علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 02:47
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لا يخفى على غالبية الناس الغير مختصة في الشأن العراقي أن العراق يصنف ضمن احدى الدول الريعية، الذي يعتمد بشكل شبة كلي على استخراج وبيع النفط في السوق العالمية، ومن ثم، استلام ايرادات مالية مقابل هذه العميلة، التي تضمن له تسيير شؤونه الداخلية ولإيفاء بمعاملاته الخارجية .
هذا الترتيب والترابط من استخراج وتسويق وبيع مروراً بدخول الايرادات المالية إلى خزينة الدولة انتهاءً بتوزيع هذه الايرادات بين النفقات الداخلية والنفقات الخارجية يوجد بينهما جزئيات وآليات لا يعرفها إلا من هم مختصون في السياسات الاقتصادية. وبقدر الحديث عن وضع الاقتصاد العراقي، وما يحدث بالاقتصاد العالمي الآن من اوضاع مضطربة، وخصوصاً ما يشهده القطاع النفطي من تدهور في اسعاره العالمية يطغى على الفكر تساؤلات عدة؛ من ابرزها : ما هي الاثار التي ستترتب على الاقتصاد العراقي نتيجة الانخفاض الحاد لأسعار النفط؟ وإلى اي مدى سيستمر هذا الانخفاض؟.
ولإعطاء اجابة تحليلية واستشرافية لهذا التساؤلات ينبغي علينا أولا معرفة بعض المعلومات الرئيسة الخاصة بوضع الاقتصاد العراقي، حتى يكون تحليلنا علمي ودقيق معتمداً على الوقائع والبيانات الاحصائية الدقيقة، وهذا الحقائق هي:
1- اعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كلي بعد عام 2003 على ما يحصل عليه من ايرادات مالية نتيجة تصدير النفط، إذ تساهم الايرادات المالية المتأتية من القطاع النفطي بنحو (94-96%) في موازنة الدولة العراقية . هذا يعني أن المتبقي والذي يشكل نحو (4-5%) هي مساهمة القطاعات الاخرى (زراعة، صناعة، سياحة...إلخ).
2- يُصدر العراق حوالي (726.3( مليون برميل يومياً حسب تقرير وزارة النفط العراقية 2019 .
3- معدل النمو للناتج المحلي الاجمالي العراقي للسنوات العشر الاخير انحصر بين (13%) كأعلى نمو، و(1.5-%) كأقل نمو سالب، وهذا معتمد ومرتبط ارتباط وثيق بالطلب العالمي على النفط وأسعاره .
4- معدل البطالة داخل العراق يصل إلى نحو (40%) حسب اخر تقرير لصندوق النقد الدولي نهاية عام 2018، ونحو أقل بقليل حسب تقارير وزارة التخطيط العراقية لنفس السنة.
5- معدل التضخم تراجع في السنوات الاخيرة نتيجة السياسة التقشفية التي اتبعتها السلطات العراقية من عام 2014. إذ وصل إلى نحو (2%) في العام الماضي 2019، حسب تقرير صندوق النقد الدولي.
6- المديونية الداخلية والخارجية، تبلغ نحو (63) مليار دولار، حسب تقرير المجموعة المستقلة للباحثين المطلعة على التقارير المالية للحكومة العراقية 2019-2020، وتبلغ صافي الديون الخارجية الواجبة السداد نحو (25 مليار دولار) . هذا باستثناء (41) مليار دولار مخلفات النظام السابق، التي تطالب بها الكويت ودول الخليج، وهذه يمكن حلها سياسياً .
7- إن العراق يعد بلداً مستورداً بامتياز، فهو سوق مفتوحة لكل المصدرين، خاصة الدول المجاورة له (إيران، تركيا، السعودية)، فضلاً عن مصر والصين، وتتراوح المبالغ المطلوبة لهذا الاستيرادات بين (33-55) مليار دولار سنوياً، فهي تختلف من سنة إلى أخرى تبعاً للنشاط الاقتصادي العام.
