|
الإعلام في زمن ( كورونا)
محمد بلمزيان
الحوار المتمدن-العدد: 6513 - 2020 / 3 / 13 - 17:44
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
لست أدري الى أين ستمضي حال الشعوب وهي تواجه هذا الفيروس الخطير الذي شرع في حصد الأرواح واحدا تلوآخر، وبغض الطرف عن خلفيات أسباب ظهور هذا الفيروس القاتل ( كورونا)، فإن الوضعية الحالية والمؤشرات التي تحملها الأخبار لا تبشر بالخير ولا تحمل أي بصيص أمل على قدرة المرء على وقاية نفسه بكيفية دقيقة وعلمية، خاصة في ظل عجز المختبرات حتى الآن عن اكتشاف الدواء السليم لدرء هذا الخطر الداهم. في ظل هذه الوضعية المتأزمة وعلى جميع المستويات تطل علينا قصاصات الأخبار عن نجاح الصين في القضاء النهائي على هذا الوباء والتلويح بأخبار عن احتفالات بهذا النصر العظيم، فهي أخبار متداولة وعلى نطاق واسع في وسائل الميديا والتواصل الإجتماعي المختلفة، تبقى التاكد من صحتها من زيفها مرهون من ما ستحمله الأيام المقبلة. لكن في اعتقادي يبقى سلام الإعلام في هذه الحرب المفتوحة غير منزه في فتح جبهات كثيرة ونقل أخبار بشكل مروع عن عدد الإصابات والوفيات في ظل غياب الحل، فكيف نتوقع تأثير هذا الأخبار على نفسية الناس في مختلف بقاع العالم، وهم يعرفون بأن الوباء بنتقل بسرعة فائقة وينشر شروره بكل سهولة في غياب أي شكل من أشكال العلاج وغياب دواء ناجع للإستشفاء، باستثناء حملات التحسيس واشكال الوقاية التي تبقى محدودة التأثير ولا يمكن أن تف بغرضها لدى جميع الفئات المستهدفة، نظرا لعوامل كثيرة منها قدرة الخطاب المستعمل على بلوغ الشرائح الأكثر استهدافا بفعل هذا الوباء وقدرتهم على التقاط تلك النصائح بنفس السرعة والوتيرة التي ينتشر فيها، فيصبح بالتالي هذا الجو المشحون بهيستيريا جماعية له مفعول مضاعف في ظل ارتفاع منسوب نشرات اعلامية مزدحمة بأخبار الوباء من ارتفاع الإصابات والوفيات وكثرة المرشحين المحتملين كلما تقدم الزمن، خاصة حينما نشاهد عجز الدول المتقدمة وهي عاجزة عن تطويق الوضعية وفاقدرة للقدرة على انقاذ مواطنيها من براثن هذا الوباء المفاجيء القاتل الذي ظهر فجأة معلنا الحرب على الجميع وبلا هوادة، بدون أن يستثني أحدا من دماره، صغيرا أو كبير غنيا أو فقيرا، اذن فكيف نتصور الوضعية وفي هذا الجو المرعب للدول الضعيفة والتي لا تتوفر على التجهيزات الكافية للكشف ومعرفة الوضعيات على حقيقتها والوسائل اللوجيستيكية للعمل في مثل هذه الظروف الإستثنائية والتي تشبه حربا حقيقية وإعلانا للطواريء الشاملة؟ فبعض وسائل الإعلام في هذا الإطار تتحمل قسطا وافرا من الأجواء المرعبة، في ظل غياب حلول في المتناول لدى عامة الناس،واصبح كل شخص يخاف على نفسه، ويخشى مخالطة الناس دراء لأي وباء محتمل، يعيش ونفسيته منقبضة وهو يستنشق هواءا لا يعلم هل هو ملوث أم سليم، تراه يمشي في الشارع وهو مكسور القوى يلتفت يمنة ويسرة في حالة شرود واضح، اختلطت عليه الأيام وتبعثر برنامجه اليومي، في كل مرة يزداد منسوب الخوف وهو يلتقط همسات الناس حول إصابات جديدة هنا وهناك، تزيد من حجم انقباضه الداخلي ودرجة هلعه من الغد الآتي، الكل يحاول أن يتدبر أمره بالطريقة التي يراها ملائمة، عبر استعمال بعض وسائل الحماية وهي تفادي أماكن التجمعات البشرية والتنظيف، وهي وسائل في اعتقادي غير قادرة بنسبة مائوية مهمة في تفادي الخطر الداهم، خاصة إذا علمنا أن التداوي والعلاج الحقيقيين إذا لم يقترنا بظروف نفسية مواتية لا يمكن يأتي بنتائج إيجابية وهذا ما أثبتته الدراسات في علم النفس حول قابلية النفس البشرية على الشفاء حينما تبلغ مرحلة من الإرتياح والإقتناع الداخلي بالعلاج بغض الطرف عن محدودية الوسيلة المستعملة، في حين أن التهويل الإعلامي والمتابعة الحثيثة للتطورات لانتشار هذا الوباء ينعكس سلبا على نفسية البشر، وأصبحت العديد من القنوات الإعلامية تعتمد اسلوب ( السبق الإعلامي) لنشر الخبر وتقديم تقارير إخبارية ولقاءات صحفية تزيد من حجم هذا الهلع والكثير من القصاصات الخبرية تضع النقط في وسط السطر، وتبقي على المشكل قاب قوسين أو أدنى من المجهول، والباب مفتوحا على مصراعيه، وحتى بعض المدعوين لتنشيط هذه اللقاءات الصحفية، لا يستوعبون دقة المرحلة ووقعها على المشاهد والمتتبع، وما تخلف هذه المعلومات من دمار شامل لحاجز المناعة الذاتية على مواجهة هذا الخطر، في الوقت الذي كان على هذه الوسائل الإعلامية أن تتفطن الى هذه النقطة الحساسة، وهخي التفريق بين نقل خبر قتلى في حرب عسكرية في منطقة ما من العالم وبين سقوط قتلى جراء مرض وبائي ينتشر عبر القارات ويهدد كل البشر في كل لحظة وحين، وبالتالي فإن طريقة التعاطي لأغلب وسائل الإعلا م لهذا الحدث الأليم لم يكن مهنيا بالمعنى الدقيق للكلمة، بقدرما أنه يساهم في تأجيج الأوضاع والرفع من منسوب الخوف الشديد كل ذلك نشدانا لنسبة المشاهدة والرفع من المتابعين، لكن على حساب سقوط ضحايا جدد وانكسار نفسية العديد من المشاهدين وهم يتشبعون بهذه الطاقات السلبية المتراكمة في غياب أية بارقة أمل لاكتشاف أدوية ناجعة لمعالجة هذه الوضعية الوبائية .
#محمد_بلمزيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاضر في صيغة معدلة للماضي !
-
20 فبراير في الميزان
-
(الظاهرة) بين التعايش والتجاوز
-
صفحات من ذاكرة احتجاجية
-
كوابيس الأحلام
-
الحراك الجماهيري وأسئلة الحاضر.
-
ليس كل ما يقال صحيحا .
-
معارك بقفازات ناعمة!!
-
سفر في الأحلام
-
هل تقرع طبول حرب أهلية جديدة ؟!
-
عبور على متن قارب
-
أزمة نموذج أم أزمة إرادة ؟!
-
حلم مؤجل
-
مشهد حزين على إيقاع أنين
-
حينما يتحول النفاق الى بضاعة مقبولة !
-
حلم قبل الشروق
-
الكتاب المدرسي بين اليوم والأمس !
-
بيع الأوهام في كل مكان
-
ظواهر فيسبوكية
-
انكسارات زمن التردي
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|