أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - الزرازير والحساب














المزيد.....

الزرازير والحساب


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1576 - 2006 / 6 / 9 - 11:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يحكى ان الزرازير كانت تعيش على شجرة لوز كبيرة, وكانت تدرك ان كثافة اوراق الشجرة تحميها من رؤية الصيادين لها, لذا فأنها لا تطير ابداً ان رأت صياداً يحوم بالقرب منها, حتى لو حاول اخافتها بإطلاق النار في الهواء او الصراخ والتهويش بيديه. لذلك قرر الصيادين ان يختبئوا تحت الشجرة نفسها لخداع الزرازير.

جاء صياد واختبأ اسفل الشجرة وانتظر طويلاً. لكن الزرازير لم تطر. كانت قد رأت صياداً يتجه الى اسفل الشجرة, ولم يخرج, إذن فهو مازال هناك! وهكذا نجت الزرازير في اليوم الأول.
في اليوم التالي جاء صيادين اثنين واختفيا لبرهة تحت الشجرة, ثم خرج احدهما وذهب. لكن الزرازير لم تطر لأنها حسبت ان صيادين اثنين قد دخلا, ولم يخرج إلا صياد واحد, فهناك إذن صياد بقي تحت الشجرة.
في اليوم الثالث اختبأ ثلاث صيادين تحت الشجرة ثم غادرها اثنين. الزرازير لم تكن تعرف العد لأكثر من اثنين, لذا لم تستطع ان تميز بين الثلاثة الذي جاءوا والأثنين الذين ذهبا, فطارت لتلقى مصيرها على رصاص الصياد المختبئ.
هكذا دفعت الزرازير حياتها ثمنا لأنها لم تستطع العد لأكثر من اثنين.

الكثير من البشر يبدون غير قادرين او غير راغبين في العد لأكثر من اثنين في رؤيتهم واتخاذ مواقفهم.
إنهم يقسمون العالم الى نصفين دائماً: فبوش يقول " اما ان تكونوا معنا او مع الإرهاب." تماماً كما كان نظام صدام يقسم العراقيين الى بعثيين وأعداء.
لكن مشكلة كسل الحساب لم تقتصر على بوش وصدام و سطحيي الإهتمام بالسياسة من الناس, بل تشمل الكثير من المثقفين ايضاً, وتظهر بشكل ميل الى تقسيم مبسط للعالم الى خير وشر, اسود وابيض, مع فلان او ضده.

فمثلاً في الجدل الدائر حول فضيحة مذبحة حديثة, رفض البعض من هؤلاء استنكار الجريمة, بل امتنعوا عن قراءة المقالات التي تدينها وتجنبوا تفاصيل الأخبار حولها ورؤية افلام الفيديو عنها. والسبب هو ان مثل هذا العمل يدين اميركا لذا فهو تأييد لصدام. فبالنسبة لهؤلاء في العالم اميركا وصدام فقط ولا ثالث لهما!

هذا المنطق شديد التبسيط, شديد العاطفة والكسول التفكير يناقض نفسه بنفسه. ففي حماسه الشديد ضد خصمه, يراه ممثلاً لكل الشر, فلا بد ان خصم خصمه يمثل كل الخير. ولحماية هذه النظرة السهلة الكسر, يلجأ اصحابها الى بذل جهد نفسي وذهني شديد لتجاهل نواقص ابطالهم وتأريخهم وترهيم الحجج لتبرير اعمالهم.

