|
من قتل كامل الشناوي ؟
كريم ناشور
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 21:07
المحور:
الادب والفن
لابد لنا قبل الاجابة عن السؤال ان نعود الى أصل الحكاية . حيث يتداول الناس والصحف والمجلات الفنية حكاية شائعة تتعلق بأغنية (لاتكذبي) التي كتبها كامل الشناوي وغنتها نجاة الصغيرة ومؤداها ان الاغنية ترتبط بواقعة حقيقية عاشها الشاعر الذي كان يذوب ولها وحبا بنجاة والتي كان قد تعهدها منذ صباها بالرعاية والاهتمام واختزل امامها طرق الشهرة والنجاح غير انها لم تكن تبالي بذلك ولم تقدم له سوى الجفاء والصدود وذلك ما ترك اثرا بالغا في صحة الشاعر اوصله الى الموت شهيدا للحب . ولطالما جرى الاستشهاد بعبارات للشاعر تفصح عن ذلك وهي عبارات يجرى ايرادها مجرى التواتر مثل : (إنها امرأة غامضة، لا أعرف هل تحبني أم تكرهني، هل تريد أن تقتلني أم تحييني؟) (إنها تحتل قلبي.. تتصرف فيه كما لو كان بيتها تكنسه وتمسحه وتعيد ترتيب الأثاث وتقابل فيه كل الناس.. شخص واحد تتهرب منه. صاحب البيت ) (ليتك تعلمين أنك لا تهزيني بحماقاتك، فلم يعد يربطني بك إلا ماضٍ لا تستطيع قوة أن تعيده إلينا أو تعيدنا إليه، كنت أتعذب في حبك بكبرياء.. وقد ذهب الحب، وبقي كبريائي، كنتِ قاسية في فتنتك ونضارتك وجاذبيتك، فأصبحتِ قاسية فقط !) وهكذا تضخمت قصة هذه الاغنية وتغلغلت في عروق الذاكرة الشعبية حتى غدت اذاعتها مناسبة قومية لانزال اللعنات والشتائم على رأس المطربة نجاة الصغيرة ووصمها ب الغادرة والخائنة بل والقاتلة ايضا . ولكن هل مات كامل الشناوي مقتولا ؟ وكيف تم تسجيل واقعة قتله ؟ (الرواية الاولى ) بعد مضي سنوات على وفاة كامل الشناوي نشر صديقه الصحافي مصطفى امين في مجلة اخر ساعة تقريرا صحافيا مع رسم تخطيطي مرافق يتضمن صورة الشاعر وصورة امرأة غير مكتملة الملامح قريبة الشبه بصورة الفنانة نجاة الصغيرة وبعض مما جاء فيه . (عشت معه الحب الذي أضناه وقتله في آخر الأمر، فقد أعطى لهذه المرأة كل شيء ولم تعطه شيئاً، وقد كتب قصيدة (لا تكذبي) في غرفة مكتبي بشقتي في الزمالك وهي قصيدة حقيقية ليس فيها مبالغة أو خيال وكان كامل الشناوي ينظمها وهو يبكي، وبعد أن نظمها قال إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون كان تليفوني بسماعتين، أمسك هو سماعة وأمسكت أنا وأحمد رجب ! سماعة في غرفة أخرى، وتصورنا أن المطربة ما تكاد تسمع القصيدة حتى تشهق وتبكي وتنتحب ويغمى عليها، وتستغفر وتعلن توبتها.. وبدأ كامل يلقي القصيدة بصوت منتحب خافت، تتخلله العبرات والتنهدات والآهات وكانت المطربة صامتة، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة قالت المطربة: كويسة قوي تنفع أغنيها.. لازم أغنيها، وانتهت المحادثة ورأينا كامل الشناوي أمامنا كأنه جثة بلا حراك). ووفق ما يروي امين ان سبب كتابة القصيدة هو :( في عيد ميلادها عام 1962، كانت أسوأ لحظة مرت على الشاعر الرقيق، اشترى لها هدايا الحفل، وجلس مع رفاقه في شقتها بالزمالك، وعند إطفاء الشموع اختارت «يوسف إدريس» ليقطع التورتة ممسكاً بيدها، فانسحب الشناوي حزيناً ) وذهب بعد ذلك الى بيت صديقه ليكتب القصيدة ! كانت رواية مصطفى امين للواقعة هي الاكثر شيوعا في الذاكرة الشعبية واقدمها تاريخا ويستشهد البعض