أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ستيفان شالوم - نظام سياسي لمجتمع منشود















المزيد.....



نظام سياسي لمجتمع منشود


ستيفان شالوم

الحوار المتمدن-العدد: 1575 - 2006 / 6 / 8 - 11:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(هذه الوقة اعدت لتقديمها في اول جلسات لزي نت عن الرؤية والاستراتيجية التي سوف تعقد من الاول الى السابع من يونيو 2006، المقام في وودز هول، ماساشوستس. هذه الجلسات تجمع نشطاء من حول العالم للمشاركة في الافكار والخبرات الخاصة بالرؤى والاستراتيجيات الاجتماعية).

أي نوع من المؤسسات السياسية والممارسات سوف تلاءم مجتمع صالح؟ دعني استبعد المؤسسات التنفيذية والقضائية الان، حتى يقتصر سؤالي فقط على، أي نوع من مؤسسات اتخاذ القرار والممارسات سوف تكون ملائمة للمجتمع المنشود؟

عبر السنون طرح اليسار تنويعة من الاجابات على هذا السؤال، كلها في رأيي كانت معيبة بشكل خطير من احد جوانبها بشكل او بآخر، حتى رغم انها كانت تعبر عن بصائر قيمة من الذين طرحوها.

اللينينية

كانت إحدى الإجابات الشهيرة التي طرحها اليسار هي اللينينية. بينما اعتاد الفلاحون السذج الروس في أوائل القرن العشرين القول "فقط لو كان القيصر يعرف..." قال لينين لهم بدلا من ذلك : "فقط لو كنت أنا مكان القيصر". عندما أعلن لينين أن "الخضوع المطلق بلا شرط لإرادة واحدة" هي أمر ضروري لتحقيق صناعة كبيرة حديثة، كان يعكس بفكره هذا مصالح ومنظور طبقة المنسقين (coordinator class)، وليس مصالح ومنظور الطبقة العاملة. أسس البلاشفة نظاما سياسيا ارتقى وتطور الى الأهوال التي ارتكبتها الستالينية، ولكنه حتى في بدايات هذا النظام كان لا يتوافق مع القيم الديموقراطية الأساسية.

ردت اللينينية على هؤلاء الذين انتقدوا انعدام الديموقراطية بمنطق أن المجتمع يجب أن يخدم المصالح الموضوعية للطبقة العاملة، وليست المصالح التي تراها الطبقة العاملة بحالة وعيها الآني، أي ليست المصالح التي تعتقدها الطبقة العاملة بوعيها المزيف إنها هي مصالحها. لذا كان على الطليعة – التي تمتلك وعيا ثوريا حقيقيا – غالبا أن تفرض إرادتها على السكان الجهلاء عديمي الوعي. هذه الفكرة التي تنادي بالوعي المزيف استخدمت لتبرير عصر من أكثر الديكتاتوريات سوءا، ومع ذلك هذا المفهوم ليس لفظيا بالكامل. الخطأ اللينيني لم يكن في الإيمان بأن هناك الكثير من الجهل يسود الجماهير، ولا كان في الإيمان بان شروط الحياة التي تسبب التخلف والضعف غالبا ما تتدخل في فهم الناس ووعيهم بمصالحهم الحقيقية. خطأ اللينينيون كان في افتراضهم أنهم أبرياء من المصالح الذاتية او الجهل، وأنهم يعرفون مصالح الآخرين، بشكل محقق يخول لهم قمع من لا يتفق مع أفكارهم تلك.

لذا فبينما يجب علينا أن ننبذ الأفكار اللينينية الاستبدادية، نريد نظاما سياسيا لا يتناول اتجاهات الجماهير كامر مسلم به، ولكن يتناولها كعملية في سياق متطور، تتحسن بأداء الجماهير لوظيفتها في المجتمع الإنساني.

الديموقراطية التمثيلية:

هناك نظاما سياسيا آخر هو الديموقراطية التمثيلية، نظام يسمح بانتخاب الناس لأناس آخرين – نواب عنهم – يحكمون باسمهم. للديموقراطية التمثيلية (النيابية) عيوب خطيرة.

أولا : أنها تتعامل مع السياسة على أنها أدوات بشكل ضيق – أي، كوسيلة للوصول الى غاية، بدلا من أنها قيمة في حد ذاتها. ولكن المشاركة السياسية هي قيمة ذات جدارة: انها تعطي الناس خبرة التحكم في شروط حياتهم. كلما اضطلعنا بالتفكير في كيف نوكل لآخرين ما يجب أن ندبره بشكل جماعي لادارة شئون حياتنا، كلما أصبحنا أقل وعيا ومعرفة بمجتمعنا، وكلما أصبحنا أقل تأثيرا في تحديد مصائرنا، وكلما أصبحت أواصر التضامن فيما بيننا أقل.

مشكلة أخرى مع الديموقراطية النيابية وهي أن النواب لأسباب عديدة لا يمثلون فعلا دوائرهم الانتخابية. يقول النواب أشياء حتى ينتخبوا ويغيرون من مواقفهم عندما يحصلون على المنصب. ليس لديهم صلات حقيقية بمئات الآلاف من الناس الذين يمثلونهم. ظروف حياتهم المختلفة تؤدي بهم إلى تطوير مصالح مختلفة عن مصالح أهل دوائرهم.

الآن من الصحيح اننا نستطيع تفويض نواب ونراقبهم للوفاء بعهود حملاتهم الانتخابية. ولكن ماذا سوف يحدث عن تغيير الظروف؟ هل نطلب من النواب ان ينفذوا سياسات تجعلها المستجدات غير ملائمة أو حتى سياسات ضارة؟ وبشكل بديل، نستطيع تفويض كل النواب على اتباع الرغبات المستجدة لدوائرهم الانتخابية كما تعكسها استطلاعات الرأي. ولكن لو فعلنا ذلك سوف نجعل من النواب بشكل تقني عديمي الجدوى. ليست هناك ضرورة لأن يدرس النواب ويدخلوا في حوارات حول قضايا لأنه بذلك ليس من المهم ما هو رأيهم الخاص فيها. الامر الهام في كل ذلك هو أنهم سوف يصوتون بما يرغبه أهل دوائرهم الانتخابية في الاستفتاءات. باختصار، يمكننا ببساطة استبدال النواب المفوضون بجهاز كمبيوتر يجمع آراء الناس ويظهر النتيجة عن كل دائرة انتخابية. ولكننا بذلك لا نتحدث سوى عن نظام الديموقراطية المباشرة (ديموقراطية الاستفتاء). لذا اذا ما كان النواب مفوضين، فهم غير مهمين، وإذا ما كانوا غير مفوضين للتحدث باسم من ينوبون عنهم فإنهم غالبا لن يكونوا ممثلين لدوائرهم.

المدافعون عن الديموقراطية النيابية لديهم مع ذلك بعض الحق في منطقهم. إنهم يدعون أن كثيرا جدا من الوقت سوف يمضي قبل أن يقرر كل فرد من الناس ما الذي ينبغي فعله. اعتقد أن هذه النقطة غالبا ما يبالغون فيها – طاقة الناس على حضور الاجتماعات، مثلا، لا يمكن محاكمتها برد فعلهم على اللقاءات التي لا معنى لها التي تجري اليوم حيث لا توجد لهم فيها أي سلطة حقيقية – على رغم أن من الحقيقي انه لا يملك كل منا ولن يملك نفس الحماس للسياسة الذي لدى النشطاء السياسيين.

لا نريد نظاما سياسيا يطلب من كل فرد أن يضع المشاركة السياسية في نفس الأهمية التي يتخذها المتعاطين للسياسية اليوم. ولكن رغم أننا نطلب درجة من المشاركة السياسية أقل من تلك التي يريدها المهووسون بالسياسة اليوم، فليست تلك حجة ضد ( مأسسة) المشاركة السياسية بشكل ملموس أكثر من تلك التي يمارسها معظم المواطنين في الديموقراطيات الرأسمالية.

