عابد الأسود
الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:19
المحور:
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
مع وصول العديد من الحركات الإسلامية في عالمنا العربي إلى استحقاقات خطيرة , أدت ببعضها إلى سدة الحكم , كما في الأراضي الفلسطينية . بينما رمت الظروف ببعضها الآخر إلى المعارضة لتكون القوة الأكثر شعبية في مواجهة الأنظمة العربية كما في مصر, كنت قد دعوت لفتح الباب واسعاً أمام البحث في تلك الحركات وانتقادها بما يضمن إصلاح حالها , وبالتالي انعكاس ذلك على القواعد الشعبية الواسعة و المتأثرة بها .
لكنني وحالي كذلك تعرضت لانتقادات جارحة لا ممن أنتقدهم , بل من أدعياء الحداثة والعلمنة حيث رآني بعضهم ضيق النظر وبعيداً عن الجذرية , المشكلة ببساطة هي في اعتقادهم بأن الإسلام مناف أصلاً للحداثة والعصرنة , وكل نقد لا يصل في جذريته إلى هذه النتيجة هو نقد قاصر لا طائل منه .... الأمر الذي دعاني دون سبق إصرار إلى أن أنصف الإسلام بوصفه أحد أبرز المكونات الرئيسية في الشخصية العربية من دعواهم .
فكلما طرح موضوع الإسلام ينبري أدعياء الحداثة بشكل ممل وممجوج إلى القول أن هذا يعني الابتعاد عن معطيات القرن الحادي والعشرين . حتى يتم تصوير الأمر على أنه عودة للوراء أربعة عشر قرناً . بهذا تبدو الدعوة إلى الإسلام هزلاً لا جداً و خيالاً محضاً غير قابل للتحقيق , هكذا يرى هؤلاء أن الإسلام فاقد لمشروعيته , مختارين بذلك أقصر الطرق للهروب من النقاش حول القضايا المصيرية والاستحقاقات القادمة .
في الواقع فإن ما من حصيف يدعو إلى الأخذ بالإسلام إلا ويدرك أنه يواجه أوضاعاً مختلفة عن القرن السابع , ويعلم أن عليه أن يعمل على قضايا الزمن الحالي ومشاكله بناءً على اقتدائه بالقرآن والنهج النبوي .
أي أن عليه أن يقوم بمعالجة وضع ملموس من خلال تقديم الحلول التي استنبطها وفق رؤيته واجتهاداته من القيم الإسلامية . من هنا على الإسلاميين أن لا يعتبروا تلك الاستنتاجات مقدسة أو أن يلبسوها لباس الدين فهي ليست بالضرورة ناتجة عن الدين فحسب , بل هي ناتجة عن تفاعل تلك القيم والمبادئ ( الدين ) مع العديد من الظروف والأفكار.
لكن ولنفس السبب لا يعقل أن يدعي متطرفو العلمانية إسقاط العصرنة عن كل الأطروحات الإسلامية بمجرد أنها تمت للدين بصلة .
لا لشيء إلا لأن صحة أو عدم صحة , مناسبة أو عدم مناسبة ما يقدمه الإسلاميون من معالجات وحلول للقضايا العالمية المعاصرة لا تتقرر بمجرد ارتكازهم إلى نظريات وأفكار جديدة , فالجدة لا تعني بالضرورة الصحة , كما أن القدم لا يعني بالبداهة أنه غير مناسب , إذ أنه قد يكون أساساً صالحاً يبنى عليه , وقد يحمل الارتكاز إليه خيراً عميماً .
هنا يعتبر أدعياء الحداثة أن نظرياتهم تشكل هداية في بحث المشكلات ومعالجتها , وإيجاد الحلول لها , أو تشكل دليل عمل . ومن ثم يعترفون ضمنياً أن كل عمل نظري أو فكري سابق لا ينطبق على كل زمان ومكان .
أي أنه يشكل مرتكزاً وأساساً ودليلاً , ولكن لا يشكل جواباً مباشراً جاهزاً مما ينزع سمة الحداثة عن أية نظرية . الأمر الذي يجعل قدم أو حداثة أية فكرة نظرية نسبية , ما يفسر لماذا وصف فريدريك أنجلز برنامج البيان الشيوعي بالشائخ بعد مضي خمسة عشر عاماً فقط على صياغته .
قد يقال أن هنالك النظرية في أركانها الأساسية التي تشكل عناصر الثبات والعمومية , وهنالك موضوعاتها وحلولها وتطبيقاتها , وهي عناصر التغير و الخصوصية . أي هي العناصر التي سرعان ما تتغير بتغير الزمان والمكان .
لو قبلنا بهذا التحديد المنطقي لأمكن أن يقول الإسلاميون بأن للإسلام أيضاً أركانه وأساسه ومنهجيته , كما أن له موضوعاته وحلوله وتطبيقاته التي تراعي شروط تغير الزمان والمكان .
من هنا لا نستطيع أن ندعي بأن هنالك منهج أو نظرية غير صالحة لعصرنا بفعلها قديمة ( غير حديثة ) , لا بل أعتقد أن القدم قد يعطي زخماً تاريخياً وخبرة عميقة كما هي الحال مع فكرة الديمقراطية .