بالموسيقار محمد عبد الوهاب ملحن الاغنية على ذلك حيث كان يسمي الاغنية تفكها (اني ضبطتكما معا) ، وقد استدعى نشر هذه القصة في الصحافة قيام المطربة نجاة الصغيرة بتقديم شكوى ضد الكاتب ولكن الامر لم يغير من قناعات الكاتب شيئا وبقي حتى اخر حياته يحمل مشاعر الكراهية لنجاة كما عبر لها مرة ( أنه كرهها طوال حياته منذ قصيدة "لا تكذبي إني رأيتكما معًا"وأن أصدقاء كامل يعتقدون أنك قتلتيه). لقد لحقت بهذه الرواية فيما بعد تنويعات من الخيال الشعبي لا تمس جوهر الرواية وان كانت تختلف معها في بعض التفاصيل الصغيرة ومنها على سبيل المثال : 1. ان نجاة بعد ان قطعت قطعة الحلوى كانت قد انزوت مع يوسف ادريس في غرفة جانبية وقد شاهد الشاعر يديها بين يدي ادريس وهما يتهامسان . ( لاتكذبي اني رأيتكما معا) 2. أصحاب كامل الشناوى واجهوه بالحقيقة إنها لاتحبه لكنه لم يكن ليصدق ذلك حتى جمعته الصدفة اذ كان يوما وأثناء وقوفه على الكورنيش ونجاة خارجة من سيارة يوسف إدريس فكانت الصدمة الكبرى. ( لاتكذبي اني رأيتكما معا) 3. ان كامل الشناوي واثناء مروره على الطريق الصحرواي شاهد سيارة يوسف ادريس متوقفة وبجانبه نجاة وهما يقبلان بعضهما . ( لاتكذبي اني رأيتكما معا) كانت هذه الرواية هي الاكثر رواجا وكانت سببا في ان تًصب اللعنات على المطربة كلما مر ذكر اغنية (لاتكذبي ) . (الرواية الثانية ) ويرويها الصحافي (رمزي صوفيا) في صحيفة (الاسبوع الصحفي) المغربية العدد الصادر بتاريخ 23 اذار 2015 نقلا عن الملحن محمد الموجي حيث يقول الموجي : ( كان الشناوي يقلقنا من فرط ولعه بنجاة الصغيرة ونحن نرى انه كان يرى كل حياته بعيون حبه لها وكنت مع مصطفى امين نقول له باستمرار : احترس فانت تعيش في عالم بعيد عن الواقع وسوف تصطدم بالواقع وتكون صدمتك قوية جدا وفعلا جاء اليوم الموعود عندما كان الشناوي يقود سيارته في طريق الهرم الخالي وهو يفكر بنجاة كعادته فلمح سيارة الكاتب الكبير يوسف السباعي! تسير ببطء وعندما اقتربت سيارته من سيارة السباعي ،لاحظ ان فتاة كانت بجانب السباعي وهي مستلقية برأسها على كتفه ، وفجأة توقفت السيارة وتابع الشناوي كيف بدأ السباعي يلتهم شفتي نجاة وهي ذائبة بين احضانه ولاترى من هذا العالم سوى عيونه الزرقاء الشرسة وعندما عاد الشناوي منهارا الى بيت مصطفى امين في الزمالك كنت جالسا عنده الحن قطعة جديدة وكان وجه الشناوي مصفرا وعيونه زائغة كانه سيموت بعد لحظات فقلنا له اجلس واحكي لنا ماحدث فقال : لقد رأيتهما معا لقد كانا غارقين في القبلات التي جرحت قلبي وحطمت كل حياتي فصمتنا انا ومصطفى امين وتركناه ليفرغ ما كان يروج في نفسه حتى يرتاح ثم فجأة امسك بالقلم والورقة من مكتب امين وبدأ يكتب ونحن صامتان ونتابع فكان ميلاد القصيدة العظيمة (لاتكذبي) وعند الانتهاء من كتابته امسك بالهاتف واتصل بالمطربة نجاة الصغيرة ... الخ . وبمجرد الانتهاء من المكالمة وقع ارضا وكان نبضه عاليا ووجهه شاحبا فاخذناه انا ومصطفى امين الى اقرب مستشفى .) وللتأكيد على ذلك يستشهد رمزي طوبيا بالموسيقار محمد عبد الوهاب لأثبات تلك الرواية حيث يقول : ( واذكر اني كنت ذات يوم مع صديقي سليم ابو الخير في بيت صديقنا الموسيقار محمد عبد الوهاب فسألته ماحقيقة قصة اغنية لاتكذبي التي كتب كلماتها كامل الشناوي ولحنتها انت وغنتها نجاة الصغيرة فقال : انت تعرفني يارمزي ، انا لا احب الكذب والافتراء على الناس ، وحقيقة هذه الاغنية انها قصة واقعية عاشها الصديق كامل الشناوي وقد كتبها بعد اكتشافه لعلاقة حب ملتهبة بين نجاة الصغيرة والكاتب الكبير يوسف السباعي!