ومنطق آخر للديموقراطية النيابية يقول أن الهيئات التشريعية النيابية هي هيئات مؤسسة بقصد إدارة حوار وجدل وتفاوض حول قرارات معقدة تصل فيه إلى سبر أغوار القضايا بشكل معقول، في الوقت الذي لا تستطيع جموع المواطنين إدارة مثل هذا النقاش الرفيع المستوى لتفاصيل فنية دقيقة هكذا. ما تملكه الجموع هو التصويت على أسئلة مع أو ضد؛ إنهم لا يستطيعون تعديل كلمات أو إلحاق توضيحات، رغم أنهم يعرفون تمام المعرفة أن إعادة صياغة سؤال في الاقتراع يمكنه أن يحرف ويضلل نتائج التصويت. إنها نقطة صحيحة، يجب أن يضع أي بديل للديموقراطية النيابية هذه النقطة في حسبانه.

ديموقراطية الاستفتاءات :

الديموقراطية المباشرة هي البديل للديموقراطية النيابية. في ظل الديموقراطية المباشرة يتخذ الناس قراراتهم بأنفسهم بدلا من اختيار آخرين ليقوموا بذلك من أجلهم. هناك تنويعات عدة للديموقراطية المباشرة. أحدها هو ديموقراطية الاستفتاءات حيث كل قضية توضع أمام الجماهير ككل. في الماضي مثل هذه المقاربة كان أمرا مستحيلا: لم تكن هناك آليات تسمح لملايين الأشخاص من الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع على أساس يومي . ولكن التكنولوجيا الحديثة تجعل من مثل هذا الأمر ممكنا. يستطيع أن يستخدم الناس الانترنت أولا للحصول على معلومات وفيرة كافية عن الموضوع بالقدر الذي يحتاجونه ثم يدلون باختيارهم كما يفضلون.

ولكن حتى لو كان هذا بالإمكان فنيا، هل تريدون حقا أن نقضي كل هذا الوقت بشكل مجهد في دراسة مئات القضايا التي تتناولها الهيئات التشريعية الحالية سنويا. هؤلاء المشرعون يقضون أوقاتهم بالكامل بشكل أو بآخر في القيام بهذه المهمة. هل تريدون استثمار هذا القدر من الوقت (بينما نقوم بأعمال أخرى في نفس الوقت)؟ لدى المشرعون بشكل نمطي هيئة معاونة حتى يمكنهم الاضطلاع بالأمر. هل سوف يكون لكل مواطن مساعدين؟ بوضوح نحن في حاجة لبعض الوسائل حتى نفصل القضايا الأهم من كل القضايا الاخرى الروتينية التي يستطيع المشرعون حاليا القيام بها.

وأبعد من مشكلة الوقت هذه، تعاني ديموقراطية الاستفتاءات من عيوب لوحظت في السابق. عندما يستدعى الناس لاتخاذ قرار يخص بعض السياقات لا تنبع من مشاركتهم فعلا فيها عن قصد، فاختيارات اللحظة عند الناس تصبح على الأرجح اختيارات ترجع لنقص معلوماتهم أو غير متسامحة. في الوقت الذي يشجع الحوار والتفكير المشترك الناس على البحث عن أرضية مشتركة يقفون عليها وإيجاد سبل لأخذ آراء الآخرين على محمل الجد، تشجع الناس على الاستفتاءات والتعبير عن آرائهم المسبقة في شكل استقطاب. في ديموقراطية الاستفتاءات، عندما تخسر صوتك فإنك تشعر بإضاعة مجهودك سدى؛ تحس أنه قد تم توريطك، وأنه لا أحد يعير همومك وزنا. عندما ينتصر رأيك تشعر بانك سليم التقدير والحكم على الأمور، ولا حاجة لك ( لاعتبار ) هموم وقلق الآخرين الذين هزمتهم.

الطوائف المدارة ذاتيا :

النوع الثاني من الديموقراطية المباشرة هو النوع الذي تتخذ فيه كل القرارات مباشرة بواسطة الناس الذين يعيشون في طوائف صغيرة الحجم مدارة ذاتيا بالكامل. هنا تجني ثمار وفوائد مشاركتك وفوائد الجلوس للحوار في هذه القرارات. ولكن رغم ذلك هناك نواقص خطيرة في هذه الديموقراطية أيضا.

