زاهر رفاعية
كاتب وناقد
(Zaher Refai)
الحوار المتمدن-العدد: 6522 - 2020 / 3 / 24 - 13:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في شهر آب- آغسطس- من عام 2018 نشبت مشاجرة بين شبان عرب وألمان في مدينة كيمنتس شرقي ألمانيا راح ضحيتها شاب ألماني من أصول كوبيّة طعناً بسكين على يد شاب سوري, وبسرعة استغلّ اليمين المتطرّف الحادثة لتأجيج الرأي العام ضدّ الأقليّة المسلمة واللاجئين في تلك المدينة, وقد استجاب الشعب المحتقن لتلك الدعوات واندلعت تظاهرات بعشرات الآلاف من النازيين الجدد وحركة بيغيدا مطالبة برحيل الأجانب والمسلمين عن البلاد, وتخلل هذه التظاهرات أعمال عنف وشغب ومطاردة لكل من يبدو على ملامحه أنّه أجنبي.
هذا وقد استغلّ إعلام روسيا وأميركا وطبعاً الإعلام المسلم صور هذه التظاهرات على الفور ليبرز للعالم همجيّة ووحشيّة الشعب الألماني الذي لا تزال الروح النازية تعشش فيه, وهنا لم تقف الأحزاب الألمانية الديمقراطية متفرّجة على تلك المهزلة والخطر المحدق بالبناء الديمقراطيّ وحقوق الإنسان في هذا البلد بل وبصورة ألمانيا ككل في العالم, وعلى الفور هبّت دعوات أحزاب الوسط واليسار والخضر وغيرها من الجمعيات المدافعة عن الديمقراطيّة و السلم و العيش المشترك وأعلنوا حالة نفير عام على شكل حفل موسيقي ضخم جدّاً في المدينة مطلع سبتمبر 2018 أي بعد أيام قليلة من مظاهرات المتطرّفين, ضمّ الحفل حوالي 65 ألف شخص من جميع أنحاء ألمانيا قدموا إلى مدينة كيمنتس تحت شعار" نحن الأكثريّة" وأيضاً " حب لا كراهية" أي بمعنى آخر يريدون أن يقولوا للعالم أنّ هؤلاء المتطرّفون هم قلّة لا تمثّل الشعب والروح الألمانيّة, وبالفعل أتت الحركة السلميّة الموسيقية أكلها ولم يعد للإعلام ذريعة كي يتحدث عن تطرّف ألمانيا تجاه الأجانب على الأقل ليس بمناسبة تلك الحادثة.
أمّا زعماء الإسلام السياسي فتراهم يأخذون المسلم في دوامة اللطم على الإسلام والمسلمين وكأنّ العالم يحارب صلاة المسلم وصيامه! وكأنّ العالم يحارب المسلم لأنّه يدفع الصدقات للفقراء والمساكين ويصوم شهر رمضان ويتعبّد ربه آناء الليل وأطراف النهار, ولا يخبرون المسلم أنّ حكومات بعض الدّول في العالم قد اتخذت موقف عنف أقصى تجاه مسلمي البلاد بسبب لجوء بعض المسلمين في البلد للتسلّح والدعوات الإنفصالية والعمليات الإرهابيّة, لأنّ هؤلاء بالأساس أي زعماء الإسلام السياسي يعتاشون على دماء المسلمين لتزكية الحقد والكراهية والشعور بالظلم عند مسلمي العالم بتصوير الأمر على أنه حرب على أتباع دين الرّحمة سببه حقد غير مبرر عند بقيّة شعوب العالم تجاه المسلمين وفقط لأنّهم مسلمون , امّا في الحقيقة فهي ليست سوى حرباً على فكر تخريبي انفصالي عند جماعات الإسلام السياسي والعسكري ومشروعهم الظلامي الذي يهدف لغزو وسبي العالم وفرض أحكام ما أنزل الله بها من سلطان , هذا المشروع يدفع فاتورته المسلمون الآمنون المسالمون في هذا البلد وغيره.
