أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إقبال الغربي - سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية















المزيد.....

سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية


إقبال الغربي

الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 21:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية .


تتضارب الآراء و النظريات التي تحاول فهم السلوك السياسي الإنساني و يمكننا تجميع المواقف في تفسيرين اساسيين:
التفسير الأول يعتبر الفرد إنسانا عاقلا و متزنا يعتمد في اختياراته إلى التقييم الموضوعي و المنطقي اعتمادا على الأرقام و الإحصائيات و الخطابات العقلانية . فهو يقرا البرامج الانتخابية و يتابع و يتحرى ويقارن بين الأطروحات للوصول إلى القرار الصائب .
بينما يرى التفسير الثاني أن الإنسان كائن في منتهى التشعب و التعقيد يتعايش فيه العقلاني و اللاعقلاني . و غالبا ما يكون سلوكه السياسي محكوم بالالانفعالات و الأهواء . و من هذا المنطلق تتأكد اليوم الحاجة إلى إخضاع بعض المواقف و السلوكيات السياسية إلى التحليل السيكولوجي و منها الظاهرة الشعبوية.
هذه المقاربة هي حلقة الوصل الضائعة التي تربط البنية الفوقية بالأساس الاقتصادي، وتحاول فهم العوامل اللاواعية في السلوك البشري الذي هو ليس وليد الصراع الاقتصادي فقط كما عناه ماركس، وليس نتاج الصراع الجنسي كما عناه فرويد، بل هو حصيلة أبعاد وجودية شخصية الطابع، اجتماعية المنشأ، شمولية الإطار.
فالظاهرة الشعبوية التي ابتلينا بها ليست صنيعة الأوضاع المادية و الاقتصادية فحسب بل هي أيضا وليدة تشوهات عقلية و انحرافات سيكولوجية متفشية في أوطاننا.
من العوامل السيكولوجية المنتجة للظاهرة الشعبوية نذكر :

1) كراهية النخبة و عداءها :
كلنا يتذكر الشعار الشعبوي في تونس بعد الثورة "نكبتنا في نخبتنا" .فميزة الشعبوية هو إيمانها بمحورية دور الشعب في العملية السياسية و إقصاء كل النخب . و هنا نجد أنفسنا أمام مفارقة لغوية . فكلمة شعب يشوبها الكثير من اللبس و الغموض فهي تعني تارة الكيان المتجانس الموحد صاحب الإرادة الحقيقية و تارة أخرى جموع المهمشين و الرعاع و المنبوذين في الأحياء الشعبية .
عداء النخب سببه الظاهر هو تسرب الرشوة والفساد داخل الطبقة السياسية و العلاقات المريبة التي أصبحت تجمع رجال السياسة بعالم المال و الأعمال الذي افقد السياسة نبلها و رسالتها و أيضا تواطؤ بعض المثقفين مع السلطة و خيانتهم . فالسردية السائدة عند جموع الشعبويين تؤكد أن سبب البؤس المادي و الروحي هو تلك النخب المختفية في «الغرف المظلمة المغلقة» و التي تتآمر عليه صباحا مساءا والتي تنهب ثرواته و تحرمه من عائدات البترول والغاز و الملح و من السعادة و من رغد العيش .
بيد أن السبب الكامن لهذا العداء الهاذي للنخب هو التعويض عن عجز الجموع عن الفعل و الانجاز و كذلك عدم قدرتها على فهم و تفهم عالم معولم معقد و مركب يحتاج إلى معارف و قدرات جدية في اختصاصات دقيقة مثل الاقتصاد الدولي و المالية و الجباية و غيرها بينما في المقابل تحتكر النخبة هذه المعرفة و تسيطر عليها .
عداء النخبة هو أيضا حيلة سيكولوجية لإسقاط كل العيوب و الرذائل على الآخر على كبش فداء متهم بكل الشرور و الآثام و مسؤول على كل المصائب . وهي آلية نفسية تمكننا من تزييف الواقع لحماية النفس من مشاعر الإثم و الهوان و من نقد الذات و احتقارها . فالجموع تتهجم على النخبة حتى لا تنظر إلى ذاتها و تتحمل مسؤولية الأوضاع و تبعاتها . فهذه الحشود الشعبوية متكونة من أفراد يعانون من هشاشة نفسية عاجزين عن الترميز - الترميز في التحليل النفسي هو مملكة الحضارة و القانون في مقابل مجال الطبيعة والانفعالات و الغرائز- و عن تحمل جدلية الواقع و تناقضاته . فهم من جهة يحتاجون إلى الثوابت و اليقينيات ويشعرون بالقلق من الاختلافات وتعدد الآراء والمذاهب التي تزعزع استقرارهم الهش و تهدد تماسكهم و أمنهم النفسي الضعيف.و من جهة أخرى هم عاجزون عن تجاوز الثنائيات المطمئنة التي تميز التفكير السطحي و الجمود الذهني و التي تفصل العالم إلى قسمين الحق و الباطل - الفضيلة و الرذيلة - الخير المطلق و الشر المطلق .