فتجد لدى من كان من هؤلاء شديدي الكره لصدام, مؤلهين لأميركا, غير قادرين على رؤية وتقييم التصرفات والتأريخ الأمريكيين بأي درجة معقولة من الموضوعية. ومن الجانب الآخر, يرى من كره الإحتلال وتصرفاته وجرائمه في صدام البطل المخلص, ويبدع في تجنب الحقائق غير المناسبة والذكريات غير المستحبة.
لايخطر على بال هؤلاء واؤلئك امكانية وجود اكثر من شر واحد في العالم وان تلك الشرور تبقى شروراً حتى وان اختلفت فيما بينها. تعمل ادمغة هؤلاء وذاكرتهم بأنتقائية عجيبة لتتذكر ما هو مناسب ونسيان غيره, ولإكتشاف التحليلات التي تؤدي الى تأييد صحة نظريتهم الصعبة, دون التي تفندها.
استمع الى جدل بين هذين الطرفين تجد كل منهما يقول ما هو صحيح غالباً عندما يتحدث عن عدوه, وينخفض منطقه الى درجة مضحكة حين يتحدث عن بطله. وإن حاججته بجرائم بطله فأنه يكتفي عادة بأجوبة عامة أو امثال اوحجج معاكسه عن جرائم الطرف الآخر. هو سعيد بنظريته البسيطة قليلة التفاصيل ويريد ان يبقى سعيداً!

ومن اشكال الكسل الذهني محدود الحساب والمبتعد عن التفاصيل, استعجالاً لإتخاذ موقف, التعميم حيث يفترض التفصيل والتمييز. وترى ذلك عند من يقول لك مثلاً "الأمريكان جهلة". او من ينتقد البرلمان بشكل عام او من يحب او يكره "الدول الأوربية". صحيح ان في اميركا نسبة جهل عالية بالعالم, لكن فيها اعظم المفكرين والكتاب والصحفيين في العالم على الأطلاق. والبرلمان, اي برلمان حقيقي ولو بدرجة ما, كيان متصارع غير متجانس لا يصح الحكم عليه ككتلة واحدة, والدول الأوربية تعميم يجب ان لا يستعمل إلابحذر شديد.

الصراع بين الزرازير والصيادين صراع بقاء: يريد الصيادون النجاة من الجوع بأن يضعوا امام الزرازير معضلة تفوق قدرتها على الحساب لتتخبط في عشوائية كسمكة خارج الماء سهلة الصيد. وأمل الزرازير في البقاء هو في قدرتها على ان تحسب فوق ما يقدر الصيادون على خلقه من إشكالات وتفاصيل. في قدرتها على التفكير النشط المرن المميز للتفاصيل واكتشاف الطريق الضيق الذي يحيطه الخطأ من جانبيه, واستبيانه في كل متاهة ينجح الصيادون في قذفها الى ساحة المعركة.
في القرار راحة وسعادة, وفي التردد ارهاق وقلق, ويبحث الجميع عن السعادة ويتجنب القلق. لكن السعادة السابقة لأوانها قد تكون خطير النتائج احياناً, كما كانت لزرازير شجرة اللوز.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس في الأخلاق, ولكن لمن؟ مجزرة حديثة ومجازر اخرى
- القراءة كترفيه عنيف, والمقالة كحلبة ملاكمة
- أيان حرسي ماكان:قصة فضيحة ديمقراطية عريقة
- القاء اللوم على البيادق: الى اين نوجه انظارنا في العراق؟
- لذة الحلول المسمومة
- حكومة تولد في قفص الإتهام
- إعادة الإعتبار للإنحطاط: رد على (الدكتاتور الرائع) لعلي الصر ...
- أفضل مفاوضي الحكم في العراق: متابعات في الوضع العراقي الراهن
- برج الحرباء يمر على سماء بغداد
- لو حكم سليمان الحكيم لأعطاها للجعفري فوراً
- الكرامة مسألة اعتبارية
- العامة والسادة في حافلة نقل الركاب: خيار بين الإمام علي ومعا ...
- تحذير عاجل من حملة غش بالإنترنيت على العراقيين
- الحمد لله ليس ما في العراق حرب اهلية!
- أيها الجعفري لاتنسحب
- المصباح الوحيد في الشارع
- مبدأ مقهى ابو فاتح
- ما ايسر بيت قلته؟ هدية مشاغبة الى الحزب الشيوعي العراقي بعيد ...
- سلام عليك بلادنا
- إنه العشق يا نزار جاف


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - الزرازير والحساب