|
كورونا ... ونهاية سلطة القانون
الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6520 - 2020 / 3 / 22 - 19:40
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
لم يكن مسموحاً قبل اليوم البوح بما هو وحول ما يمكن أن يكون عليه العالم ، لكن الأقدار المجهولة قد باغتت العالم من غير رحمة ومن دون تمييز لتقلب الحياة رأساً على عقب ، لقد نبهت منظمة الصحة العالمية بعد حين وبعبارات صادمة ما يمكن أن يحدثه أو يسببه هذا الوباء على الصعيد الدولي ، و كان ملفتاً هذا التجييش غير المسبوق من جميع الدول والقطع المبرمج للحدود وللصلات بين الدول والمجتمعات يُنبئنا هذا وكأن أمراً كبيراً ما سيحدث لا حقاً حتماً .
وبعيداً عن الضوضاء والصخب الإعلامي كان لابد من وقفة مع هذا التسونامي الجارف الذي أختلف الناس في تصنيفه كلاً حسب طبيعته وطبيعة المتبنيات التي يتبعها .
ان وضعاً جديداً سيقرر للعالم حسب مقاسات جديدة ومعطيات جديدة وهي بحدود ما يقوله أهل الشأن ( سيادة النزعة استبدادية القائمة على هيمنة المعرفة الذكية ) ، وفي أوربا وضمن مصانع القرار الإستراتيجي تبدو هذه النظرية غالبة ، وقيل لنا إن لها ما يبررها بعدما سادت الفوضى في النظام الإجتماعي والثقافي والإقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية ، والغرب عموماً يتعرض جراء هذا الوباء إلى هزات عنيفة في المال والإقتصاد وحتى على الصعيد السياسي ، وليس سهلاً ما يتعرض إليه السكان الأصليين من هذا الوباء اللعين ، لكنهم مؤمنين بأن المستقبل هو المهم وإنه لا بد من إعادة النظر بمفهوم ( سيادة القانون والديمقراطية والأسواق المفتوحة ) ، والمشرع الغربي يعتبر نظرية سيادة القانون في شكلها الحالي عبئاً كبيرا وله آثارا خطيرة على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والنفسي .
كذلك ولم تكن الديمقراطية ولا الأسواق المفتوحة بقادرة على صناعة ثقافة التعايش في ظل القانون ممكنة ، وبعدما زاد عدد المهاجرين بنسب خطيرة مما يشكل هذا خطرا جديا على مستقبل أوربا والغرب عموماً ، ولم تكن نشأت القوى المتطرفة والراديكالية خارجة عن السياق ، بل عدها المشرع الغربي نتيجة طبيعية للخلل في ميزان الحياة الإجتماعية والثقافية ، ناهيك عن الطريقة السيئة التي يُقدم الشرق فيها نفسه للعالم ، من خلال متبنياته الثقافية والإجتماعية والسياسية ، ولم يكن ممكناً القبول بهذا الكم من صناعة العنف والتطرف وتصديره تحت مسميات دينية عممت الفوضى وأرهقت المجتمعات بثقافات بدائية ، ساعد في هذا صعود وتنامي نوعاً من الأحزاب والمنظمات والشخصيات التي تبنت ذلك وروجت له وفقا لمصالحها ورغباتها ، وكانت الحروب المحلية والأهلية ذات الطابع المذهبي والطائفي الوجه البشع عن ذلك التقديم السيء .
في ظل هذا لم يكن ممكناً القبول بالديمقراطية ولا بنظرية الحقوق الطبيعية ذات معنى في ظل هذه الفوضى ، وفي المقابل عجز النظام الغربي أن يجد آلية يمكنها التغلب على هذه الظواهر المتطرفة ، وكان ما يقدمه من حلول ومعالجات عبارة عن ردود أفعال أو إفتعال مشاكل هنا وهناك على أمل التخفيف من عبء التحدي .