وقد كتبها وهو يذرف الدموع امام اصدقائه الذين كانوا يتابعون حكايته مع نجاة الصغيرة) (الرواية الثالثة ) ويرويها الصحافي محمد الماطري في صحيفة الشروق يوم 12ـ 9ـ 2019نقلا عن الصحافي المصري (احمد عثمان) حيث يقول : (ربطتني علاقة وثيقة بالأستاذ كامل الشناوي، ولا أبالغ عندما أقول إنه تبناني وأصبحت ابنه، الذي لم ينجبه، وكنت محروما من مشاعر الأبوة، بعد أن رحل والدي وأنا في سن مبكرة، فكان كامل بيه يصطحبني معه في كل مكان وكنت سعيدا بصحبته،كنت أعرف بحكم قربي منه أنه يحب نجاة، وعشت معه موقفًا لا أنساه، فقد اتصلت به مرة ونحن في سهرتنا اليومية في الهيلتون، وبعد المكالمة استأذن في الانصراف وأخذني معه وعرفت أن نجاة كلمته وأخبرته أن ابنها وليد مريض ويحتاج إلى دواء معين بسرعة ولم تجد صيدلية في هذا الوقت المتأخر، فطلبت منه أن يحضر لها الدواء، وأخذنا تاكسي وظللنا نبحث عنه في الصيدليات المفتوحة حتى وجدناه، وأمام بيت نجاة طلب مني أن أنتظره في التاكسي وصعد بنفسه ليوصل الدواء، وكنت أعرف أنها حبه ألافلاطوني، كانت هي ملهمته ولم تتعد العلاقة أكثر من ذلك ! وعرفت منه فيما بعد تفاصيل تلك الصدمة، التي جعلته يكتب «لا تكذبي»، فقد كان ضيفًا دائمًا على نجاة ويزورها كثيرًا، وكانت خادمتها تعرفه جيدًا ففتحت له وسمحت له بالدخول عندما صعد إليها فجأة دون موعد سابق فوجدها في مشهد عاطفي مع المخرج عز الدين ذوالفقار!، وكان جارها ويسكن معها في نفس العمارة . كان عز مشهورًا بأنه يعيش قصة حب مع كل بطلة لا يستطيع أن يبدأ فيلمه إلا إذا غرق فى حبها، وعز لم يكن يحب النجمة بل الشخصية التى تجسدها،وعاش عز مع نجاة نفس الحالة فى «الشموع السوداء»، فكان يتردد عليها كثيرًا ويعيش معها كل مشهد كأنه بطل الفيلم، وفى واحد من تلك المشاهد دخل كامل الشناوى إلى الكادر فجأة فرأى ما ظنه مشهدا غراميا ساخنا، فكتب بدموعه «لا تكذبى». ! ويضيف احمد عثمان : تم تسجيل الأغنية في إستوديو مصر واستمر التسجيل عشر ساعات متواصلة تحت قيادة المخرج الذي أصدر أوامره بعدم دخول أي شخص إلى الإستوديو وتم إعادة تسجيلها 28 مرة بسبب دقة ووسوسة الموسيقار محمد عبد الوهاب !) الان اكملنا سرد ابرز الروايات حول مقتل كامل الشناوي وربما من المفيد ان نذكر ايضا مايقال من إن القاص إحسان عبد القدوس نشر على حلقات في جريدة «الأهرام» رواية «وعاشت بين أصابعه»، استوحاها من قصة "الشناوي ونجاة"، فغضبت "نجاة"، فلجأ "عبد القدوس" إلى تخفيف إشاراته في الفصول الأخيرة من الرواية. ولكن قبل التسليم بصحة واحدة من هذه الروايات علينا ان نخضعها لشيء من التحقيق انسجاما مع العبارة الساخرة التي اطلقها الصحفي الاستقصائي سيمور هيرش (اذا أخبرتك والدتك انها تحبك ، فعليك التحقق من ذلك ) وسنلاحظ مايلي : 1. اختلفت شخصية الغريم المقابل لشخصية الشاعر القتيل! في الروايات الثلاث فمن (يوسف ادريس) الى (يوسف السباعي) الى (عز الدين ذو الفقار) . 2.