اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 21 - 17:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هوامش كوروناوية
حين أخبرت صديقي قبل ان يولد بسخف هذه الصيغة التي يسمونها الحياة ، وان عليه رفضها والامتناع عن الانزلاق اليها ، قهقه بصوت مسموع ، وهو يدق بسبابته جدار بطن أمه من الداخل ، ويقول :
" انني احب تجربة هذه السخافة التي يسمونها الحياة " .
ولكن صديقي حين ولد : صرخ مرعوباً من هذا الجحيم الذي يعيشه الإنسان ، وأول تساؤل اطلقه : وجهه بشجاعة الى " هذا ( الذي ) أوجد كل هذه : الهيصة ،
من اجل ارضاء غروره وهو يرى كل ما خلق من : بشر وحجر وشجر ، يتوجهون اليه بالطاعة والاستسلام التام ،
ومن اجل ان يرى فيهم : قدرته وعظمته وهو يقول للشيء بطريقة سحرية : " كن فيكون " ...
وفي اول لقاء ضمنا ، عبر صديقي المتبرم الزعلان ، عن هذه الصيغة السخيفة المملوءة بالخوف والوحشة قائلاً : " هذا الخالق غريب الأطوار " همسها ذات مساء ونحن نقرع كؤوس شرابنا السحري ، واكمل : " هذا الخالق لا يحب مخلوقاته ، ولا حتى يشبهها ، فهي تعيش بألفة وحميمية مع ابنائها وأحفادها ، اما هو فقد تعالى عليها وانفصل عنها ، ولم يكشف عن ذاته اليها ، وتركها تعيش في خصام مستمر حول صفاته وافعاله " ثم طلب مني مشاركته في مناقشة منطق العلاقة وما تتضمنه من تناقض كبير : بين خالق هذا الكون الذي لا حد له ، وبين انفصاله عنه وتنكره لمخلوقاته وعشقه الغريب الشاذ لمجموعة واحدة منها فقط " ...
اليم تلقيت منه رسالة إلكترونية ، وهو يضرب بقدميه المتقرحتين في متاهته الجديدة . لم تكن رسالته تحمل شيئاً من تبرمه وقلقه المعتاد بل كانت حمولتها تخلو من نزوعه العاطفي القديم الذي كانت تضيع في ضبابية انفعالاته : رؤاه العلمية . قال لي ان جائحة ( كورونا ) : " اهانت طرفي معادلة الوجود : الخالق ومخلوقاته ، فهم في عيني اليوم : بلا قوة ، ومن غير خيال ، وأجبن من ان يشاركوا البشرية بتقديم حل لإيقاف اذى هذه الجائحة . وجبنهم واضح جداً هنا : فهم لم يبحثوا في ميدان الطب ويدققوا في عالم الأدوية وما تضم صيدليته من علاجات شافية بل راحوا يكتبون لأنفسهم : أدعية مختلفة المتون والمقاصد ، ذات إيقاع سحري ، يخاطبون بها جهات سماوية وأخرى تحت الارض : ان تحميهم وتحمي امتهم فقط ، الم تلاحظ هذه الخصوصية الطافحة في ادعيتم ؟ فهم لا يريدون مشاركة البشرية في بحثها عن دواء واحد ينفع في علاج الإنسان ، أكان أمريكياً ام صينياً ام عربياً ام أوربياً بل اخترعوا لأنفسهم فقط علاجاً خاصاً ، علاجاً لا يشفي مريضاً لانه شاذ عن روح العصر الذي لا يمكن مواجهة ألداء الواحد فيه الا بدواء واحد .. يا لأنانيتهم ، ويا لسحرية تصوراتهم ، وسحرية الحلول التي يكتشفونها لمشاكلهم .. يا لتخلفهم ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