وإلا فإنني لا أجد أحداً يمانع الديمقراطية , بحجة أنها قديمة ومن ثم غير صالحة لعصرنا , علماً أنها أقدم تاريخياً من الإسلام بمئات السنين.
هنا أقترح استبدال معيار الحداثة بالعصرنة , مراعاةً للدقة وللموضوعية لتكون هي الحكم في تأخر أو تقدم الأفكار والنظريات .
بمعنى أن العصرية ليست مرادفة لآخر تقليعة أو موقوفة على حداثة المولد , وإنما تصبح ذات مفهوم آخر يعتمد على جوهر ما يقدم من معالجات وحلول وأهداف معياراً ومقياساً .
هنا ألفت النظر إلى الربط العضوي بين الحداثة بوصفها مصطلحاً هشاً غير قابل للضبط والمادية الملحة بفعلها تمثل مصالح الامبريالية العالمية والليبرالية المتوحشة .
بمعنى الاتجاه إلى إشباع حاجات الإنسان المادية بشكل أساسي , الأمر الذي تختبئ وراءه الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الأمريكية التي تعمل على السيطرة الاقتصادية الكاملة على العالم الثالث .
هنا نجد أن المسلمين مقصرون للغاية في باب العصرية , نتيجةً للتراكمات الطويلة في القرون الخمسة الماضية التي عملت وما تزال على مزيد إلى الانغلاق والتخلف في جو من الاستبداد والجهل .
نتيجةً أيضاً لقصور العقل الفقهي في كثير من الحالات , وتبعيته المطلقة والمفضوحة للأنظمة الحاكمة , كما في مؤسسة الأزهر , المؤسسة الدينية السعودية الرسمية , وحتى معظم مؤسسات الإفتاء في العالم العربي .
هكذا فإنني أعتقد أن على المسلمين وخصوصاً في دولنا العربية العمل على خلق ظروف أكثر انفتاحاً وعلمية في دولهم , الأمر الذي سيمهد نحو عصرنة أطروحاتهم . وهو الأمر الذي سبقنا إليه كثير من الدول ذات الأكثرية المسلمة كماليزيا , تركيا ...
من هنا بداية الطريق وإليه يجب أن تجتمع جهود المسلمين , لا إلى تكريس صراع الحضارات أكثر فأكثر بدل الالتفات إلى بناء حضارتنا .
مرادي أن أقول أن الموضوعية لا تعني معالجة قضايا الإنسان بالجوانب المادية الملموسة فحسب , دون الإقرار بحاجات الإنسان الروحية والفكرية والأخلاقية ,كما أنها لا تعني العكس , بل يمكن القول بأن من يأخذ بهذا الجانب أو ذاك فحسب سيكون أبعد ما يكون عن الموضوعية في الطرح .
إن دراسة الإنسان ومن ثم دراسة المجتمع تواجه بحالة مركبة من الجوانب الروحية والمادية والعقدية والفلسفية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والطبقية والقومية والفردية والجماعية والمصلحية والجغرافية والتاريخية .
ولهذا فإن أي فهم لمشاكل الإنسان والمجتمع من أحد هذا الجوانب أو بعضها سيكون فهماً مجزوءاً.
نعم .... فإذا نظرت للإنسان في بلادنا ولم تلحظ منه غير علاقته بوسائل الإنتاج وعلاقته بملكية الأرض , فإنك قد تكون أغفلت رؤية نفس الإنسان ضمن عقيدته وحضارته وقوميته, وتجاهلت نمط روابطه الاجتماعية . الأمر الذي يؤدي إلى طرح حلول لمشاكل لا علاقة له بها . ثم إنك ستفشل في إشراكه في الحل , الذي لن يراه في صالحه , ولو كنت ترى ذلك .
أما عندما تفهم الإنسان بمختلف سماته وتحدد أهمية كل سمة على ضوء حالته المعطاة يمكن أن يوصف ذلك بالموضوعية والعلمية .
على فكرة هنا تكمن مشكلة عجز أطياف اليسار على الوصول إلى الجمهور العربي , خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبالتالي سقوط الفكر الشيوعي من الوجدان العربي.
إن هذا الفهم لا يتم إلا بتضافر الجهود بين كل التيارات الفكرية والتنسيق فيما بينها , وجعل المصلحة الجمعية مقدسة وفوق أي اعتبار ولو كان إيديولوجياً , و ذلك لن يكون إلا في جو ديمقراطي منفتح يؤمن تداول سلمي للسلطة .
الدولة بوصفها المصلحة الجمعية هي أولاً ... ومن ثم المصالح الإيديولوجية , بمعنى وضع الإيديولوجيا في خدمة الدولة وليس العكس الذي لن يكون إلا بتهميش لأطياف سياسية مناقضة.
ختاماً فإن لي مخاوفي المبررة من أن تكون الإيديولوجيا هي المخلوق الذي أبدعه الإنسان وغذاه حتى غدا مسيطراً على الإنسان نفسه ومتحكماً به , تماماً كما كان يتخوف بعض أدباء القرن العشرين من حكم الروبوت وبالتالي نهاية العالم بنفس الطريقة المريعة التي صورتها أفلام الخيال العلمي.
#عابد_الأسود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