اختلاف طبيعة الموقف المسبب لكتابة القصيدة (لاتكذبي) . 3.اختلاف اسماء الشهود على لحظة كتابة القصيدة . 4.اتفقت الروايات على ايراد اسم الموسيقار (محمد عبد الوهاب) في مجرياتها ! اذن هل يمكننا الان الاجابة عن سؤالنا من قتل كامل الشناوي؟ لابد لنا قبل الاجابة عن السؤال من ادراك ان قصة الحب التي ادمنت تكرارها الذاكرة الشعبية بين كامل الشناوي ونجاة الصغيرة كان لها ان تنسى حالها حال الالاف من قصص الحب والغرام التي عاشها الناس غير ان تطويب الشاعر كشهيد للعشق الخالد كان يستدعي على الدوام تذخير الخيال الشعبي بكل مايجعله جاهزا لأن يطلق الرصاص على كل من يقف على الطرف المقابل في القضية لأننا غالبا ما نتواطئ مع الاكاذيب الشنيعة اذا ما صيغت بأسلوب ادبي ساحر يتضمن واقعة موت معلن ،لان الموت وحده هو الذي يوقظ مشاعرنا . وهنا لابد من ايراد بعض الهوامش التاريخية التي تضئ بعض الجوانب المعتمة في الرواية : 1. عندما ولدت نجاة الصغيرة كان عمر كامل الشناوي (30) عاما ! 2. عندما كانت نجاة تغني اغاني ام كلثوم وهي طفلة بعمر (10) سنوات كان عمر كامل الشناوي (40) عاما ! 3.عندما تزوجت نجاة زواجها الاول عام 1955 وهي بعمر (17) سنه كان عمر كامل الشناوي (47) عام وقد تم طلاقها من زوجها عام 1960 . 4.توفي كامل الشناوي عام 1965 عن عمر (57) عام. ازاء هذه الهوامش لابد لنا من التساؤل عن الفترة التي احب فيها كامل الشناوي نجاة الصغيرة ؟ وللأنصاف علينا اعادة صياغة التساؤل على الوجه الاتي ــ لكي نعيد للخيال الشعبي شيئا من رشده ــ ماهي الفترة التي كان يجب على نجاة الصغيرة ان تبادل كامل الشناوي حبه وغرامه ؟ وهنا نطرح الافتراضات التالية : (الافتراض الاول) عندما كانت طفلة بعمر (10) سنوات وكان عمر الشاعر (40)عاما ؟ وهنا نجد بعض الاخبار التاريخية المتفرقة التي تشير الى ان الشناوي كان قد التقى نجاة اول مرة وهي بهذا العمر او اكبر قليلا فهل قدحت شرارة الحب في قلب الشاعر في هذا الوقت ؟ سنجد انفسنا وفق هذا الافتراض امام قصة حب نادرة الحدوث ربما ستحيلنا الى الخيال الادبي وسنتذكر رواية (لوليتا) للروائي الروسي فلاديمير نابوكوف حيث (همبرت همبرت) وهو رجل في منتصف الاربعينات قد احب دولوريس وهي فتاة بعمر (12) عاما وكان الرجل مريضا ب(شهوة المراهقين)، ربما تكون الرواية في اطارها الادبي قد لاقت اعجابا واستحسانا كبيرين لدى الكثير منا، ولكنها في الاطار الواقعي وحين تصبح الضحية كائنا ماثلا امامنا (بلحمه ودمه) فإنها مقززة وغير مقبولة، فالقصة في السياق القضائي هي جريمة متكاملة تندرج تحت عنوانٍ مخزٍ (محاولة الايقاع بقاصر) لن تتردد أسوأ الانظمة القضائية في العالم عن ايقاع اقصى العقوبات ضد مرتكبها . ولو كانت الفتاة قد بادلت الرجل حبه وشغفه لاصبحت بنظر الكثير منا فتاة منحرفة وفاقدة لبراءة الطفولة . ولكن هذا الافتراض لايصمد كثيرا امام حقيقة ان الشاعر كامل الشناوي وهو الشخصية الشهيرة لم يثبت عليه خلال سيرته التاريخية مايشير الى خروجه عن نطاق منظومة مجتمعه الاخلاقية وكان امينا لقواعد السلوك الاجتماعي الراقي ولتربيته العائلية ذات الهيمنة الدينية . اضافة الى ان مكانة الشاعر السياسية والثقافية لاتبيح له وهو في عمر الاربعين ان (يتمرمط) في حب طفلة صغيرة لايتجاوز عمرها العشر سنوات .