وبدل أن يحفّز ويحرّك رجال الدين المسلمون بقيّة المسلمين للنزول للشوارع والتظاهر ( كما فعل الألمان ) والتبرؤ مما فعل بعض المحسوبين على الإسلام من الإرهابيين, ليقطعوا بذلك الطريق على الدول التي تسعى للانتقام من جموع المسلمين في البلد, ترى هؤلاء الشيوخ المرتزقة يلتزمون الصمت بانتظار أن تنفجر الحكومات وتسوم مسلمي البلد سوء العذاب فينبري هؤلاء الشيوخ ليتصيّدوا في مشاعر مسلمي العالم من خلال بثّ الصور للمسلمين المنكوبين , ولا يقولون أنهم منكوبون بفعل أمثالهم هم وأذرعهم من جماعات التطرّف وعسكرة الإسلام في الشرق والغرب, ولا يقولون أنّ هؤلاء المسلمين من إخوانهم في الدين هم ضحايا خبث وارتزاق جماعات الإسلام العسكري والسياسي على حسابهم, قبل أن يكونوا ضحايا الدّول الساعية للحفاظ على وحدة البلاد وأمنها من شرذمة تريد الوصول للسلطة بأي ثمن وعلى حساب الجميع بمن فيهم المسلمون .
خذ دولة مثل بولندا الدولة المسيحية الديمقراطية التي يعيش فيها حوالي 30 ألف مسلم ولهم مساجد وأحياء ويتمتعون بكامل حقوقهم كمواطنين في البلد منذ ازيد من سبع قرون, فلو لا سمح الله قام عشرة من هؤلاء بتفجير سوق في وارسو فلن تسمع واحداً من جماعة أوهام الخلافة لا في الشرق ولا في الغرب يدعوا المسلمين في العالم للنزول للشوارع والتبرؤ من إجرام هؤلاء , ولكن إن تعرّض مسلمو البلد بسبب هذا الإرهاب للتهجير القسري سترى هؤلاء الإسلامويّون يزعقون ويرغون ويزبدون ويلصقون تهم الروح الصليبية بالدولة البولندية من أجل تجييش وتجنيد المزيد من المسلمين ضد هذه الدولة وغيرها حتى يتم لهم في النهاية جيوش الغزو التي يحلمون بها.
وعلى فرض أنّ هذه العمليات الإرهابيّة وهذه الجماعات هي من نسج أجهزة المخابرات العالمية , فأين المسلمون وشيوخهم من مظاهرات حاشدة كما فعل الألمان في كمنتس كي يدرؤوا هم بدورهم أيضاً عن بقيّة المسلمين تهمة التطرّف والإرهاب, وأيضاً ليستثنوا هؤلاء وأفعالهم من أن يكونوا ممثلين للإسلام الحق السمح؟ لا نجد!
ولكن نجد هؤلاء وفي مقدمتهم شيوخ الطمع بالجواري يجوبون شوارع أوروبا و العالم بالآلاف بمناسبة وغير مناسبة للتنديد بصورة كاريكاتير أو رفض لقانون يلزم المرأة بإبراز وجهها في الأماكن العامة.
الخلاصة: كفى نسخاً ولصقاً أخي المسلم لعبارات فارغة جوفاء منقولة عن مواقع الطامعين في السلطة باسم الإسلام حين تردد أنّ البوذيون يقتلون المسلمين في ميانمار لأنّ البوذية ديانة إجرامية, لأن ما لن تجده على المواقع العربية هو أنّه وفي شهر أغسطس 2017 قامت جماعة إسلاميّة انفصاليّة بتفجير واعتداء في بورما راح ضحيته ثمانون قتيلاً بينهم رجال جيش وشرطة, ولم نسمع تنديداً واحداً من جهة تمثل واجهة المسلمين حول العالم وتبرئ ساحة الإسلام منه وتحقن دماء المسلمين المسالمين على غرار ما حدث في ألمانيا, ولا مظاهرة واحدة لا في بورما ولا غيرها تندد بفعل هؤلاء المجرمين واعتدائهم!
وعلى إثر ذلك راحت الدولة والشعب من بوذيين وغيرهم يقومون بعمليات انتقامية تستهدف مسلمي البلاد الآمنين في ديارهم دون تمييز, وهنا بالضبط برز خفافيش الدين يتصيّدون ويتباكون ليحققوا انتصارات سياسية وعسكرية أخرى على حساب دماء المسلمين الذين هم بالأصل ضحايا إرهاب مرتزقة الدين أمثال هؤلاء الإسلامويّون قبل أن يكونوا ضحايا إرهاب الدول الأخرى. .
.
كل العزاء لإخواننا المسلمين أينما كانوا.
#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)
Zaher_Refai#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