أولا، ليست كل المشاكل يمكنها أن تستجيب لحلول صغيرة المدى. انفلونزا الطيور تتطلب حلا كوكبيا. المشاكل البيئية تحتاج لاستجابة واسعة المدى. الطوائف الصغيرة لا تطيق تكلفة جهاز الموجات الفوق صوتية لتشخيص حالة القلب. (نعم، أنا أحب التداوي بالأعشاب أيضا، ولكن من يرتاب في أن معدل البقاء على قيد الحياة يمكن زيادته وإطالته بالحصول على التكنولوجيا الطبية عالية التقنية مقارنة بالمجتمعات التي اعتمدت بشكل وحيد على الأعشاب والجذور النباتية). من الصحيح أن أنواع التكنولوجيا ذات الأحجام الكبيرة تخلق أذى عظيم – مثل محطات الوقود النووي – وأن كثيرا من التكنولوجيا يساء استخدامها بشكل عظيم في المجتمعات الحالية لخدمة مصالح النخبة. ولكن لا يوجد سببا واحدا أمامنا لرفض التكنولوجية بتاتا. التكنولوجيا – واحدة من أعظم إنجازات النوع البشري – لديها القدرة الكامنة على تخفيض بربرية الإنسان والقدرة الكامنة على منحنا الفرصة للاضطلاع بالأعمال الأكثر إبداعا مما يقود إلى إشباع حياتنا بشكل أكثر غنى.

أنصار فكرة الطوائف المدارة ذاتيا غالبا ما يكون جوابهم أن تفضيلهم للجماعات الصغيرة الحجم لا يمنع تعاون تلك الجماعات والطوائف مع بعضها البعض، سواء للتصدي لمشاكل بيئية ام للمساهمة معا في شراء ماكينة الموجات الفوق صوتية لتشخيص أمراض القلب. ولكن كيف نتخذ قرارا للطريقة التي نتشارك بها في مواردنا الطبية المحدودة بين طوائفنا الصغيرة الحجم إذا لم تكن لدينا آلية لاتخاذ القرار تشمل عديد من الطوائف تحت ظلها؟ وإذا كان لدينا مثل هذه الآلية إذا فنحن لم نعد طوائف صغيرة الحجم مدارة ذاتيا.

مشكلة أخرى مع الطوائف صغيرة الحجم المدارة ذاتيا تتضمن السؤال عن كم هي صغيرة تلك الطوائف الصغيرة. ( كيركباترك سيل) ، على سبيل المثال، ينصح بطوائف من حوالي 10 الاف شخص لكل طائفة. هذا الحجم، كما يبدو لي، صغير جدا بدرجة لا تسمح بالوفاء بالعديد من المستهدفات الاجتماعية وممل جدا لدرجة لا تسمح بوجود أي تنوع كافي. في نفس الوقت، مع ذلك، فهذه الأحجام كبيرة جدا لدرجة لا تسمح بديموقراطية مباشرة وجها لوجه. اجتماع لطائفة مكونة من 5000 بالغ سوف لا يمثل تجربة تشاركية. القليل منهم سوف تتاح له فرصة الكلام، والمشاركة بالافكار وطرح همومه ومقترحاته، أو المساهمة من أي نوع. بلا شك، بعد العديد من تلك الاجتماعات الحاشدة التي تسبب اغتراب الحضور، سوف يتناقص عدد الحضور بشكل حاد، حتى يصل الى حجم مناسب بشكل إيجابي، ولكن ذلك سوف يؤدي الى نسب مشاركة أقل حتى مما يحدث حاليا في الولايات المتحدة.

المجالس المتشابكة :

النمط الثالث من الديموقراطية المباشرة هو رفض لكل من نموذجي الاكتفاء الذاتي والاستفتاءات وبدلا من ذلك هناك مجالس صغيرة تتصل كل منهما بالأخرى. منطق هذا النظام من المجالس المتشابكة يتضمن ثلاث اوجه.

الأول: كل شخص يتاح له المشاركة في مجلس صغير الحجم بالقدر الذي يكفي لمداولات اتخاذ القرار وجها لوجه والذي يكفي للتفكير المشترك وتداول الاقتراحات بشكل حقيقي.

الثاني : العديد من القرارات سوف تتخذ داخل هذه المجالس. بمعنى، هناك قرارات عديدة يجب اتخاذها على هذا المستوى الادنى لأن مثل تلك القرارات تخص وتمس فقط أو بشكل كبير أعضاء هذا المجلس.

ثالثا : لان هناك عديد من القرارات تؤثر على أشخاص أكثر عددا خارج أعضاء المجلس الواحد، فالمجالس التي يشملها هذا الأثر ، عليها أن تنسق فيما بينها عملية اتخاذ هذا القرار ذاته. يعني ذلك أ ن تلك المجالس عليها أن ترسل بمندوبيها الى مجلس في مستوى أعلى. ( وإذا كان القرار يؤثر على أكثر من مجلس في هذا المستوى الأعلى، يجب على تلك المجالس الأخيرة أن ترسل بدورها مفوضين عنها إلى مجلس في المستوى الثالث. وهكذا).

ما هي آليات عمل تلك المجالس في المستوى الأعلى؟ لا نريد مندوبين مفوضين تفويضا مطلقا عن المجالس التي أرسلت بهم ، لان تلك المجالس الأعلى لن تكون عندئذ مجالس للمداولة. كما نوهنا سابقا، لن تكون هناك فرصة لأي شخص أن يتكلم أو يحاول إقناع الآخرين، أو يشرح بحماسة اهتماماته الخاصة، لأن كل المندوبين ليس لديهم أي مساحة للتروي – عليهم أن يصوتوا لصالح ما ارسلتهم مجالسهم من اجله. هذا يعني أن لا أحد من المجلس( أ ) مثلا متاح له ان يستمع الى المنظور الذي يقف عليه الناس من المجلس( ب)، وليست هناك إمكانية أن يقترب أو أن يتزحزح إلى موقف أفضل مما اقترحه (أ) أو( ب) . من ناحية أخرى، إذا لم يكن المندوب مفوضا وفقط عليه أن يفعل ما يريده مجلسه، فسوف تكون لدينا مشكلة أن المندوبين قد أصبحوا غير ممثلين لهيئاتهم مثل تلك التي يتصف بها نظام الديموقراطية النيابية.

ما يجعل الأمور أكثر معقولية هو إرسال مندوب يتصف ( بأنه أو بأنها نتيجة لاشتراكهما ) كجزء من المجلس و( نتيجة لاشتراكهم في عملية مستمرة من التدوال الفكري مع أعضاء المجلس )، يفهم المشاعر والاتجاهات داخل مجلسه جيدا، وله صلاحيات وسلطات تداول الأفكار والتعبير عنها لصالحهم مع المندوبين الآخرين. ولكن ما الذي يمنع هذا المندوب الغير مفوض بقرار بعينه من أن يصبح نائبا غير ممثل لمجلسه؟ أولا : الصلة بينه وبين المجلس الذي أرسله هي صلة عضوية، وليس مثل تلك الصلة بين أعضاء الكونجرس الأمريكي وأعضاء دوائرهم الانتخابية التي قد تصل إلى حوالي 600 ألف عضو. ثانيا : المندوبون هم جزء من – ويرجعون بشكل دائم إلى – مجالسهم التي ترسلهم. ثالثا: سوف يخضع المندوبون إلى الاستدعاء الفوري. لو اعتقد مرة المجلس أن مندوبيه لم يعودوا يعكسون بأي شكل طموحاته ومشاعره (كل لقاءات المجالس من المستوى الأعلى يتم تصويرها ونقلها بالفيديو ومن الممكن حضورها بسهولة كمراقبين)، إذا حدث ذلك فمن الممكن جدا وفورا استبدال المندوبين بمندوبين آخرين. رابعا : لن تصوت المجالس من المستويات الأعلى فقط على القضايا التي ليست محل خلاف نسبيا. عندما تقترب الأمور إلى خطوة التصويت ( أو عندما يقرر عدد كاف من مجالس المستوى الأدنى)، يتم إرجاع القرار إلى المجالس الأدنى من أجل اتخاذ الرأي المناسب .