(الافتراض الثاني) عندما كانت متزوجة بعد توتر العلاقة مع والدها الذي يصر على إنهاك طفلته بالحفلات والليالي العديدة، حيث صارت مصدر دخل ينهل منه ولا يشبع متنقلا بها بين مسارح القاهرة والاسكندرية وهي تقلد اغاني ام كلثوم غير ملتفت الى ذبول الطفلة وما يعتريها من وهن ومصرا على الا تغني اغنيتها الخاصة حتى أن الشخصيات العامة بدأت في الاحتجاج على فعله معها، وتكتب الصحف عن استهلاك حنجرة الطفلة، وتجاهل والدها ذبولها حيث تقدم الموسيقار محمد عبد الوهاب بشكوى رسمية ضد والدها ادعى فيها أن القسر في تدريب صوتها على اداء اغاني ام كلثوم هو عرقلة للعملية الطبيعية لتنمية صوتها، وأنها ينبغي أن تترك وحدها لتتطور بشكل طبيعي دون تلك التدريبات . في ظل هيمنة الاب هذه تزوجت نجاة من كمال منسي صديق شقيقها في 31ـ 12ـ 1955 زواجا تقليديا لم تسبقه علاقة حب وكانت بعمر (17)عاما وقد انفصلت عن زوجها عام 1960 بعد ان انجبت منه ولدها الوحيد . وهذا الافتراض اكثر وهناً مما سبقه فالمجتمعات العربية ــ وفي الخمسينات من القرن الماضي ــ كانت على قدر كبير من التماسك الاجتماعي ومحدداته الاخلاقية التي لا تتهاون كثيرا في شجب أي علاقة غرامية يقيمها رجل مع امرأة متزوجة . وذلك مالاتقوى على الاتيان به شخصية سوية ومتماسكة كشخصية الشاعر كامل الشناوي وحتى لو تماهينا مع هذا الافتراض فان من العسير على نجاة الصغيرة ان تجاري الشاعر في حبه حيث ستلاحقها والى الابد صفة (الزوجة الخائنة). (الافتراض الثالث) لم يتبق لدينا سوى البرهة الزمنية المحصورة بين عام 1960 وهو تاريخ طلاق نجاة الصغيرة من زوجها الى عام 1962 وهو تاريخ كتابة قصيدة (لاتكذبي) وحادثة عيد الميلاد الوارد ذكرها في رواية مصطفي امين وهي فترة زمنية قصيرة جدا لا يمكن بأية حال اعتبارها كافية لان يقال انها الفترة التي عاش فيها الشناوي حب حياته حسب تعبير امين .
اشارت 1.لم نجد مصدرا واحدا يشير الى ان كامل الشناوي كان قد اخبر نجاة الصغيرة بحبه لها . 2.كان كامل الشناوي على الدوام يقول ان افضل وسيلة لقتل الحب هو الزواج . 3.كما مر سابقا لم يتعامل الوسط الاجتماعي مع قصص حب كامل الشناوي المتعددة والمتنوعة الا على انها قصص عابرة ومؤقتة . 4على الرغم مما يزخر به الوسط الفني من علاقات غرامية للفنانين فليس هناك اية اشارة لعلاقة حب اقامتها نجاة الصغيرة مع احد باستثناء ماورد من مزاعم عن قصة حب جمعت بين الشاعر محمود درويش ونجاة، في اوائل السبعينات من القرن المنصرم رواها الكاتب الصحفى الفلسطينى عبدالبارى عطوان، فى مذكراته «وطن من كلمات» ولم يتم تأكيد تلك المزاعم من مصدر اخر . 5.تشير اغلب الكتابات الى ان الفنانة نجاة الصغيرة ــ ومنذ انطلاقتها ــ كرست وقتها وجهدها للاجتهاد في تنمية فنها واشتغالها الغنائي وتربية ولدها الوحيد . حتى انها كانت نادرة الظهور في اللقاءات التلفزيونية والصحفية والسهرات الخاصة . (ملاحظة لابد منها) على العكس مما يشاع من ان كامل الشناوي قد تعهد نجاة الصغيرة بالرعاية والاهتمام كموهبة شابة وانه قد اسهم في انطلاقها وشهرتها فانه وبالرغم من كتابته لعشرات الاغاني التي غناها