2) منطق الشعبوية "هنا و الآن":
تعتمد التيارات الشعبوية على الفكر السحري على الفانتازم المتحرر من ضرورات الواقع و قوانينه . فهي تدعي أنها قادرة على تلبية كل مطالب مريديها و انجاز و منح كل شيء "الآن و هنا" في تعالى صارخ على زمان و المكان . وهي بهذه الصفة "مضادة للسياسة" في تعريفها التقليدي أي فن الممكن و التفاوض و المحاولة . الشعبوية توظف آليات الحلم و التمني عند المسحوقين و المهمشين و تعتمد على منطق الغرائز الطفولية و البدائية عندما يكون كل شيء طوع بنان الإرادة في عالم سحري تقوده الرغبة و اللذة . وهو ما يفسر جاذبية و سحر الخطابات الشعبوية التبسيطية و التي تتلاعب باحباطات و أماني الجياع .

3) البذاءة و العنف اللفضي :
تتميز خطابات القيادات الشعبوية بالابتذال والسوقية و انعدام اللياقة و بالانحدار إلى مستويات غير مسبوقة . ولنا في معارك النواب و في تهجم البعض على رئيس الدولة في تونس خير مثال . و يجسد هذا العنف اللفضي سعيا ممنهجا لتخريب قواعد التماسك الاجتماعي و تهديم قواعد العيش المشترك . يؤكد لنا علم النفس أن العنف اللفضي هو تعويض الإنسان المقهور الذي يحول رغباته المقموعة إلى طاقة تدميرية . كما يعكس هذا العنف فقر و محدودية المدونة اللغوية عند الطبقات الشعبية المفتقدة إلى الرأسمال الرمزي و تعبر عن بساطة التفكير لديها .
و قد سبق لولهلم رايخ أن حلل نفسية الشعبوي في كتاب صغير، عام 1945، تحت عنوان "اسمع أيها الرجل الوضيع " هذا الرجل الذي يمثل وقود الحركات الشعبوية و الفاشية . انه الجلاد بالوكالة الذي يغدق على الأقوياء مزيدا من القوة و يحملهم للسلطة على ظهره و لا ينال الضعفاء منه سوى العنف و الكراهية . الرجل الوضيع قتل كل توق إلى الأفضل في داخله يخاف من القمة و من العمق فهو صغير و يحب أن يبقى صغيرا في أسفل السافلين . هذا الرجل الذي عجز عن إشباع حاجياته و رغباته الإنسانية العميقة من حب و تواصل صحي و اعتراف و اعتبار و إبداع يعوض جرحه النرجسي بالعنف اللفضي و بشتم الآخرين .

4) تعطل آليات الإدماج الجمهوري :
نعيش اليوم في زمن العولمة ولكنها عولمة السلعة و البضائع و ليست عولمة نشر و تعميم القيم الكونية و العيش المشترك من ديمقراطية وحرية ومساواة. إن ما تتم عولمته اليوم هو الأزمات الاجتماعية، والفقر والهشاشة والتجارة الموازية التي عمقت التمييز و الإقصاء ففصلت المدن الاستهلاكية عن الأرياف المهمشة و قسمت المدن نفسها إلى مراكز باذخة حتي الاستفزاز و أطراف جائعة و بائسة . في ضل هذه المناخات المتئزمة تتعطل ركائز الاندماج الجمهوري المتفق عليها من طرف علماء الاجتماع وهي المدرسة و الأحزاب السياسية و النقابات و المؤسسة الدينية . فالمدرسة أصبحت عاجزة عن القيام بدورها كمصعد اجتماعي و تفشي اليأس و البطالة قلصا من دور الأحزاب و النقابات و الصراعات المذهبية و الطائفية نخرت هيبة المؤسسات الدينية ...و تعجز الشعبوية عن تقديم بديل متماسك لهذه الأزمة الخانقة فتتسمر في البحث عن حلول لمشاكل وهمية مثل لمشكلة العنوسة أو التباكي على الأخلاق الحميدة .



#إقبال_الغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعبوية اليوم - العوامل و النتائج
- التقنيات النفسية لصناعة الارهاب مدرسة الرقاب أنموذجا
- أزمات التعليم في تونس و إدارة التوحش
- رمضان و حرية الضمير في تونس الثورة
- الارهاب يفجر المواخير في تونس ، من الضحية و من الجلاد
- لماذا تنتج الكليات العلمية في عالمنا العربي الإرهابيين? مقار ...
- مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس
- الشرعية -السحرية- أو اختطاف الديمقراطية.
- التحرش الجنسي ليس قضية جنسية بل هو مسالة سلطة و نفوذ
- الثورة التونسية بين الجهويات و العروشية
- الحقائق الخفية عن ثورة الحرية
- من يكترث لدم مسيحيي العراق و دموعهم في ارض الإسلام
- الاسلاموفوبيا :محنة و فرص
- التحرش الجنسي ضد المرأة :الإرهاب المخفي
- بشرى البشير و ردود الفعل السيكوباتية
- غزة ׃المأساة و اللعنة
- من روزا لكسمبورغ إلى نهلة حسين شالي مسلسل قتل النساء
- الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية
- الفضاء الافتراضي للمرأة المسلمة : دراسة مضمون بعض المواقع ال ...
- في ذكرى 11 سبتمبر , العقل و اللاعقل


المزيد.....




- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إقبال الغربي - سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية