|
خريف هيئة الأمم المتحدة
بريهان قمق
الحوار المتمدن-العدد: 1574 - 2006 / 6 / 7 - 10:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخريف المقبل لن تكون أيامه عادية في أروقة الأمم المتحدة التي ستواجه استحقاقا مع انتهاء ولاية أمينها العام كوفي أنان الذي أعلن عن عدم سعيه لولاية ثالثة رسميا . وبات العثورعلى رئيس جديد للأمم المتحدة أمرا ملحا على أمل أن يتمكن من إجراء اصلاحات جوهرية بعد اتساع رقعة الحديث عن الفساد وسوء الادارة، إضافة لمحاولات الولايات المتحدة الهيمنة على كل أروقتها بالكامل مقابل عين الصين عليها لاعتبارات استراتيجية .. من المتوقع أيضا أن تزيد مسألة اختيار الأمين الجديد من حدة الصراع على النفوذ بين مجلس الأمن والجمعية العامة، بمعنى سترتفع درجات الحرارة المعلنة وغير المعلنة في الدهاليز والأروقة السياسية والدبلوماسية ،وبالتالي تصير للشخصية المرشحة أهمية كبيرة . ثمة رغبة واضحة بأن تشغل القارة الآسيوية هذا المنصب وتسترعي هذه المسألة اهتماماً وجدلاً عالمياً واسعاً، فقد لوحظ ذلك من خلال تصريحات كوفي انان أثناء زيارته الأخيرة للقارة الآسيوية ، ومن خلال تصريحات المسؤولين الآسيويين أنفسهم في عدد من دول شرق وجنوب آسيا ، بالإضافة للتصريحات المختلفة والمحمولة بالإشارات الدبلوماسية لعدد من المسؤولين الغربيين والامريكيين تحديدا .. وفي سياق التكهنات يبرز الحديث حول الدور الحيوي الذي ستلعبه الصين في جهودها للدفع باختيار مرشح آسيوي ليشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة ، وبخاصة في ظل سعيها إلى اكتساب نفوذ بعد تزايد قوتها على الساحة الدولية المستمدة أساساً من نموها الاقتصادي الضخم ، والذي سيكشف مدى قدرتها ومرونتها على صياغة السياسة الدولية والتأثير عليها خلال العقود المقبلة. إلى حد الآن تم الإعلان عن ثلاث شخصيات آسيوية لشغل المنصب متمثلة في وزير خارجية كوريا الجنوبية "بان كي مون" ، ونائب رئيس الوزراء التايلاندي "سوراكيارت ساثيراثاي" ، ثم وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح خلال الفترة من 1998 إلى 2003 السريلانكي النشط في بناء السلام "جايانتا دانابالا". وان كانت هنالك أسماء أخرى تم الإشارة اليها مثل وزير خارجية تيمور الشرقية خوسيه راموس اورتا الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي لم يخفي اهتمامه بالمنصب، إضافة إلى مندوب الأردن الدائم لدى الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد .. .. من الواضح أن الأمور حسمت حتى الآن في الثلاثة الاوائل حسب ما تشير اليه التقارير :- المرشح الأول "بان كي مون" من كوريا الجنوبية ، واجهته العراقيل منذ إعلان ترشحه للمنصب في أواسط شهر فبراير الماضي، حيث سارعت الصحيفة اليابانية واسعة الانتشار "يوميوري شيمبيون " إلى استبعاد موافقة اليابان على هذا المرشح رداً على المعارضة الشديدة التي أبدتها سيئول إزاء حصول طوكيو على مقعد دائم في مجلس الأمن .علما أن هذا المرشح المولود في يونيو/ حزيران 1944 هو دبلوماسي مخضرم ذكي ويحظى بتقدير كبير خصوصاً لأدائه المرن في الأزمة النووية الكورية الشمالية وفي خضم التوترات مع اليابان والولايات المتحدة. وقد خصص خلال السنوات الـ 36 التي أمضاها في عمله السياسي والدبلوماسي عشرة منها لملفات ساخنة ذات علاقة مباشرة بالأمم المتحدة. وقد تولى منصب السكرتير الأول للبعثة الكورية الجنوبية في الأمم المتحدة بين 1978 و1980 قبل أن يتولى إدارة مكتب العلاقات مع المنظمة الدولية في وزارة الخارجية الكورية الجنوبية بين 1980 و 1983 ، وتولى ابتداء من العام 2001 ولمدة سنتين منصب سفير بلاده لدى الأمم المتحدة قبل أن يصبح سكرتيرا للرئيس السابق للجمعية العمومية للأمم المتحدة..وبالرغم من الموقف الياباني المتشدد فإنه يتأمل بالمنصب قائلا : إن انتخابي أميناً عاماً للأمم المتحدة سوف يساهم في إيجاد حل سريع وسلمي للأزمة النووية الكورية الشمالية.. وهي إشارة واضحة للأمريكيين وحلفائهم بأهمية دعمه واختياره للمنصب والذي يعني تعزيز التحالف القديم بين بلاده كوريا الجنوبية والولايات المتحدة التي ما تزال تنشرما يقارب الاربعين الف عسكري في بلده وإعادة تحريك الملف النووي لكوريا الشمالية وإيجاد حل له. ... أما المرشح التايلاندي "سوراكيارت" على ما يبدو أنه في موقع أفضل من زميله الكوري الجنوبي باعتباره المرشح الرسمي لمجموعة دول جنوب شرق آسيا العشر، دول رابطة "الآسيان"، وهي : تايلاند، إندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، بروناي، الفلبين، فيتنام، لاوس، وميانمار، وكمبوديا .. كما يحظى سوراكيارت بدعم 128 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة فرنسا ،غير أن حملته تعرضت لانتكاسة بسبب الاضطرابات السياسية الأخيرة التي عرفتها بانكوك، فضلاً عن الهزيمة التي منيت بها تايلاند مطلع الشهر الجاري في انتخابات أعضاء المجلس الجديد لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وشر البليّة ما يضحك في موقف الرئيس الأميركي جورج بوش ، المتحفظ حول جدارة سوراكيارت لتبوأ هذا المنصب ، وذلك لأنه لا يراه ذا كفاءات مناسبة للتعاطي مع ملفات في مجالات حقوق الانسان والديمقراطية وصلاحية القيادة بالمنظور والمزاج الأمريكي . وبالتالي هذا يجعل من ترشيح المسؤول التايلندي مجازفة يكاد يكون حظها بالنجاح معدوماً ، بانعدام بركات البيت الأبيض.. ! ... وهكذا يبقى الوكيل السابق للأمم المتحدة مفاوض السلام "جايانتا دانابالا" وهو مرشح حكومة سريلانكا الذي يشغل منصب مستشار رئيسة الوزراء ماهيندا راجاباكسى الأوفر حظاً بين جميع المرشحين بخبرته الطويلة في الأمن والسلام وله سجل متميز كدبلوماسي محلي ودولي كأحد العاملين النشطين في ميدان بناء السلام وكخبير في نزع السلاح. وقد شغل منصب وكيل الأمين العام لإعادة تأسيس إدارة نزع السلاح خلال الفترة من1998 وحتي2003 ، فضلاً عن مؤهلاته الأخرى الدبلوماسية التي تزيد من تعزيز موقفه. فبعد استكمال تعليمه في الولايات المتحدة شغل منصب سفير سريلانكا لدى واشنطن بين 1995 و1997، ويجيد كلاً من اللغتين الفرنسية والصينية بطلاقة الى جانب الانجليزية والتي تؤهله أن يلعب دورا حيويا مباشرا وفاعلا بين عدة أقطاب سياسية دولية ، بالإضافة لأجندته الخاصة ورؤيته التي بدت واضحة عند لقاءه مع وسائل الإعلام عندما أعلن بثقة شديدة عن نيته إصلاح الأمم المتحدة. ورغم أن العديد من المراقبين يرحبون بترشيح " جايانتا دانابالا " باعتباره شخصاً من خارج بيروقراطية الأمم المتحدة، إنما تجربة أولية في أروقة هيئة الأمم المتحدة ستكون حاسمة في إنجاح مشروع إدخال الإصلاحات الضرورية على هياكلها التي بات بحكم المؤكد أن هيئة الأمم المتحدة باتت تحتاج إلى دماء جديدة . إضافة إلى أن هنالك ثمة أمل يتعلق بهذه الشخصية التي تحمل آراء خاصة فيما يتعلق بالتسلح العالمي ومقارنة التكاليف بتزايد حدّة الفقر.. ويتوقع الخبراء في الأمم المتحدة أن المنافسة الحقيقية بين المرشحين الثلاثة لن تبدأ على الأرجح، إلا مع بداية الخريف القادم قبل انعقاد الجمعية العامة في شهر سبتمبرالمقبل، ومغادرة أمينها العام الحالي . أما بروتوكول التعيين المعروف وحسب ميثاق الأمم المتحدة فان الجمعية العامة ستقوم بتعيين الأمين العام بناء على تزكية من مجلس الأمن ، و لكن في الممارسة لا يسمي مجلس الأمن سوى مرشحاً واحداً يتم رفعه إلى الجمعية العامة للتصديق عليه. وفي الوقت نفسه ستحتفظ الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بحق النقض حيال المرشحين. ... وعودة للصين التي تنشط وتتزعم حملة ترشيح شخصية آسيوية للمنصب الدولي ، والتي أعلنت مرارا على لسان كبار مسؤوليها بأن الآسيويين لم يحصلوا على هذا المنصب الهام منذ 34 عاما على الرغم من أن القارة الآسيوية هي أكثر قارات العالم سكانا ، في إشارة إلى يو ثانت من ميانمار – بورما سابقا- الذي شغل المنصب من 1961 إلى 1971 الذي لم يأتي بعده أي آسيوي آخر للمنصب .. إلاّ أنَ تحركات الصين الدبلوماسية تواجه عراقيل جمّة من عدة اتجاهات ، فهي مطالبة بخلق إجماع بين الدول الآسيوية حول مرشح واحد ، وهذا ليس بالأمر السهل بالنظر إلى التعقيدات السياسية التي تنطوي عليها القارة الشاسعة ذات التعداد السكاني الهائل . ومن جانب آخر ثمة هاجس صيني يتمثل في تخطي تصريح السفير الأميركي في الأمم المتحدة جون بولتون الذي قلل من أهمية مبدأ المداورة الجغرافية، مشددا على اعتماد الكفاءة معيارا وحيدا لاختيار الأمين العام . وبالتالي مثل هذه الإشارات سيحتاج الى جهود هائلة من قبل الصين لإقناع الولايات المتحدة بالموافقة على دعم مرشح آسيوي ، وهو ما يعتمد على مدى تعاون الطرفين بشأن بعض القضايا العالمية. ورغم التوتر الذي مازال يشوب العلاقات الصينية- الأميركية، فإن هذه العلاقات – كما يشير المراقبون- تشهد في الوقت الحاضر مرحلة من الاستقرار. وأستبعد المخاوف حول أي تدهور مفاجيء بين البلدين كما يُشاع اليوم بسبب الخلاف حول الملف النووي الإيراني ، والذي برأي هو اختلاف في الآراء وليس خلافا استراتيجيا ، ولن تكون له انعكاسات سلبية للتوصل إلى أرضية مشتركة حول المرشح الأنسب لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. ولكن تبقى الصعوبة قائمة في معالجة مخاوف باقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لاسيما في ظل توجهاتهم ودعوتهم الى توخي المزيد من الشفافية وإشراك الدول الأخرى في عملية اختيار خليفة الأمين الحالي وأن لا تكون نتيجة لمفاوضات سرية وغامضة داخل الغرف المغلقة.كما هو حاصل اليوم ومنذ في الاجتماعات المتتالية المثيرة للريبة وجميعها سرية منذ فبراير/ شباط في العام الجاري .. .. كوفي عنان الذي لن يترشح ثالثة لمنصبه سوف ينعم إذن بمتابعة شيقة لمونديال كأس العالم وأجزم أن مشاعر الوطنية الحماسية سوف تنتابه وربما يصرخ ويشتم وينفعل - ككل مشجعي العالم لفرقهم الوطنية على امتداد كرتنا الأرضية - أثناء حماسه وتشجيعه لفريق وطنه غانا الذي تأهل لأول مرة بعد سنوات من الشدة ، وقد بات متيقنا أي انان أن كرة القدم عمليا أكثر عالمية وحضور واهتمام وتأثير من هيئة الأمم المتحدة . حيث الجميع يعرفون موقعهم في كأس العالم ، ويعرفون من سجّل الهدف وكيف سجله وفي أي دقيقة ومن أهدر الفرص، وذلك عكس ما يحدث في الأمم المتحدة. أترى هل ثمة أمل في يوم من الأيام بخضوع الحكومات للمساءلة عن أعمالها أسوة بما يحدث لمدراء ومدربي فرق كرة القدم بعد نتائج المباريات المخيبة للآمال ..؟؟ هذا ما يتساءله أيضا كوفي انان بقوله : إن سكان الكرة الأرضية يحلو لهم الحديث عن تفاصيل كأس العالم، وهذا لا يحدث في ما يخص الدول وانجازاتها و اخفاقاتها على صعيد التنمية البشرية، أو في مجال الحد من الانبعاثات الكربونية او خفض حالات الاصابة بالايدز...!! اذن سنتابع المونديال وننسى كل ما يتأجج من حولنا وسنترقب بعده خريف هيئة الأمم المتحدة الذي سيكون غيرعادي برغبات الصين التي بات من المؤكد انه سيحسب لها ثمة حساب.. ... ** بريهان قمق/كاتبة واعلامية أردنية http://www.postpoems.com/members/parehan/
#بريهان_قمق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوحٌ عند شبّاك القلب
-
فقر إنسانيّ
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|