كبار المطربين لم تحظى نجاة الصغيرة الا باغنية واحدة فقط من بين اغنياتها التي قاربت ال(300) هي اغنية (لاتكذبي) . وربما جرى الخلط بينه وبين شقيقه (مأمون الشناوي) الذي قدم لها اكثر من (20) اغنية . (مغالطة تاريخية ) يشير مصطفى امين في روايته لقصة مقتل كامل الشناوي وكما مر علينا انفا العبارة التالية (في عيد ميلادها عام 1962، كانت أسوأ لحظة مرت على الشاعر الرقيق،) ... الخ . اي ان لحظة احتفال نجاة بعيد ميلادها عام 1962 كانت هي لحظة تفجير وكتابة قصيدة لاتكذبي ولكننا نقرأ كما هو مثبت في كل المدونات ان ميلاد نجاة الصغيرة كان في 11ــ اب ــ 1938 . اي ان الاحتفال بعيد ميلادها كان بتاريخ 11ــ اب ــ 1962 ولكن انتاج فلم (الشموع السوداء) وهو الفلم الذي غنت فيه نجاة اغنية لاتكذبي وتاريخ صدور نسخته الاولى كان في 13ــ مايس ــ 1962؟؟؟ بعض ماقيل في قصة وحكاية اغنية (لاتكذبي) . 1.يوسف ادريس : عندما ذكرت القصة امامه قهقه عاليا ولم يجب بشيء . 2.مصطفى امين : القصيدة كتبت في شقتي وانا استمع لكامل الشناوي وهو يتصل بنجاة . 3.تحية كاريوكا : أشارت إلى شرفة ضخمة فى بيتها الذى كان وقتها يطل على نهر النيل بالجيزة، وقالت «كامل» بيه كتب القصيدة فى هذه الشرفة . 4.كمال الملاخ : كنت ألتقى كامل بيه دائماً فى الصباح الباكر فأنا أذهب إلى فندق «سميراميس» فى الساعة السابعة صباحاً متجهاً إلى الكافتيريا فشاهدته فى اللحظة التى كان يهم فيها لمغادرة المكان والعودة لمنزله ، كان ينهى أمامي قصيدة « لا تكذبى» التى كان يكتبها طوال تلك الليلة . 5.الشاعر مأمون الشناوي (شقيق الشاعر) : إن كل ما أثير حول هذه القصيدة محض افتراء. 6.الناقد الفني طارق الشناوي(ابن شقيق الشاعر) : اتضح لى أن الخيال هو الحقيقة والحقيقة هى الخيال،وهناك استثناء أى أن الخيال نبحث له عن حقيقة وهذا هو حال قصيدة «لا تكذبى» . 7.كامل الشناوي : وقد اجاب عن سؤال في حوار اذاعي اجرته معه نجاة الصغيرة : نجاة : هل ترتبط قصائدك بقصص حب حقيقية ؟ كامل الشناوي : نعم ، ولكن هي قصص عشتها في الماضي وليس الان غير انني دونتها في مذكراتي . ( اشارة عابرة) قامت الشركة المنتجة لأغنية (لا تكذبي) وهي الشركة التي يمتلكها الموسيقار محمد عبد الوهاب بانتاج ثلاث اسطوانات من الاغنية ! الاولى بصوت نجاة الصغيرة والثانية بصوت عبد الحليم حافظ والثالثة بصوت محمد عبد الوهاب، وقد لاقت الاسطوانات الثلاث رواجا كبيرا ، والأسطوانة الرابعة طبعتها شركة "ضيافون" بصوت كامل الشناوي وهو يلقي قصيدته تصاحبه موسيقى تصويرية . اخيرا علينا العودة الى سؤالنا الافتتاحي وللإجابة عن هذا السؤال لابد لنا من اعادة قراءة الموضوع من البداية .
#كريم_ناشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصول متعددة
-
مرافئ
-
أغاني الرعاة ... 4
-
قل وداعاً ...
-
أخطاء شائعة
-
الحياة
-
صديق
-
في الانتظار
-
هراوة ملونة
-
غيم
-
سجال
-
لم يتبق من الوقت الا قليلا
-
هواجس
-
غبار
-
من ؟
-
قصيدتان
-
أوقاتنا الجميله
-
في جنازة الجمال
-
هل تسمعني يا أبي ...
-
يوما ما
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|