وتبعاً لذلك، كيف سيكون والوضع العام للاقتصاد العراقي في ظل انخفاض اسعار النفط إلى نحو (34) دولار للبرميل الواحد وهو قابل للانخفاض أكثر، بعد ما كان يتعدى عتبة الـــ(60) دولار للبرميل الواحد في العام المنصرم .
في الواقع لا يمكن لأي دولة أن تسلخ نفسها عن الاحداث التي تحصل في اقصى الجنوب أو اقصى الشمال، فنحن نعيش في نظام عالمي مترابط اقتصادياً ومتنافر سياسياً، فأي خلل يُصيب هذا النظام سوف تمتد اُثاره إلى جميع الدول، فحقيقة انخفاض اسعار النفط إلى هذا الحد وما رافقه من ذعر كبير لدى الدول النفطية، وخاصة الريعية ومن ضمنها العراق، ما هي إلا نتيجة طبيعية عن الاوضاع والخلل وعدم الاستقرار الذي اصاب النظام العالمي .
فالنفط هو سلعة كغيره من السلع يخضع سعره إلا قانون السوق (عرض وطلب)، إلا انه ينماز بندرته وعدّه كمورد ناضب، لذا عندما يكون النظامين الاقتصادي والسياسي العالميين في حالة من الاستقرار والنمو يزداد الطلب على النفط فترتفع اسعاره، وعندما يكون النظامين في حالة ركود وذعر يقل الطلب على النفط فتنخفض اسعاره نتيجة للعرض الزائد .
وهذا ما يحدث الآن، فبسبب الاحداث التي يعيشها العالم الآن، وانتشار الفيروس الوبائي (كورونا)، توقفت معظم الانشطة الاقتصادية في الدول التي تعد المستهلكه الاكبر للنفط، خاصة الصين والدول الأوروبية، هذا من جانب، من جانب اخر حرب الاسعار التي تخوضها روسيا مع دول منظمة أوبك، خاصة السعودية كأكبر مصدر للنفط، نتج عن هذا الوضع (قلة في الطلب مع زيادة المعروض من النفط من قبل السعودية وروسيا) انخفاض شديد في سعر النفط بشكل عام، والنفط العراقي بشكل خاص، إذ انخفض سعر البرميل إلى نحو (30) دولار للبرميل الواحد، وهذه الانخفاض يعدّ أزمة اقتصادية بحد ذاتها بالنسبة للعراق؛ لخصوصية وضع الاقتصاد العراقي الانفة الذكر، ومما يزيد من حدت الازمة ان السلطات الحكومية تفترض في حساباتها ان سعر برميل النفط يساوي (55-56) دولار، للإيفاء بجميع التزاماتها (الانفاق الخارجي والداخلي). لذا سيؤثر هذا الانخفاض في سعر النفط على الاقتصاد العراق على الأتي:
أولا-الموازنة العامة: بما ان النفط يشكل نحو (95%) من حجم الايرادات المالية للموازنة العامة للحكومة العراقية، وبما ان السعر المثبت في الموازنة يساوي (56) دولار للبرميل الواحد، ونظراً إلى ان السعر الحالي وصل إلى نحو (34) دولار للبرميل ، فأن الفرق يكون بين السعر المثبت والسعر الحالي نحو (22) دولار للبرميل، هذا الفرق عند ضربه في حجم الصادرات اليومية للنفط (22x3.726)، سوف يظهر لنا الخسارة المالية التي سوف تعصف بموازنة الدولة التي تعاني اصلا من عجز ومديونية خارجية، لذا سوف يفقد العراق نحو (81.972) مليون دولار يوميا، و نحو (5.2) مليار دولار شهرياً، ونحو (30) مليار دولار خلال السنةا .