ربما يسأل أحد ما، لماذا لا يتم إرسال كل القضايا مرة واحدة إلى مجالس المستوى الأولى من أجل التصويت؟ ولكن تلك هي النقطة التي نضعها محل اهتمامنا بتجنب الانخراط في عملية تشاركية زائدة عن الحد تحتاج لوقت أطول من اللازم. إرجاع القضايا المثيرة للجدل إلى المستوى الأولي أو تلك التي تطلب المجالس من المستوى الادنى رجوعها إليها، نستطيع أن نضع قيود بذلك على إساءة استخدام السلطة بواسطة المندوبين الذين ترسلهم مجالسهم الى مجالس المستويات الأعلى. ولكن أن ترسل كل شيء إلى المجالس الأولية سوف يعني ببساطة تضييع الوقت.

التصويت :

استخدمت كلمة "تصويت" عديد من المرات، ولكن ذلك يثير سؤالا عما إذا كان إجراءات اتخاذ القرار تتطلب الإجماع أم لا، طبقا لقاعدة الأغلبية، أو أي نسب مئوية أخرى.

أسلوب اتخاذ القرار بالإجماع – حيث تستمر المناقشات حتى يوافق كل شخص – أسلوب له وجاهته من نواحي عدة. إنه يسمح بالاحترام المتبادل وتداول الرأي والسماحة وعدم التعصب للرأي ويشجع عليهم. أسلوب الإجماع يسهل استخدامه وينجح خصوصا في الجماعات صغيرة الحجم التي تمتلك نظرة مشتركة للأمور. ولكن الاعتماد بشكل حصري على الإجماع يصبح غير ذي معنى بالنسبة لقضايا المجتمع على اتساعه، أو حتى بالنسبة للجماعات والطوائف الأصغر التي لم تجمعها نظرة مشتركة للأمور كاساس. رفض أسلوب الاجماع في اتخاذ القرار هو غالبا محاولة للقفز على قضية وجود هموم خاصة لاقلية وتتمسك بها بعمق. ولكن الإصرار على أسلوب الإجماع هو غالبا محاولة لفرض مخاوف خاصة عند الاغلبية وتتمسك بها بعمق.

خذ قضية الاجهاض، وهي قضية ليس من المرجح اختفائها حتى بعد تأسيس مجتمع جديد قائم على قيم إنسانية من بينها القيم التي تعلي من حقوق المرأة.

لنفترض أن هناك اقتراح بفتح عيادة جديدة للاجهاض. سوف تعارض أقلية الاقتراح على أساس أنهم يعتقدون باخلاص أن الاجهاض هو عملية قتل. الآخرون، مع ذلك، يحملون أفكارا ، أيضا بشكل مخلص، أن منع الإجهاض هو انتهاك لحق من أكثر حقوق المرأة جوهرية. يتحدثون، ويتجادلون، ويحترمون الجدية الأخلاقية لكل شخص منهم، ويجدون بعض مناطق الاتفاق بينهم (قل مثل الحاجة لتخصيص موارد للنساء اللائي يرغبن في إنهاء حملهن)، ولكن في نهاية اليوم لم يصلوا إلى إجماع. في تلك الحالة، الاقتراع، الذي تحكمه قاعدة الأغلبية، هو الخيار الوحيد المتاح. السماح للقلة المعترضة أن تمنع اتخاذ قرار هو إنكار حق سلطة الأغلبية الساحقة في تقرير مصائرها. ليس هناك أمر سحري في 50% زائد واحد، ولكنها تستحق وزنا معنويا أكبر من 50% ناقص واحد.