وإذا برأنا الإنسان من صناعة هذا الوباء فهناك اعتقاد واقعي بانه قد جاء في وقته ، ليساهم في معالجة ما كان يعتبر تحديا للقانون وسيادته وللحقوق ، كما لم يكن ممكناً جعل التغيير في القوانين طبيعياً لدى قطاعات واسعة مؤمنة بنظرية الحرية والعدالة والقانون ، لهذا كان الوباء هبة من الله أو من الطبيعة وقد جاء في وقته ليرفع عن كاهل المشرع ما كان يخشاه أو يعتبره تحدياً إجتماعياً ، فكان هذا الوباء النموذج الذي يحدد شكل العالم القادم من غير ان يحدث إهتزاز إجتماعي ، خاصةً وصناع القرار والمشرعين كانوا مؤمنين بالتجديد والإلغاء للنظام القديم في نفس الوقت .
وهنا سأستعير تلك المقولة التي تبناها كورباشوف ونادى بها قبل نهاية الحرب الباردة إنها ( البيرسترويكا ) إنه الإلغاء والتجديد ، ولكننا هنا سنوظفها وفقاً لنظرية المعرفة الجديدة حول سلطة التكنولوجيا الذكية وقدرتها في إنهاء حقبة عالم الإستهلاك والرفاهية ، وبالتالي إعادة تشكيل العالم على أسس ومضامين جديدة ولعل من أبرزها ذلك المصطلح الذي يقول : إنما ( الإنفاق بقدر الحاجة ) ، وهذا التعبير يعيدنا للحقبة التي تبناها ماركس وأنجلز في زمن ما ، وهو ما يظهر جليا في ذلك المقال المنشور في الجيوبلتيكس للكاتب الفرنسي جاك أتالي .
نعم إنه عصر جديد وعالم جديد سوف يُبنى ولن يكون فيه للضعيف دورا ولا قدرة ، وكأننا على أعتاب مرحلة من الإستبداد الذي تتحكم به التكنولوجيا الذكية وعالمها المتعدد الإتجاهات ، وفي ظل ذلك سينكمش دور العالم القديم بنسخته التي تشكلت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وتلك حتمية تاريخية وواقعية ، ومعه ستزول تلك المجتمعات البدائية ذات التقاليد البالية ، وأعني هنا زوال الكثير من المجتمعات العربية ذات الثقافات والتقاليد العتيقة .
وكان مقدمة ذلك أن سد العالم أبوابه ومايؤدي إليه ، وفي ذلك أيذآن وتفكير جدي بطرد المهاجرين وإعادة توطينهم في بلدانهم الأصلية ، يشمل هذا القرار قطاعات واسعة ممن يعتبرون عالة على المجتمعات الغربية ، وسوف ينتهي مفهوم السوق المفتوحة وستعود أوربا كما كانت قبل الإتحاد ، وسيعمم المفهوم الوطني للدولة القطرية ، وقد أشار إلى ذلك أحد المسؤولين في السويد من غير قصد ، وهذه حقيقة يجب النظر إليها بعناية وجدية ، حيث سيكون الإقتصاد من الآن فصاعداً أكثر صرامة ، وستتحكم فيه قوى جديدة تخضع بدرجة كبيرة للتكنولوجيا الذكية ، فكانت الكورونا إذن إيذآنا بنهاية عصر وبداية عصر جديد ..
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في رثاء صديقنا وأخينا الدكتور محمد شحرور
-
الأضحية
-
كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
-
رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
-
رأينا في العدل ( الجزء الأول )
-
بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
-
الوصية .. والميراث
-
الإمامة ثانياً
-
الإمامة أولاً
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 3 -
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 2
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات )
-
إلى الشيخ على جمعة مع التحية والسلام
-
النبوة (3)
-
النبوة الحلقة الثانية
-
المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، ال
...
-
تداعيات النص 40 من سورة التوبة
-
المعجزة والتاريخ
-
السُنة التاريخية و السُنة الطبيعية
-
هل التاريخ يُعيد نفسه ؟
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|