ثانياً- العجز المالي: العجز المالي هو الفرق بين الاموال التي تحتاجها الحكومة للإنفاق والإيرادات الفعلية التي تحصل عليها، ومن تحليلنا السابق للموازنة العامة سوف تخسر الحكومة نجو (30) مليار دولار سنويا، وهي اصلا تعاني من عجز يصل إلى نحو (46) مليار دولار في موازنة 2020 حسب التصريحات الرسمية للحكومة، إذ سوف يصل العجز المالي إلى نحو (75-80) مليار دولار . لذا سوف يكون من المتعذر على الحكومة اقرار موازنة 2020، وربما تلجئ لاعتبارها موازنة طوارئ مكملة لموازنة 2019، كأسهل الحلول أمامها .
ثالثا- حالة السوق والبطالة: هذا العجز الكبير في الايرادات العامة سوف يدفع بالحكومة العراقية إلى ترشيد انفاقها، وهذا يعني انخفاض في الطلب الكلي؛ باعتبار ان الانفاق الحكومي يشكل القسم الاكبر من معادلة الانفاق، هذا بدوره سوف يشل الاسواق والنشاط الاقتصادي بشكل عام، مما سينتج عنه تسريح عدد اكبر من العمال الغير مرتبطين بالمؤسسات الحكومية، ليتعدى نسبة (60%) . أما موظفي الدولة ففي الاجل القريب سوف لا يتأثرون بهذا الانخفاض أما اذا استمر هذا الانخفاض إلى أكثر من ستة اشهر فربما ستتخذ الحكومة اجراءات بتخفيض رواتبهم وفق سياسة ترشيد الانفاق والتقشف الحاد .
رابعاً-التضخم: من المفترض اقتصادياً أن انخفاض المعروض المالي وبالتالي الطلب الكلي سوف يتناسب طرديا مع نسبة التضخم، لكن في وضعنا الحالي ونتيجة لانتشار الوباء (كورونا) وتوقف التجارة البينية بين معظم الدول، فضلا عن الاضطراب السياسي العالمي، سوف يخلق حالة من النقص في المواد العذائية، لذا سوف نعيش في الحالة النادرة اقتصاديا التي تسمى (التضخم الركودي)، إذ سيرافق الركود الاقتصادي كل من البطالة والارتفاع العام للأسعار في أطار الذعر والخوف من الاسوأ.
خامساً- الاستثمار والإيفاء بالالتزامات الحكومية : هذا الانخفاض المصاحب للكثير من التحديات والأزمات وضع الحكومة العراقية أما تحديات كثيرة؛ من الايفاء برواتب الموظفين مرورا بمستحقات الشركات الاستثمارية ومستحقات المديونية الخارجية والداخلية وصولاً إلى هشاشة الاقتصاد العراقي انتهاءً بالتخبط للوقاية من وباء كورونا واحتواء الانتفاضة الشعبية، لذا فهي أمام انهيار قاسٍ، إذا استمرت في نفس النهج القاصر والفاسد .
وعلى الرغم من ذلك كله، ووفق رؤية استشرافية معتدة بالمعطيات والنظريات الاقتصادية، سوف لن يستمر هذا الانخفاض إلى مالا نهاية، لأنهُ ليس من مصلحة الدول المصدرة للنفط ان تجعل النفط سلعة تنافسية لان ذلك سوف يُعجل من استنزاف ونفاذ هذا المورد الناضب، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى أن انخفاض سعر النفط سوف يحفز الدول المستوردة على طلبه بكميات أكبر لتخزينه ، خاصة بعد أن ينتهي شبح وباء (كورونا) هذا يعني زيادة الطلب الكلي، مما سيساهم في رفع اسعار النفط وإعادة الوضع على ما هو عليه مرة أخرى . لذا فإن هذا الانخفاض سوف لن يتجاوز السنة الحالية ليرجع مرة اخرى للارتفاع بشكل تدريجي .
#علي_عبد_الرحيم_العبودي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