اتخاذ القرار في المجالس يجب أن يجري بواسطة الإجماع، كلما أمكن ذلك، ويجري بواسطة قاعدة الأغلبية عندما لا يمكن تحقيق الإجماع. وما يقال في الحقيقة أن ميول الجماعات الصغيرة تتجه بشدة نحو اتخاذ القرار باسلوب الإجماع. الناس الذين يجدون أنفسهم في الأقلية في بعض القضايا هم على الأرجح على استعداد للمسير مع الأغلبية لأنهم يعرفون أنهم سيكونون من الأغلبية في بعض القضايا الأخرى. بشكل عام، في الجماعات عموما هذا الشعور بتبادل المواقف ليس من المرجح أن يكون قويا، ولكن حيث يوجد اتصال وجها لوجه، الضغوط الاجتماعية تميل لأن تشجع الناس على تجنب التصويت وأن يستمروا في الإحساس بالرغبة في استمرار اللقاء. ولكن في بعض الحالات لن تصبح تلك هي الحالة، لذا يصير من المعقول – بعد تداول الآراء بشكل كاف – أن يتجهوا إلى اختيار أسلوب التصويت. للتصويت فائدته ليس فقط بالنسبة للأغلبية، التي تحصل به على تفضيل ما ترتأيه من سياسة، ولكن أيضا بالنسبة للأقلية، هناك فائدة للتصويت، وهي أن الأقلية تستطيع رسميا تسجيل اختلافها. لن ترغم ساعتها الأقلية على أن تتخذ موقف إما سد الطريق على الأغلبية لاتخاذ القرار أو إلى موقف مزيف يشير إلى اتفاقها مع رأي الاغلبية.

حماية حقوق الاقليات :

باعتبار أني اقترحت اتباع مبدأ الأغلبية في الحالات الخلافية، ما هي حقوق الأقلية التي يجب حمايتها في ظل مثل هذا النظام؟ عديد من المجتمعات لديها دساتير تنص على قيود على سلطة الأغلبية: لا تستطيع الأغلبية أن تدل الناس على الدين الواجب اتباعه، وأي شيء يباح قوله، وأي فكر مسموح به؛ لا تستطيع الأغلبية إنكار حق الأفراد في التجربة، وحقهم في التصويت، وهكذا. المجتمع المنشود سوف يكون لديه بالطبع نوع من هذا الميثاق الذي يحدد تلك القيود بعينها على سلطة الأغلبية. ولكن أحسن دستور في العالم لن يكون محددا بشكل كاف لتعريف ووضع حل لكل ظرف قد ينشأ. لو أن مجلسا صوت على أن الحديث الكريه غير مشروع، هل هذا يعد انتهاكا لحرية الكلام؟ لو أن مجلسا صوت على أن الآباء لا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى مدارس دينية تدعو إلى التمييز على أساس النوع (ذكر وأنثى)، هل هذا يعتبر انتهاكا لحرية التدين؟ تلك الصنوف من القضايا سوف تحتاج لتقريرها على أساس كل حالة بذاتها. ولكن بواسطة من؟ لو كانت القرارات تتم بواسطة المجالس، فمن ثم تتحمل الأغلبية جوهريا مسئولية وضع الحدود على نفسها – وهو ما يمكن أن يكون مطمئنا للأقلية. في العديد من المجتمعات، تلك القرارات يضطلع بها القضاة، ولكن السؤال سوف يكون ساعتئذ هو، كيف نختار القضاة؟

لو انتخبنا القضاة، فسوف يكون القضاة على الأرجح خاضعين لنفس مشاعر أغلبية المجلس الذي اتخذ القرار. القضاة في الولايات المتحدة الذين يقومون بحملات دعاية انتخابية يطلقون الوعود بأنهم سوف يكونوا اشداء على الجريمة، ويضربون بقسوة التصرفات اللا أخلاقية، وهكذا، وبالتالي من سوف يكون من الصعب اعتبارهم مدافعين يمكن الاعتماد عليهم لحماية حقوق الأقليات ضد الأغلبية الغير متسامحة. من ناحية أخرى، لو تم تعيين القضاة بمبدأ التعيين مدى الحياة (كوسيلة لمنعهم من الخضوع لاهواء الأغلبية)، فهم إذا هيئة غير ديموقراطية، لا يشعرون بمشاعر الأقلية المضطهدة ولكن بالأقليات صاحبة الامتيازات.

