أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد














المزيد.....

في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 21 - 01:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لشعبنا المصريّ طبيعةٌ شديدةُ التفرّد. كتالوجٌ استثنائيّ: نظامُه فوضويٌّ، وفوضاه نظامٌ. نسيجٌ غنيٌّ من خيوط متناقضة؛ قلّما تجتمعُ في قماشة واحدة. فإن اجتمعت كان الغزلُ عجائبيًّا يحمل خاتم: "صنع في مصر”. خيطُ عبقريةٍ إلى جوار خيط فهلوة، خيطُ تعصُّبٍ إلى جوار خيط شهامة، خيطُ إتقانٍ وفنٍّ إلى جوار خيطِ استسهال وفوضى. نسيجٌ مُحيِّرٌ، لا كيمياءَ له. "كلّ حاجة وعكسها". نضحكُ في الكوارث ونبكي في المباهج ونسخرُ من النوازل، وننسج أبدعَ النكات على ما يُبكي من فواجع. مِزاجٌ متغيّر متبدّل زئبقيّ سيّالٌ، لا تستطيع تأطيرَه أو تقنينه. لكن الثابتَ والمؤكدَ هو أننا نتوحّد في لحظات العُسر ونلتحمُ في لحظات المحن، ونتآزر في الجائحات والفواجع. ترى المسلمَ يمازحُ المسيحيَّ ويطلق عليه النكات، وتجد المسيحيَّ يمازحُ المسلم ويطلق عليه النكات؛ ولكن حين تقعُ جريمةٌ إرهابيةٌ في كنيسة، يهرعُ المسلمون لحمايتها، وحين تقعُ فاجعة لأسرة مسلمة، تجد المسيحيين هم السند والعون. في حروبنا يختلطُ الدمُ المصريّ المسفوحُ على تراب الوطن، فلا تميّز عقيدتُه. وفي الثورات تتعانقُ يدٌ تحمل الإنجيل ويد تحمل القرآن. إعصار "التنين" المخيف الذي ضرب مصر قبل أسبوع، كشف عن معدننا النبيل في ألف مشهد ومشهد سجّلته عدساتُ الزمان ليُدوّن في دفتر تاريخنا الطيب. شبابنا النبيل خرج ليساعد المحتجزين في الطرقات، وفتحت المساجدُ والكنائسُ أبوابَها للعالقين والمسافرين. في المحن والفواجع والأزمات، تتتوارى الطائفيةُ والعنصرية ويتجلّى التحضُّر المصريُّ النبيل. وهو ما أراهن عليه في الأيام المقبلة؛ حتى تمرَّ عاصفة فيروس كورونا القاتل، بإذن الله.
في مثل هذه الأيام قبل ثمان سنوات، ظهر هذا المعدن النبيل يوم رحيل رجل صالح اجتمع على حبّه شعبُ مصر بكامله. قداسة البابا شنودة الثالث رحمه الله، الرجل الوطني النبيل الذي أحبَّ مصرَ وشعبَها، فأحبَّته مصرُ وشعبُها. غَداة رحيله، في 17 مارس 2012، فوجئت بمديرة منزلي "أم محمد"، تدخل بيتي باكيةً في ثوب الحداد. وقصّت عليّ ما جرى: في طريقها إلى بيتي، كانت تجلس في باص مدينة الرحاب جوار زميلتها التي تعمل في الحضانة. بادرتها زميلتُها: (خير يا "أم محمد"، لابسة أسود ليه بعد الشر؟) فأجابت بحزن: (البقية في حياتك في البابا، كلنا زعلنا عليه. كان راجل طيب وكل كلامه خير.) فما كان من زميلتها "أم عازر" إلا أن اجهشّت بالدمع، ثم اقتسمت مع صديقتها ثمرةَ يوسفي، كانت في يدها لفطورها. وهنا تحدث "الخلطةُ المصرية" التي لا تحدث إلا في أرض طِيبة. نصفُ الثمرة في يد تحمل صليبًا، والنصفُ الآخرُ في يد ترفعُ إصبعَ الشهادة. نصفُ ثمرة يدخل جسدًا يرتّلُ القرآن، ونصفُها الآخر يدخل جسدًا يرنّم الإنجيل. هذا هو شعبنُا المصريُّ الذي احتشد مسلمين ومسيحيين في جناز شعبيّ مهيب ليرافق قداسة البابا شنودة من الكاتدرائية المرقسية بالعباسبة، وحتى مرقده في وادي النطرون. مدراءُ المدارس المتحضّرون أوقفوا التلاميذ دقيقةً حدادًا في طابور الصباح حزنًا على الراحل العظيم، وراحوا يحكون للصغار عن المشوار الروحيّ والوطني المحترم لرمز فقدته مصرُ، لكي يعرف النشءُ تاريخَ بلادهم ويقفوا على رموزها؛ ويجعلوا منها نماذجَ طيبةً تُحتذَى. من المشاهد التي شاهدتُها وحُفرت في ذاكرتي بعد خروجنا من الكاتدرائية يوم جناز البابا شنودة: سيداتٌ محجبات وقفن في شُرفاتهن على طول شارع رمسيس في محيط الكاتدرائية. يُدلين سلالَهن بزجاجات مياه باردة ليشربَ المُشيّعون الذين احتشدوا بالآلاف في وداع قداسة البابا. تصعدُ سلالٌ بالزجاجات الفارغة، لتهبط بغيرها بزجاجات ممتلئة. واستمرت رحلةُ صعود السلال وهبوطها ساعاتٍ طوالا. كأن أولئك المسلمات الطيبات قد سمعن السيدَ المسيح، عليه وعلى أمّه السلام، يقول: "كأسُ ماءٍ بارد، لا يضيعُ أجرُه." أولئك هم المصريون الأصلاء الذين معادنُهم نقيّةٌ عصيّة على التلوث بدَنس البغضاء. خلّدتُ كثيرًا من تلك المشاهد الجميلة في مقال قديم لي بعنوان: “كأسُ ماء بارد ونصفُ ثمرة يوسفي"، في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 26 مارس 2012، لأسجّل على التاريخ وجها من معدننا المصري النقي.
ذاك هو المعدن الأصيل المتحضّر الذي سوف يتجلّى في أزمتنا الراهنة بإذن الله، حتى تمرّ محنة فيروس كورونا بسلام. شرفاءُ المصريين الذين سوف يلتزمون بقرارات الحكومة ويساعدون الدولة على خطّة حمايتها لنا من الخطر المحدّق، نجّانا اللهُ منه والعالمين. ويبقى: “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصفة كورونا السوداء
- كورونا … يذوبُ في الألوان
- الحبُّ في زمن الكورونا… اسألوا أهلَ الذِّكر
- زينب الكفراوي … نَمِرةُ بور سعيد الباسلة
- هالة زايد … وزيرة على خطّ النار
- وأكره اللي يقول: آمين... عزيزي الرئيس مبارك!
- وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر
- صوتُ الرئيس مبارك
- المايسترو مجدي يعقوب … ضابطُ إيقاع القلوب
- جواب اعتقال … سيكولوجية الإرهابيّ: (العقل والأداة)
- مافيا الإرهاب … من الداخل (جواب اعتقال)
- لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (2)
- لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)
- لينين… ضابطُ إيقاعِ الضحك الرفيع
- النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين
- هنا الإمارات … ومصرُ تصنعُ الحياة
- وسام القديس جورج … لقاهر الإرهاب الأسود
- معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
- معرض القاهرة الدولي للدواء 2020
- أوسكار فاروق حسني


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد