتوبيا احمد خالد توفيق .. عودة الى اللامعقول
-
هذه هي صفقة القرن : تنازل العرب عن الارض والسيادة لصالح اسرا
...
-
لماذا اطلقت امريكا المارد الايراني من القمقم
-
مظاهر العبودية في المجتمع المصري
-
هل يكتفي العسكر ب67 سنة هزيمة
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|