مشكلة كيفية الحد من سوء استعمال السلطة بواسطة الأغلبية هي مشكلة من النوع المثير للانزعاج في النظرية الديموقراطية. إذا ما اضطهدت الأغلبية الأقليات، لن تكون هناك ديموقراطية. من الناحية الأخرى تستطيع الأقليات أن تشل يد الأغلبية، وهذا أيضا غير ديموقراطي.

المقاربة التي اقترحها هي مماثلة لنموذج المحلفين. اختار جماعة صغيرة من السكان بشكل عشوائي لتأسيس ما أسميه محاكم المجالس. سوف تراجع هذه المحاكم القرارات التي تتخذ بواسطة المجالس لترى إذا ما كانت هذه القرارات تعارض الحقوق الأساسية والضمانات الدستورية. لكل مستوى من المجالس أعلى من المستوى الاولي سوف تخصص له محكمة من هذا النوع، واعتبار المحكمة المخصصة لمجالس المستوى الأعلى محكمة المجالس العليا. مثل محلفين اليوم، تلك المحاكم سوف تكون هيئات للتداول، رغم أنها ليست مثل المحلفين سوف تكون مدة عملهم أطول من قضية واحدة – ربما تصل الى عامين اثنين. وبما ان هذه المحاكم سوف تكون ممثلة لشريحة قطاع أفقي للسكان، سوف تكون تلك المحاكم هيئات ديموقراطية: هيئات ديموقراطية تعمل في خدمة التدقيق في عمل مجالس ديموقراطية.

ما الذي يمنع محاكم المجالس تلك المختارة عشوائيا من أن تعكس ببساطة أسوأ مثالب الأغلبية؟ لا يستطيع أي نظام أن يضمن أن العدالة سوف تسود دائما، ولكن هناك أدلة جيدة أنه عندما يتداول الناس الرأي معا، سوف تخرج من هذه المناقشات أكثر الافكار نباهة وسماحة. سوف يكون هذا هو الوضع في مجتمع دون مظاهر حرمان اقتصادي شديدة.

حتى الخص موقفي:أنا أرفض اللينينية، والديموقراطية النيابية، وديموقراطية الاستفتاء، وديموقراطية الطوائف الصغيرة المدارة ذاتيا. أنا أحث ناسي بدلا من ذلك على دعم نظام المجالس المتشابكة. في كل مستوى، تعمل المجالس ليس بقاعدة الإجماع، ولا بقانون الأغلبية الصارم، ولكن تعمل بواسطة عملية قصدية من تداول الرأي تسعى لخلق الإجماع إذا كان ذلك ممكنا، وبقانون الأغلبية اذا ما كان ذلك ضروريا. اقتراحي يتضمن نظاما للمحاكم الذي يضع حدود لسلطة الأغلبية، وبالتالي يحمي حقوق الأقليات، ولكن تلك المحاكم هي محاكم ليست منتخبة ولا معينة، ولكنها مختارة بشكل عشوائي من السكان لتشكل نموذج هيئات تحكيم تداولية على نسق نظام المحلفين.

انا متأكد ان اقتراحاتي يمكنها أن تستخدم العديد من التنقيحات بل وربما المراجعات الحاسمة. ولكن الاقتراب الأولي منه كما أعتقد يظهر لنا كيف نستطيع أن نحوز نظاما سياسيا يغرس القيم التي نرغب في رؤيتها في المجتمع المنشود.


--------------------------------------------------------------------------------

(هذه الورقة تلخص بلا اخلال الافكار التي طورتها في مقالتين سابقتين كتبتهما بنفسي:
"السياسة التشاركية: رؤية سياسية لمجتمع منشود" روجعت في نوفمبر 2005،
http://www.zmag.org/content/showarticle.cfm?SectionID=41&ItemID=9178
رؤية سياسية: صنع القرار في المجمتع المنشود" ، بمجلة زي في اكتوبر 2004.
http://zmagsite.zmag.org/Oct2004/shalompr1004.html
ZNet - كفاية زي نت العربية



#ستيفان_شالوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
- الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان ...
- مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ستيفان شالوم - نظام سياسي لمجتمع منشود